الجزائر تترقب تغييرا لصالحها في إسبانيا.. هل تتحسن العلاقات برحيل سانشيز؟
يمثل تغير رئيس الحكومة في مدريد؛ بادرة أمل بالنسبة للشركات الجزائرية والإسبانية لإنهاء سنة من الحظر التجاري وتحسين العلاقات المشتركة.
وفي هذا الصدد، يجري التعويل على الانتخابات التشريعية في إسبانيا التي تبدو المعارضة أوفر حظا للفوز فيها، والتي كان من المفترض أن تجرى بعد نحو 6 أشهر ولكن جرى تقديمها.
وحققت المعارضة اليمينية الإسبانية مكاسب قوية محليا وإقليميا في انتخابات 28 مايو/أيار 2023 التي شكلت انتكاسة واضحة لرئيس الوزراء الاشتراكي بيدرو سانشيز.
وفي خطاب متلفز في 29 مايو، قال سانشيز إنه أبلغ الملك فيليبي السادس بقراره حل البرلمان و"الدعوة إلى انتخابات عامة" تُجرى في 23 يوليو/تموز غداة هزيمة واضحة مُني بها الاشتراكيون في استحقاق محلي ومناطقي.
ونال حزب الشعب المحافظ برئاسة ألبرتو نونيث فايخو الذي يمثّل المعارضة الرئيسة العدد الأكبر من الأصوات في الانتخابات المحلية التي عدت بمثابة اختبار يسبق الانتخابات العامة التي كانت مرتقبة نهاية العام.
ويذكر أن سانشيز الذي يتولى رئاسة الحكومة منذ 2018 يواجه عوائق عدة، إذ يقبل على هذه الانتخابات المزدوجة وشعبيته في تراجع بسبب عودة التضخم وتراجع القوة الشرائية، ولو أن ذلك يبقى أدنى بكثير في إسبانيا مما هو عليه في معظم دول الاتحاد الأوروبي.
بارقة أمل
في هذا السياق، قالت صحيفة الإندبندينتي الإسبانية إن الجزائر لعبت بورقة الانتقام الاقتصادي ضد إسبانيا قبل سنة، ردا على تغيير موقفها من النزاع حول الصحراء الغربية.
وخلال هذه الفترة، تقلصت التجارة بين البلدين إلى الحد الأدنى، باستثناء إمدادات الغاز الطبيعي الخاضعة لعقود طويلة الأجل.
والآن، يثق رجال الأعمال المتضررون على جانبي البحر الأبيض المتوسط في أن تغيير الحكومة في إسبانيا يمكّن من فكّ الحصار التجاري الذي نتج عنه خسائر تزيد عن أربعة ملايين يورو.
ونقلت الإندبندينتي عن رئيس الدائرة الجزائرية الإسبانية للتجارة والصناعة، جمال الدين بوعبد الله، أنه "لم يسبق أن تابعت الجزائر الانتخابات العامة في إسبانيا بهذا الشكل".
وأكد خلال هذا اللقاء أنه منذ أن خرق النظام الجزائري معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع إسبانيا في الثامن من يونيو/حزيران 2022 "لم يكن هناك تحرك أو تطور".
وجاءت الخطوة الجزائرية في أعقاب تصريحات لرئيس الوزراء الإسباني المنتهية ولايته بيدرو سانشيز أمام أعضاء البرلمان، جدد فيها دعم مبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها الرباط في إقليم الصحراء المتنازع عليه مع جبهة البوليساريو.
وردا على الموقف الإسباني، سارعت الجزائر، حليفة البوليساريو في المنطقة، وقتها إلى استدعاء سفيرها لدى مدريد "للتشاور"، كما أعلنت شركة المحروقات الوطنية سوناطراك، المملوكة للدولة، رفع أسعار الغاز الذي تصدره إلى إسبانيا.
وتقول صحيفة الإندبندينتي: "في الحقيقة، تلاشت قنوات التواصل بين الحكومتين الجزائرية والإسبانية وحُظرت المعاملات المصرفية من وإلى إسبانيا.
وأفادت بأن مجتمع الأعمال الإسباني يؤكد هذه الحقيقة. وبحسب رئيس اتحاد الشركات المتضررة من الأزمة مع الجزائر خوليو ليبريرو، فإن "هذه الشركات تعاني من حالة شلل تام، ولم يتغير الوضع على الإطلاق".
وتجدر الإشارة إلى أن الجمعية تصرّ، ضمن خططها، على تقديم دعوى ضد الدولة الإسبانية لتطالب بالتعويض عن الأضرار الناجمة عن التغيير في موقفها، لتتماشى مع مطالب المغرب بشأن المستعمرة الإسبانية السابقة.
وتعد التقارير القانونية التي قدمتها هذه الشركات، مطالب قابلة للتطبيق. في الإجمال، بلغت الخسائر الاقتصادية للشركات الزميلة 100 مليون يورو في السنة المالية 2022.
وفي الحقيقة، يعد الرقم الحقيقي أعلى إذا أخذنا في الحسبان الحجم الإجمالي للتجارة بين الشركات الإسبانية والجزائرية وبيانات التجارة الثنائية السابقة، وفق الصحيفة.
وتقول: "في المجموع، تقدر هذه الخسائر بحوالي أربعة ملايين يورو، حسب مصادر جزائرية". ويشيرون في الجزائر العاصمة إلى أن السياسة هي الدافع الوحيد الذي جعل أي علاقة مع الموردين الإسبان محظورة.
