روح واحدة ونسيج مشترك.. دعوات لوأد الفتنة بين المغرب والجزائر

12

طباعة

مشاركة

في ظل توتر العلاقات بين المغرب والجزائر، أطلق دعاة وأكاديميون وباحثون وكتاب ومثقفون وناشطون دعوات لوأد الفتنة المشتعلة أخيرا على منصات التواصل الاجتماعي، مطالبين حكماء البلدين بالتحرك لتجنب الانزلاق في صراع لا يحمد عقباه.

وتعود جذور الخلافات بين البلدين إلى الصراع على إقليم الصحراء المتنازع عليها منذ 1975، بين المغرب وجبهة "البوليساريو"، والذي بدأ بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة.

وتحول الصراع إلى مواجهة مسلحة استمرت حتى 1991، وتوقفت بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار عد "الكركرات" منطقة منزوعة السلاح.

وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، فيما تطالب "البوليساريو" باستفتاء لتقرير مصير الإقليم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي لاجئين من الإقليم المتنازع عليه.

توتر متزايد

وحديثا، توترت العلاقات بين الطرفين عندما قطعت الجزائر علاقاتها مع المغرب منذ أغسطس/ آب 2021، بسبب ما قالت إنها "أعمال عدائية" من الرباط ضدها، وهو ما نفته الأخيرة.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إن قرار قطع العلاقات مع الجارة المغرب كان "بديلا لنشوب حرب بين الدولتين والوساطة غير ممكنة بيننا".

وأفاد تبون بأن قطع العلاقات مع المملكة المغربية صيف العام 2021 كان "نتيجة تراكمات منذ العام 1963"، فيما تنفي الرباط عادة اتهامات الجزائر بهذا الشأن.

واشتدت وطأة الجدال بين المغردين المغاربة والجزائريين، عقب بث التلفزيون الحكومي الجزائري تقريرا هاجم فيه الرباط.

وعلى الرغم من أن التقرير بث أواخر أبريل/نيسان 2023، فإن النقاش على تويتر بدأ مطلع يونيو/حزيران على إثر معلومات غير مؤكدة عن فصل الصحفي المغربي في قناة الجزيرة القطرية عبد الصمد ناصر على إثر تغريدة انتقد فيها نظام الجزائر.

التقرير الجزائري اتهم المغرب بأنها أصبحت مملكة للشر والفساد والرذيلة ودولة مخدرات لا تتوانى عن عرض أبنائها وبناتها في سوق السياحة الجنسية.

وهو ما أثار غضب المغاربة بما فيهم إعلاميون بارزون في قنوات إعلامية كبيرة، اتهموا الجزائر بالحقد على المغرب، والابتعاد عن المهنية الصحفية وأدبيات الإعلام.

وحذر تقرير أكاديمي يحمل اسم "أطلس" صادر عن "مدرسة الحرب الاقتصادية" في الرباط، من أن المغرب والجزائر يوجدان في مأزق جيوسياسي ودبلوماسي ذي عواقب وخيمة على اقتصادات البلدين واستقرار منطقة المغرب العربي

وذهب التقرير إلى أنه مع الأخذ في الحسبان العلاقات المتوترة والعوامل المهددة للاستقرار على كلا الجانبين، وكذلك التنافس بينهما على مركز القوة الإقليمية، فإن اندلاع حرب تقليدية هو اليوم أحد أكثر السيناريوهات كارثية.

وأوضح أن الصراع بين المغرب والجزائر حول الصحراء هو أحد الأسباب الرئيسة لـ"سباق التسلح"، رغم أن الجزائر تفسر ذلك بالأسباب المرتبطة بالصراعات في منطقة الساحل.

وبدورهم، دعا ناشطون عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #الجزائر_والمغرب_بيت_واحد، #الجزائر، #المغرب، وغيرها، شعوب البلدين إلى احترام أخوة التاريخ وشراكة الجغرافيا وتناسي الحقد وأخطاء الماضي.

