يخالف الدستور .. ما أسباب الخلاف بين وزير العدل ونادي القضاة في المغرب؟
تدور حالة من التجاذبات في المغرب بين نادي القضاة ووزير العدل عبد اللطيف وهبي، بسبب "تدخلات من السلطة التنفيذية" لنظيرتها القضائية واتهامات بمخالفة الدستور والقانون.
ووجه نادي قضاة المغرب (جمعية مهنية)، انتقادات شديدة اللهجة، لوزير العدل، متهما إياه بالتدخل في السلطة القضائية، ومخالفة النصوص القانونية ذات الصلة.
جاء ذلك في بيان وقعه رئيس نادي قضاة المغرب عبد الرزاق الجباري، 27 أبريل/نيسان 2023، إثر إرسال وزير العدل جملة قرارات تتعلق بتعيين مجموعة من القضاة لأداء مهام الإشراف على الحراسة في اختبار الانتقاء الأولي لمباراة الملحقين القضائيين.
وقال نادي القضاة إن هذه القرارات "تخاطب القضاة مباشرة دون المرور على المجلس الأعلى للسلطة القضائية، مع أن الفصل 107 من الدستور ينص على استقلاليتهم عن السلطتين التنفيذية والتشريعية".
وأوضح "أنها تنطوي على أوامر واضحة تحثهم على تنفيذ ما جاءت به من مقتضيات تعيينهم للقيام بالمهام المذكورة أعلاه، مع أن روح الفصل 109 من الدستور يمنع إصدار أي أوامر أو تعليمات للقضاة".
وذكر أن مراسلات الوزير "تُقرر تعيين قضاة لأداء المهام نفسها دون علمهم أو استشارتهم، معتمدة في ذلك على سياسة الأمر الواقع، مع أن الفصل 111 من الدستور يضمن لهم الحق في التعبير عما يرغبون أو لا يرغبون فيه، ولا يمكن قسرهم على إتيان فعل ما خارج عن مهامهم الأصلية الواجبة عليهم".
وشدد نادي القضاة أن هذه القرارات "خرقت بشكل واضح وصريح المادة الأولى من المرسوم رقم 400-22-2 المؤرخ في 18 أكتوبر/تشرين أول 2022 المتعلق بتحديد اختصاصات وزارة العدل".
ذلك أن هذه المادة تحصر الاختصاصات العامة لوزارة العدل في تنفيذ سياسة الحكومة في مجال العدالة بما لا يتنافى مع استقلال السلطة القضائية، وما دام أن القضاة مستقلون عنها فقد وقعت في هذا التنافي ولا شك، وفق قوله.
وبعد أن عبر نادي القضاة عن استغرابه لمثل هذا السلوك الإداري تجاه ممثلي للسلطة القضائية، ذكر أن "الدستور المغربي قطع مع تبعية القضاء لوزارة العدل منذ حوالي 12 سنة".
ونص الدستور على أن القضاء مستقل عن السلطة التنفيذية كما التشريعية، وصدر قانونان تنظيميان يكملان ويعززان هذه الاستقلالية منذ حوالي سبع (7) سنوات، وفق المصدر ذاته.
وشدد الجباري على أنه "لا يجوز لوزير العدل، بل يمنع عليه، دستوريا وقانونيا وأخلاقيا، أن يوجه أوامر للقضاة كيف ما كانت، وأن لا يخاطبهم مباشرة، لأن اختصاص وزارته في علاقته بهم ينحصر فقط في توفير الموارد المالية واللوجستية والبنايات بما يضمن حسن سير عمل المحاكم وتدبير منظومة العدالة".
مراسلة معيبة
تعليقا منه على الواقعة، أكد محمد بوليلى، الأستاذ الجامعي المتخصص في القانون الجنائي، ورئيس مركز الساحل والصحراء للدراسات القانونية والاقتصادية والبيئية، أن الحديث عن الموضوع يبدأ من المداخل التشريعية المؤطرة لعمل المؤسسات الدستورية وفق مبدأ الفصل بين السلطات الذي يضمن الاستقلالية بين السلطتين القضائية والتنفيذية.
وأضاف بوليلى لـ "الاستقلال"، أن العلاقة التي تجمع بين السلطة القضائية ووزارة العدل هي علاقة التكامل وتدبير الإدارة القضائية.
لكن، هذا يجب أن يكون بتعبير الدستور والقانون المؤسس للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
وأيضا وفق جميع النقاط الواردة في النصوص القانونية، على أساس ضمان استقلالية السلطة القضائية، كما قال.
