عزل "باشاغا".. حبكة مصرية إماراتية جديدة أم توجه نحو استقرار حقيقي؟

12

طباعة

مشاركة

بعد فشل محاولاته لدخول العاصمة طرابلس لأداء دوره كرئيس وزراء، أعفى مجلس النواب الليبي، في 16 مايو/أيار 2023 فتحي باشاغا من هذا التكليف الذي أوكله إليه في مارس/آذار 2022 وأحاله للتحقيق.

المجلس كلف وزير المالية أسامة حماد بتسيير مهام رئاسة الحكومة، بالإضافة لتوليه وزارة المالية، ‌وفق المتحدث باسم مجلس النواب "عبد الله بليحق".

‌قبل عزله، كلف باشاغا نائبه علي فرج القطراني بتسيير مهام الحكومة وفوضه بكامل الصلاحيات الممنوحة لرئيس الوزراء من دون توضيح السبب أو مدة ذلك التفويض، وذهب لمنزله في مصراتة.

مراقبون تساءلوا عن سبب قرار عزله الآن، خاصة أن حكومة باشاغا كانت مجمدة وبلا وظيفة فعلية، في ظل عملها من مناطق سيطرة اللواء الانقلابي خليفة حفتر، وعدم تحكمها في أي شيء في الدولة الليبية؟ فما الجديد؟

وتعيش ليبيا منذ أشهر طويلة على وقع انقسام حاد بين حكومتين، واحدة يرأسها عبد الحميد الدبيبة المعترف بها دوليا، والثانية بقيادة فتحي باشاغا الذي عينه برلمان طبرق الذي يضم الموالين للانقلابي خليفة حفتر.

وفشلت الحكومتان في تأمين إجراء الانتخابات التي لطالما عول عليها المجتمع الدولي والأمم المتحدة من أجل نقل البلاد إلى المسار الديمقراطي بعد سنوات من الحرب والفوضى.

لماذا أقالوه؟

كان المبرر الرسمي المعلن من جانب المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب الليبي "عبد الله بليحق" لإقالة فتحي باشاغا هو أنه "لم ينفذ وعوده وفي مقدمتها العمل من داخل العاصمة طرابلس"، وفق موقع "العربية" السعودي 17 مايو 2023.

قال إن الحكومة تعثرت في أداء مهامها والوفاء بتعهداتها ولم تحقق أهدافها والبرنامج الذي تقدمت به أمام البرلمان، وتعهدت بتنفيذه، فضلا عن إخفاقاتها على المستوى الخدمي أو السياسي".

وأكد نواب آخرون لصحف ليبية، أن النية لدى مجلس النواب حاليا "تشكيل حكومة مصغرة لتتولى عددا من المهام، على رأسها إجراء الانتخابات قبل نهاية العام 2023".

وكالة "ليبيا برس" الموالية لحفتر قالت إن فتحي باشاغا هرب من المناطق الخاضعة لسيطرة اللواء المتقاعد، بعد إقالته وإحالته للتحقيق بتهم فساد.

ذكرت أن باشاغا صدر بحقه "أمر قبض بتعليمات من صدام نجل خليفة حفتر وأنه وصل إلى مقر سكنه بشارع بازينة في مدينة مصراتة قادما من سرت".

وفي أغسطس/آب 2022 أصدر المدعي العام العسكري التابع لحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، أمرا بالقبض على رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان فتحي باشاغا، على خلفية اشتباكات جرت في طرابلس، بعد محاولته العودة، ما يجعل عودته للعاصمة مستبعدة.

لكن "وكالة نوفا" الإيطالية للأنباء، أكدت في 18 مايو 2023 أن سبب إيقاف فتحي باشاغا هو "رفضه منح عقود لبناء المشاريع لشركات تابعة لخليفة حفتر".

نقلت عن مصدر ليبي أن "أسباب الإيقاف هي خلاف ما سوقه بعض النواب أنه بسبب ملفات فساد، وأنه إهدار للمال العام"، مؤكدة ما تردد عن خلافات مع أبناء حفتر.

عضو مجلس النواب عبد السلام شوها، كشف، عبر تويتر، أن قرار إيقاف باشاغا "تم بشكل عاجل بمقترح من 10 نواب وجدول أعمال النواب تمت صياغته بشكل عاجل"، أي أن من حضروا أقلية ولم يبلغوا النصاب، والقرار بدون إجراءات قانونية.

وقال عضو مجلس النواب اللواء سالم قنيدي لـ "قناة فبراير" الليبية 16 مايو 2023: "صدرت تعليمات مباشرة للنواب بإقالة فتحي باشاغا من رئاسة الحكومة".

أضاف: "بعد فشله في الدخول إلى طرابلس لم يعد لباشاغا دور يذكر، لذلك انتهى دوره في المشهد".

أيضا فسر "جلال القبي"، عضو المكتب الإعلامي لعملية بركان الغضب (جرى بموجبها تحرير طرابلس من هجوم حفتر عام 2019) عبر تويتر، إقالة باشاغا بأن "عقيلة صالح (رئيس البرلمان) انتقم منه بطريقة خبيثة بعد حرق أوراقه وتدمير قاعدته الشعبية".