واستنكروا تصاعد الصراع والفتنة التي تنتهك البلدين، وتصل حد الخوض في الأعراض واستباحة الدماء عبر قنوات الإعلام الرسمية، معربين عن غضبهم من تصاعد المناكفات واتخاذها هذا المنحى غير الأخلاقي والانتقال من الخلاف السياسي إلى العداء الأخلاقي.

وأد الفتنة

وتفاعلا مع الأحداث، أشار الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين علي القرة داغي، إلى أنه يتابع بألم شديد مواقف التأجيج ونشر الاحتقان الذي يتولى كبره البعض ممن يريد أن يعمق الخلاف بين الشعبين الكريمين العزيزين المغربي والجزائري.

وأهاب بالحكماء من الشعبين الراقيين أن يجنبوا الجزائر والمغرب أبواق الفتنة وعيدان النار، قائلا: "نحن ندرك ضرورة تغليب الأخوة والوفاق على التفرق والشقاق ونحذر من التماهي مع الأصوات الشاذة التي تتستر بالولاء لجهة وتستبطن العداء للشعبين.."

وأضاف داغي: "المغرب والجزائر روح واحدة ونسيج مشترك وأمل وألم واحد ولن يقدر أصحاب التلون سوق الأقدار والكرامات المشتركة بين الشعبين نحو الفتن "، محذرا من الفتن ونارها وأن اللعب بالنار لا يعني أن النار لعبة.. لا مجال لأي تصعيد وكلنا مع الحوار وترك الشجار وأهله".

ووجه الأكاديمي سام يوسف، نداء إلى الأشقاء الجزائريين والمغاربة، خاصة مثقفي البلدين في المغرب العربي عامة، قائلا فيه: "اتحدوا، ولا يصيبنكم ما أصاب المشرق العربي، توحدوا، تاريخكم واحد، ودينكم واحد ومصالحكم واحدة".

وأضاف: "أرجو من الله عز وجل أن تتناسوا الخلافات وتتوحدوا، لقد قاومتم الاستعمار الفرنسي سويا وانتصرتم عليه، وننظر إليكم بكل فخر، الوحدة والأخوة هى الأساس، وفقكم الله لما فيه خير الشعبين الشقيقين".

وأكد الأمين العام المساعد لرابطة علماء المغرب العربي أحمد حسن الشنقيطي، أن المغرب والجزائر أمة واحدة، وشعب واحد جمعه الإسلام، والتاريخ المشترك، والمصير الموحّد، وفرقته السياسة، داعيا الله بأن يوحد بينهما وحدة تغيظ كل حاقد حاسد وتسرّ أمة الجسد الواحد.

وحذر القارئ والكاتب مشعل ركابي الظفيري، الإخوة في الجزائر والمغرب من الفتنة، ودعاهم ألا يكونوا وقوداً لها.

استياء وغضب

وأعرب ناشطون عن استيائهم من الانجرار خلف الإساءات والوقوع في فخ الخوض في الأعراض.

ووصف أستاذ الشؤون الدولية بجامعة قطر محمد المختار الشنقيطي، ثقافة الكراهية المتنامية بين الأشقاء في المغرب والجزائر بأنها "أمر يُدْمي القلب ويبعث على الأسى".

واستنكر تحول منصات التواصل الاجتماعي منابر لانتهاك الأعراض الجماعية بين الشعبين الشقيقين، بتشجيع من نخب سياسية قصيرة النظر، تزرع السموم وتتركها تفتك بالجسد الاجتماعي. 

وتمنى الشنقيطي من حكماء البلدين -وهم كثر- السعي لوقف هذا الانحدار، ووضْع ضوابط أخلاقية للخلاف بين البلدين، تحفظ شيئا من المروءة وخط الرجعة بين هذين الشعبين العريقين، اللذين تجمع بينهما أرحام الدم والدين والتاريخ والجغرافيا.

واتفق معه في الرأي صاحب حساب جنرال الخليج، قائلا: "صدقت يا دكتور نتمنى من الشعبين الشقيقين في الجزائر والمغرب تجاوز ثقافة الكراهية والابتعاد عن السقوط في الأعراض".

وأكد أن ما يجمع بين المغرب والجزائر كشعوب مسلمة أكثر مما يفرقهما، داعيا المفكرين والمغردين أن يعملوا على إذابة الجليد وإزالة ما يعكر صفو العلاقات بين الشعبين.

