"قنصلية للصحراويين".. كيف تعزز إيطاليا علاقاتها الاقتصادية مع الجزائر؟
سلطت صحيفة إسبانية الضوء على تعزيز إيطاليا بقيادة جورجيا ميلوني علاقاتها التجارية مع الجزائر، وهي عملية مرت عبر تقديم "امتيازات للصحراويين"، تمثلت في فتح مركز تقديم طلبات التأشيرات لصالح سكان مخيمات اللاجئين الصحراويين.
وقالت صحيفة "الإندبندينتي" إن "حكومة ميلوني دشنت بحضور السفير الإيطالي في 16 مايو/ أيار 2023 قنصلية لتقديم مطالب التأشيرات في تندوف، المدينة الجزائرية التي تضم عددا كبيرا من مخيمات اللاجئين الصحراويين".
ورأت أن "هذه الخطوة بمثابة لفتة صريحة تجاه السكان الصحراويين بحضور السلطات الجزائرية والصحراوية، ويأتي هذا القرار في إطار قرار روما تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الجزائر، مستفيدة من الأزمة الدبلوماسية مع إسبانيا".
لصالح الصحراويين
وقالت "الإندبندينتي" إن "إيطاليا تعد أول دولة تتخذ خطوة بهذه الجرأة وتفتتح مكتبا قنصلية في مدينة جزائرية إستراتيجية يسكنها 160 ألف نسمة قرب حدود المغرب وموريتانيا، والتي كانت موطنا لمخيمات اللاجئين الصحراويين منذ عام 1975".
وأفادت بأن "تندوف يسكنها بالأساس الأشخاص الذين فروا من الصحراء الغربية بعد رحيل القوات الإسبانية وانطلاق المسيرة الخضراء بقيادة المغرب، الذي أعاده منذ ذلك الحين جزءا من الأراضي، وبهذا القرار، أصبحت إيطاليا أول دولة في منطقة شنغن تتبنى مثل هذا القرار".
وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح كحل حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، بينما تطالب "البوليساريو" بتنظيم استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر، التي تستضيف لاجئين من الإقليم.
في السياق، وصفت مصادر من جبهة "البوليساريو" هذه الخطوة على أنها "إيماءة ذات أهمية في منطقة لا يوجد فيها مجتمع إيطالي".
بالمقابل، لم تخف الدبلوماسية الإيطالية الأسباب السياسية التي تفسر المبادرة، وتحديدا، صرح سفير روما في الجزائر، جيوفاني بوجليس، أن "هناك أيضا تاريخ مهم من التضامن مع القضية الصحراوية".
وبحسب المسؤول عن البعثة الدبلوماسية، لا يخصص المركز المؤقت فقط "لخدمة المواطنين الجزائريين ومجتمع الأعمال الموريتاني المتواجد في المنطقة، ولكن أيضا للاجئين الصحراويين".
وشدد السفير على أن "هذه الخطوة مبادرة فريدة تم إطلاقها لأول مرة في الجزائر لتحسين وزيادة عرض الخدمات القنصلية الإيطالية حتى في المناطق النائية من البلاد".
وأشارت الصحيفة إلى أن شركة "في أف أس غلوبال" متعددة الجنسيات هي التي تسير إدارة المرافق القنصلية في تندوف، وهي شركة تدير أكثر من ثلاثة آلاف مركز لمعالجة التأشيرات في 145 دولة ولديها اتفاقيات مع 67 حكومة.
وبحسب السلطات الإيطالية، فقد تم اختيار تندوف لتكون بمثابة تجربة رائدة لتسهيل إجراءات "السفراء الصغار من أجل السلام"، وهي مبادرة شبيهة بالبرنامج الإسباني "عطلات في سلام"، الذي يفكر في هذه الحالة في استقبال 250 طفلا من قبل الجمعيات والعائلات الإيطالية.
ونقلت الصحيفة أن "اللفتة الإيطالية كانت مثالا على الالتزام العلني تجاه الصحراويين، على عكس سياسة الهجرة التي تتبعها الحكومة الإيطالية التي لم تتردد الصحافة الجزائرية على تسليط الضوء عليها".
