المعارضة التركية والانتخابات البلدية.. بوادر تمرد ومخاوف من تكرار الهزيمة
استعرض موقع أميركي الخلاف داخل أروقة المعارضة التركية، بعد هزيمة مرشحها المشترك، كمال كليتشدار أوغلو، في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في 28 مايو/أيار 2023.
وقال موقع "المونيتور" إنه "بعد الانتخابات المؤلمة التي بددت آمالها في الإطاحة بالرئيس رجب طيب أردوغان، يتعين على المعارضة التركية الآن إعادة تجميع صفوفها، لخوض الانتخابات المحلية، التي ستُجرى بعد أقل من عام".
وأكد التقرير "أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي انتهت بفوز أردوغان - ومددت فترة حكمه التي استمرت 20 عاما، خمس سنوات أخرى- كانت مخيبة بشدة لآمال المعارضة".
"لكن تحالف الأمة المكون من ستة أحزاب معارضة -والمعروف أيضا باسم الطاولة السداسية- رأى كيف أن كليتشدار أوغلو فشل في ترشحه للرئاسة، بينما احتفظ أردوغان وحلفاؤه بالأغلبية البرلمانية"، حسب التقرير.
وفاز أردوغان بأكثر من 52 بالمئة من إجمالي الأصوات بينما تصدر حزب العدالة والتنمية الانتخابات التشريعية ليفوز تحالف الجمهور الذي ينتمي إليه بأغلبية مريحة في البرلمان بحصوله على 323 مقعدًا من أصل 600.
وأوضح المونيتور أن ما زاد من تفاؤل المعارضة قبل الانتخابات هي "الظروف غير المواتية التي واجهها أردوغان، حيث تمر البلاد بأسوأ أزمة اقتصادية منذ عقدين، هذا فضلا عن التداعيات الكارثية للزلزال الذي ضرب جنوب تركيا في 6 فبراير/ شباط 2023".
تحدي البلديات
ولفت إلى أن تلك الهزيمة "تهدد الآن بزعزعة تحالف المعارضة، في الوقت الذي يتطلع فيه إلى الحفاظ على المكاسب، التي حققها مرشحو حزب الشعب الجمهوري بزعامة كليتشدار أوغلو، في الانتخابات المحلية لعام 2019".
ففي تلك الانتخابات، وبدعم من أحزاب أخرى، انتزع "الشعب الجمهوري" بعض المدن الكبرى من حزب "العدالة والتنمية" بزعامة أردوغان، بما في ذلك إسطنبول وأنقرة.
من جانبه، قال الأستاذ المساعد للعلوم السياسية في جامعة سابانجي بمدينة إسطنبول، بيرك إيسن، إنه "في غضون 10 أشهر فقط، ستتوجه المعارضة إلى الانتخابات المحلية لعام 2024 (في 31 مارس/آذار)".
واستطرد إيسن قائلا: "في عام 2019، شكل حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد (الحزب الثاني في تحالف الأمة) تحالفا لتقديم مرشحين مشتركين، وفازا بالعديد من المدن الكبرى في جميع أنحاء البلاد".
وأكد الأستاذ الجامعي التركي أنه "إذا لم يجر الحفاظ على هذا التحالف، فسيكون من الصعب جدا على رؤساء البلديات من المعارضة الحفاظ على مناصبهم في الانتخابات القادمة".
وأوضح "المونيتور" أن "تحالف الأمة يحتوي على وجهات نظر سياسية متباينة، فحزب الشعب الجمهوري ينتمي ليسار الوسط.
بينما يتخذ حزب الجيد توجها قوميا، وهناك حزب السعادة ذو التوجه الإسلامي، وحزبان آخران من يمين الوسط بقيادة وزراء سابقين عملوا مع أردوغان.
وأشار التقرير إلى أن "كل حزب منهم سيقيّم الآن كيف استفاد من التحالف، ومن المحتمل أيضا أن تكون هناك اتهامات متبادلة، بشأن قيادة وإستراتيجية الحملة التي فشلت في الإطاحة بأردوغان، رغم الاعتقاد بأنه في أضعف حالاته".
مصير زعيم المعارضة
ومن المرجح أن يسلَّط الضوء بشكل خاص على حزب الشعب الجمهوري، بصفته أكبر حزب معارض، وبشكل شخصي رئيسه كليتشدار أوغلو، الذي يقود الحزب منذ عام 2010، دون أن يفوز في أي انتخابات، وفق التقرير.
وألمح الموقع الأميركي إلى أن "ترشيح كليتشدار أوغلو كان موضع تساؤل منذ اللحظة الأولى، حيث هددت رئيسة حزب الجيد، ميرال أكشنار، بالانسحاب من التحالف بسبب اختياره كمرشح مشترك.
وكانت أكشنار تفضل ترشيح أحد رئيسي بلديات حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول أكرم إمام أوغلو، أو في أنقرة منصور يافاش، لمنافسة أردوغان.
بدوره، دعا فاتح برتقال، الصحفي التركي البارز المقرب من المعارضة، كليتشدار أوغلو للتنحي عن رئاسة حزب الشعب الجمهوري.
وقال برتقال، موجها حديثه لكليتشدار أوغلو: "أنت بحاجة إلى الاستقالة وقضاء بعض الوقت مع عائلتك، عليك أن تمنح هذا المنصب لشخص آخر، فحزب الشعب الجمهوري يحتاج إلى هزة شديدة".
