مليشيات "حراس الدفاع" المسلحة.. هل تستخدمها الهند لتهجير مسلمي كشمير؟
في تصعيد للتوتر المتجدد بين الهند وباكستان، تواصل نيودلهي تسليح قواتها في إقليم كشمير المتنازع عليه لإحلال الهندوس المتطرفين مكان المسلمين.
ويوم 30 أبريل/نيسان 2023، سلحت قوات الاحتلال الهندية 150 شخصاً في قرية دنغاري بولاية راجوري في كشمير ضمن الجزء الخاضع لها من الإقليم، ضمن عمليات تجييش الهندوس منذ يناير/كانون الثاني من نفس العام.
وقالت وكالة الأنباء الفرنسية إنه "جرى عموما تسليح أكثر من 5 آلاف هندوسي في منطقتين حدوديتين بكشمير من قبل القوات شبه العسكرية الهندية، بحسب مسؤولين في قوات الأمن"، وذلك على غرار تسليح الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين اليهود.
ومطلع يناير 2023، أطلق مسلحون ينتمون لحركات مقاومة كشميرية النار على منازل هندوس محتلين في قرية "دنغاري" فقتلوا 7 منهم.
وتقاتل هذه الحركات الاحتلال الهندي للشق المسلم التابع لباكستان من إقليم كشمير المتنازع عليه بين الجانبين والمقسم منذ عام 1947 بين الدولتين اللتين تتنازعان السيادة عليها بالكامل.
وأثارت التطورات مخاوف مسلمي كشمير الذين يؤكدون أن المليشيات ستفاقم التوتر والمشاكل، ويخشون أن تكون هذه هي خطة الهند الأخيرة لاقتلاعهم بالقوة والإرهاب الهندوسي لضمان تغيير التركيبة السكانية لصالح الهندوس.
الآن، أصبحت العديد من القرى في جامو وكشمير التي تضم عددا كبيرا من السكان الهندوس تملك مليشيات باسم "حراس الدفاع عن القرية"، تحارب – مثل مستوطني إسرائيل- مع قوات الاحتلال الهندية تحت إشراف وزير الداخلية الهندي أميت شاه، بدعوى التصدي للمقاومة الكشميرية.
"لجان الدفاع"
تبع هذا مطالبات في الصحف للأقلية الهندوسية في كشمير، التي تسعى حكومة حزب بهاراتيا جاناتا المتطرفة لتوطينهم، واقتلاع المسلمين، بإحياء ما يسمى "لجان الدفاع (الهندوسية) في القرى".
واستجابت السلطات الهندوسية المحتلة لهذه الدعوات وسلمت أسلحة للقرويين الهندوس في منطقة جامو وبدأت في تدريبهم على الدفاع عن أنفسهم"، وفق موقع "أوت لوك إنديا" الهندي 10 يناير 2023.
حقيقة الوضع هو أن السلطات الهندوسية استغلت هذه الحادثة لتوسيع دور ما يسمى "حراس القرى"، وهي مليشيا هندوسية على غرار جماعة "RSS" المسلحة بالهند التي تتبنى عقيدة "هندوتفا"، أي "الهند للهندوس فقط وقتل المسلمين".
هذه المليشيات ليست سوى جزء من خطة موسعة لتغيير تركيبة كشمير الديموغرافية، عبر قمع واعتقال قيادات المسلمين، وغلق مساجد شهيرة، وهدم منازل المسلمين بالبلدوزر بدعوى "استعادة" أراضي الدولة، حسبما يؤكد قادة كشمير المسلمة.
وتسيطر الهند على حوالي نصف مساحة جامو وكشمير والتي تضم المنطقتين إلى جانب لاداك، بينما تتحكم باكستان بثلث المنطقة، مقسمة إلى مقاطعتين، آزاد كشمير وجلجيت بالتستان.
وفي السابق، كانت أجزاء من الولاية (جامو وكشمير ولاداك) تدار من قبل الهند كأقاليم اتحادية، لكن حكومة نيودلهي ألغت في 5 أغسطس/آب 2019 الحكم الذاتي المحدود للمسلمين، وجعلت كل المنطقة تابعة لها وفرضت الهندوسية.
في منتصف التسعينيات، أُنشئ ما يسمى "لجان الدفاع عن القرية" (VDGs)، لأول مرة، في منطقة وادي شيناب بجامو وكشمير، بدعوى دفاع السكان الهندوس عن أنفسهم ضد هجمات المقاومين الكشميريين، خاصة في القرى الجبلية النائية.
وتقول صحيفة "إنديان إكسبريس" 9 يناير 2023 إنه جرى إنشاء هذه اللجان للدفاع عن القرى (VDCs) عام 1995، "كرد على انعدام الأمن بين الأقلية الهندوسية"، وأنه "تم تسليح الهندوس ببنادق وذخيرة".