وذكر المتحدث ذاته، أن وزارة العدل أناط بها المشرع تدبير مرفق العدالة، والذي تشتغل به إلى جانب الموارد البشرية التابعة للوزارة، مهن قانونية أخرى (المحامون والمفوضون القضائيون وغيرهم)، غير أن هذا لا يبرر توجه الوزير لمراسلة القضاة بشكل مباشر.
وأردف: "الأجدر أن تكتسب صفتها وطابعها القانوني عبر موافقة المجلس الأعلى للسلطة القضائية من باب توازي السلطات والدرجات إذا ما علمنا أنها مراسلة تكليف واردة من موظف حكومي بدرجة وزير".
وبالتالي كانت لتكون مذيلة بموافقة الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أو من ينوب عنه، وفق تقديره
وتابع الأكاديمي: "المراسلة جاءت بصيغة تحمل لغة الوصاية أكثر من كونها تكليفا للمساهمة والمساعدة في حراسة المباراة المعلن عنها لضمان شفافيتها، كون القضاة غير ملزمين بأداء أي مهمة أو مهنة خارج الإطار القانوني المنظم وخارج سياق تطبيق القانون إلا بإذن من المجلس الأعلى للسلطة القضائية حسب ما هو وارد في القانون الأساسي للقضاة.
وأضاف بوليلى: "إذ جاء في الفصل 74 منه بالمنع من أن يمارسوا خارج مهامهم، ولو بصفة عرضية، أي نشاط مهني، كيفما كانت طبيعته بأجر أو بدونه؛ غير أنه يمكن منح استثناءات فردية بموجب قرار للرئيس المنتدب للمجلس، وذلك لضرورة التدريس أو البحث العلمي أو أداء مهام تكلفهم بها الدولة".
وذكر أن ذلك حسب منطوق النص 79 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي يُفهم منه أن أي وضعية أخرى للقضاة من غير تلك الواردة في نص القانون والمتعلقة بالإلحاق ووضعهم في حالة استيداع ورهن الإشارة تكون بناء على طلب يبت فيه.
وأشار الأستاذ الجامعي، إلى أنه مما يعاب على المراسلة أيضا، أنها جاءت بصيغة لا تليق بصفة ومكانة القاضي، وهنا نتحدث عن مسألة اللباقة، وهي أمر أساسي في المخاطبة، أحرى أن تكون تجاه القضاة.
وتساءل بوليلى: "لو فرضنا أن أحد القضاة أخل بدوره خلال هذه المباراة أو قصر في أداء المهمة التي دعي إلى حراستها، فلمن تعود السلطة التأديبية، هل لوزير العدل؟، أبدا، لأنه لا أساس قانوني لذلك، بل الأمر موكول للسلطة القضائية، لكن، بناء على أي شيء تؤدبه، إذ أنها لم تُصدر له أي تكليف".
وأكد رئيس المركز البحثي، أن هذا الافتراض يكشف العوار الذي يعتري المراسلة من الناحية القانونية.
معاركة مستمرة
معارك وزير العدل مع نادي قضاة المغرب غير جديدة، إذ أصدر الأخير العديد من التوضيحات والبلاغات المنتقدة لعدد من التصريحات التي أدلى بها عبد اللطيف وهبي.
وسبق لموقع "اليوم 24" المحلي، أن ذكر في 2 يناير/كانون الثاني 2023، أن وزير العدل، رفض استقبال نادي قضاة المغرب، إلا إذا حصل الأخير على موافقة من المجلس الأعلى للسلطة القضائية للجلوس معه.
في حين، ردّ نادي القضاة في تصريح لرئيسه عبد الرزاق الجباري، أنه هيئة مستقلة عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، مُرجعا موقف الوزير من النادي إلى رفض الأخير المشاركة في لقاء وطني منظم من لدن وزارة العدل حول ملاءمة القوانين الوطنية بشأن الأسرة مع المواثيق الدولية.
والسبب الثاني، وفق الجباري، هو "تصورات نادي قضاة المغرب حول مشروعي تعديل القانونين التنظيميين المتعلقين بالسلطة القضائية المقدمين من طرف وزارة العدل، والتي بينت تهافت العديد من التعديلات المراد إدخالها على هذين القانونين، بل ومخالفة بعضها للدستور وللإعلانات الدولية ذات الصلة باستقلالية القضاء".
وفي أبريل 2023، اندلع الجدل بين الجانبين من جديد، حين صرح وزير العدل على حكم قضائي في حق متهمين باغتصاب طفلة بمنطقة تيفلت نواحي العاصمة الرباط، والذي قال فيه إن الحكم "صادم" وأنه "صعق لمضمونه".
