مقابل تلقي دعم اقتصادي.. هل تورطت مصر في الاغتيالات الإسرائيلية بغزة؟

12

طباعة

مشاركة

فور إغارة 40 طائرة حربية إسرائيلية على قطاع غزة وقتلها عددا من الفلسطينيين بينهم ثلاثة من قادة حركة الجهاد الإسلامي، تساءلت مصادر فلسطينية عن احتمالات تورط مصر.

واستُشهد 15 فلسطينياً وأُصيبَ آخرون خلال غارات جوية إسرائيلية مكثفة على قطاع غزة، ولاحقا اغتالت قوات الاحتلال اثنين آخرين، ثم تواصلت العملية العسكرية في اليوم التالي ليستشهد فلسطيني آخر.

من جانبها أعلنت "سرايا القدس"، الذراع المسلحة لحركة "الجهاد الإسلامي" الفلسطينية، مقتل 3 من قادتها (جهاد شاكر الغنام، خليل صلاح البهتيني، طارق محمد عز الدين) وزوجاتهم وعدد من أبنائهم في غارات إسرائيلية على غزة.

ماذا جرى؟

وتساءل ناشطون فلسطينيون: هل كشفت مصر أماكن قادة الجهاد للاحتلال عمدا، أو بشكل غير مباشر عبر تجسسه على الاتصالات بين الطرفين؟

مصادر فلسطينية قالت إن قادة حركة الجهاد الذين اغتالهم الاحتلال كان مقرر سفرهم إلى مصر صباح نفس يوم اغتيالهم، وفقا لتفاهمات وضمانات من المخابرات المصرية لكن جرى استهدافهم.

وأوضحت المصادر أن سبب تواجد قيادات الجهاد الإسلامي في منازلهم هو استعدادهم للسفر إلى مصر الساعة 9 صباحا في 9 مايو 2023 للقاء المخابرات المصرية لبحث أمور التهدئة، وقد جرت طمأنتهم من قبل الأخير.

ما أثار التساؤلات وزاد تكهنات اتهام مصر عبر مواقع التواصل، أمرين: الأول، حديث وسائل إعلام عبرية قبل العدوان بـ 24 ساعة عن لقاء جمع رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في شرم الشيخ في 8 مايو/أيار 2023، بحسب تلفزيون "روسيا اليوم" وصحيفة "الديار" اللبنانية.

الثاني، تأكيد الإذاعة الإسرائيلية أن تل أبيب أطلعت مصر على عملية اغتيال قادة سرايا القدس الثلاثة، ولكن بعد تنفيذها، حيث أكدت أن الرسالة وصلت القاهرة بعد دقائق من الضربة الجوية الأولى على غزة.

وبسبب هذه الاتهامات الفلسطينية والعربية، انتشر وسم "المخابرات المصرية"، واحتل المركز الأول في مصر 9 مايو 2023، وسط اتهامات لها بالمسؤولية عن مقتل قادة حركة الجهاد وأطفالهم ونسائهم.

ودفع هذا لجان وأنصار السلطة في مصر للرد ونفي ذلك، ورد آخرون بالشتائم على من اتهموا المخابرات المصرية بالتواطؤ مع الإسرائيليين.

مواقع فلسطينية في قطاع غزة، بينها موقع "القدس" نقلت عن مصادر محلية مطلعة في 9 مايو 2023 أن قادة الجهاد الإسلامي العسكريين الذين استشهدوا كانوا متخفين منذ شهرين، وأبلغتهم مصر بالحضور للقاهرة لمناقشة التهدئة مع الاحتلال.

وقال صحفيون فلسطينيون في غزة إنه "عندما ذهبوا لتوديع عائلاتهم قبل سفرهم، جرى قصفهم"، وتساءلوا: "من نقل هذه المعلومة لإسرائيل؟".