في الآن ذاته، يتماشى مع تعزيز العلاقات بين روما والجزائر، الذي تجلى حتى قبل وصول ميلوني إلى الحكومة في أكتوبر/ تشرين الثاني2022
وفي أبريل/ نيسان 2022، وقّع رئيس وزراء إيطاليا آنذاك، ماريو دراجي، اتفاقية في الجزائر العاصمة لزيادة إمدادات الغاز الطبيعي الجزائري، في وقت تسعى فيه إلى استبدال الغاز الروسي بالتزامن مع بداية الحرب في أوكرانيا.
"دولة صديقة"
وأوردت الصحيفة للمبعوث الخاص للحكومة الجزائرية للصحراء الغربية ودول المغرب العربي، عمار بلاني، قوله إن "إيطاليا بلد صديق كان حاضرا دائما في أصعب الظروف وهو قبل كل شيء بلد يتمسك باستمرار بالمبادئ في مواقفه، خاصة حول القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك".
وتابع: "على عكس ما شهدناه أخيرا مع شركاء آخرين في المنطقة تميزوا بالازدواجية والحسابات الضيقة والأنانية"، في إشارة واضحة إلى تغيير موقف إسبانيا بشأن الصحراء الغربية.
وفي يونيو/ حزيران 2022، بعد ثلاثة أشهر من التحول الجذري في موقف مدريد بشأن النزاع حول الصحراء الغربية، علقت الجزائر معاهدة الصداقة وحسن الجوار مع إسبانيا وألغت المعاملات التجارية من وإلى البلد الأوروبي.
وفي مارس/ آذار 2023، سحبت الجزائر بالفعل سفيرها في مدريد في أزمة لم تُخفف منذ ذلك الحين.
بالموازاة، كان نشاط الدبلوماسية الإيطالية مكثفا وبشكل علني، مع لقاءات دورية على أعلى مستوى بين قادة البلدين.
واستقبل بلاني السفير الإيطالي في 11 مايو 2023 ووصف العلاقات بين البلدين بأنها "ممتازة"، إضافة إلى "إعادة التأكيد على الالتزام الثابت بمواصلة تطبيق الديناميكية الإيجابية التي تدعو لها أعلى السلطات في البلدين".
ونقلت الصحيفة أن "إيطاليا هي إحدى الدول الأوروبية التي استغلت الأزمة الجزائرية الإسبانية على أكمل وجه، حيث عوضت رجال الأعمال الإسبان المتأثرين بإغلاق السوق لمواصلة العمل في البلد المغاربي".
وفي مناخ تميز بالتوافق التام بين الحكومة الإسبانية بقيادة بيدرو سانشيز والمغرب - مع تدابير مثل الافتتاح الوشيك للمركز الثقافي الإسباني سرفانتس في مدينة العيون، عاصمة إقليم الصحراء - عززت ميلوني علاقاتها مع الجزائر.
وفي سيرتها الذاتية، روت ميلوني رحلتها إلى مخيمات اللاجئين عام 2002.
وجاء فيها على لسان ميلوني: "هناك فهمت ما يعنيه أن تحب أرضك حقا (...) شربت الشاي في الصحراء مع النساء الصحراويات اللاتي تنتمين إلى هذا الشعب الفخور بنفسه"، وفق قولها.
ولفتت "الإندبندينتي" إلى أن "الشركات الإسبانية أصبحت المتضرر الأول من الأزمة الدبلوماسية التي استقرت بين الجزائر وإسبانيا، خاصة في ظل غياب توضيح من جانب حكومة مدريد فيما يتعلق بهذه الأزمة المفتوحة".
ودفعت هذه الأزمة، رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، إلى دعوة الجزائر في 15 مايو 2023 على وضع حد للعقبات التجارية التي فرضتها على إسبانيا.
من جهتهم، اختار القادة الجزائريون الصمت خلال زيارة المبعوث الأوروبي.
وأشار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نهاية فبراير/ شباط 2023 إلى أن العلاقات مع إسبانيا "مجمدة، لكنها لم تلغ" بعد تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار.
وحمل تبون بعد ذلك الحكومة الإسبانية مسؤولية اتخاذ "خطوة خاطئة" وارتكاب "عمل عدائي"، من خلال الانحياز إلى أطروحة المغرب المؤيدة للحكم الذاتي لإقليم الصحراء الغربية.