وقضت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالرباط بعقوبة حبسية لا تتجاوز العامين، في حق أفراد عصابة مكونة من ثلاثة أشخاص تورطوا في قضية اغتصاب طفلة نتج عنه حمل.
الطفلة الضحية التي لم يتجاوز سنها 11 عاما، تعرضت لاستغلال جنسي واغتصاب متكرر من طرف الأشخاص الثلاثة، بنواحي تيفلت، نتج عنه حمل حسب ما أثبتته الخبرة الطبية.
ووفق ما نقل موقع "بديل" المحلي، 3 أبريل 2023، رأى رئيس نادي قضاة المغرب، أن "تعليق الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة ووزير العدل عبد اللطيف وهبي، على الحكم الصادر ضد مغتصبي طفلة تيفلت، يُعد خرقا خطيرا لاستقلالية القضاء".
وقال الجباري: "خروج وزير العدل بتعليق يُقيِّم فيه قرارا قضائيا ابتدائيا صدر في قضية لا تزال معروضة على أنظار القضاء الاستئنافي، يشكل خرقا خطيرا لاستقلالية القضاء".
وبرر رأيه بأن وهبي يُعد "مسؤولا حكوميا يُمنع عليه ذلك طبقا للفصل 107 من الدستور، كما يعد تدخلا سافرا في قضية معروضة على القضاء، ومحاولة للتأثير على قضاة الدرجة الثانية بكيفية غير مشروعة وفق مفهوم الفصل 109 منه"، وفقا لتعبيره.
وأضاف الجباري: "فللتذكير، قضاء الموضوع يصدر أحكامه الابتدائية بناء على ما ثبت من وقائع ومعطيات ثبوتا قطعيا، وما توفر لديه من ظروف وملابسات، ولا يراقبه في ذلك إلا قضاء الدرجة الثانية، ثم محكمة النقض من حيث مدى تطبيقه السليم للقانون من عدمه دون الدخول في وقائع القضية".
وتابع: "من هنا، فلا يحق لأي مسؤول حكومي، كيف ما كان، أن يتجاوز هذه الأبجديات التي لا يجهلها مبتدئو الطلبة في المادة القانونية، وإلا كان مخالفا للدستور والقانون، ومن ثم الواجب التحفظ الذي يتعين عليه الالتزام بمقتضياته وتبعاته".
كما سبق لوزير العدل أن حمل القضاة مسؤولية تأخير البت في القضايا المرفوعة أمام محاكم المملكة.
فوفق موقع "العدالة والتنمية" المحلي، 6 ديسمبر/كانون أول 2022، قال الكاتب العام لنادي قضاة المغرب عبد السلام زوير، إن تحميل القضاة مسؤولية تأخير البت في القضايا، تبقى من الأحكام الجاهزة والسهلة ومن أحكام القيمة، ما دام أنها لا تستند على دراسات أو إحصائيات علمية وموضوعية.
كما أنها محاولة للقفز على الأسباب الرئيسة المسببة للتأخير، وتجاوز المسببات الحقيقية لتأخير البت في القضايا والملفات، وفق رأيه.
وفي هذا الصدد، أكد زوير أنه يتعين احترام إجراءات مسطرية منصوص عليها قانونا واحترام حقوق الدفاع وضرورة استدعاء الأطراف والحرص على توصلهم طبقا للقانون، بالإضافة إلى الحاجة في بعض الأحيان لإجراء بحث في الملف والاستماع إلى الأطراف شخصيا أو للشهود.
أو الحاجة لإجراء خبرة تقنية أو معاينة أو الوقوف بعين المكان، أو الاستعانة بترجمان وإجراءات أخرى، وهي بطبيعة الحال كلها لا يتحمل مسؤولية التأخير الناتج عنها القاضي يؤكد المتحدث.
ورأى المتحدث ذاته، أن مسألة تحديد آجال للبت في مختلف القضايا المعروضة على أنظار القضاء، هي في عمقها تفصيل للقاعدة الكلية المنصوص عليها في الفصل 120 من الدستور، والتي تفرض على المحاكم إصدار أحكام داخل أجل معقول.
وأردف أن البت في أجل معقول يعد بحسبه مبدئا دستوريا إجرائيا، وبالتالي، فمجال تنظيمه هو القانون الإجرائي بشقيه، الجنائي والمدني.