وقد ضمت هذه اللجان حينئذ نحو 4000 عضو وأكثر من 27000 متطوع، ثم تسليح قرابة 25 ألف رجل وامرأة وتنظيمهم في إطار لجان دفاع قروية في منطقة جامو ذات الأغلبية الهندوسية، وفق وكالة الأنباء الفرنسية.
لكن منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان في الهند والعالم، اتهمت مسلحي هذه اللجان بارتكاب فظائع ضد السكان المدنيين المسلمين أصحاب الأرض.
وقالت إنه على مر السنين، أصبحت هذه المليشيات مسيسة بشكل متزايد واتُّهمت باستهداف ومضايقة السكان المسلمين في المنطقة.
وهناك تقارير عديدة عن تورط هذه المجموعات الهندوسية المسلحة بعمليات قتل خارج نطاق القضاء وأشكال تعذيب أخرى من العنف ضد المسلمين في كشمير.
ورُفعت 210 قضايا على الأقل متعلقة بالقتل والاغتصاب والابتزاز من جانب مسلمين ضد هندوس، بحسب أرقام رسمية، ولكن أدين أقل من 2 بالمئة فقط من المتهمين الهندوس في المحاكم الهندية.
وقد اتُّهمت هذه الجماعات بالتعاون الوثيق مع قوات الأمن الهندية لاستمرار إبقاء السيطرة على المنطقة وقمع المعارضة.
وفي عام 2020، جرى تجديد سياسة "لجان الدفاع عن القرى"، وتغيير نشاطها لتصبح أكثر تنظيما وتسليحا، وتابعة للجيش والشرطة الهندية تحت اسم "حراس الدفاع عن القرى" (VDGs).
"لم يكن ما جرى مجرد تغيير في الاسم، ولكن في هيكل اللجان ذاته، وأصبح جميع الهندوس مسلحين ببنادق أحدث، وليس فقط ضباط العمليات الخاصة (SPOs)، بحسب موقع "أوت لوك إنديا" الهندي 10 يناير 2023.
بدأت السلطات في عقد دورات تدريبية لمجموعات VDG التي تتألف بشكل أساسي من ضباط وعسكريين هندوس سابقين في الخدمة، ليعملوا كحراس دفاع عن القرى الهندوسية، على غرار مسلحي مجالس المستوطنات في إسرائيل.
ولأنهم باتوا أشبه بقوات غير عسكرية تابعة للهند، قدمت لهم نيودلهي رواتب جيدة والمزيد من التدريب، لكنهم ظلوا يرتكبون عمليات قتل لا مبرر لها للمسلمين، وفق التلفزيون الألماني "دويتشة فيله" 18 مارس/آذار 2023.
وشارك الجيش الهندي في تدريبهم على الرماية وتسليحهم، بحسب صحيفة "كشمير أوبرزفر" 20 أبريل 2023.
وقال المسؤولون إن أكثر من 50 مجموعة من مجموعات الضباط، من مختلف القرى الواقعة على طول خط السيطرة، شاركوا في تدريبهم على إطلاق النار بالتنسيق مع الشرطة المحلية.
مخاوف المسلمين
وسط فرحة الهندوس بتسليحهم وحماية الجيش والشرطة الهندية لهم، يتخوف المسلمون من أن تصبح هذه المليشيات أداة جديدة في عمليات قتلهم والسعي لاقتلاعهم من أرضهم.
شيخ مسلم مُسن، يعيش في دنغاري، قال لوكالة الأنباء الفرنسية 30 أبريل 2023: "ما يُقلقني هو الطريقة التي يتم بها توزيع الأسلحة الآن في مجتمع واحد".
وتابع: "الآن يلوح شبان (هندوس) بالأسلحة في وجوهنا، هذا ليس جيدا لأي منا"، موضحا "أشعر بتوتر متزايد".
وقالت "محبوبة مفتي"، رئيسة وزراء جامو وكشمير السابقة التي يريد حزبها مزيدًا من الحكم الذاتي للمنطقة، إن "وضع الأسلحة في أيدي السكان المحليين في المناطق الحدودية في جامو يتعارض مع مزاعم الحكومة بعودة الحياة إلى طبيعتها"، وفق وكالة "رويترز" البريطانية 12 يناير 2023.
وبخلاف دورهم في قتل المقاومين الكشميريين، لقي ثلاثة مسلمين مدنيين مصرعهم عن طريق الخطأ منذ إنشاء هذه المليشيات الهندوسية، ولكن هذه التحفظات لم تمنع الكثيرين في القرى المحيطة بدنغاري من الإقبال على التسلح، وفق وكالة الأنباء الفرنسية.
وتساءلت الناشطة الحقوقية "سابيا دار" عن سبب تسليح الهند 27 ألف هندوسي في جماعات "حراس القرى" رغم وجود نصف مليون جندي نظامي للجيش الهندي وقوات أخرى متمركزة بالفعل في كشمير.