أيضا أكد مصدر من حركة الجهاد لموقع "بي بي سي" البريطاني 9 مايو  2023 أن "القادة الذين اغتيلوا إضافة لعدد من الأعضاء السياسيين، كان يفترض بهم التوجه صباح نفس اليوم إلى القاهرة في زيارة للتباحث مع المسؤولين في المخابرات المصرية". 

وعقًب على هذه الرواية عضو اتحاد علماء المسلمين وصفي أبو زيد قائلا عبر تويتر: "هذا يعرفكم للمرة الألف أن مخابرات العرب وأجهزة الأمن إنما صنعت لخدمة المحتلين والغاصبين وأعداء الأمة والدين. عميلة خائنة لا تعمل لصالح شعوبها بل لأعدائها".

لكن مصدر بالمقاومة الفلسطينية قال لـ "شبكة قدس" إن الحديث عن سفر قيادات المقاومة إلى مصر "ليس صحيحًا، والسفر كان مقررًا لأعضاء بالمكتب السياسي لحركة الجهاد".

وذلك رغم أن موقع "القدس" و"بي بي سي" أكدا أن "الذين جرى اغتيالهم من قبل الجيش الإسرائيلي، كانوا يتجهزون للسفر برفقة وفد من المكتب السياسي للحركة، إلى خارج قطاع غزة".

وقد سعت مواقع صحفية مصرية وفضائيات موالية للسلطة، منها قناة "القاهرة الإخبارية" إلى التركيز على معلومة أنهم لم يكن مقدرا سفرهم لمصر.

هل مصر متورطة؟

دبلوماسي عربي قال لـ "الاستقلال" إن هناك احتمالات لتورط مصر في إرشاد إسرائيل عن قادة الجهاد سواء عمدا، أو عبر إهمال تسبب في تجسس تل أبيب على اتصالات المخابرات المصرية مع قادة الجهاد لمعرفة مكانهم ثم اغتيالهم.

تساءل، مفضلا عدم كشف اسمه: "هل ما يتردد عن أن وراء هذا الاغتيال لقادة المقاومة، دعم اقتصادي إسرائيلي لنظام عبد الفتاح السيسي المنهار اقتصاديا؟ وأنه جرى وضع حلول من قبل الإسرائيليين لمساندة مصر؟!

وعقب اجتماع العقبة الأمني الخماسي في 26 فبراير/شباط 2023، سربت تل أبيب معلومات عن سعيها لدعم اقتصاد مصر المنهار، لتفادي انهيار النظام وكمكافأة له في المشاركة بمحاربة المقاومة الفلسطينية بدعوى "التهدئة".

وذكر مراسل القناة العبرية 11 (حكومية)، خلال تغطية عن أوضاع مصر وقمة العقبة، أنهم في إسرائيل، يعتزمون تعزيز تحركات من شأنها تعزيز الاقتصاد المصري في إطار العلاقات بين الطرفين.

وأعطى المراسل "روعي كايس" مثالا على ذلك بأن وفودا اقتصادية إسرائيلية ستزور مصر لإنعاش اقتصادها المنهار، على غرار زيارة سبق أن أجراها وفد من رجال الأعمال الإسرائيليين بقيادة مدير المخابرات وقتها (وزير الخارجية الحالي) إيلي كوهين لشرم الشيخ عام 2021.

وأكد أن الموضوع قيد الدراسة، وأنه سيشمل "توسيع التجارة مع مصر وزيادة عدد الرحلات الجوية على خط شرم الشيخ للسياح الإسرائيليين"، بغية دعم اقتصاد القاهرة.

وكان ملفتا، قبل عملية اغتيال قادة الجهاد بساعات، مصادقة الحكومة الإسرائيلية في 8 مايو 2023 على خطة لتوسيع شبكة الأنابيب لزيادة ضخ صادرات الغاز إلى مصر، في مشروع تصل تكلفته إلى 900 مليون شيكل.

