الشارع المغاربي يدافع عن أردوغان ضد حملة الإعلام الغربي.. الرسائل والدلالات
تفاعل الشارع المغاربي، عبر عدد من الفاعلين الإعلاميين والسياسيين والمثقفين، مع الحملة التي تشنها وسائل الإعلام الغربية ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وأكد هؤلاء دعم تركيا ومسارها الديمقراطي وحياتها السياسية الصحية، رغم كل الملاحظات المسجلة، مقارنة مع الوضع القائم في البلدان المغاربية والعربية عامة، حيث تغيب هذه الحرارة في الانتخابات.
ويواجه أردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية، ستة أحزاب معارضة جمعت قواها لخوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المزمع إجراؤها في 14 مايو/أيار 2023، واختارت زعيم المعارضة كمال كليتشدار أوغلو مرشحا لها لمواجهة الرئيس الحالي.
مواجهة الغرب
تداول فاعلون بدول المغرب العربي تدوينات داعمة لأردوغان في مواجهة الهجمة الإعلامية التي تقودها منابر غربية ضده بشكل واسع النطاق.
وفي هذا الصدد، شاركت القيادية بنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب حليمة الشويكة، خبر حضور مليون و700 شخص للتجمع الخطابي للرئيس أردوغان بإسطنبول، في 7 مايو/أيار 2023، قائلة إن "الإنجاز يتحدث".
وأضافت الشويكة في تدوينة نشرتها بحسابها على فيسبوك: "وعندما تكون أميركا وحلفاؤها خصما انتخابيا يؤلب الشعب ضد مرشح ما التصويت له حتمي.. فقط عندما يغيب التزوير". وأردف: "وطبعا، الانتقادات والأخطاء جزء لا يتجزأ من الممارسة السياسية".
بدوره، قال الأكاديمي والباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، علي فاضلي، في تدوينة بحسابه على فيسبوك، 8 مايو إن صحيفة إيكونومست البريطانية أعلنت بكل صفاقة أن على أردوغان أن يرحل.
ونقل فاضلي ما كتبته الجريدة في هذا الصدد، ومنها قولها: "إذا فاز كمال كليتشدار أوغلو بالرئاسة، فستكون هذه لحظة عظيمة لتركيا وأوروبا والنضال العالمي من أجل ديمقراطية حقيقية. نحن نؤيد بحرارة مرشح المعارضة"، وفق وصفها.
وأردف أن هناك "حملة إعلامية غربية شرسة ضد أردوغان الذي يتهم بأنه ديكتاتور وهو الذي فاز بانتخابات ديمقراطية، وخسر حزبه مدنا كبرى في الانتخابات البلدية، وهو الذي تسبه المعارضة وتهاجمه".
وتابع: "الغرب يحرم التدخل في انتخاباته ويعاقب من يقوم بذلك، أما هو فيقدم الدروس لشعوب العالم حول من يجب عليهم انتخابه ويتدخل بيده ورجله في ديمقراطية بقية شعوب العالم".
أما الإعلامي والناشط السياسي التونسي نصر الدين السويلمي، فقال إن هناك "هجمة إعلامية رهيبة على أردوغان، متسائلا عن السبب الذي يجعل أوروبا والغرب يكرهه إلى هذه الدرجة.
وتابع السويلمي في تدوينة نشرها بحسابه على فيسبوك، 9 مايو 2023، "يقولون لأنه دكتاتور! كيف وهو الذي جاء بانتخابات وتعيش في عهده تركيا واحدة من أهم وأسخن الانتخابات في العالم؟"
واسترسل: "كيف لا يهاجمون (رئيس النظام المصري عبد الفتاح) السيسي وانقلابه، ولا يهاجمون دكتاتورية واجرام الكيان (الإسرائيلي)، ولا يهاجمون الأنظمة الشمولية العربية والإفريقية والآسيوية وأمريكا اللاتينية، ويهاجمون أردوغان؟"
وأضاف السويلمي: "كيف يساعدون الأنظمة العسكرية في البقاء في السلطة، ويتآمرون على إسقاط وهزيمة الرئيس المدني المنتخب الذي أخرج العسكر من السلطة؟!"
