"الصدع تحول إلى جنون".. كيف باتت معركة الهوية تهدد إسرائيل بالانقسام؟

سلط موقع "بي بي سي" البريطاني الضوء على الخلافات الداخلية في إسرائيل بين المعسكر الليبرالي والمعسكر الديني، مؤكدا أن المستقبل "ضبابي".
وأكد الروائي الإسرائيلي، إتغار كيريت، في لقائه مع "بي بي سي" بنسخته البرتغالية، أن "وضع توصيف دقيق لإسرائيل هو أمر ليس سهلا على الإطلاق".
وقال كيريت: "تتعايش في إسرائيل عدة عوالم متوازية في توازن غير مستقر، ما يمنحها ثراء ثقافيا، ولكن في الوقت ذاته يجعلها معرضة لما يمكن وصفه بأنه قنبلة موقوتة".
وتابع: "يمكن أن نلاحظ تباينا واضحا في إسرائيل ليلة الجمعة، حيث يستعد الكثيرون من الشباب بتل أبيب للاحتفال في النوادي، بينما في مدينة بني براك التي تبعد حوالي 4 كيلومترات فقط، يهتم الحريديون (المتدينون) بإشعال الشموع".
صراع داخلي
ويرى كيريت أن "إسرائيل تقف عند نقطة تحول، حيث يخوض مجتمعها معركة داخلية بين جوانبه الأساسية: الجانب الليبرالي والجانب الديني".
وأوضح أن "هذه المعركة كانت موجودة منذ تأسيس إسرائيل، ولكنها تفاقمت بشكل كبير منذ تولي هذا الائتلاف المتطرف من اليمين والأرثوذكسية المتطرفة الحكم"، في إشارة إلى التحالف الحاكم الذي يقوده بنيامين نتنياهو.
وأفاد الموقع بأن كيريت مثل العديد من المثقفين الآخرين، شارك في المظاهرات الضخمة التي اندلعت خلال الأشهر الأخيرة في المدن الرئيسة؛ للدفاع عن الديمقراطية المهددة، لكن تحوّلت الأزمة السياسية إلى معركة حول هوية إسرائيل".
وشهدت إسرائيل احتجاجات على نطاق واسع ضد خطة أعدها الائتلاف الحاكم حول "إصلاح القضاء"، عدها كثيرون محاولة من نتنياهو وحلفائه للتعدي على استقلال السلطة القضائية، وهدما لمبدأ الفصل بين السلطات.
وشبّه كيريت إسرائيل بأنها مثل "كتاب خيال علمي سيئ تم تحويله إلى فيلم، حيث إن فكرة الدولة اليهودية نشأت من كتاب خيال تأملي للكاتب الصهيوني، ثيودور هرتزل، بعنوان "ألتنايلاند: الأرض الجديدة القديمة".
وأضاف الكاتب أنه وفقا لذلك "من المفترض أن تكون إسرائيل دولة يهودية ليبرالية، ولكن هذا التناقض اللفظي يخلق حالة من الصراع الداخلي".
ويرى الكاتب أن "إسرائيل تمتلك صفات وفرصا مميزة، لكن في الوقت ذاته، يبدو الأمر طوال الوقت وكأنك تسير فوق هاوية على حبل مشدود في سيرك".
وذكر مفارقة قائلا: "نحن دولة عندما أردنا أن نمثل في مسابقة يوروفيجن الفنية (Eurovision)، أرسلنا امرأة متحولة جنسيا، وهي دانا انترناشونال. لكن في الوقت نفسه، نحن بلد متدين لدرجة أننا لا نسمح بوسائل النقل العام في السبت (يوم الراحة في اليهودية)".
وأضاف كيريت "مع ذلك، تحول هذا الصدع في إسرائيل إلى جنون بالفعل".
وأوضح أن "المجتمع الإسرائيلي يشهد معركة داخلية لتحديد التسلسل الهرمي بين أن تكون الدولة ليبرالية في المقام الأول ويهودية في المقام الثاني، أو يهودية في المقام الأول وليبرالية في المقام الثاني"، مؤكدا أن "هذا السؤال يحير الجميع".
وأردف: "بالطبع، بالنسبة للأشخاص الذين يميلون إلى التقاليد والتدين أكثر، فإن الليبرالية ليست مسألة مهمة للغاية؛ لأن كل ما يحتاجون إليه مكتوب بالفعل في الكتاب المقدس، فهو يعد مرشدهم الأساسي".
