مالك عقار.. ماذا يعني تعيين متمرد جنوبي سابق نائبا للبرهان في السودان؟

12

طباعة

مشاركة

بعد أكثر من شهر على القتال الشرس في السودان، بين قائد الجيش، رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، ونائبه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أصدر الأول قرارا بإعفاء الأخير وتعيين عضو المجلس، مالك عقار، مكانه.

تعيين البرهان، المتمرد الجنوبي السابق، وعضو مجلس السيادة الحالي، عقار، نائبا له، في 19 مايو/ أيار 2023، أثار ردود أفعال مختلفة مؤيدة ورافضة.

كما طرحت تساؤلات حول دوافع تعيين هذه الشخصية تحديدا، ولماذا لم يكتف البرهان بإقالة حميدتي من منصب هو في الأصل غير قانوني بعدما أعلن حل قوات "الدعم السريع" التي يقودها نائبه السابق.

أسباب التعيين

يرى محللون سودانيون أن اختيار البرهان، ومن يقف خلفه من أنظمة الدولة الإقليمية المعادية للربيع العربي، لـ"عقار" له علاقة بموقفه الداعم لانقلاب الجيش في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 على القوى المدنية المشاركة معه في الحكم.

وعقار "عسكري متمرد جنوبي ويرغب في أن يكون له دور في حكم السودان الشمالي، بعدما استبعد من حكم الجنوب بعد انفصاله"، وفق سياسي سوداني سابق لـ"الاستقلال"، لذا فهو يدعم البرهان ليشارك في الحكم. 

ورفض سودانيون تعيين عقار نائبا للرئيس، مشيرين إلى تصريحاته عقب انقلاب البرهان، حين انتقد من خرجوا للتظاهر ضد الانقلاب ووصفهم بأنهم "أطفال ومخربون" وما جرى بأنه "إرهاب ضد الدولة".

وقال المغرد السوداني، محمد المصطفى: "ذاكرتنا ليست ذاكرة سمك! نعم، نحن مع المؤسسة (العسكرية)، ومع احتكار العنف للجيش الوطني الواحد".

واستدرك المصطفى في تغريدة عبر تويتر في 20 مايو، "لكن، هذا لا يعني أن التطبيل للبرهان وقيادي الحركة الشعبية، مالك عقار، يصبح مبررا. البرهان كذوب وسفاح قاتل، ومالك عقار كذلك. والأخير، كان قد وصف مقاومة الانقلاب بالإرهاب!".

وعقار كان أول من دمج قواته في الجيش في 15 أكتوبر 2022، بعد توقيع اتفاقية "جوبا للسلام" في 30 أكتوبر 2020، لكنه رفض "الاتفاق الإطاري" بعد توقيعه مع قوى التيار المدني اليسارية، لمعرفته بمخاطر الاتفاق عليه وعلى الحكم العسكري.

ويرى سياسيون موالون للتيار الإسلامي في السودان لـ"الاستقلال" أن هدف البرهان من تعيين عقار هو محاولة حشد شخصيات وقوات عسكرية موقعة على اتفاق سلام جوبا كطرف في النزاع المسلح داخل السودان، ضد قوات حميدتي.

وأفادوا بأن رعاة البرهان الإقليميين، خصوصا نظام مصر وقوى غربية، يخشون من تحالفه مع أنصار الرئيس السابق عمر البشير المحسوبين على التيار الإسلامي والاستقواء بهم ضد حميدتي فتصبح لهم مطالب مستقبلا.

وأوضحوا أن عقار، الذي أشيع في البداية رفضه لتكليف البرهان له كنائب، سارع بقبول المنصب، وتشجع لأنه يدرك أن البديل لدعم البرهان هم الإسلاميون الذين كان يحاربهم (في صورة الجيش) خلال حكم البشير، ومن ثم عودتهم للحكم.

وكان عقار أكد في حوار مع موقع "الراكوبة" المحلي في 26 يوليو/ تموز 2019 عقب الانقلاب على حكم البشير، أن "نهاية الإسلاميين لا تتم بالأماني ولديهم الدولة العميقة عمرها 30 عاما".

وقال: "ما زالوا موجودين في مفاصل الدولة، وخلقوا مؤسسات خاصة لا يمكن إزالتها في يوم واحد، وكذلك قاموا ببناء مؤسسات أمنية وعسكرية ولديهم أكثر من جيش، وقاموا بتغيير المناهج التعليمية في السودان، لذا يحتاج الأمر لوقت".