الجواب، يقول الإعلامي التونسي: "لأنهم لا يخوضون مع أردوغان مواجهة انتخابية وإنما يخوضون معه معركة حضارية يريدونها تركيا الذيل المسيحي بينما يريدها هو الصدر الإسلامي".
هموم مشتركة
للتعليق على دعم الشارع المغاربي لأردوغان في مواجهة الإعلام الغربي، قال رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة "امحمد الهلالي" لـ "الاستقلال"، إن الأمر يرتبط بالهم المشترك العابر للحدود بين تركيا والبلدان العربية.
وأوضح الهلالي أنه عندما ترتقي الممارسة السياسية في أي بلد ما من الصراع حول مصالح المتنافسين فيما بينهم إلى مستوى الصراع حول القيم المشتركة بين الشعوب والأمم، فإن الانحياز مع هذا أو ضد هذا لا يقتصر على المعنيين مباشرة بهذا الصراع، ولا يبقى حبيس حدود هذا البلد، بل يصبح هما مشتركا عابرا للحدود.
ولذلك، أردف المتحدث ذاته، أن من الطبيعي أن يصطف الغرب بإعلامه ونخبه وساسته ومسؤوليه ضد أردوغان لما أصبح يمثله من نموذج للتحرر والاستقلال والسيادة، ونموذجا في التعبير عن الإرادة العامة، ليس لشعبه وحسب، ولكن لأي شعب يتطلع إلى ذلك.
وتابع: "إذا كان التعبير بالانحياز مع أردوغان أو ضده قد يعتبر في سياق ما تدخلا في شؤون بلد آخر، فإنه يغدو واجبا في الحالة التي يصبح فيها التكالب على نموذج ديمقراطي صاعدا وكفؤا ومحققا لدرجة كبيرة من النماء والرفاه لشعبه ومتصدرا للصفوف الأولى في دعم القضايا العادلة للأمة".
واسترسل الهلالي: "هذا النموذج يسهم بأقساط معتبرة في محاربة الفقر والفاقة في العالم، وفي دعم الحرية والديمقراطية لفائدة جميع الشعوب بلا تمييز".
وشدد الأكاديمي المغربي، أنه في هذه الحالة، يصبح من واجب كل الأحرار والديمقراطيين وكل المدافعين عن القيم الكونية المشتركة بين الشعوب، أن ينحازوا لدعم الديمقراطية ومناهضة الانقلاب عليها خاصة بالوسائل الناعمة.
ورأى أن من يدعمون أردوغان اليوم إنما يساندون تركيا حرة وسيدة وفاعلة في تحقيق السلم والعدل في العالم.
وبين أن هؤلاء "يدعمون تركيا منحازة للأمة ولقضاياها العادلة، ورافعة لصوتها في رفض المس بمقدساتها وازدراء رموزها ومدافعة عن حياضها"، وفق تعبيره.
وتوجه الهلالي بالخطاب لمن يستكثر على الأمة وعلمائها وشبابها وأحرارها دعمهم لأردوغان قائلا: "لماذا يصمتون عن دعم ساسة الغرب وإعلامه للمعارضة التركية التي يعلم الجميع انحيازاتها القيمية وماضيها الأسود ضد ثوابت الأمة ومقدساتها وخاصة في فلسطين؟"
وتساءل: "لماذا يتغاضون عن الهجمات التي تشنها غرف تحرير أكبر المجلات والتلفزات عبر العالم؟ فهل هذا ليس تدخلا في الشؤون الداخلية أم أن ذلك حلال على الغرب حرام على الأمة؟"
وتابع: "لماذا يضعون الفيتو ضد انتخاب الشعوب لبعض التوجهات وينفقون الأموال الطائلة من أجل أن تفرز صناديق الانتخابات نخبا بعينها؟"
وعلى قاعدة الانحياز للديمقراطية ضد الاستبداد، والحرية ضد الاستعباد، والتحرر ضد التبعية، والسيادة والاستقلال ضد الاستعمار الجديد، "من هذه المنطلقات كلها فإن دعم أردوغان أو مناهضته لم يعد أمرا محليا او شأنا تركيا محضا"، وفق تقدير الهلالي.
