رغم انتهاء مهمتها.. لماذا تضاعفت أعداد عناصر الحشد الشعبي في العراق؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

تنامت أعداد عناصر الحشد الشعبي العراقي، إلى الضعف خلال عامين، رغم إعلان البلاد عام 2017 الانتصار على تنظيم الدولة واستعادة جميع المدن التي استولى عليها في 2014. 

وتَشكل الحشد الشعبي من نحو 67 مليشيا شيعية عام 2014، استجابة لفتوى المرجع الشيعي علي السيستاني، إثر سقوط أربع محافظات شمال وغرب البلاد في يد تنظيم الدولة واقترابه من العاصمة بغداد، بعد أن انهارت أمامه 4 فرق كاملة من الجيش العراقي.

وأثارت الزيادة المستمرة في أعداد عناصر الحشد الشعبي العراقي، العديد من التساؤلات عن سر تناميها رغم تراجع مخاطر التنظيم، خاصة مع التكلفة العالية لتلك القوات التي ترهق ميزانية البلاد.

قفزة كبيرة

وأظهرت مسودة الموازنة العامة للبلاد لسنة 2023 التي لم يصوّت عليها البرلمان بعد، زيادة عدد عناصر قوات الحشد الشعبي إلى الضعف خلال عامين فقط، إضافة إلى رفع تخصيصاتهم المالية، والتي أدرجت ضمن المبالغ المرصودة للأجهزة الأمنية المتعددة.

وكان عدد منتسبي الحشد الشعبي في موازنة عام 2021 يصل إلى 122 ألفا في حين زاد عددهم في مسودة عام 2023 إلى 238 ألفا و75 شخصا، أي بزيادة بلغت نحو 116 الف و75 شخصا في غضون نحو سنتين.

وبلغ حجم التخصيص المالي في موازنة عام 2023 للحشد الشعبي نحو 3 تريليونات و500 مليار دينار عراقي (نحو 2.6 مليار دولار أميركي)،  فيما كانت عام 2021 نحو ترليوني دينار (1.5 مليار دولار).

ولم يقر العراق موازنة مالية خلال عام 2022، بسبب حالة الانسداد السياسي التي شهدها العراق واستمرت نحو عام كامل، وبقيت خلالها حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي لتصريف الأعمال.

لكن رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، عد هذه الإحصائية خاطئة، وقال إن "أعداد القوات خلال عامي 2021 و2022 بلغت 170 ألف مقاتل".

وبين خلال مقابلة تلفزيونية في 17 أبريل/نيسان 2023 وأصبحت العام الحالي (2023) نحو 204 آلاف مقاتل بعد إضافة المفسوخة عقودهم. وأوضح الفياض أن الحشد لا يمثل تحديا للدولة، بل "حاميا لها ومدافعا عن النظام السياسي".

وفي عام 2016، اكتسبت المليشيات المذكورة صفة رسمية بعدما صوت البرلمان على قانون تشكيل "هيئة الحشد الشعبي "باعتبارها قوة رديفة وساندِة للقوات الأمنية العراقية، ولها الحق في الحفاظ على هويتها وخصوصيتها، ما دام لا يشكل ذلك تهديدا للأمن الوطني".

وبهذا القانون، تحول الحشد الشعبي إلى قوات رديفة، موازية للجيش العراقي، لكنه خضع اسميا للقائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء، وفعليا يخضع كل فصيل إلى قائده المباشر، وهم معظمهم يدينون بالولاء لإيران.

وتقدر أعداد الحشد الشعبي عند تشكيله بنحو 48 ألف مسلح، مجهزين بمدرعات حربية، ودبابات أميركية وسوفياتية استولى على بعضها في حربه ضد تنظيم الدولة، وراجمات صواريخ من نوع غراد، وصواريخ أرض ـ أرض، إيرانية الصنع، وكذلك طائرات مسيرة.

ويعكس امتلاك الحشد الشعبي عناصر مدربة على استعمال أسلحة مطورة مثل الصواريخ والمسيرات والدبابات، حصولهم على تدريب من جهات خارجية تؤكد تقارير إعلامية أنها إيران.

يتولى رئاسة الحشد الشعبي، فالح الفياض، لكن القائد الفعلي هو رئيس الأركان فيه عبد العزيز المحمداوي المعروف بـ"أبو فدك".

وتولى أبو فدك منصبه خلفا لأبي مهدي المهندس الذي قتل بغارة أميركية مع قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني قرب مطار بغداد في يناير/ كانون الثاني 2020.

كلمة السر

وعن أسباب الارتفاع المهول في أعداد قوات الحشد الشعبي، قال رئيس مركز "النهرين" لدعم الشفافية والنزاهة في العراق، محمد الزوبعي، إن "هناك عددا كبيرا من الفضائيين في قائمة الموظفين، يصل عددهم إلى عشرات آلاف الأشخاص".

وأوضح الزوبعي في حديث لشبكة "رووداو" العراقية في 5 مايو/أيار 2023، أن "وجود الفضائيين يشمل غالبية وزارات ومؤسسات الدولة، فضلا عن أن عددا كبيرا من الموظفين الحاليين عاطلون عن العمل، أو أنهم ينجزون أعمالا قليلة جدا".

ويطلق مصطلح الفضائيين على أشخاص مسجلين على أنهم موظفون في الدولة لكن لا وجود لهم سوى على الورق، بينما يتسلم متنفذون في مليشيات وأحزاب الرواتب المخصصة لهم.