وأشار إلى توجه كليتشدار أوغلو نحو القومية، في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، بعد أن أظهر الناخبون القوميون أداء كبيرا غير متوقع في الجولة الأولى.
وقال برتقال: "هل نتحدث عن حزب الشعب الجمهوري القومي، أم اليساري، أم المحافظ؟"
وتابع: "نحن لا نعرف حتى هوية حزب الشعب الجمهوري، حتى انجرافك الأسبوع الماضي (أثناء الجولة الثانية من الانتخابات) نحو القومية هو دليل على اليأس".
ومن جانبه، شكك "إيسن" أيضا في في صوابية ترشيح كليتشدار أوغلو، ونزعته إلى القومية في منتصف حملته الانتخابية.
وقال: "أعتقد أنه عندما يكون لديك مرشح للرئاسة يدير حزبا رئيسا في البلاد منذ 13 عاما، فإن معظم الناخبين قد اتخذوا قراراتهم وكوّنوا قناعاتهم حوله بشكل أو بآخر، وبالتالي، فإن مثل هذا التغيير المفاجئ في الحملة الانتخابية لن يكون مقنعا جدا".
وفي مقابلة مع "المونيتور"، أكد مدير قسم أوروبا في مجموعة أوراسيا الفكرية، إمري بيكر، أن "تبني خطاب يميني يركز على ترحيل اللاجئين السوريين كان في مصلحة أردوغان".
وأوضح بيكر: "مع تحول كليتشدار أوغلو إلى استخدام لهجة خطابية حادة، فإنه بذلك سُحِب إلى الميدان الذي قاده أردوغان لمدة 20 عاما، حيث يشعر الرئيس بالارتياح، ويعلم أنه -حتى وإن كان مكبل اليدين- يمكنه هزيمة منافسه".
ومع ذلك، يبدو أن كليتشدار أوغلو ليس لديه رغبة كبيرة في التنحي عن رئاسة حزبه، وفق التقرير.
بوادر تمرد
وقال الموقع إن زعيم المعارضة التركية قد يبرر ذلك بأنه "قدّم أداء أفضل من كل المرشحين السابقين الذين تحدوا أردوغان في جولتي الانتخابات السابقتين عامي 2014 و2018، بحصوله على 47.8 بالمئة من الأصوات".
وبعد الهزيمة، قال كليتشدار أوغلو: "أطلب منكم مواصلة النضال من أجل الديمقراطية، ومن جانبي سأواصل النضال، حتى نأتي بديمقراطية حقيقية إلى بلدنا".
لكن هناك بوادر تمرد داخل حزبه -وفق المونيتور- حيث كتب الأمين العام السابق لحزب الشعب الجمهوري، محمد عاكف حمزة جيبي، على تويتر: "لا ينبغي لأحد أن يحاول اختلاق قصة نجاح من هذه النتائج، فهناك فشل كامل من رئيسنا وحزبنا".
ويرى الموقع الأميركي أنه "إذا اجتمع متمردو حزب الشعب الجمهوري في محاولة لإزالة البيروقراطي السابق البالغ من العمر 74 عاما، فمن المرجح أن يركزوا على وضع إمام أوغلو خلفا له".
ومع ذلك، فإن هناك دعوى قضائية قد تمنع إمام أوغلو من ممارسة السياسة، في حالة رُفض استئنافه على الحكم الصادر ضده، وبالتالي قد تعيق تلك القضية توليه زعامة حزب الشعب الجمهوري".
وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، أصدرت المحكمة الابتدائية الجزائية السابعة في إسطنبول، قرارا بحظر رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو من ممارسة السياسة، بسبب إهانته للهيئة العليا للانتخابات.
وتعود فصول القصة إلى اتخاذ هيئة الانتخابات العليا قرارا بإعادة انتخابات إسطنبول التي أجريت في 31 مارس/آذار 2019.
وفي مؤتمر صحفي عقده إمام أوغلو في نوفمبر/تشرين الثاتي 2019، شكك بنزاهة اللجنة العليا للانتخابات، مبينا أنه تعرض للظلم، واصفا إياها بـأنها "مجموعة من الحمقى".
وبدورها، فإن أكشنار أيضا لا تَسلَم من تهديد رئاستها لحزبها، حيث دعاها إيتام بايكال، أحد مؤسسي حزب الجيد، إلى الاستقالة. ومن المقرر أن يعقد الحزب مؤتمره العام في نهاية يونيو/ حزيران 2023، وفق التقرير.
وأشار "المونيتور" إلى أن "أردوغان قد يستهدف الأحزاب الصغيرة في تحالف الأمة، والتي لها 38 مقعدا برلمانيا، بعد أن خاضت الانتخابات على قوائم حزب الشعب الجمهوري".
وأضاف بيكر أنه "حتى في البرلمان، فإن مصير كتلة المعارضة ما زال سؤالا مفتوحا".
وختم بالقول، إنه "كلما عزز أردوغان سلطته وزادت قدرته على جذب نواب المعارضة، في قضايا تعلو فيها حدة الاستقطاب -مثل العمليات العسكرية خارج البلاد- كلما كان من الصعب على المعارضة الحفاظ على مكانتها ووحدتها كتكتل مشترك ضد" الرئيس الحالي.