الصحراء تغير التحالفات.. إسبانيا والمغرب ضد البرتغال والجزائر

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة الإندبندينتي الإسبانية الضوء على التحالفات الجديدة التي تحيكها الجزائر في القارة العجوز، والتي تمر جميعها عبر التضامن مع الصحراء. 

وبعد إيطاليا، جاءت البرتغال، لتستبدل إسبانيا وتتحول إلى شريك تجاري ذي أولوية بالنسبة للجزائر بعد تغيير مدريد لموقفها من النزاع حول الصحراء. 

وكانت البداية في 18 مارس/ آذار 2022، عبر رسالة بعث بها رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، إلى عاهل المغرب الملك محمد السادس ووصف فيها مبادرة الرباط للحكم الذاتي بأنها "الأكثر جدية" لتسوية النزاع في إقليم الصحراء، وفق بيان للديوان الملكي المغربي.

ويقترح المغرب حكما ذاتيا موسعا في إقليم الصحراء تحت سيادته، بينما تدعو جبهة "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

وجاءت رسالة سانشيز في ظل أزمة مرت بها علاقات البلدين، منذ أن استقبلت مدريد في أبريل/ نيسان 2021، زعيم "البوليساريو" إبراهيم غالي بـ"هوية مزيفة" ومن دون إبلاغ الرباط بذلك.

ولاحقا، قالت مدريد إنها استقبلته لأسباب إنسانية صحية، فيما عدت الرباط الأمر "خيانة وطعنة في الظهر".

وزاد من تعميق الأزمة، تدفق حوالي 8 آلاف مهاجر غير نظامي، بين 17 و20 مايو/أيار 2021، من المغرب إلى مدينة سبتة الواقعة شمالي المملكة والخاضعة لإدارة إسبانيا وتعدها الرباط "ثغرا محتلا".

وفي الشهر نفسه، استدعت الرباط سفيرتها لدى مدريد للتشاور، بعد أن استدعتها الخارجية الإسبانية احتجاجا على تدفق المهاجرين غير النظاميين من المغرب.

استمرار الخلافات

وقالت صحيفة الإندبندينتي إن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، أجرى في 23 مايو/أيار 2023، زيارة إلى البرتغال، والتي تختبئ وراءها الأزمة الدبلوماسية المفتوحة مع إسبانيا منذ سنة، على خلفية تغيير موقفها بشأن الصحراء. 

وتأتي هذه الزيارة بعد أن عقدت لشبونة قبلها في 12 مايو، اجتماعا رفيع المستوى مع الرباط على مستوى رئيسي الوزراء وعدد من الوزراء،؛ مما جعل منها مناسبة تسمح للبرتغال بالنأي بنفسها عن موقف جارتها الإيبيرية الداعم للموقف المغربي بشأن الصحراء. 

وبالأخص، حاولت البرتغال كسب مكانة في السوق الجزائرية تبعا لذلك. ونوهت الصحيفة بأن أول تحرك للحزب الاشتراكي البرتغالي تمثل في النأي بنفسه عن خطة الحكم الذاتي المغربية بعد أن تباهت الرباط بدعمها "الإيجابي" بعد القمة البرتغالية المغربية. 

في الإعلان الختامي، كررت البرتغال "دعمها للعملية التي تديرها الأمم المتحدة بهدف التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين".

وفي نفس الوقت، أكدت "دعمها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، المقدمة سنة 2007، والتي تمثل اقتراحا واقعيا وجادا وذو مصداقية، بهدف التوصل إلى حل متفق عليه تحت رعاية الأمم المتحدة". 

في الحقيقة، استعان بعض المراقبين بهذه الفقرة الأخيرة للإشارة إلى أن رئيس الوزراء البرتغالي، أنطونيو كوستا، يسير على خطى نظيره الإسباني، بيدرو سانشيز، خاصة بعد الاحتفال بإدراج المغرب في الترشح لاستضافة كأس العالم 2030 خلال القمة المغربية البرتغالية. 

في المقابل، واجه الاشتراكيون البرتغاليون هذه القراءة بالرفض، عبر نشر بيان يدعون فيه إلى "حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين" يسمح لهم بتقرير مصيرهم، في إطار مفاوضات الأمم المتحدة. 

وأشارت الإندبندينتي إلى أن الحزب الاشتراكي البرتغالي، وجناحه الشبابي، أعاد بمناسبة مرور نصف قرن على تأسيس جبهة البوليساريو "التأكيد على التزامهم بحل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين يسمح لشعب الصحراء بتقرير مصيره". 

وبحسب الحزب، يجب التوصل إلى حل للنزاع الطويل في إطار المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة ومبادئ ميثاق هذه المنظمة الدولية  وقرارات مجلس الأمن.

وذهب الحزب البرتغالي إلى أبعد من ذلك؛ واستنكر في البيان المذكور العوائق التي يفرضها النظام المغربي على مهمة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى الصحراء، ستافان دي ميستورا. 

وبعد مضي عام ونصف على تعيينه، يأسف الاشتراكيون لأن الدبلوماسي الإيطالي لم يتمكن من "زيارة الأراضي المحتلة من الصحراء، بسبب عرقلة السلطات المغربية لهذه المهمة". 

استبدال إسبانيا

وأضافت الصحيفة أن الاشتراكيين البرتغاليين يصرون على إجراء استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي وإقليم الصحراء. 