ويدعو عقار إلى العلمانية ويرفض عروبة السودان، قائلا: "يجب أن نكون سودانيين قبل أن نكون متدينين، يجب أن نكون سودانيين قبل أن نكون عربا، يجب أن تكون سودانيا قبل أن تكون الفونج أو النوبة"، بحسب موقع "لو جورنال دي أفريك" الفرنسي في 19 مايو 2023.

ومع أنه قال: "علينا أن ننشئ دولة سودانية ذات ديمقراطية كاملة وكاملة تسمح لأي شخص وكل رجل وكل امرأة بممارسة الدين الذي يرغب فيه"، فقد أظهر العداء لحكم المدنيين، وأيد حكم الجيش، وكانت له مواقف معارضه لقوى "الحرية والتغيير" اليسارية.

ورغم إعلانه عقب تعيينه نائبا لرئيس مجلس السيادة أنه سيعمل على "مسار التحول المدني الديمقراطي في السودان"، ما يشي بأنه مع الاتفاق الإطاري (المُعطل) للحكم المدني.

إلا أن عقار سبق أن انتقد في يناير/ كانون الثاني 2023 "الاتفاق الإطاري"، قائلا "تنقصه الشمولية" ووصفه بأنه "شبيه باتفاق الصفوة، ويحتاج لمزيد من التطوير ليكون شاملا لكل السودان"، وفق موقع "دبنقا" المحلي.

حرب أهلية

مع هذا يرى سودانيون أن تعيين البرهان لعقار له، دلالات توازن كثيرة مثل الإيحاء أنه يشارك في الحكم مناطق مختلفة من السودان، بحكم أن عقار يمثل مناطق في النيل الأزرق، ما قد يهدئ تدخل حركات التمرد في القتال الحالي.

ورجحوا أنه بعد تعيين عقار نائبا لرئيس مجلس السيادة، أن ينحاز الثنائي عبد الواحد وعبد العزيز الحلو، قائدا حركات التمرد الأخرى، للحرب مع الجيش، لترجيح كفة الحرب والصراع الدائر والاستفادة سياسيا مستقبلا.

وأكدوا عبر مواقع التواصل أن أحد دلالات تعيينه "مناطقية" حيث يمثل عقار منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق والتي تعد "هامشية"، ومن ثم فاختياره "إيحاء بعدم استئثار منظومة الجيش، التي يمثلها البرهان، بجميع المناصب في مجلس السيادة.

وأكد ذلك مدير معهد التحليل السياسي والعسكري بالخرطوم، الرشيد إبراهيم، لموقع "الحرة" الأميركي في 19 مايو 2023 معتبرا أنه الاختيار للتدليل على "عدم انفراد الجيش بالسلطة، وإفساح المجال لممثلي الأقاليم للمشاركة في الحكم".

تعيين عده محللون مؤشرا على دخول النزاع المسلح إلى نطاق الحرب الأهلية وإشراك للقوى الانفصالية العسكرية مثل قوات عقار في القتال مع الجيش ضد "الدعم السريع" ويعقد الأمور.

وبدأت قبل شهور عملية ضم قوات عقار للجيش، وأعلن حاكم إقليم النيل الأزرق أحمد العمدة في 28 يناير 2023، عن اكتمال عملية دمج الدفعة الأولى من مقاتلي "الحركة الشعبية – شمال" بقيادة عقار في الجيش كأول دفعة.

وقال متابعون إن القرار "قد يصب المزيد من الزيت على نيران الاقتتال المشتعلة" بالسودان، رغم محاولات تفسيره على أنه سعي من أجل إظهار أن الجيش لا يحكم وحده، ولكن يعاونه قادة التمرد الآخرون، ولضمان تضامن مناطق جنوبية مع حكومة البرهان ضد حميدتي.

وأشاروا إلى أن قبول عقار المنصب ربما يشعل حربا بين "عرب دارفور" وقبائل "الإنقسنا" غير العربية، الذين ينتمي لهم عقار، في ولاية النيل الأزرق وجنوب كردفان.

و"الإنقسنا"، هي إحدى قبائل السودان الزنجية في ولاية النيل الأزرق تنتشر في جبال الأنقسنا إلى الجنوب الغربي من الدمازين.

