ماذا وراء دعم نجيب ساويرس لـ"حميدتي" في حربه ضد الجيش السوداني؟

داود علي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في خطوة أثارت تساؤلات كثيرة، غرد رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، باللغة الإنجليزية، عبر حسابه بـ"تويتر" في 17 أبريل/ نيسان 2023، معلنا دعمه لقوات الدعم السريع، في المواجهات الضارية ضد الجيش السوداني.

وأثارت تغريدة ساويرس الجدل والتساؤلات عن مدى انحيازه لقوات الدعم السريع ضد جيش السودان، وعن علاقته بهذا الأمر من الأساس، ولماذا هاجم خصيمه واتهمه بارتكاب جريمة حرب؟

ومنذ 15 أبريل 2023، اندلعت في عدد من ولايات السودان اشتباكات واسعة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، راح ضحيتها المئات بين قتيل وجريح معظمهم من المدنيين.

وعام 2013، تشكلت "الدعم السريع" لمساندة القوات الحكومية في قتالها ضد الحركات المتمردة بإقليم دارفور (غرب)، ثم تولت مهام منها مكافحة الهجرة غير النظامية وحفظ الأمن، قبل أن يصفها الجيش بأنها "متمردة" عقب اندلاع الاشتباكات.

وبعد التغريدة الأخيرة، علق أحد السودانيين على ساويرس، بسخرية قائلا: "نجيب آل دقلو" في إشارة إلى عائلة "حميدتي"، ليرد الملياردير المصري بسخرية مماثلة: "أتشرف".

ومن هنا بدأت التكهنات تظهر عن  أن قرب نجيب من حميدتي، سببه استثماراته في السودان، وأن ثمة مصالح مشتركة بينهما، جعلت الملياردير المصري ينحاز لهذا الطرف، رغم انتهاكاته، ورغم معاناة الشعب السوداني منه. 

والأهم أن انحيازات ساويرس مخالفة لانحياز الدولة المصرية نفسها، والنظام في القاهرة، الذي يؤيد الجيش السوداني وقائده عبد الفتاح البرهان. 

وهو ما أكده ساويرس نفسه بتغريدة أخرى في 27 أبريل بالقول: "بالنسبة للذهب، نعم أنا أشتغل فيه في السودان وبتفاوض مع مجموعات كثيرة عندها امتيازات استكشاف هناك".

ذهب السودان

كان "الذهب" هو كلمة السر الرئيسة في انحياز ساويرس لحميدتي، ففي 21 فبراير/ شباط 2023، نقلت وكالة الأنباء السودانية "سونا" أن المهندس أحمد خيري، مدير تنمية الموارد في شركة "لامنشا"، وهي إحدى شركات الملياردير المصري، التقى بوزير المعادن محمد بشير عبدالله بمكتبه في الخرطوم.

وأعلن وقتها أن ساويرس ينوي العودة بقوة للاستثمار في قطاع التعدين بالسودان، مشيرا بوضوح إلى أن تركيزهم سيكون على "الذهب"

كما كشف عن وجود شركات متعددة لساويرس تعمل في مجال البحث عن الذهب السوداني، قائلا: "إنهم مازالوا في مرحلة الاستكشاف".

وأوردت الوكالة السودانية أن "جيرارد أوهيت" المسؤول في شركات ساويرس، أعلن أن إستراتيجيتهم في العودة للاستثمار بالسودان، سيرتكز على مجال التعدين في "الذهب والنحاس". 

أما الذي يربط ساويرس بحميدتي في هذا الاستثمار، فهو أن الأخير منذ عام 2017 فرض سطوته على مناجم الذهب، الموجودة في جبال عامر بولاية دارفور.

وهو ما جعل حميدتي أكبر مسيطر على عملية مبيعات الذهب في الدولة التي بلغت صادرات المعدن الأصفر فيها عام 2017، قرابة 40 بالمئة، بحسب تقرير هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

وقالت الغارديان: "إن قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، تسيطر على مناجم عدة للذهب في دارفور".

ونشرت تحقيقا مطولا مدعوما بالصور والوثائق، أكدت فيه أن حميدتي أصبح أحد أغنى رجال السودان، حيث تسيطر قواته على منجم جبل عامر للذهب، وثلاثة مناجم أخرى على الأقل في جنوب كردفان وغيرها.

وهو الأمر الذي جعل حميدتي وقواته لاعبين رئيسين في الصناعة الأكثر ربحا بالسودان.

كما كشفت أن شقيقه "عبد الرحيم دقلو" وأبناءه، يملكون شركة الجنيد التي تعد إحدى أهم شركات التنقيب عن الذهب، وأن عبد الرحمن البكري نائب حميدتي هو المدير العام للشركة.

وذكرت الصحيفة أن العلاقة بين الذهب السوداني والأثرياء الأجانب وقوات الدعم السريع تقلق المراقبين، ومنهم منظمة غلوبال ويتنس (منظمة بريطانية أسست عام 1993، بهدف مكافحة الفساد واستغلال الموارد الطبيعية).