واستنكر أستاذ العلوم السياسية الكويتي عبدالله الشايجي، التنابز والإساءات بين الأشقاء في الجزائر والمغرب ووصف الأمر بالمؤلم والصادم، حسب ما تعكسه هاشتاغات مسيئة بشكل معيب للطرفين وصل للطعن بالأعراض.

وأكد أن ما يحدث أمر معيب ومرفوض، ويعمّق الخلافات التي وصلت لقطع العلاقات الدبلوماسية وتصعيد متبادل يضعف الثقة والتضامن، مشيرا إلى أن المطلوب مبادرة من حكماء الطرفين والوسطاء التدخل.

وانتقد الباحث العربي مهنا الحبيل، "الطعن في أعراض شعب مسلم بمنصة رسمية"، ووصفه بأنه "منكر لا شك فيه" بفصل الشريعة ومنطق المروءة وميزان الإنسانية ذات المركز الأخلاقي.

وأضاف أن ما صدر من مؤسسة إعلامية رسمية ضد شعب المغرب إساءة عظيمة أول من يبرأ منها رجال الله في تاريخ الجزائر عبد الحميد بن باديس وشهداؤنا الأبرار في أرض الأحرار.

وتابع الحبيل: "نقول ذلك بعيداً عن أي ملفات صراع وحسابات بين الدولتين والله المستعان في هذه الفتنة التي نسأل الله طيّها وأن يمسح الغل من قلوب الأخوة أجمعين".

وقال الكاتب أسعد طه: "أنا لا أحكم على الخلاف المغربي الجزائري.. أحكم على تقرير يطعن في شرف الناس.. دعك من السياسة.. أحكم من منطق أخلاقي.. أرفض الطعن في شرف الناس سواء كان من قبل وسائل الإعلام الجزائرية أو المغربية".

تضامن ودعم

وكان من أبرز الرافضين للإساءة للمغرب، الإعلامي المغربي في قناة الجزيرة عبدالصمد ناصر، والذي اتهمت "نقابة الصحفين المغاربة" في بيان رسمي لها، أطرافا جزائرية بالضلوع في مسألة إنهاء تعاقده من قبل "الجزيرة".

وأشارت إلى أنها سارعت إلى “القيام بالتحريات اللازمة والضرورية حول القرار المثير الذي اتخذته إدارة قناة “الجزيرة” على عجل، وتبينت لها أن ناصر بادر إلى نشر تغريدة على “تويتر” يدافع فيها عن شرف المرأة المغربية.

وأطلق ناشطون حملة تضامن مع ناصر تحت وسمي #عبدالصمد_ناصر #كلنا_عبد_الصمد_ناصر، أكدوا خلالها أنه قامة أخلاقية وإعلامية رفيعة، داعين القناة إلى مراجعة القرار الإداري الصادر بإنهاء عمله.

وقال محمد البنعلي: "زميلي ناصر أنت رجل نبيل واحبك في الله الله يوفقك وين ما كنت".

وأشار صاحب حساب أخبار العالم الإسلامي، إلى أن الإعلامي ناصر الشهم الغيور على قضايا الأمة الإسلامية ينافح عن دينه وأمته، منذ سنوات.

وقال: "ما علمنا عنه إلا حبه للمغرب ودفاعه عن أهلها واحترامه للجزائر وأهلها الكرام ودائما ما كان يعمل على رص صفوف المسلمين في العالم"، داعيا قناة الجزيرة مراجعة قرارها.

وتوقع المغرد الشرعي إلغاء قرار إقالة عبد الصمد ناصر، متسائلا: "هل سيقبل عبدالصمد العودة إلى الجزيرة أم لا؟"

وحذر الشاعر ساير بن ساير، من أن إقالة قامة عالية مثل عبدالصمد ناصر من قناة الجزيرة والذي يُعد أحد ركائزها يُفقد المشاهد العربي الثقة بقناة الرأي والرأي الآخر، خصوصا أن السبب كما يُشاع كان بسبب تغريدة له دافع من خلالها عن شرف أبناء وبنات المغرب الذي طعنت به قناة جزائرية.

