المنشار والجزار.. استياء واسع من حفاوة استقبال ابن سلمان للأسد في جدة

12

طباعة

مشاركة

في دورتها الـ32، اختتمت القمة العربية أعمالها في جدة 19 مايو/أيار 2023، مخلفة وراءها موجة غضب واسعة بين الناشطين على تويتر، وإجماع على عدم علاقتها بالشعوب.

القمة تسلم رئاستها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبد الرحمن نيابة عن الرئيس عبد المجيد تبون.

وينبع الغضب الأساسي من إعادة الجامعة العربية عضوية رئيس النظام السوري بشار الأسد، المعلقة منذ 2011، والسماح له بالخطابة على منبرها بعد قتله وتهجيره الملايين من أبناء شعبه.

وكان ابن سلمان في استقبال الأسد بحرارة بالغة واحتضنه بشدة فور وصوله إلى مقر انعقاد القمة بمركز الملك عبدالله الدولي للمؤتمرات في جدة.

وتظاهر مئات السوريين في عدة مدن وبلدات غير خاضعة لسيطرة النظام السوري، منها إدلب والباب وأعزاز وجرابلس وعفرين وغيرها،، رفضا للتطبيع العربي مع الأسد، واحتجاجا على مشاركته في قمة جدة، وتأكيدا على أنه لا يمثل الشعب.

وأعرب ناشطون على تويتر، عن استيائهم من إعادة الأسد للجامعة العربية ومشاركته في قمة جدة وتعويمه وتجاهل جرائمه بحق الشعب السوري وإساءته المتتالية للبلد المستضيف، مذكرين ببعض جرائم الحرب التي ارتكبها منذ 2011 وحتى اليوم. 

وعبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #قمة_العار، #قمة_جدة، وغيرها، نددوا باستفزاز الدول العربية لمشاعر الشعب السوري المهجر والمعذب والمقهور، ووصفوا الأنظمة العربية بأنها وظيفية خاضعة للخارج. 

واستنكر ناشطون حفاوة استقبال ولي العهد السعودي للأسد واحتضانه بحرارة، ووصفوهما بالمنشار والجزار، في تذكير بجريمة اغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018، التي يتهم ابن سلمان بالوقوف خلفها.

وأثنوا على انسحاب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، من القمة قبل إلقاء الأسد كلمته، واقتصار تواجده على حضور الجلسة الافتتاحية ومغادرته دون عقد أي لقاءات ثنائية أو إلقاء كلمة، وعدوا حضوره مجاملة للسعودية ومغادرته رسالة تضامن مع الشعب السوري.

وبرزت الإشارة إلى انعقاد القمة وسط غياب كبير لرؤساء بعض الدول العربية، على رأسهم ملك السعودية وسلطان عمان وأمير الكويت ورئيس الإمارات وملك المغرب، بالإضافة إلى رؤساء الجزائر، والسودان، ولبنان، والعراق، وجزر القمر. 

أنظمة وظيفية

وتفاعلا مع الأحداث، وصفت الناشطة الحقوقية السعودية حصة الماضي، الأنظمة المجتمعة في القمة العربية، بأنها حكومات وظيفية مستبدة اجتمعت في قمة العار لإعادة بشار الكيماوي لحظيرتهم الاستبدادية متباهين بجرائمهم وقمعهم لشعوبهم.

وذكر الناشط السياسي عيسى الشفلوت، بأن القمم تجتمع فيه القيادات التي تعبر عن شعوبها لمناقشة ما يرفع مكانة أمتها والحفاظ على عزة وكرامة أبنائها.

وأكد أن ما تفعله الأنظمة المغروسة في جسد الأمة هدفه لإذلال الشعوب التي يتآمرون عليها ويسلمون رقابها لعدوها ويناقشون كيفية سرقة مقدراتها.

وأشار الباحث السياسي العراقي نظير الكندوري، إلى أن غياب الرادع الأخلاقي عن الأنظمة العربية وبالأخص الخليجية، ليس بالأمر الجديد.

ووصف الصحفي السعودي المعارض تركي الشلهوب، "القمة العربية"، بأنها حالة من الاستدعاء السياسي بين الأنظمة للاتفاق ضد الشعوب.

وكتب الصحفي العراقي عمر الجنابي: "العالم الذي يحاسبنا على بعض الحروف، ويحتضن قتلة الشعوب ويصدر الميليشيات لحكمها، ويقدم من ضرب شعبه بالغازات السامة فقط لأنهم نادوا بتغييره، لا يستحق هذا العالم الامتثال لشروطه وقواعده وسلوكياته.. عالم عاهر يتحدث بالمثاليات، ويتنصل عندما يصل الأمر إلى حق الشعوب بالعيش الكريم!".