أكدت للتلفزيون الألماني "دويتشة فيله" 18 مارس/آذار 2023 أن الهدف منهم "خصخصة انتهاكات حقوق الإنسان" المسلم في كشمير، أي ادعاء أن الانتهاكات ضد المسلمين لا ينفذها الجيش الهندي رسميا، وإنما جماعات خاصة غير رسمية.
وعندما جردت نيودلهي، كشمير التي تديرها الهند، من حكمها الذاتي المحدود عام 2019 دافعت حكومة حزب بهاراتيا جاناتا اليمينية عن هذه الخطوة، مدعية أنها ستقضي على تمرد مسلح استمر لعقود في المنطقة المتنازع عليها.
لكن وبعد أربع سنوات فقط، ها هي الآن الحكومة نفسها تحيي مليشيا هندوسية لترهيب السكان المسلمين، بغرض تهجيرهم.
وتواجه الأغلبية المسلمة في كشمير، للمرة الأولى منذ سبعة عقود، تهديدا وجوديا، وتغييرا ديموغرافيا ممنهجا، جراء الإجراءات القانونية والعسكرية الهندية الأخيرة، الساعية إلى إدماج الإقليم بالقوة بعد أن كان شبه مستقل.
ويُشبه مراقبون سياسة الهند في كشمير بما يفعله الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، لا سيما فيما يخص سياسة التطهير والاستيطان، والإبادة الجماعية والتهجير القسري للسكان الأصليين، وجلب المستوطنين وإحلالهم مكانهم.
وتاريخيا، وصل الإسلام إلى حدود كشمير مع فتوحات القائد الشاب محمد بن القاسم الثقفي أواخر القرن الأول الهجري، بيد أن انتشاره فيها بدأ في القرن السابع الهجري/الرابع عشر الميلادي.
وذلك إثر اعتناق حاكمها البوذي رينجن شاه الإسلام وعمله على نشره، إضافة إلى جهود العلماء والوعاظ المهاجرين من وسط آسيا.
وبحلول القرن الثامن الهجري أصبح المسلمون أغلبية عددية، واستمر حكم الدول الإسلامية لها خمسة قرون متتالية، إلى أن سقط آخرها عام 1819م، ورغم وقوع عدة مجازر دموية بحق المسلمين الكشميريين فإنهم ما زالوا الأكثرية إلى يومنا هذا.
ومع رحيل الاحتلال البريطاني وانقسام شبه القارة الهندية إلى دولتين، اتفق وقتها على أن تتشكل دولة باكستان من الأقاليم ذات الأغلبية المسلمة، وفي المقابل تنضم الأقاليم ذات الأغلبية الهندوسية لتؤسس دولة الهند.
وكانت كشمير تُصنف ضمن المجموعة الأولى، ومع ذلك دخلتها الهند عسكريا لقمع الاحتجاجات الشعبية المناوئة لطلب حاكم كشمير وقتها المهراجا غولاب سينج الانضمام إلى الهند.
فتدخلت باكستان بدورها للدفاع عن الكشميريين عبر قوات قبلية وعسكرية، ونشبت حرب في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 1947 استمرت عامين بين الطرفين.
وانتهى الأمر آنذاك ببقاء ثلث كشمير تحت الإدارة الباكستانية واسمها "آزاد كشمير"، وثلثيها تحت النفوذ العسكري الهندي واسمها "جامو وكشمير"، مع حكم شبه ذاتي للكشميريين.
وكان الاتفاق يتضمن ضمانات قانونية وتشريعية بعدم العبث بالتركيبة الديموغرافية للإقليم الوحيد ذي الغالبية المسلمة في الهند، عبر حظر تملك واستيطان غير الكشميريين، وهو ما خرقته سلطات الاحتلال الهندية تدريجيا.
وبعد 70 عاما من هذا الوضع، ألغت السلطات الهندية في 5 أغسطس/آب 2021 المادة 370 في دستورها الهندي، التي تنص على الوضعية القانونية الخاصة بإقليم جامو وكشمير (استقلال ذاتي محدود) وضمته رسميا لها.
ومنذ ذلك الحين بدأت مرحلة جديدة قادها الحزب الهندوسي المتطرف الذي حكم البلاد (بهاراتيا جاناتا) منذ عام 2013، عنوانها تغيير الهوية الكشميرية والقضاء الكامل على حالة الحكم شبه الذاتي والأغلبية المسلمة في الإقليم.
وضمن مخططها الرامي إلى التغيير الديموغرافي، أصدرت الهند، منذ 2019 حتى عام 2021 قرابة أربعة ملايين تصريح إقامة للهنود الراغبين في الانتقال للعيش وتملك الأراضي في كشمير.
وهو رقم كبير جدا مقارنة بتعداد المسلمين هناك، الذين لا يتجاوزون 8 ملايين إنسان، ما يشير لتسريع الهند سياسة "هندسة" كشمير، أي تحويلها للهندوسية.