ونقلا عن بوعبدالله، فإن "السلطات الجزائرية أكدت دائما أنها أزمة سياسية ولا حل لها. تبقى فقط الثقة في الانتخابات العامة لعام 2023، والتي يمكن أن تمهد الطريق لفتح صفحة جديدة".
الجزائر تترقب
وأوضحت الصحيفة أن الجزائر ستشترط أن تبادر إسبانيا بإرسال إيماءات قبل أن تتخذ خطوة إذابة الجليد، وذلك بمجرد إجراء الانتخابات وتشكيل هيئة تنفيذية جديدة.
وبطريقة ما، تستوجب هذه الخطوة أن تؤكد إسبانيا على أن "حل النزاع الصحراوي يجب أن يجرى في إطار المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة"، بما يتماشى مع التصريحات الأخيرة التي أعلنت عنها البرتغال.
وبشكل عام، هذا ما عبرت عنه على الأقل مصادر مقربة من الجزائر العاصمة في تصريحات لهذه الصحيفة.
ونقلت أن حركة من هذا العيار تفرض تجاهل الرسالة التي أرسلها سانشيز، إلى ملك المغرب محمد السادس والتي، على عكس البلدان الأوروبية الأخرى، استخدمت صيغة التفضيل للاعتراف بخطة الحكم الذاتي التي قدمتها الرباط في عام 2007 بصفتها "الأكثر جدية وواقعية ومصداقية" لحل الصراع.
من جانب آخر، خلال الأسابيع المقبلة وتزامنا مع أولى الاتصالات مع مجلس النواب، لا يستبعد رجال الأعمال الإسبان نقل مطالبهم إلى بروكسل.
على أي حال، فهم يرفضون التخلي عن سوق شغلوا فيه مناصب قيادية، مثلما اقترحت وزيرة الصناعة والتجارة والسياحة الإسبانية، رييس ماروتو، في وقت سابق.
وبينت الصحيفة أن الخلاف الدبلوماسي والحظر المفروض على المنتجات الإسبانية كان في صالح دول أوروبية أخرى استفادت من هذا الوضع. وفي هذا السياق، كانت إيطاليا والبرتغال وفرنسا وألمانيا هي الأكثر انتفاعا.
وزار وزير الفلاحة والصيد البحري الإيطالي فرانسيسكو لولوبريجيدا, الجزائر العاصمة في 5 يونيو 2023 لتعزيز العلاقات التجارية، وفي نهاية مايو من نفس العام، تمكن قطاع السيارات الإيطالي من الوصول إلى معرض نظم في العاصمة الجزائرية والتمركز في هذه السوق.
بالمثل، عقدت اجتماعات على أعلى مستوى في بعض البلدان المستفيدة من الحظر التجاري على إسبانيا.
في يناير/كانون الثاني 2023، اختارت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، الجزائر في أول جولة لها في إفريقيا منذ توليها المنصب. وفي نهاية مايو، وصل الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، إلى لشبونة لتعزيز الروابط التجارية.
وأشارت الصحيفة إلى أن روما تمكنت من الحد من اعتمادها بشكل كبير على الغاز الروسي، وتراجعت هذه النسبة من 40 بالمئة في بداية الغزو الروسي لأوكرانيا إلى 10 بالمائة في أكتوبر/تشرين الأول.
وعموما، كان خط أنابيب الغاز الرابط بين الجزائر وإيطاليا عبر تونس هو الحل الذي جعل من الممكن التخفيف من التبعية للغاز الروسي.
ونقلت الصحيفة أن اتفاقيات شركة النفط الإيطالية إيني مع نظيرتها الجزائية سوناطراك وبدء إنتاج سيارات فيات في الجزائر منذ مارس/آذار 2023، كانت مثمرة بالفعل.
وتحديدا، تضاعفت الأرباح في هذه القطاعات من 8 ملايين دولار في عام 2021 إلى 16 مليون دولار في العام 2022.
في هذا السياق، جاء في تقرير للمركز الإيطالي للدراسات الدولية أن "إيطاليا والجزائر تطمحان، الآن أكثر من أي وقت مضى، إلى شراكة مربحة للجانبين".
في الحالة الإسبانية، كانت الجزائر المورد الرئيس للغاز الطبيعي في أبريل/نيسان 2023 متفوقة على الولايات المتحدة وروسيا، وفقا لبيانات صادرة عن مؤسسة الاحتياطيات الإستراتيجية للمنتجات البترولية.
وساهمت الشركات الإسبانية إلى حد ما في دخول دول أوروبية أخرى إلى السوق الجزائرية. وتحديدا، نقلت بعض الشركات إنتاجها إلى دول مجاورة مثل البرتغال وفرنسا من أجل التحايل على العقبات التي تفرضها الجزائر العاصمة.
في حالات أخرى، لجأت الشركات الإسبانية إلى استخدام نظيرتها الموجودة في دول أوروبية أخرى لنقل البضائع، مما يؤدي إلى زيادة التكاليف.
وفي هذا المعنى، كشفت المصادر الجزائرية أن "رجال الأعمال الجزائريين بدأوا في البحث عن موردين في بلدان أخرى، لكن توفر إسبانيا العلاقة المثلى من حيث التكلفة والجودة".
وأردفت: "نحن أقرب إلى إسبانيا من أي شريك أوروبي آخر وسيكون من الطبيعي أن يعود كل شيء إلى مساره"، وفق الصحيفة.