وأضاف زوير، "معلوم أن الفصل 71 من الدستور نص على أن السلطة التشريعية هي صاحبة الاختصاص بالتشريع في ميدان المسطرتين المدنية والجنائية".
وهو ما لا يجوز معه لا للحكومة ولا للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، من الناحية الدستورية، أن يحددا الآجال المذكورة التي تندرج ضمن الاختصاص الحصري للسلطة التشريعية، بحسب قوله.
وعليه يقر الكاتب العام لنادي قضاة المغرب، أنه لا يمكن القول إن القاضي هو المسؤول عن جميع حالات تأخير البت في القضايا، وبالتبعية فإن الحكم عليه بعقوبة تأديبية أو إحالته على التأديب لهذا السبب، ورغم أنه ليس المسؤول عنه حقيقة، يجعل استقلال القضاء والقضاة مهددا فعلا.
تصريحات متسرعة
بخصوص تعليق وزير العدل على الحكم القضائي الخاص بالفتاة المغتصبة،، قال الأستاذ الجامعي محمد بوليلى، إن الأمر حاد عن الصواب، ولم يكن حكيما، لاسيما وأن وهبي مسؤول حكومي يحمل حقيبة غير عادية.
وأوضح بوليلى لـ "الاستقلال"، أن الوزير ليس ممنوعا من التعبير عن الرأي، لكن، حين نرى هذا الرأي مقارنة مع مسؤوليته الحكومية، يتبين أن تأثيره أقوى.
إذ لا معنى أن يقول إنه شعر بخيبة أمل، في قضية يعلم هو قبل غيره من منطلق منصبه ومهنته أنها ما زالت لم تستنفذ مختلف درجات التقاضي.
وذكر بوليلى أن خروج الوزير بمفهوم الصدمة لن تأمن تأويلاته، مبينا أن وجه الخطورة في تعليق الوزير، أن كلامه لم يترك لعامة المواطنين من بد للتشكيك في الحكم القضائي ونزاهة القضاء، خاصة ما استتبعه ذلك من ردات فعل المجتمع المدني في شكل هيئات حقوقية.
بل جاء بهذا التعليق وكأن أحكام القاضي لا تخضع للرقابة على مستوى محكمة النقض، وفق بوليلى.
واستدرك: "قد توجد مؤاخذات على الحكم، لكن ندرك أن هناك سلطة تقديرية، تتعلق بأشياء كثيرة بنى القاضي على أساسها اقتناعه الصميم وراجت أمامه في المحكمة، ولذلك لا يمكن أن تكون محط تقييم من لدن الآخرين باستثناء الجهات التي خولها القانون ذلك".
وأردف المتحدث ذاته، "لكل متضرر من الحكم أن يستمر في سلوك المساطر القضائية، عبر الطعن في الحكم لدى محكمة ثاني درجة وصولا الى محكمة النقض".
فما بالك أن يصدر التعليق من وزير اقترن اسمه بوزارة تحمل مسمى العدالة التي يسعى المتقاضون إلى بلوغها ويسعى القضاة إلى تحقيقها ويرمي المجتمع إلى ملامسة آثارها، يتساءل المتحدث.
وشدد بوليلى أن "العدالة تتحقق عن طريق مرفق القضاء وليس عبر الرأي العام وتأثيره"، منبها إلى أن عكس الآية سيؤدي إلى ضياع الحقوق، داعيا إلى تكون لنا ثقة في النص القانوني والأشخاص المكلفين بإنفاذ القانون.
من جانب آخر، قال بوليلى إن الوزير، سواء تعلق الأمر بحادثة الفتاة المغتصبة أو غيرها، تحدث عن شروعه في وضع قوانين، وكأن التشريع حكر عليه.
ورأى أن تكريسه كعضو حكومي أو جهة مشرعة لهذا الأمر، هو حقيقة مرة ومستفزة في الآن نفسه.
وشدد الخبير القانوني، أن الأصل هو أن التشريع بيد مؤسسة البرلمان إضافة إلى دور رئيس الحكومة في اقتراح القوانين، غير أن هذا لا يمكن أن يقع تبريرا للاستحواذ على التشريع من وجهة نظر الأصل والاستثناء.
ولذا، دعا الأستاذ الجامعي البرلمان إلى أداء دوره التشريعي على الوجه الأكمل، لما لذلك من أهمية في تعزيز سلطات المؤسسة البرلمانية ودورها التشريعي والرقابي، وحسن تفاعلها مع المجتمع ومتطلباته وانتظاراته، وتحسين لصورته أمام الرأي العام.