وقالت الوزارة إن الموافقة صدرت للسماح ببناء خط أنابيب في جنوب الأراضي المحتلة بقيمة 900 مليون شيكل، والذي سيمتد لمسافة 65 كيلومترا إلى المنطقة الحدودية مع مصر وسينقل ستة مليارات متر مكعب من الغاز سنويا، ويزيد موارد القاهرة.

وتزود إسرائيل مصر بالفعل بالغاز من حقولها البحرية، ووقع الجانبان معا اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي في يونيو/حزيران 2022 لتعزيز الصادرات إلى أوروبا.

ووفق الاتفاق فإنه سيجري ضخ الغاز من حقلي "تمار" و"ليفيتان" الإسرائيليين إلى مرفقي الإسالة المصريين في دمياط وإدكو على ساحل المتوسط، وبعد ذلك شحن الغاز المسال في حاويات من موانئ مصرية إلى أوروبا.

وفي 27 فبراير 2023 أعلنت إسرائيل أنها ستؤجل جميع خطط تطوير صادرات الغاز إلى مصر، مدة ستة أشهر، حتى أبريل/نيسان 2024 بدعوى وجود "خلل فني" في المشروع، لكن هذه الخطط جرى تسريعها فجأة الآن.

وذكر موقع "بيز بورتال"bizportal الاقتصادي الإسرائيلي المتخصص في أخبار الطاقة، حينئذ، أن إعلان تأجيل خطة تصدير الغاز عبر مصر أصاب شراكات الغاز "نيو ميد إنرغي"، و"تمار بتروليوم"، و"ريشيو"، و"إشرامكو" بالصدمة.

لكن مصدر دبلوماسي مصري استبعد في حديث لـ "الاستقلال" تورط مصر كما يتردد في اغتيال إسرائيل لهؤلاء القادة الثلاثة وأسرهم، سواء عبر نقل معلومات لها عنهم كما يشاع في غزة، أو من خلال تجسس تل أبيب على اتصالات القاهرة.

أوضح أن إسرائيل تتبع قادة المقاومة في غزة عبر تقنيات تجسس عالية للغاية تشمل أقمارا صناعية وأجهزة حديثة وطائرات مسيرة وجواسيس، وأن المرجح أن تكون تل أبيب رصدت عودتهم لمنازلهم عبر أي من هذه الوسائل، وقصفتهم فجرا.

ورفضت الخارجية المصرية في بيان الاعتداءات الإسرائيلية وقالت إنها "تؤجج الوضع بشكل قد يخرج عن السيطرة، وتقوض جهود تحقيق التهدئة".

وقد نقل موقع "العربي الجديد" 9 مايو 2023 عن مصادر مصرية مطلعة أن القاهرة تتجه لتعليق الوساطة بين حكومة الاحتلال وفصائل المقاومة الفلسطينية.

ومرد ذلك غضب المسؤولين المعنيين بالوساطة من الجانب المصري بشدة من ممارسات حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو بعد العدوان على غزة.

قالوا إن هناك حالة من الارتباك داخل الفريق المصري المعني بالوساطة في جهاز المخابرات العامة، في ظل استياء بالغ من جانب القاهرة، التي تعتبر أن المسؤولين في حكومة الاحتلال يمارسون سياسة ممنهجة لتضليل الوسيط المصري.

وأشاروا إلى أن فريق من المسؤولين المصريين يتبنى التدخل الفوري بالوساطة لضبط الوضع قبل أن يتجه لحرب شاملة.

ولكن يرى فريق آخر إرجاء التدخل أو الوساطة المصرية حتى يدرك المسؤولون في حكومة الاحتلال، حجم الخطأ الذي ارتكبوه في ظل تحفز الفصائل في غزة، واحتمالية كبيرة لدخول الجبهة اللبنانية على الخط، من جانب حزب الله.

