بعد نجاح المعارضة في إدارته.. هل تسلم السعودية ملف الحج إلى نظام الأسد؟

12

طباعة

مشاركة

بعد إعادته لشغل مقعد دمشق بالجامعة العربية في 7 مايو/أيار 2023، يركز النظام السوري على فتح صفحة جديدة بالعلاقات مع السعودية، تمهيدا لاستعادة ملفات منحت للمعارضة عقب اندلاع الثورة عام 2011 لسد الفراغ.

ومن ذلك، ملف تسيير حملات للحجاج السوريين الذي سحبته الرياض من نظام الأسد كدلالة على عدم اعترافها بشرعيته، وسلمته منذ عام 2013 إلى "لجنة الحج العليا" التابعة للائتلاف الوطني السوري المعارض.

حج السوريين

والحج لعام 2023 بقي تنظيمه بيد المعارضة السورية، إلا أن حضور رأس النظام بشار الأسد للقمة العربية بمدينة جدة في 19 مايو، واستئناف النظام عمل بعثته الدبلوماسية السعودية، وكذلك إعلان الرياض استئناف عمل بعثتها الدبلوماسية بدمشق في العاشر من الشهر ذاته، يؤشر لإحداث تغييرات في ملف الحج للسوريين.

وقال مدير الحج في وزارة الأوقاف التابعة لنظام الأسد، حسان نصر الله، إن الحج سيكون بدءا من عام 2024 بيدهم، وفق ما نقلت عنه صحيفة "الوطن" الموالية في 24 مايو 2023.

وأرجع نصر الله ذلك، "لأن عودة العلاقات مع السعودية كانت قبل وقت حج عام 2023 بفترة وجيزة، وهي غير كافية لمثل هذه الترتيبات التي تحتاج إلى تحضير واجتماعات مسبقة مع الجانب السعودي".

ولفت إلى أن "تنظيم أمور الحج يتم بناء على اتفاقية توقع بين وزارة الأوقاف السورية ووزارة الحج السعودية قبل الحج بخمسة أشهر، تتضمن كل التفاصيل والترتيبات اللوجستية من حيث العدد والطيران والسكن وغير ذلك".

بدوره، قال وزير السياحة في نظام الأسد، محمد رامي مرتيني، إن "الوقت لم يسعف فيما يتعلق بموضوع الإجراءات المتعلقة بالحج، وخصوصا ما يتعلق بالجانب القنصلي وبالتالي فإن الوزارة لم تصدر أي تعليمات لمكاتب السياحة فيما يتعلق في هذا الموضوع".

لكن مرتيني أعلن حسبما نقلت عنه "الوطن"، عن إمكانية استئناف رحلات العمرة من مناطق نفوذ النظام بعد موسم الحج.

وأفاد وزير النظام بأنه من المتوقع أن تستأنف خلال يونيو/حزيران 2023، رحلات الطيران ما بين جدة والرياض ودمشق، واصفا إياها بأنها خطوة مهمة باعتبار أنه يوجد نحو مليون سوري مغترب في السعودية، وفق قوله.

وفي السياق، أكد نائب مدير لجنة الحج العليا التابعة للائتلاف الوطني السوري المعارض، نور الأعرج، أن "اللجنة مستمرة في خدمة الحجاج السوريين، ولم تحصل على أي معلومة تفيد عكس ذلك".

وأضاف الأعرج لـ"الاستقلال" قائلا: "نقوم حاليا بالتحضيرات الأخيرة لهذا الموسم، حيث بدأنا باستصدار تأشيرات الحج للحجاج المسجلين لدينا لحج عام 2023، بعد أن أنهينا الترتيبات والتعاقدات المطلوبة كافة من قبلنا عبر المسار الإلكتروني الحكومي المعتمد في السعودية".

ومضى يقول: "ستبدأ بعد عدّة أيام أولى دفعات الحجاج السوريين بالسفر إلى مطار جدة قبل انتقالهم إلى مكة المكرمة للسكن ضمن أبراجهم المخصصة لهم".

ونوه الأعرج، إلى "أن لجنة الحج العليا السورية تقدم خدماتها لجميع الحجاج المواطنين داخل سوريا وخارجها ودون أي تمييز".