وأوضح عضو مجلس النواب، عبد المنعم العرفي، أن طرح مسألة إقالة باشاغا بجدول أعمال المجلس، فاجأت الأعضاء، لكنه قال إنه كان متوقعا لأنه "لا يمتلك أي أذرع لتنفيذ مهامه"، والنية لتشكيل حكومة موحدة لإجراء الانتخابات.

المفارقة أنه رغم ربط الإقالة بالتحقيق في ملفات فساد مع باشاغا، لم يكشف متحدث البرلمان طبيعة الاتهامات التي سيتم التحقيق فيها معه أو الجهة التي ستحقق معه، ما أثار تكهنات أن الأمر "كيدي" لتبرير التخلص منه.

وقالت مصادر ليبية لـ "الاستقلال"، إن الاتهامات الموجهة لباشاغا ليست بسبب فساد وإنما لأنه فشل في تدبير أموال لقوات حفتر وحكومته لامتناع المصرف المركزي في طرابلس عن مده بالأموال، وتولي حكومة الدبيبة مسألة توزيع الأموال.

وكان أحمد الروياتي، مستشار رئيس الحكومة الموقوف عن العمل، أشار في تصريحات صحفية إلى "خلافات حول توزيع أموال الموازنة العامة"، وأنه "تعرض إلى ضغوط كبيرة من تيارات سياسية مختلفة بشأن ذلك".

وقال منسق مكتب شمال إفريقيا والشرق الأوسط لدى وكالة" نوفا" الإيطالية، أليساندرو شيبيوني، في تصريحات لصحيفة "الشروق" المصرية 17 مايو 2023 إن باشاغا الذي عينه البرلمان "مات سياسيا" بعد فشل محاولاته دخول العاصمة طرابلس.

وشكك "شيبيوني" في قدرة رئيس الوزراء الجديد المكلف أسامة حماد، في فرض نفسه خصوصا لدى الغرب، لافتا إلى رغبة رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح في تشكيل حكومة ثالثة.

طبخة مصرية

وعادت مصر للتعامل مع الدبيبة، رغم إعلانها في 6 سبتمبر 2022 "انتهاء ولايتها الشرعية"، وتأكيد وزير خارجيتها سامح شكري 9 أكتوبر 2022 أنها "غير شرعية ويجب عدم التعامل معها"، وفق صحيفة "اليوم السابع".

في 17 مايو 2023 كشف المكتب الإعلامي لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، أن الدبيبة، التقى مع "وفد مصري ومسؤولين من جهاز المخابرات المصرية" لبحث نتائج أعمال اللجنة المشتركة المصرية الليبية التي بدأت أعمالها قبل عامين.

قيل إن هدف اللقاء هو بحث "المشروعات التي ينفذها ائتلاف الشركات المصرية" في ليبيا، وتسهيل مصر منح التأشيرة للمواطنين الليبيين، "إضافة إلى جملة من الملفات ذات التعاون والتنسيق المشترك".

لكن كان من الواضح أن عودة مصر وبوفد من المخابرات للتواصل مع حكومة الدبيبة، له أسباب أخرى تتعلق بعودة القاهرة للتحرك في الملف الليبي، وعزل باشاغا.

الصحفي المصري الخبير في الشؤون الليبية "علاء فاروق" ربط بين اختيار الحكومة المصرية توقيت إعادة التواصل مع حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة وإيقاف رئيس حكومة البرلمان "باشاغا".

أوضح لـ "الاستقلال" أن هذا التحرك المصري بعد انتهاء حكومة باشاغا، هو "تمهيد لفتح طريق لمفاوضات جديدة".

أشار إلى أن "زيارة الوفد المصري رفيع المستوى لطرابلس ولقاء الدبيبة جاء بالتزامن مع احتضان مصر لاجتماعات أقرب للمفاوضات بين قادة عسكريين من الشرق والغرب".

ويكمن الهدف في "البحث عدة ملفات منها سلطة تنفيذية موحدة ربما بوجوه جديدة أو الإبقاء على الدبيبة مع تغييرات وزارية"، وفق فاروق.

ونوه إلى أن التحرك المصري جاء أيضا بسبب "انشغال الفاعل الإقليمي القوي (تركيا) في شؤونها المحلية وانتخاباتها، مما أعطى القاهرة متنفسا للتحرك".

شدد على أن مصر كانت لها "قراءات خاطئة عدة في التعاطي مع الملف الليبي لكن الإيجابي فيها أنها تحاول تداركها قبل أن يُسحب البساط من تحت أقدامها".

وكانت مصر اضطرت للتعاون مع حكومة طرابلس، بعد وقوفها مع الانقلابي حفتر خلال غزوه للعاصمة وفشله، وزار طرابلس أول وفد استخباري مصري في 27 ديسمبر 2020 برئاسة وكيل المخابرات العامة اللواء أيمن بديع.

وقيل حينئذ إن الزيارة كان لها عدة أهداف، أبرزها رغبة مصر في "استباق المزيد من التحريض الإماراتي على مغامرة عسكرية جديدة لحفتر"، حسبما قال مسؤول مصري مُطلع لموقع "مدى مصر" 28 ديسمبر/كانون أول 2020.