المنشار والبراميل

وصب ناشطون غضبهم على ولي العهد السعودي مستخدمين بعض الأوصاف التي أطلقت عليه منذ تورطه في اغتيال الكاتب السعودي جمال خاشقجي، وأعربوا عن استيائهم من الحفاوة التي استقبل بها الأسد، مؤكدين أنهما متشابهان في الإجرام.

ووصف الأمين العام لحزب التجمع الوطني السعودي المعارض عبدالله العودة، قمة جدة بأنها "تجمع المنشار والكيماوي/البراميل المتفجرة" (التي يليقها نظام الأسد على المدنيين).

وقال رئيس حزب التجمع الوطني عمر بن عبدالعزيز: "حتى إعادة تدوير الزبالة الأسد فعلها ابن سلمان من أجل صور يلتقطها وترند يظهره كزعيم للعرب لكن غاب عن القمة، سلطان عمان، وملك المغرب، وأمير الكويت، ورئيس الجزائر، وبالتأكيد لم يحضر محمد بن زايد لأنه يرى نفسه هو زعيم العرب وعلى التلميذ ألا يتجاوز مقعده الخلفي".

 وعلق عبدالحكيم بن عبدالعزيز الدخيّل، على صورة جمعت ابن سلمان والأسد، قائلا: "صورة للتاريخ لكنها ملطخة بعار أبدي لمن تلطخت أيديهما بدماء الأبرياء وحقوق الضعفاء".

واستنكر ترحيب ابن سلمان الحار بالأسد، ووصفه بأنه "ترحيب من مستبد بآخر مشابه له"، مؤكدا أنه ما جرى في جدة بإجماع عربي واسع النطاق هو قمة العار، لعدة أسباب أهمها هذه اللقطات المخزية.

ونشر فيصل الغامدي مقطع فيديو لاستقبال ابن سلمان والأسد بالأحضان، وعلق عليه: "قد يقول قائل: هذه لحظة عار في تاريخ مبس، ولكني أقول: تاريخ مبس كله عار، عار على المملكة وتاريخها وعار على الأسرة المالكة".

وأكد أن ابن سلمان لم يتلطخ بمصافحة سفاح الشام لأنه ملطخ بالدماء والجرائم التي لا تقل عن التي فعلها الأسد، وفق وصفه.

وأعرب الشاعر عبد الرحمن طرشان، عن أسفه من رؤية شخص مثل الأسد في قمة جدة التي يسمونها القمة العربية!، قائلا: "لا أدري فيم يفكر بن سلمان باستضافة وغد كهذا سفاح جزار طائفيٍّ مثل بشار الأسد".

وانتقد الأمين العام السابق لحزب التجمع الوطني السعودي المعارض يحيى عسيري، إعادة الأسد للجامعة العربية، مؤكدا أن القتلة في القمة العربية يد واحدة للتصهين والقتل.

وقال: دعونا إلى تجنب الصراعات وتجنيب المنطقة صراعات الطغاة فوق رؤوس الشعوب، فدعوا لـ"حضيضٍ" للطغاة لتوحيد الجهود ضد الشعوب، وتحديد العدو المشترك (الحرية)، وتوجيه الصراع يدا واحدة ضد شعوبنا ومنطقتنا.

وذكرت مغردة، بأن ابن سلمان كان بالأمس القريب يتوعد الأسد، وكان الأخير يقول عنه بأنه هو من يموّل المسلحين في سوريا، متعجبة من لقائهم في قمة جدة بالعناق والقبلات.

وأضافت: "ليس بغريب من أبو منشار -في إشارة إلى ابن سلمان- الذي قطع خاشقجي وقام بتذويبه في الحمض ورمى بقايا جثته في مجاري إسطنبول وكأنه لاشيء"، قائلة: "الساديين بعضهم أولياء بعض".

جرائم الأسد

وهاجم ناشطون بشار الأسد، وانتقدوا خطابه الحامل للأكاذيب والافتراءات، وذكروا بجرائمه بحق شعبه.

وأكد الرئيس التنفيذي لمركز الدراسات والبحوث العراقية المستقبلية رفعت الزبيدي، أن كل كلمة خرجت من فم جزّار سوريا هي كذب ونفاق شأنها شأن رؤوس الأنظمة العربية البعيدين عن تطلعات الشعوب المُبتلاة بهم. 