وأضاف، "بل أضحى قضية تحرر إنساني واختيار مبدئي وقيمي، يصبح فيه الحياد دروشة وغفلة وسذاجة سياسية، لا تليق بأصحاب المبادئ، ولا بحملة هَم التغيير وهَم تحرر الأمة ونهضتها".
دعم عربي واسع
يرى الكاتب والمحلل السياسي شريف أيمن، أن هذا الهجوم الإعلامي أحد أسباب دعم أردوغان في المنطقة.
وأردف أيمن في مقال رأي نشره عبر موقع "عربي 21"، في 10 مايو 2023، "شعوبنا لديها موقف من الأنظمة الغربية المحتضنة لجلادينا، ولدينا أيضا تاريخ من الإرث الاستعماري مع معظم دول الغرب الكبرى".
وتابع: "فضلا عن التاريخ القريب للاحتلال الأميركي في العراق وأفغانستان، وفوق كل هذا دعمهم لكيان الاحتلال الصهيوني، فإذا كان هذا إرث هذه الدول معنا، فكيف يمكن للمتابع العربي أن يثق تماما في توجه هذا الإعلام؟"
وأما السبب الثاني لدعم أردوغان عربيا، وفق أيمن، فيتمثل في "أننا نعاني من غياب عنصر الديمقراطية في أوطاننا، ووجود أمة ديمقراطية في محيطنا الثقافي والجغرافي وامتدادنا التاريخي".
وهو ما يجعلنا نفرح لوجود هذا النموذج، ونتطلع إلى اللحاق بهذه الحالة، ونعلم يقينا أن الديمقراطية بوابة حل مشاكلنا المزمنة وشديدة التعقيد، كما قال.
وأضاف، "ثم هناك البعد الديني الذي يتملَّك العرب والمسلمين"، والحسابات المعنوية، ناهيك عن "تعاطف آخر يتعلق بمظلومية المضطهدين العرب عموما، والسوريين خاصة".
بدوره، قال الإعلامي المصري علي أبو هميلة، إن انتخابات تركيا بما فيها من أجواء جديدة على المساحة الجغرافية العربية، تجعلنا نقارن بين هذه الأوضاع وحال أمتنا العربية.
وأضاف أبو هميلة في مقال رأي نشره عبر "الجزيرة مباشر"، 8 مايو 2023، "خاصة مع ما يحدث في السودان الذي كان قد اقترب من فكرة التحول الديمقراطي، ثم ما آلت إليه الأوضاع الآن من الاقتراب من شبح الحرب الأهلية، بعد أن انقلب أصحاب القوة على بعضهما بعضًا، ليسير على خطى دول عربية أخرى أفشلت تجاربهم الديمقراطية الناشئة".
وأكد أنه "بحكم القرب الجغرافي والتقارب الثقافي والاجتماعي، يرصد المواطن العربي والأنظمة العربية الانتخابات التركية، ويتطلعون إلى أن تشهد أوطانهم مثل هذه الانتخابات".
ومن أسباب هذا الاهتمام أيضا، وفق أبو هميلة، أن "تركيا على مرمى البصر العربي"، وأنها "حاضرة في عقل العربي وذهنه سواء بالمحبة وهي الغالبة، أو الحاسدة لنجاحتها الاقتصادية والسياسية".
وخلص إلى القول بأن "التجربة التركية ستظل دائما جزءا من حلمنا أن نراها في الأوطان العربية قاطبة".
الدعم الذي يتلقاه أردوغان ليس فقط من النخب السياسية والإعلامية والثقافية، ولكن أيضا من علماء الأمة، ومنهم العديد من علماء موريتانيا.
وفي هذا الصدد، وصف محمد إلهامي، الباحث في التاريخ والحضارة الإسلامية، البيان الصادر عن علماء الأمة بشأن الانتخابات التركية بـ"المشرف".