"لكن أولئك الذين نزلوا إلى الشوارع للتظاهر، وهم جزء من الحركة الليبرالية، يؤمنون أساسا بأننا جميعا بشر، متساوون في حقوقنا ونسعى جميعا لنيل الحرية، ثم بعدها نحن يهود. فهذا هو ترتيب الأولويات كما يرونه"، وفق الكاتب الإسرائيلي.
وأورد الكاتب أن "هناك مقولة عبرية تفيد بأننا جميعا- كشعب إسرائيل- ملتزمون بمساعدة ببعضنا البعض. لذا في طفولتي، عندما يصل مهاجر جديد إلى حيّنا، كنا نرحب به وندعوه لتناول الشراب والطعام".
الحل في المغادرة
وأضاف: "لكن في الوقت الحالي، قد تجد لافتة تقول: إذا وقفت سيارتك هنا، فسنتعامل معها، ولذلك فكرة المجتمع المترابط، وأن إسرائيل ملجأ آمن لليهود حول العالم، لم تعد متحققة بشكل فعلي هذه الأيام".
وتابع: "أخيرا توفي والد زوجتي، يوناتان جيفين، أحد أبرز شعراء إسرائيل في العقود الأخيرة، وعندما رثيته، قال لي المتطرفون: نتمنى أن تلحق به قريبا".
ووصف كيريت هذا بأنه "كراهية صريحة، وأن هذا هو نوع الحوار الذي تشجعه الحكومة الإسرائيلية الحالية".
وردا على سؤاله عن الفكرة التي يلتف حولها الإسرائيليون اليوم، قال إن "أول ما يتبادر إلى الذهن هو الاهتمام المشترك بالبقاء في منطقة معادية إلى حد بعيد، فلا أحد منا يريد أن يُخضع أو يموت، ولا نريد أن تقصفنا إيران".
"ومع ذلك، عندما ننظر بعناية، نجد أن هناك رؤى متناقضة تماما للأحداث. والمشكلة في كل ذلك هي أن الحكومة الحالية يمينية متطرفة وعدائية للغاية، وترغب في مواجهة الجميع"، وفق الكاتب الإسرائيلي.
لكن الأمر العبثي هنا هو – حسب كيريت- هو أن معظم الذين يصوتون لهذه الحكومة هم من اليهود الأرثوذكس والحريديم الذين لا يخدمون في الجيش (حيث يسمح القانون لهم بعدم أداء الخدمة العسكرية الإلزامية)".
ووصف الكاتب اليهود الأرثوذكس والحريديم بأنهم "عدوانيون لكنهم يرغبون في أن أقاتل أنا وابني من أجلهم".
وتابع: "لدينا نصف الشعب يعمل ويحارب ويحمي إسرائيل، لكن ما يفعله النصف الآخر هو اتهام النصف الأول بالإرهاب والفوضى، والنظر إلى بقائه على قيد الحياة بمثابة عار لأن النازيين لم يقتلوهم".
وعلق موقع "بي بي سي" قائلا: "من النظرة الخارجية، يبدو أن إسرائيل تتألف من عوالم متنوعة تكاد لا تتداخل، وتحمل تطلعات متباينة للحاضر والمستقبل".
وألمح الموقع إلى ما وصفه الرئيس الإسرائيلي السابق، رؤوفين ريفلين، اسم "القبائل الأربع" في إسرائيل، وهم: العلمانيون، والأرثوذكس المتطرفون أو الحريديون، والقوميون المتدينون، والعرب الإسرائيليون، وفق وصف التقرير.
وأردف كيريت: "لا أعرف كيف سيكون مستقبل إسرائيل، وخوفي الأكبر هو أنه يوجد الآن جانبان، وأنه إذا هزم أحدهما الآخر، فستكون مأساة؛ لأن هذا يعني أن نصف الشعب سيظل مظلوما، ولا يهم أي نصف كان".
وأضاف: "كان هناك توازن جيد بين المتدينين والعلمانيين في القدس، لكن احتل المتدينون أجزاء متزايدة من المدينة، وجعلوا الحياة صعبة بالنسبة للعلمانيين، لذلك يغادر الكثير منهم القدس وينتقلون إلى مدن أخرى".
وختم كيريت بالقول: "يمكن أن يكون ما يحدث في القدس مثالا سيئا لما يمكن أن يحدث في إسرائيل بأكملها، ولكن هذه الحالة، لن تكون هناك مدينة أخرى للانتقال إليها، وسيتعين على الناس مغادرة البلاد".