وحاولت السعودية عقب توسع رقعة المظاهرات السورية في مارس/آذار 2011، دفع الأسد لاتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية إصلاحية عاجلة تشمل حتى الجيش.

إلا أن الأسد لم يستجب، لتلجأ الرياض عقب ذلك إلى قطع علاقتها السياسة معه، وسحب سفيرها عام 2011، ويدخل رئيس النظام في مرحلة عزلة عربية.

بعهدة المعارضة

ونهاية عام 2012، وقعت وزارة الحج السعودية اتفاقية مع الائتلاف الوطني السوري لتشكيل لجنة عليا معنية بمهام تيسير إجراءات الحج وإعداد الترتيبات اللازمة لخدمة ورعاية حجاج بيت الله الحرام من السوريين الذين سيؤدون فريضة الحج.

وشملت هذه المهام عمليات التسجيل وتقديم الطلبات من أمناء الأفواج والمرشدين والمساعدين، وإصدار التأشيرات اللازمة والنظامية عبر سفارات المملكة، وفتح مكاتب لها في مناطق شمال غربي سوريا الخارجة عن سيطرة الأسد، وفي الدول العربية التالية، العراق، الكويت، الإمارات، قطر، لبنان، مصر، والأردن، إضافة إلى تركيا.

ويؤوي شمال غربي سوريا نحو خمسة ملايين نسمة، غالبيتهم نازحون داخليا من مختلف المدن الذين هجرتهم آلة قتل نظام الأسد عن ديارهم.

ويخرج هؤلاء لأداء الحج إلى تركيا المحاذية، كونها المنفذ الوحيد لهم للسفر جوا.

وسنويا تنال لجنة الحج العليا جوائز وتكريمات من وزارة الحج السعودية للخدمة المميزة والتنظيم الذي يحصل خلال فترة الحج من كل عام.

وبحسب "لجنة الحج العليا" السورية، فإن الأعداد المسجلة لعام 2023 زاد على الحصة المقررة وهي (22 ألفا و500 حاج)، المسموح بها من قبل وزارة الحج والعمرة السعودية، الأمر الذي دفعها في 5 مارس/آذار من العام ذاته للإعلان عن تحديد آلية قبول الحجاج السوريين وفق نظام القرعة.

وتبلغ تكلفة الحج للشخص الواحد نحو 4500 دولار، شاملة الطيران والسكن والتنقل في أرض الحرمين.

وتحول ملف الحج إلى يد المعارضة السورية، عندما بدأت "رابطة علماء الشام" بكتابة "مشروع الحج" في مقرها بالقاهرة، وتقديمه من قبل رئيسه آنذاك، أحمد معاذ الخطيب، لتتم الموافقة عليه من قبل السعودية موسم 2013، وتبدأ مراحل تشكيل "لجنة الحج العليا السورية"، وهي مؤسسة خدمية غير ربحية ومستقلة إداريا، بحسب "الائتلاف".

محاصصة في الحج

ويؤكد مراقبون أن السعودية عملت جاهدة على عدم تسييس ملف الحج السوري، كما لمسوا تطورا كبيرا للحج السوري خلال الأعوام الماضية بعد تسلمه من قبل المعارضة.

لكن مع هذا ورغم أن ملف الحج "تعبدي بامتياز" وهو فريضة لمن استطاع إليه سبيلا في الدين الإسلامي، فإنه في حال أصبح هذا الملف عام 2024 بيد النظام السوري، فإنه سيحرم أهالي الشمال الخارج عن سيطرته من الحج تحت حجج كثيرة على رأسها تهم الإرهاب والمطلوبين لأجهزة مخابراته الأمنية على خلفية الثورة.

ولا سيما أن النظام ما يزال يحرم الكثير من السوريين من أبسط حقوقهم، وهي استخراج جوازات السفر، مما يضطرهم إلى دفع آلاف الدولارات للسماسرة من أجل الحصول على الجواز.

لذلك، يعتقد أن تعامل نظام الأسد مع ملف سيادي كملف الحج، سيكون باستغلاله لصالحه بشكل كامل عبر محاولة حصره به، ولا سيما أنه يحاول الاستفادة منه اقتصاديا واستفادة شركات الطيران التابعة له من مواسم الحج والعمرة.