جاء ذلك في تدوينة لإلهامي نشرها بحسابه على فيسبوك، 9 مايو 2023، حيث رأى البيان أن "قضية الانتخابات التركية واحدة من القضايا الإسلامية العامة التي يتأثر المسلمون بنتائجها داخل تركيا وخارجها"، ولذلك "لا يسع أهل العلم منهم السكوت عن بيان الأمر فيها، وتقديم النصيحة بشأنها".
خوف غربي
وقال المصدر ذاته، إنه "من المعلوم لكل متابع أن سياسة تركيا في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان عادت على المسلمين بنفع كثير، وأول المستفيدين أهل البلاد أنفسهم".
إذ وفرت هذه السياسة الحرية والأمن للجميع، ورفعت الإصر الذي كان مفروضا على الحجاب وغيره، حتى تكاثرت فيها المساجد وكثر فيها حفظة القرآن، بحسب قوله.
وتابع، "بالإضافة إلى ما حققته تركيا من الصعود القوي سياسيا حتى صارت فاعلا قويا على مستوى القضايا الإقليمية والدولية، وكذلك ما شهدته من نهضة اقتصادية كبيرة دخلت بها في الدول العشرين الأقوى اقتصاديا على مستوى العالم بعد ما كانت دولة متعثرة".
وبعد أن عدد البيان أهم منجزات الرئيس، قال إنه "على المسلمين الذين يملكون حق التصويت في هذه الانتخابات، أن يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع ويدلوا بأصواتهم فيها لصالح الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية ومشروعهم الإصلاحي المتميز".
واسترسل، "وعلى المسلمين الذين لا يملكون هذا الحق أن يساندوا إخوانهم في تركيا، كل بما استطاع، من دعم مالي وإعلامي وسياسي وغيره، وكذلك التوجه بالدعاء إلى الله تعالى".
ووقع على البيان العديد من العلماء من المنتمين إلى دول المغرب العربي، أبرزهم رئيس مركز تكوين العلماء في موريتانيا الشيخ محمد الحسن الددو، ورئيس رابطة علماء المغرب العربي الحسن بن علي الكتاني، وعدد من كبار المشايخ.
وتفاعلا مع بيان العلماء، قال رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة امحمد الهلالي إن هؤلاء "رفضوا أن يحتكر الإعلام الغربي وحده ونخبه المتخوفة من أي نجاح ديمقراطي خارج حدودهم- التدخل في الشؤون الداخلية للشعوب والأمم الأخرى".
وتابع لـ"الاستقلال": "من هنا، عندما يصبح التدافع من أجل حق الأمة في الديموقراطية والحرية والاستقلال مسألة عابرة للحدود، يصبح الحياد انحيازا لخصوم هذه القيم والمبادئ لا غير".
من جانب آخر، وفي جوابه عن السؤال المتعلق بالهجمة الغربية على أردوغان في ظل وجود أنظمة استبدادية عربية لا تتعرض لنفس مستوى النقد، قال الهلالي، إن الغرب هو الغرب في تعامله مع الأمة، فهو ضد أي نموذج يمكن أن يسهم في النماء والتحرر خارج الإطار المرسوم له.
ولذلك، يتابع الأكاديمي المغربي، "ليس من مصلحة الغرب الراعي الوحيد للاستبداد، أن يرى نموذجا ديموقراطيا ذا كفاءة، يستطيع تحقيق نسبة نمو ومستوى تصنيع وبراءات اختراع من غير الاعتماد على سياسة القروض التي يعتمدها عبر البنك العالمي وصندوق النقد الدولي وعلى الشروط المقرونة بها".
واسترسل: "الغرب محتاج دائما إلى ساسة طيعين له خادمين لمصالحه ومرتهنين لإملاءاته".
ورأى أن الغرب الذي أعياه النموذج التركي بإنجازاته ومواقفه، يريد اليوم انقلابا ناعما بواسطة التدجين الإعلامي وغسيل المخ.
ولذلك، يقول إنهم "متخوفون من أي نموذج ديمقراطي صاعد في عالمنا العربي والإسلامي، ويتطلعون إلى إنهاء الربيع الديمقراطي في تركيا كما أنهوه في ليبيا وسوريا واليمن، والمحاولات جارية اليوم للإجهاز على ما تبقى منه في تونس وحتى في السودان".