تطبيق تيك توك يحول "سجناء" إلى "مشاهير".. كيف يدمر الصحة العقلية؟

12

طباعة

مشاركة

من مفارقات موقع "تيك توك" أنه تسبب في سجن "مشاهير" مصريين، بينهم فتيات تطلعن إلى الشهرة عن طريقه لكسب المال، بينما في دول غربية، مثل بريطانيا، حول التطبيق نفسه "سجناء" إلى مشاهير، يحصدون أموالا منه.

صحيفة "التايمز" البريطانية، كشفت في 16 أبريل/نيسان 2023، أن سجناء في جميع أنحاء بريطانيا، تحولوا إلى مشاهير وانتشرت مقاطع الفيديو، التي يصورونها بهواتف محظورة من داخل السجون، حتى وصلت مشاهدات بعضهم إلى مليون مشاهدة.

وأكدت الصحيفة أن بعض هذه الفيديوهات يجرى التباهي فيها بما يفعله السجناء من مخالفات وأشياء أخرى محظورة داخل السجن عبر الفيديوهات، مثل تعاطي المخدرات وتهريبها ليضمنوا انتشارها وكسب الأموال منها.

لكن خبراء تربويين يرون أن هذه الشهرة للمساجين عبر تيك توك تدخل ضمن مساوئ التطبيق الصيني، المتهم بتدمير الأخلاق والصحة النفسية.

وتحارب الولايات المتحدة وأوروبا التطبيق لأسباب أخرى خشية أن يكون سببا للإدمان، والتجسس أيضا، وفق صحيفة "لوموند" الفرنسية مارس/آذار 2023.

وبالإضافة إلى مشكلات الأمان للمستخدمين الشباب، تواصل "تيك توك" التي يقع مقر شركتها الأم "بايت دانس" في بكين، مواجهة تساؤلات بشأن إذا ما كانت بيانات المستخدم الخاصة بها آمنة.

ونفى "تيك توك" مرارا أن يكون قد شارك بيانات مستخدميه مع الحكومة الصينية، لكن بلدان عدة حظرت التطبيق خاصة المعسكر الغربي من على الهواتف الحكومية.

وبينما يشتهر يوميا سجناء في دول غربية بسبب فيديوهات لهم على "تيك توك"، كانت عارضة الأزياء المصرية "سلمى الشيمي"، هي آخر ضحايا التطبيق المثير للجدل بعدما نشرت عبره فيديوهات لها عدتها السلطات المصرية "خادشة للحياء".

وقضت محكمة جنح الاقتصادية في الإسكندرية، 18 أبريل 2023 بالحبس عامين وغرامة 100 ألف جنيه (حوالي 3200 دولار) لعارضة الأزياء في قضية اتهامها بتصوير وبث مقاطع "منافية للقيم الأسرية" على الإنترنت، مقابل مبالغ مالية.

ما هي قصة تيك توك مع المساجين داخل السجون وخارجها وكيف تحول التطبيق الشهير إلى إدمان خطير يؤدي أيضا إلى جرائم وأمراض وربما يقود إلى السجن؟

مشاهير السجون

لتطبيق "تيك توك" سوابق في التعامل مع السجون والمساجين، ضمن سعيه للشهرة لجذب المراهقين بفيديوهات غريبة، رغم أنه اضطر تحت ضغوط لحذف بعضها حين اشتكت منظمات من فيديوهات بعينها تروج لتجارة المخدرات.

إذ يخصص "تيك توك" قسما لما يسميه "سجون 5 نجوم" تظهر فيها بعض الزنازين للمشاهير على أنها أفخم من الفنادق.

لكن سجناء نشروا فيديوهات لهم من داخل السجون البريطانية يظهر بعضهم فيها كأنهم يعيشون "حياة ملكية"، حيث يدخل لهم كل وسائل الترفيه، بما فيها المخدرات والسيجار الفاخر المحشي بأنواع محظورة من المخدر، وفق "التايمز".

ويمتلئ التطبيق بمقاطع فيديو يظهر فيها المسجونون وبحوزتهم هواتف من نوع آيفون وأندرويد.

وظهر سجين في أحد المقاطع وهو يفتخر بأن لديه 4 أجهزة آيفون في زنزانته، ويعرض هاتفين صغيرين قال ساخرا إنهما "تسلقا جدران السجن ليصلا إليه".

وقد رصد موقع The Marshall project في 7 أبريل 2023 نوعا آخر من فيديوهات تيك توك لمساجين مشاهير، بعضهم قضى 21 عاما وراء الأسوار، لكنهم يروون فيها للجمهور تفاصيل عالم السجن من الداخل عقب خروجهم.