أوضحت أن الرأي الذي يتبنى إرجاء الوساطة المصرية، يرى أيضا أن الأمر لن يكون مجدياً في المرحلة الأولى من التصعيد الفصائلي المتوقع أن يتبع الاعتداء الإسرائيلي على القطاع.

وشدد على أنّ حركة الجهاد الإسلامي ستتمسك بالرد، الذي سيأتي عنيفاً على حد تعبير المصدر. وأكد أن هذا المشهد بتفاصيله، سيضع مصر في حرج إزاء مسؤوليتها في حال عدم الاستجابة لوساطتها.

دور مشبوه

وسبق أن اتهم فلسطينيون المخابرات المصرية بأداء دور مشبوه تجاه القضية الفلسطينية في أوقات الحروب مع الاحتلال في ظل نظامي عبد الفتاح السيسي حاليا وحسني مبارك سابقا، ما استدعى دفاع اللجان الإلكترونية.

فعقب العدوان الصهيوني المفاجئ على غزة 5 أغسطس/آب 2022 والذي استشهد فيه 15 شخصا بينهم القيادي بالجهاد تيسير الجعبري، امتلأ فضاء الانترنت باللعنات على ما أسماه ناشطون "الغدر الذي أتى من الوسيط المصري".

ووصف ناشطون فلسطينيون ما جرى من عدوان إسرائيلي على غزة بعد تدخل المخابرات المصرية بأنه "تواطؤ" أو "رسالة استخفاف إسرائيلية" بالوسيط المصري.

وقال أبو مجاهد منسق الغرفة المشتركة وقتها: "العدو غدر بالوساطة المصرية فنحن من هنا نقول لا وساطة بعد هذه اللحظة".

وأكد مراقبون أن دور الوسيط المصري لا يتجاوز "الدور الوظيفي الذي يمثل غطاء لتمرير مخططات الاحتلال"، وصبوا اللعنات على رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي.

لذا قالت وسائل إعلامية فلسطينية، حينئذ، إن حركة الجهاد الإسلامي وبخت الوسيط المصري وأحرجته في اتصال لم يتجاوز دقيقة واحدة وأغلقت الاتصال، بعدما عاد ليتدخل عقب العدوان ليطالب بضبط النفس.

وكشف داود شهاب المسؤول الإعلامي في حركة الجهاد الإسلامي أنه "قبل ساعة من العملية الغادرة كان هناك اتصالات مع الجانب المصري الذي أبلغنا أنه سيعقد في 7 أغسطس 2022 اجتماعات مع الاحتلال لفكفكة الأزمة، لكن جرى لاحقا عدوان إسرائيلي على غزة.

وقال محمد الهندي رئيس الدائرة السياسية لحركة الجهاد الإسلامي للتلفزيون العربي 5 أغسطس 2022: "إسرائيل خدعت الوسيط المصري الذي جمعنا به اتصال إيجابي قبل ساعة من العدوان".

وعلق الكاتب الفلسطيني إبراهيم حمامي على ذلك قائلا: "عذرا لكنها رسالة استغباء لمن يأمن الجانب المصري شريك الاحتلال".

وزعم الصحفي الإسرائيلي "يوشع ليشتير" حينئذ عبر تويتر أن ضابطا إسرائيليا كبيرا بالأمن القومي أبلغه أن "الهجوم على غزة تم التحضير والتنسيق له بين إسرائيل ومصر".

وقال المحلل الفلسطيني مصطفي الصواف إن "الوساطة المصرية باتت أضحوكة لدى الكيان وقادته والذي يعمل على استغلالها لتحقيق أهدافه؟".

الأمر ذاته تكرر خلال حكم الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك الذي أبدى بشكل ضمني، الموافقة على العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2008.

ودلل على هذا لقاء وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني في القاهرة قبل توجيه الضربة، بمبارك، ووزير خارجيته وقتها أحمد أبو الغيط، ورئيس المخابرات المصرية آنذاك عمر سليمان، حسبما رصد تقرير سابق لـ "الاستقلال".