وجاء في بيانهم: "بعد انقضاء المزيد من الوقت منذ تقديم خطة الحكم الذاتي المغربية، من المهم بالنسبة للاشتراكيين أن يلتزم الطرفان بتقديم حلول واقعية وجادة وذات مصداقية بهدف إجراء الاستفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي وإقليم الصحراء". 

من جهة أخرى، توالت اجتماعات بين وزراء البرتغال والجزائر خلال عام 2022. وفي فبراير/شباط 2023، التقى وزير الخارجية الجزائري آنذاك، رمضان لعمامرة، بكوستا، على هامش قمة الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا. 

في الواقع، مثلت هذه اللقاءات ضربة قاضية لتطلعات المغرب بشأن قضية الصحراء؛ مما مهّد الطريق أمام الزيارة التي أجراها تبون إلى البرتغال، وفق الصحيفة الإسبانية.  

ومن الجزائر، وصفت العلاقات الثنائية بـ "الممتازة" على عكس الشلل التام الذي تشهده العلاقات مع إسبانيا بعد التحول الكبير في موقفها بشأن الصحراء.  

وخلال هذه الزيارة، سعت الجزائر العاصمة إلى "تعميق" العلاقات الاقتصادية مع البرتغال، بهدف واضح يتمثل في الاستفادة من الخلاف مع إسبانيا، لكسب وزن تجاري في القارة العجوز، جنبا إلى جنب التطورات الأخيرة مع إيطاليا.  

وأوضحت الصحيفة أن هامش التحسّن ملحوظ بالنسبة للبرتغال. لكن، يجب الإشارة إلى أن بيانات التبادل التجاري شحيحة في هذا السياق. 

وبحسب قاعدة بيانات التجارة الدولية للأمم المتحدة، تجاوزت الصادرات البرتغالية إلى الجزائر 300 مليون يورو، غالبيتها لمنتجات من صناعة الورق وبيع الآلات. 

في المقابل، تجاوزت واردات البرتغال من الجزائر 1060 مليون يورو. ومن إجمالي هذه الواردات، نجد أكثر من 878 مليون يورو لصالح مبيعات الغاز.

ونقلت الإندبندينتي عن الاقتصادي الجزائري، إسحاق خرشي، أن "التبادل التجاري بين الجزائر والبرتغال ضعيف للغاية". وأردف: "أرادت الجزائر استبدال مدريد، وكانت لشبونة الخيار الأمثل". 

في الحقيقة، لم يؤثر تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار وحظر المعاملات المصرفية مع إسبانيا على الشركات الإسبانية فقط، التي تكبدت بالفعل خسائر تجاوزت ألف مليون يورو، ولكنها تسببت أيضا في حدوث انقطاعات على مستوى سلاسل التوريد ونقصا في المنتجات في السوق الجزائرية. 

تحت رادار لشبونة

ونقلت الصحيفة عن خرشي قوله إن "هناك نحو 80 شركة برتغالية نشطة في الجزائر في قطاعات تعدها البلاد إستراتيجية وتسعى لزيادة الاستثمار فيها". 

وبشكل عام، تحاول الدولة جذب الاستثمار الأجنبي في البنية التحتية العامة والتمويل وصناعة الأدوية والزراعة والطاقة والنقل. 

وفي بعض القطاعات، كان لإسبانيا مكانة رائدة حتى التغيير السياسي في قضية الصحراء، التي حولتها الجزائر العاصمة إلى مسألة أساسية في سياسة بلدها. 

وتتوقع لشبونة إمكانية إنشاء جمعيات إستراتيجية في مجالات الغاز والطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر وإنتاج الأمونيا. 

وفي ما يعرف بالاقتصاد الأزرق، تبرز الإدارة الاقتصادية الفعالة للموارد البحرية. وعقدت الجزائر والبرتغال منتدى اقتصاديا شبيها بالذي نظمته إسبانيا والمغرب في 22 مايو بالعاصمة الإسبانية مدريد. 

وفي 24 مايو، قعت الجزائر والبرتغال، اتفاقيات ومذكرات تفاهم مختلفة تزامنا مع زيارة الرئيس عبد المجيد تبون، إلى العاصمة لشبونة لبحث التعاون الثنائي بين البلدين.

وأشرف الرئيس تبون برفقة رئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا، على مراسم توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين البلدين شملت مجالات مختلفة، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية.

وقبلها بيومين، في 22 مايو، قال وزير الصناعة والتجارة والسياحة الإسباني هيكتور غوميز: "نريد أن نوضح أن هدفنا هو فتح كل السبل الممكنة لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع المغرب".

وجاءت هذه العبارات في إطار المنتدى المنعقد في مدريد، والذي يعد جزءا من جولة تجريها الشركات والسلطات المغربية خلال الأسابيع المقبلة عبر المناطق الإسبانية بحثا عن استثمارات جديدة للبلاد. 

ووسط انهيار العلاقات مع إسبانيا والمغرب، اختارت الجزائر العاصمة تعزيز علاقاتها مع موريتانيا والبرتغال وإيطاليا وغيرها من الدول. ويلخص الخبير الاقتصادي الأمر بالقول إن "الأمر ليس اقتصاديا فحسب، بل سياسيا وجيوستراتيجيا أيضا".