بينما حميدتي، وقواته الجنجويد (الدعم السريع)، هم من عرب الرزيقات في إقليم دارفور المجاور لإقليم جنوب كردفان والنيل الأزرق حيث يعيش شعب الإنقسنا الذي تقوم منه "الحركة الشعبية لتحرير السودان -فرع عقار".

ويؤكد الخبير العسكري والإستراتيجي، كمال إسماعيل، لموقع "الحرة" في 19 مايو 2023 أن "قرار تعيين عقار يصب المزيد من الزيت على نيران الاقتتال المشتعلة بالسودان".

وكان لافتا في بيان قبوله تكليف البرهان له أن عقار نفسه حذر من "انزلاق السودان باتجاه التقسيم والنزاعات القبلية"، مضيفا أن "المسؤولية الوطنية تمنع ذلك الانزلاق"، بحسب تعبيره.

تاريخ متمرد

ومالك عقار، متمرد جنوبي سابق، حارب لفصل الجنوب عن الشمال، ثم بقي في الشمال لإثارة القلاقل فيه، لأن النيل الأزرق، عند الحدود مع إثيوبيا، منطقة تواجده لم تنفصل مع الجنوب كما كان يخطط. 

فهو أحد مؤسسي "الحركة الشعبية لتحرير السودان" التي انفصلت بجنوب السودان، ثم شكل عام 2011، في أعقاب استقلال الجنوب، فرعا لها في الشمال (الحركة الشعبية – شمال)، وحاربها الرئيس السابق البشير.

وكان عقار مقربا من قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان الراحل، جون قرنق، وتشاركا نفس الهدف وهو "تحرير كل السودان" وسيطرة الحركة الجنوبية عليه.

لكن "قرنق" قبل لاحقا بفكرة الاستقلال بدولة جنوبية فقط، بينما رفض عقار وظل مؤمنا بفكرة "تحرير" كل السودان، واستمر يحارب نظام البشير وأعلن عداءه للتيار الإسلامي الذي قال إنه يسيطر على الحكم، داعيا لـ"دولة بلا هوية إسلامية".

وكانت "الحركة الشعبية لتحرير السودان" تقاتل إلى جانب جنوب السودان قبل أن يصبح دولة مستقلة  عام 2011، ومنذ ذلك الحين ظل عقار يحارب النظام في السودان بقواته المتمردة، حتى سقط نظام البشير فتحالف مع الانقلابيين.

وشارك عقار في انتخابات الولايات السودانية عام 2010، وكان من المعارضين القلائل الذين شاركوا فيها، وفاز بمنصب والي ولاية النيل الأزرق على حساب مرشح حزب المؤتمر الوطني الحاكم، فرح إبراهيم محمد العقار.

لكن عام 2011 عزله البشير من منصبه كحاكم لولاية النيل الأزرق، وفي أيلول/سبتمبر من نفس العام شارك في تأسيس الجبهة الثورية السودانية، وكانت تضم حركات متمردة من دارفور إضافة للحركة الشعبية لتحرير السودان-الشمال.

وكانت تهدف لإسقاط نظام البشير وإقامة دولة مدنية ديمقراطية، وفق قول مؤسسيها.

ومع انفصال جنوب السودان بعد استفتاء أجري بموجب اتفاق سلام وُقع عام 2005 وأنهى 22 عاما من الحرب الأهلية، عادت هذه المجموعة (الحركة الشعبية-شمال) إلى القتال في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.

وفي مارس 2014، أصدرت محكمة سودانية، حكما غيابيا بالإعدام شنقا على عقار وياسر عرمان، رئيس وأمين عام الحركة الشعبية شمال السودان المتمردة التي تقاتل الحكومة منذ 2011.

وانقسمت عام 2017، إلى حركتين: الحركة الشعبية لتحرير السودان (جناح عبد العزيز الحلو) في الشمال، والحركة الشعبية لتحرير السودان (جناح مالك عقار) في الجنوب، وفق وكالة الأنباء الفرنسية في 19 مايو/أيار 2023.

وفي أكتوبر 2020، وقعت الحركة التي يقودها عقار، مع حركات متمردة من إقليم دارفور اتفاق "سلام جوبا" مع الحكومة الانتقالية بعد الإطاحة بعدوهم القديم، البشير، في أبريل 2019.

وفي إطار الاتفاق أصبح عقار، في مارس 2021، عضوا في مجلس السيادة الانتقالي بالسودان.