قال إن زيارة الوفد المصري أتت على خلفية استياء القاهرة من التحرك الإماراتي لـ "فرض حرب أهلية" في ليبيا، فيما قال مصدر سياسي ليبي رفيع المستوى، مطلع على لقاءات طرابلس، إن المصريين أبلغوا الليبيين أنهم لن يقبلوا بالعودة إلى الحرب.

ويعتقد محللون أن سبب عودة مصر لطرابلس للمرة الثانية بعد قطيعة معها وعدم اعترافها بحكومة الدبيبة هو أيضا الإمارات، مشيرين لتنشيط تدخلها مجددا في شؤون ليبيا بما قد يضر مصالح مصر، وربطوا عزل باشاغا بدور القاهرة.

ويوم 16 فبراير/شباط 2023، وبالتزامن مع عدم اعتراف مصر به، زار عبد الحميد الدبيبة الإمارات، والتقى رئيس الإماراتي محمد بن زايد، في خطوة أثارت تساؤلات.

وتكهنت وكالة "سبوتنيك" 16 فبراير 2023، أن تؤثر زيارة الدبيبة للإمارات في الموقف المصري، غير المعترف بشرعية رئيس الوزراء المذكورة.

وخاصة أن موقف الإمارات نفسها لا يزال ضبابيا من الدبيبة، وفق ما قالت الوكالة الروسية.

حكومة ثالثة؟

ترى "مصادر ليبية" أن إقالة باشاغا، برغم أنها نتيجة خلافات بينه وبين أبناء الانقلابي خليفة حفتر، ولأن حكومته مشلولة لا تتحكم في أي شيء، فإنه قرار تأخر لحين جرى اتفاق مبدئي بين أطراف إقليمية على تشكيل حكومة ثالثة تدير الانتخابات.

أوضحت المصادر لـ "الاستقلال" أن هناك مشاورات كانت تجري وراء الكواليس في القاهرة وعواصم أخرى من أجل الترتيب للانتخابات المقررة نهاية 2023، ونزع فتيل حرب جديدة محتملة في ليبيا، وأكدت ذلك زيارة وفد المخابرات المصرية الأخيرة لليبيا.

قالت إن الحديث يدور عن تشكيل حكومة ثالثة غير حكومتي الدبيبة وباشاغا لتشرف على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة.

ورجحت المصادر أن تكون إقالة باشاغا جزءا من هذه الكواليس، برغم تعيين بديل مؤقت له في حكومة بنغازي هو وزير المالية، الذي يتردد أنه قد يعهد له لاحقا منصب وزير المالية في الحكومة الثالثة المقترحة.

وقد تحدث عضو مجلس النواب اللواء "سالم قنيدي" لمنصة "صفر" الليبي 16 مايو 2023 عن أن "وجود طبخة تُعد في القاهرة، هي الاستعداد لتشكيل حكومة جديدة ما بين الدبيبة وحفتر"، لكنه عدها "مكائد تحاك ضد البلاد".

وأردفت: يجرى ترتيب الحكومة الجديدة في القاهرة بين الدبيبة وحفتر، وأيضا أسامة حماد، المكلف برئاستها مؤقتا، والذي يتوقع أن يكون وزير المالية فيها أيضا.

لكن رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، وصف قرار مجلس النواب بـ "العبث السياسي"، وهو يعقب على قرار سحب الثقة من حكومة باشاغا.

قال في سلسلة تغريدات على حسابه بموقع تويتر إن مجلس النواب يستمر في عبثه السياسي، وندعوه للاتفاق مع مجلس الدولة على تشكيل حكومة مصغرة لغرض إجراء الانتخابات وإنهاء المرحلة الانتقالية.

وهو ما يطرح تساؤلات حول مصداقية ما أثاره نواب ليبيون عن السعي لتشكيل حكومة موحدة بين الدبيبة وحفتر، وإلا لكان "المشري" رحب بقرار عزل باشاغا، الذي وصفه بأنه جرى بطريقة "مريبة".

واتهم المشري مجلس النواب بالعبث لأنه "حجب الثقة عن حكومة الوحدة الوطنية دون التشاور مع المجلس الأعلى للدولة، ولم يعتمد الميزانية العامة للدولة، ما جعل حكومة الدبيبة تصرف الأموال وتستخدمها بلا رقيب ولا حسيب، وفق قوله.

وفي 27 فبراير/شباط 2023، أعلن المبعوث الأممي الخاص عبد الله باتيلي في إحاطة أمام مجلس الأمن مبادرة لإجراء انتخابات في 2023 تتضمن "إنشاء لجنة توجيه رفيعة المستوى واعتماد إطار قانوني وجدول زمني ملزِم لإجرائها".

ووفق مبادرة أممية سابقة أجرى مجلسا النواب والدولة مفاوضات لنحو عام للتوافق على قاعدة دستورية تقود إلى انتخابات، إلا أن تلك المفاوضات تعثرت الأمر الذي دعا باتيلي لإعلان مبادرته الجديدة.