ويرى الكاتب السوري، عمار جلو، أنه "للحديث عن إمكانية إعادة ملف الحج لنظام الأسد، لابد من التطرق لموضوع إعادة الأسد للجامعة العربية، والتي بنيت أساسا على بياني جدة وعمّان، ومبادرة خطوة مقابل خطوة، لذا جرى التنويه عن أن هذه العودة مشروطة، بمعنى الإخلال من قبل نظام الأسد قد يعيد الأمر للمربع الأول، رغم عدم ترجيحي لذلك".

وأضاف جلو لـ"الاستقلال"، أن "الخطوة مقابل خطوة، مبادرة لحل سياسي سوري يضع نظام الأسد مقابل المجتمع الدولي، بمعنى غياب المعارضة فيها، إلا بحالات يفترض وجودها لتحقيق خطوات تقريبية بين نظام الأسد والمعارضة السياسية أو لإدماج الفصائل العسكرية المعارضة في المؤسسة العسكرية للنظام".

واستطرد: "من هذا الطرح نتبين أن أي تعامل رسمي، بعيدا عن الحل السياسي، سيكون مع نظام الأسد، ومنه ملف الحج، وقد رشحت بعض التسريبات التي تقول إن الرياض قررت إعادة هذا الملف لنظام الأسد".

واستدرك جلو قائلا: "لكن مع ذلك يمكن التكهن بالوصول لصيغة تلحظ حصصا للراغبين بأداء فريضة الحج ممن يقطنون في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ولكنها ستكون بتنسيق أو تفاهم مع نظام الأسد، حتى ولو لم تكن ضمن القوائم المرسلة من قبله مباشرة، يمكن إضافتها بالتفاهم معه".

آلية توافق

وعند صدور قرار وزراء الخارجية العرب بإعادة مقعد سوريا للجامعة العربية في 7 مايو 2023، جرى التوصل كذلك إلى اتفاق لتشكيل لجنة اتصال وزارية مكونة من "الأردن والسعودية والعراق ولبنان ومصر والأمين العام".

ومهمة هذه اللجنة متابعة تنفيذ "بيان عمّان"، والاستمرار في الحوار المباشر مع النظام للتوصل لحل شامل "للأزمة السورية" يعالج جميع تبعاتها، وفق منهجية الخطوة مقابل خطوة، وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، على أن تقدم اللجنة تقارير دورية لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري.

ومطلع مايو 2023، طرح الأردن مبادرة سلام تقوم على دور عربي مباشر ينخرط مع النظام السوري في حوار سياسي يستهدف حل الملف ومعالجة تداعياتها الإنسانية والأمنية والسياسية، وفق مبدأ "خطوة مقابل خطوة".

ومع ذلك، فإن هناك من ينظر إلى أن السعودية ستتعامل مع ملف الحج السوري، عبر إعادة توزيعه على ثلاث حصص بين النظام والمعارضة وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة.

وبحسب تقرير لمركز "جسور للدراسات"، نشر في 30 إبريل/نيسان 2023، فإن عدد سكان سوريا يقدر بـ26.7 مليون شخص؛ منهم 16.76 مليونا تقريبا داخل سوريا، و9.12 مليونا تقريبا خارجها.

فضلا عن 897 ألف مفقود ومغيب، حيث تضم مناطق المعارضة السورية 4.3 ملايين شخص تقريبا، أما مناطق سيطرة "قسد" فتضم نحو 2.6 مليون شخص، وفي مناطق سيطرة النظام يوجد 9.6 ملايين.

ويشير الباحث السوري، مدير موقع "اقتصادي"، يونس الكريم، إلى أن "حج عام 2024 للسوريين سيعتمد على آلية التوافق بين تركيا ونظام الأسد وعبره ستجري إدارة ملف الحج".

وأضاف الكريم لـ"الاستقلال": "لكن نظام الأسد لديه داعمون سواء الأردن أو الإمارات، وبالتالي سنشهد تقسيم ملف الحج على حكومتي المعارضة والنظام، وهذا ما سيفتح الباب أمام تقسيم ملفات الإدارة بين النظام والمعارضة".

وتابع: "خاصة أن الأردن يحاول إبقاء سلطة مركزية في سوريا، لكن النظام بتصرفاته يعمل على تجزئة سلطته، كما أن السعودية لا يمكنها الاستمرار بمنع السوريين في مناطق نظام الأسد من أداء مناسك الحج".