القوى المستفيدة

وألمح ناشطون إلى وقوف قوى خارجية وراء تصعيد الخلافات بين المغرب والجزائر، متهمين الذباب الإلكتروني بتأجيج الصراع واستغلال الخلافات.

وأكد ماهر عبدالرحيم، أن أي خلاف بين أي دولتين عربيتين في الأصل صنيعة الاستعمار؛ كالخلافات الحدودية، والمناطق المُتنازع عليها، ومناهج التعليم، ولغة الخطاب السياسي والدبلوماسي.

وأوضح أن المطلوب من الجميع "التوقّف عن التصعيد الإعلامي، ومنع الذباب الإلكتروني من الطرفين، وتحويل الخلاف إلى حوار، وعدم توسيع الخَرق، والحكمة".

وكتب الكاتب الإعلامي والخبير الصحفي عثمان عثمان: "لا نريد لأهلنا الأعزاء في المغرب والجزائر أن يُسعّر الذباب الإلكتروني بينهم نار الفتنة، فهي نائمة لعن الله من أيقظها".

وأكد أن تاريخ هذه الشعوب الرائعة مشرق بالعلم والوعي والفهم والجهاد، مذكرا بأن هذه الشعوب تغلّبت على أعتى قوى الاستعمار، ودحرت الاحتلالات بوحدتها، وتعاونها على تحقيق مصالحها.

وقال الإعلامي عاطف دلغموني: "لا يؤجج الفتنة بين الجزائر والمغرب إلا الحاقدون والمنافقون والذباب الذي لا يعيش إلا على القاذورات".

وذكر بأن الخلاف بين الدول لا يفسد للود قضية بين الشعوب لان مصيرها واحد ومرتبط ارتباطا وثيقا وُيجب عدم إثارة الفتنة والنعرات بين الاشقاء، مشيرا إلى أن الخلافات سحابة سوف تنقشع بإذن الله.

وأكد المستشار الثقافي رشيد علام، أن نزاعات الشعوب الشقيقة يصنعها الاستبداد بمخدر الوطنية ليهنأ المستبدون بالحكم المطلق وينعموا بمقدرات الوطن ولا يدعوا للرعية إلا قماش العلم والنشيد الوطني وبطاقة هوية وفخريات الانتماء للأرض العظيمة.

وقال: "بدل أن يقوم الشعب في وجه الاستبداد لطلب العدل والكرامة؛ يطاحن وهْم أعداء الوطن بالسبّ والشعارات، وينتهز كل فرصة ليظهر نعرته الوطنية وعصبيته الجغرافية".

وقال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عصام عبدالشافي إن الذين أشعلوا النار في اليمن، وليبيا، والسودان، وغيرها من البلدان الأخرى، يعملون الآن على إشعال النار بين الجزائر والمغرب.

وأكد أن الخناجر المسمومة التى تسعى لتدمير الدول والشعوب لا تنجح إلا إذا وجدت أدوات تخريب داخلية تدعم مخططاتها. وتساءل: "ألا يوجد حكماء في الدولتين يمنعون التدمير الممنهج؟".

بدوره، أكد الباحث في التاريخ والحضارة الإسلامية محمد إلهامي، أن لا مصلحة لأهل المغرب في معاداة أهل الجزائر، ولا العكس، ولا مصلحة لأهل مصر في معاداة أهل السودان ولا العكس، ولا أهل الشام والعراق والجزيرة العربية واليمن.

وأوضح أن سائر هذه العداوات هي عداوات مصالح، عداوات أنظمة، لا ناقة لنا فيها ولا جمل، وحرام على المظلوم المقهور تحت نظام ما أن يعادي المظلوم المقهور تحت النظام الآخر، وكلاهما في الهم والغم والقهر واحد.

وأشار راغب أبو شامة، إلى أن السجال بين الجزائريين والمغاربة يؤلم كلّ متابعٍ من أبناء أمة محمد صلوات الله عليه، مؤكدا أن هذا العداء الأحمق لم ولن يخدم إلا الذين يستمتعون برؤية وتأجيج العداء بين الأهل.