وأضاف أن الأسد كاذب حين يتحدث عن الأخطار، فالخطر من خلال سياسته ضد شعبه وتبعيته لإيران، مشيرا إلى أن من يحمل قضية شعبه كعراقي أو سوري مكتوين بالهيمنة الايرانية ومليشياتها.

ورأى مغرد سوري، أن ما جرى هو إعلان حرب صريح على شعوب العالم العربي كله وتضامن رسمي مع جزار سوريا واعتراف بشرعية جرائمه بحق الشعب السوري واستباحة دمائه.

وأضاف أن ما جرى يوجب على الشعوب العربية كلها الاستعداد لتداعيات هذا الإعلان الذي جعل من دمائها ماء ومن أرضها هباء استقواء بالاحتلالين الأميركي والروسي.

وذكر الناشط السوري عمر مدنية، بأن الأسد الذي احتضنه ابن سلمان قبل قليل كان يُدرب مليشيات الحوثي (اليمنية) في دمشق على الصواريخ لإطلاقها على السعودية.

وسخر من حديث الأسد خلال القمة عن جرائم الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني، متناسيا انه قتل عددا كبيرا من الفلسطينيين وتم رميهم في حفرة التضامن بدمشق.

وكتب الباحث في الشؤون الدولية أنور مالك: "12 عاما ونظام الأسد يبيد السوريين ولم يمنح فرصة واحدة للحوار السياسي بعيدا عن فوهات البنادق ثم يأتي اليوم ليحاضر على العالم من جامعة الدول العربية عن الحل السياسي للأزمات."

وتابع: "12 عاما وبشار فتح سوريا لميليشيات إيران وعسكر روسيا لذبح السوريين ثم نراه اليوم على مرأى حكام العرب يدين التدخل الأجنبي في شؤون الدول العربية.. 12 عاما وهو يتطاول على كل عربي دافع عن طفولة تعذب وحرمات تغتصب ووطن يخرب ثم في أول ظهور له عبر قمة عربية حاول تقديم دروس عن أخلاق يدين بها نفسه قبل غيره.."

إشادة بقطر

وأشاد ناشطون بانسحاب أمير قطر قبل إلقاء الأسد كلمته، وأثنوا على تضامن شعبها مع القضية السورية وإيمانهم بمطالب السوريين وثورتهم، وتحدثوا عما تحمله الخطوة من رسائل ودلالات، معربين عن امتنانهم لها وتقديرهم للموقف الأخلاقي المشرف والمسؤول.

وأكد السياسي والكاتب السوري المعارض محمد ياسين نجار، أن موقف الشيخ تميم والشعب القطري الأخلاقي المناصر لإخوتهم في سوريا خلال قمة جدة بالتزامن مع تخلي كثير من العرب وترحيبهم بالسفاح لن ينسى مدى الدهر، متمنيا لقطر وشعبها دوام الازدهار والتقدم، وفق تعبيره.

ورأى أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة الإسلامية وصفي عاشور أبو زيد، أن انسحاب أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني من قمة جدة قبل إلقاء جزار سوريا وسفاحها كلمته، ودون أن يلقي هو كلمته أيضا موقف يُشكر عليه، ويستحق الإشادة؛ لأنه انحياز للشعوب وآلامها، ورفض للقتل وسفك الدماء والإجرام الذي قام به سفاح الشام وعصابته الإجرامية.

وأوضح أستاذ العلوم السياسية الكويتي عبدالله الشايجي، أن موقف قطر، يؤكد على عدم توفر إجماع من الدول العربية على استعادة سوريا عضويتها.

وأشار إلى أن موقف قطر مبدئي حول قرار إعادة النظام السوري للجامعة العربية، ومغادرة أميرها مبكراً رسالة مفادها "المشكلة في سوريا ليست بيننا وبين النظام بل بين النظام والشعب، لن نخرج عن الاجماع العربي، لكن لكل دولة قرارها السيادي بالتطبيع".

وأشار الكاتب الصحفي عبدالله العمادي، إلى أن أمير قطر غادر قمة جدة قبل أن تتحول لعبرية علوية، قائلا: "استمع لمن انضم للجمع ومازالت يده ملطخة بدم أبرياء لم تنظف بعد، لتدرك خطورة ما يتم رسمه للعرب وهم في غفلة معرضون".

ووصف مدير مركز لندن لإستراتيجيات الإعلام أحمد رمضان، الشيخ تميم بأنه شهم نبيل في انحيازه الأخلاقي للضحايا، وصوت معبِّر عن ضمير شعبه، ونُبلِ العروبة ومروءة الإسلام.