وفي هذه النقطة تحديدا، رأى الباحث في الشأن العراقي، لطيف المهداوي أن "ارتفاع أعداد المنتمين للحشد الشعبي لا يخلو من وجود فضائيين، إضافة إلى زج العديد من متطوعي العشائر التي قاتلت تنظيم الدولة ضمن تشكيلات الحشد".

وأوضح المهداوي لـ"الاستقلال" أن "التخصيصات المالية للحشد الشعبي ستستمر بالارتفاع كلما زادت أعداد أفراده، فهي اليوم تتسلم نصف ما يذهب إلى وزارة الدفاع التي تضم تشكيلات مختلفة وآلياتها كبيرة، وهذا ما يثير التساؤل: إلى أين تذهب هذه الأموال".

ورأى الباحث أن "الحل يكمن في إنهاء هيئة الحشد وتحويل الأفراد إلى القوات المسلحة سواء في الجيش أو الشرطة، لا أن يجري توسيع الصنوف داخلها، وافتتاح كلية أركان خاصة" بالمليشيا.

وأشار إلى أن "جزءا من الإصرار على إبقاء الحشد الشعبي وعدم حله بعد انتهاء مهمته في محاربة تنظيم الدولة، هو الحصول على التخصيصات المالية التي أصبحت تمثل إحدى الموارد للأحزاب والمليشيات الشيعية، لأن كل فصيل ادعى بأنه قدم 10 آلاف متطوع، لكن الرقم الحقيقي لا يتجاوز الألف".

وتساءل المهداوي، قائلا: "من أين تفتح المليشيات قنوات فضائية، ففي السابق كانت تعتمد على إيران، لكن اليوم صار لدى هذه الجهات مؤسسات اقتصادية بحاجة للاستمرار، وأن أموال الفضائيين تشكل نسبة كبيرة في تمويل هذه المشاريع".

خط النار

وهذه ليست المرة الأولى التي يثار فيها ملف العناصر الوهمية (الفضائيين) داخل هيئة الحشد الشعبي، لكن كل محاولات الكشف عنها وإيقافها خلال السنوات الماضية باءت بالفشل، بل أصبح الموضوع بمثابة خط النار الذي يحرق كل من يحاول الاقتراب منه.

وفي عام 2018، قتل مدير المديرية المالية في هيئة الحشد الشعبي قاسم الزبيدي على يد مجهولين في منزله ببغداد، بعد بدئه تحقيقا بأمر رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي (2014 إلى 2018) في موضوع رواتب مقاتلي الحشد الوهمية.

وقال العبادي وقتها إن الزبيدي كان قد اتصل به قبل حادث الاغتيال ليزوده بمعلومات تشير إلى وجود مقاتلين وهميين وأخبره بوجود فساد في توزيع الأموال واستيلاء بعض القيادات عليها، وأن هذا الملف بحاجة إلى تدقيق قبل أن يطلق أي زيادة في الرواتب.

وفي عام 2019، قال العبادي خلال مقابلة تلفزيونية إن "مفتش عام هيئة الحشد الشعبي صارحني بوجود 60 ألف مقاتل (لدى المليشيا) على الأرض و150 ألفا على الورق، لكن تجار الحروب المتغولين استغلوا هذا التشكيل لتحقيق مصالحهم".

وأردف العبادي، قائلا: "وإلا ما هو المبرر في زيادة أعداد الحشد في وقت السلم، فلا يجوز استغلال المضحين والمقاتلين".

عقب ذلك، شنت هيئة الحشد الشعبي هجوما على العبادي، فقد أعلن الناطق الإعلامي باسمهما عبد الهادي الدراجي أن "الإشكالات المثارة على (الحشد) من حيث وجود (فضائيين) واستغلال البعض لمواقعهم أو قدراتهم، لا تختلف عن الإشكالات المثارة في عموم القوات المسلحة".

وتساءل الدراجي خلال بيان له 18 يوليو/تموز 2019 عن أسباب "التركيز عليه وعدم التعامل مع الظاهرة في عموم قواتنا المسلحة، ومنها (الحشد)، بروح وطنية بناءة تسعى لإيجاد الحلول لا إلى الإساءة والطعن والتشكيك بما يثير الشبهات حوله فقط؟".

وتابع: "نستغرب انسياق رئيس الوزراء السابق في هذه الحملات من أعداء العراق في الداخل والخارج، خصوصا مع الحشد الشعبي الذي قدم قوافل متواصلة من الشهداء والجرحى والمفقودين، وحجما لا يوصف من التضحيات".

وبين أن الحشد "كان له دور كبير لتلبية نداء المرجعية والواجب، وساهم مع بقية قواتنا المسلحة وقوى شعبنا ومن ساندنا من شعوب ودول لتحقيق النصر العظيم".

وأوضح الدراجي: "في الوقت الذي تستغرب فيه مثل هذه التصريحات، فإن كل ما يمكن أن يوجهه من اتهامات خاطئة أو صحيحة إلى (المليشيا) سيكون موجهاً للعبادي قبل غيره، فالاتهامات الخاطئة تسيء لسمعة الأخير وتجعله شريكا لكل من يريد إضعاف قواتنا المسلحة ومنها الحشد الشعبي".

وفي عام 2020، قال رئيس اللجنة القانونية السابق في البرلمان العراقي، فائق الشيخ علي في تغريدة على "تويتر" إن "عدد منتسبي الحشد الشعبي يبلغ 48 ألف شخص فقط، لكن قادتهم يحصلون رواتب 130 الف منتسب، أي يوجد فيه 82 ألف موظف فضائي".