وتتضمن هذه المقاطع مغامراتهم ومشاكلهم وحسنات وسيئات الزنازين بالنسبة لهم، وبعض هذه الفيديوهات حصد 2.5 مليون مشاهدة، لأن هذه النوعية من فيديوهات السجناء السابقين عليها إقبال للاطلاع على تجارب السجون المختلفة.

وبعض المقاطع تعطي لمحة عن مظاهر غياب قواعد القانون في كثير من السجون، حيث وصف بعض المدانين زنازينهم بأنها "منتجعات ملكية"، وظهر أحدهم في مقطع فيديو وهو يدخن مادة السبايس المخدرة (تعرف باسم عقار الزومبي، أي الموتى الأحياء).

تُظهر صورة أخرى سجناء في حالة قريبة من الغيبوبة تحت تأثير مادة "السبايس زومبي"، وهم يترنحون في زنازينهم، ومقاطع أخرى لنزلاء يؤدون مهمات مهينة عن زملائهم، للحصول على المخدرات على ما يبدو.

لم يكن "تيك توك" المنصة الوحيدة التي يستخدمها السجناء البريطانيون، حيث نشر بعضهم مغامراتهم على موقع يوتيوب.

ومنهم سام ووكر، أحد مشاهير يوتيوب الذي جمع 24 ألف مشترك في قناته أثناء قضائه عقوبة السجن لحيازة 3 كيلوغرامات من الحشيش، وقيادة السيارة دون تراخيص.

وقد ادعى "ووكر" في مقطع فيديو أنه كان يربح 1700 جنيه إسترليني شهرياً (2110 دولارات أميركية) من مقاطع الفيديو داخل السجن.

وكانت الحكومة البريطانية قد أعلنت أنها خصصت 125 مليون جنيه إسترليني (155 مليون دولار أميركي) لشراء أجهزة تفتيش بالأشعة السينية ضمن خطتها للقضاء على التهريب في السجون.

وقالت مصلحة السجون إن "الهواتف المحمولة محظورة في السجن، ومن يُعثر معه على أحدها، تزيد مدة عقوبته خلف القضبان". 

وكانت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية تحدثت في 24 سبتمبر/أيلول 2022 عن استغلال سجناء في أستراليا "تيك توك" لبث فيديوهات راقصة وغنائية لهم للشهرة أيضا أو للطبخ.

يدمر الصحة العقلية 

في تحقيق نشرته في 19 يوليو/تموز 2022 أكدت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن تطبيق "تيك توك" الصيني "هو الأعلى تنزيلا في العالم وتفوق على منافسيه من التطبيقات الأميركية خاصة يوتيوب".

قالت إن له مخاطر عدة وبعضها يتعلق بنشره معلومات مضللة، وبعضه يتعلق بتحديات تجذب الشباب المراهق، وقد تؤدي للوفاة مثل "تحدي الموت"، والأخطر هو تأثيره على الصحة العقلية للأجيال الجديدة من الشباب.

وقد ذكرت وكالة بلومبيرغ "بيزنس ويك" الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 أن أحد تلك التوجهات (Trends)، ويسمى تحدي (Blackout Challenge) كان مرتبطا بوفاة ما لا يقل عن 15 طفلا تتراوح أعمارهم بين 12 عاما أو أقل، بالإضافة إلى خمسة أطفال تتراوح أعمارهم بين 13 و14 عاما على مدى 18 شهرا.

وتحدي Blackout Challenge الذي يُشار إليه أيضا باسم "تحدي الاختناق" أو "الإغماء"، يشجع المستخدمين الأطفال، على حبس أنفاسهم حتى يفقدوا وعيهم بسبب نقص الأكسجين.

وحسب تقرير آخر نشرته صحيفة "الغارديان" 30 أكتوبر/تشرين الأول 2022 نقل تحذير خبراء من تأثير النمو الهائل للإنترنت وتطبيقاته مثل تيك توك على مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي و"المخاوف بشأن تأثيرها على عاداتنا وصحتنا العقلية".

وقالت إنه في عام 2021 أظهر بحث داخلي في إنستغرام، الآثار الخطيرة على الصحة العقلية لتطبيق الصور على المستخدمين المراهقين، بما في ذلك زيادة معدلات اضطرابات الأكل بين الفتيات المراهقات.

ونقلت عن خبراء إن هناك مجموعة من الميزات المبتكرة لمنصة "تيك توك" تثير مخاوف وتؤثر بالدماغ، لأنها تعرف رغبات مستخدميها واهتماماتهم جيداً.

وقال خبراء إن انفلات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في العقدين الماضيين أسهم في أزمة صحة عقلية بين الشباب، وفقا لمسح أجراه مراكز مكافحة الأمراض والوقاية الأميركية نشرتها الإذاعة الوطنية NPR في 13 فبراير/شباط 2023.