وأعلنت هذه المنظمة عام 2019، أن قوات الدعم السريع بقواتها العسكرية واستقلالها المالي وامتلاكها للذهب، تشكل تهديدا لانتقال السلطة والديمقراطية في السودان.

ساويرس والذهب

عين ساويرس على ذهب السودان، لم تأت من فراغ، فرجل الأعمال المصري يمتلك ثروة ضخمة من احتياطيات الذهب، ما يجعل من توجهه للسودان حيث مناجم المعدن الأصفر أمرا متوقعا. 

شركة "إنديفور" الكندية للتعدين التي يمتلك ساويرس فيها حصة تصل إلى 30 بالمئة، أفصحت في 6 ديسمبر/كانون الأول 2020، في تقريرها السنوي عن توجه "ساويرس" إلى التوسع في قطاع الذهب، وأنه حقق ثاني أكبر مكسب بالعالم من تلك المناجم وفقا لمؤشر "بلومبيرغ" للعام 2019 /2020.

وعلى نفس المؤشر احتل ساويرس المركز الثاني في قائمة أغنى 4 مليارديرات بالعالم امتلاكا لمناجم ذهب أو حصص كبيرة فيها، وحقق أرباحا تقدر بـ 300 مليون دولار.

أما عن علاقة ساويرس بذهب السودان، فهي ليست جديدة، إذ إنه في عام 2015 كان رجل الأعمال يمتلك حصة بنسبة 44 بالمئة من شركة "أرياب" السودانية للتعدين وذلك منذ شرائها عام 2012.

 تلك الشركة كانت تمتلك مناجم لمعادن الذهب والفضة والنحاس في منطقة أرياب بولاية البحر الأحمر السودانية. 

حينها كان ساويرس يعمل في مشروعات التنقيب عن الذهب بالتعاون بين الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية السودانية وحكومة فرنسا.

وقبلها كانت الحكومة السودانية تمتلك نسبة 56 بالمئة، وحكومة فرنسا 44 بالمئة، من أرياب، ثم باعت السودان نسبة 44 بالمئة من أسهمها إلى ساويرس في صفقة لم يعلن عن قيمتها لتنخفض حصتها إلى 12 بالمئة فقط من الشركة.

وفي أبريل/نيسان 2015 عاد السودان لشراء نسبة الـ44 بالمئة من ساويرس، في صفقة قدرت قيمتها بنحو 100 مليون دولار.

السودان مطمعا

ومع ذلك لم تنقطع علاقات ساويرس بالسودان ولا مسؤوليه، خاصة حميدتي المسيطر على جبال الذهب.

وفي 9 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أجرى نجيب زيارة خاصة لولاية البحر الأحمر، حيث مناجم الذهب، ورافقه فيها والي البحر الأحمر عبدالله شنقراي، وأعلن ساويرس حينها، بأن زيارته تأتي ضمن برنامج التنمية المستدامة بالولاية. 

وقد علقت صحيفة "الراكوبة" السودانية آنذاك، أن ساويرس نسق خلال الزيارة مع ناظر قبائل "الهدندوة" ورئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا محمد الأمين ترك، لإقامة بعض المشروعات، منها ما يخص قطاع التعدين (الذهب). 

ولذلك رأى الصحفي السوداني محمد نصر، أن تغريدة رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، المؤيدة لحميدتي في هذا التوقيت، أكبر من مجرد حالة توافق أو دعم عابر.

 وإنما هي نموذج للحالة الإقليمية تجاه السودان، الذي أصبح "رجل العرب المريض" على حد وصفه، والجميع يريد تحقيق أقصى مكتسبات ممكنة من الوضع القائم.

وقال نصر في حديثه لـ"الاستقلال": "إن ساويرس أكبر من مجرد رجل أعمال له استثمارات في السودان، وإنما هو ممثل لقوى إقليمية ودولية تطمع في البلد وثرواته وذهبه.

وبين القوى المذكورة (التي يعد ساويرس أحد أشكالها) "لها مشروعات خاصة، وتعمل على إحلال وتجديد في مؤسسات وهيئات السودان، بحيث تمهد لنفسها طريقا مستقبليا مضمونا، تحصل من خلاله على ما تريد". 

وأضاف: "لذلك فإن ساويرس رغم كونه مصريا، والمصريون كنظام ضد حميدتي، لكنه على خط إسقاط الجيش، وتقديم الدعم السريع ليكونوا هم حكام السودان الجدد، وبذلك سيفتحون الطريق له ولأمثاله ليحصلوا على ما يريدون من خيرات البلاد". 

وأتبع: "ساويرس كانت له استثمارات كبيرة في البلاد منذ سنوات، خاصة في مجال الاتصالات والعقارات، وبعد عام 2011 تضاءلت هذه الاستثمارات لعدة أمور خاصة بمصر والسودان، لكنه بعد عام 2019 عاد إلى هنا ودخل بقوة في الاستثمار من بوابة حميدتي والدعم السريع". 

واستطرد: "ركز ساويرس على الذهب لأنه يمثل أولوية قصوى له، ويعرف أن تقليص نفوذ الدعم السريع أو هزيمتهم، سيكون وبالا عليه، وسيحطم أحلامه الاقتصادية في السودان".