وأكدوا في دراسة استقصائية عرضت خلاصة المسح، أن "معدلات الاكتئاب آخذة في الارتفاع، وهناك فتيات مراهقات وشباب يعانون من العنف والصدمات".

وقد أظهرت أبحاث أخرى نشرتها الإذاعة الوطنية الأميركية أيضا أن الحد من استخدام تيك توك "يمكن أن يجعل الشباب يشعرون بتحسن".

وقد أشارت دراسة مشتركة بين جامعتي "كاليفورنيا وتوليدو" لفحص تأثير التعرض المزمن والمؤقت لمعلومات وسائل التواصل الاجتماعي وبينها تيك توك أنها "مخدر جاهز بين يدي الشباب".

وأثبتت الدراسة أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بكثرة يؤدي بشكل حقيقي إلى إدمانها، مما يؤثر على الصحة النفسية.

وبحسب تقرير لمركز "بيو" للأبحاث 7 أبريل 2021: "تكمن الشعبية الجارفة لتطبيق تيك توك في قاعدة مستخدميه الصغار التي ستجعله قابلاً للنمو في المستقبل".

فحوالي نصف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً في الولايات المتحدة يستخدمون المنصة، بحسب "بيو".

وأوضح تقرير سابق لـ "الاستقلال" أن تيك توك، أكثر تطبيقات التواصل الاجتماعي التي تطاردها اتهامات بالتسبب بإصابة الأطفال والمراهقين بإدمان الاستخدام لفترات طويلة.

وأفاد بأن الإدمان يأتي من هوس الشباب للظهور بأفضل مظهر، ما يصيبهم بأمراض عصبية ونفسية مثل فقدان الشهية والاكتئاب والأرق.

وقد ذكرت وكالة بلومبيرغ الأميركية في 4 أكتوبر 2022، أنه جرى رفع أكثر من 70 دعوى قضائية عام 2022 ضد تطبيقات التواصل الاجتماعي وفي مقدمتها تيك توك.

وأن الدعاوى تركزت حول معاناة مراهقين وشباب من القلق والاكتئاب واضطرابات الأكل والأرق بسبب إدمانهم على هذه التطبيقات.

وكشفت وسائل إعلام مصرية في 21 ديسمبر 2022، أن طفلا يبلغ من العمر 10 سنوات توفي داخل غرفته إثر أدائه تحديا جديدا على تيك توك يُسمى "المشنقة" حيث ربط الطفل حبلا في المروحة ووضعه حول رقبته.

وفي هذا التحدي يشنق بعض الشباب أنفسهم من خلال حبل لمدة من الوقت ليروا من يمكنه الصمود لوقت أطول.

إجراءات وقائية

وفي مطلع مارس 2023 أعلن تطبيق "تيك توك" في بيان، عن إجراءات "وقائية" جديدة للمستخدمين المراهقين تهدف إلى مساعدة المراهقين على الحد من الوقت الذي يقضونه أمام الشاشة.

وقال رئيس قسم الأمان في الشركة كورماك كينان: سيكون لدى مستخدمي تيك توك، الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما حدا زمنيا لجلوسهم أمام الشاشة يوميًا لمدة 60 دقيقة تلقائيا. 

وقالت الشركة إنها استقرت على الحد الافتراضي البالغ 60 دقيقة بعد استشارة خبراء من Digital Wellness Lab في مستشفى بوسطن للأطفال.

بحيث لا يمكن للمستخدمين الشباب الاستمرار في استخدام التطبيق إلا إذا أدخلوا رمز مرور، بما يجبرهم على "اتخاذ قرار" لتمديد الوقت، ويدفعهم للتفكير في إذا ما كانوا يرغبون في أن يمضوا وقتا طويلا دون أن يشعروا بذلك.

أما المستخدمون الذين تقل أعمارهم عن 13 عاما فسيكون لديهم حد يومي مدته 60 دقيقة، ويمكن للوالد أو الوصي إدخال رمز مرور يمدد استخدامهم اليومي لمدة نصف ساعة أخرى.

وقال خبراء إن انفلات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في العقدين الماضيين ساهم في أزمة الصحة العقلية بين الشباب، ومعدلات الاكتئاب آخذة في الارتفاع، كما أظهرت أبحاث أن الحد من وقت الشاشات يمكن أن يجعل الشباب يشعرون بتحسن.

لم يكتف الغرب باتهام الصين بأنها تهدد بتطبيقها "تيك توك" الصحة العقلية وتتجسس عبره عليها، ولكنه اتهمها بترويج نسخة مختلفة للعالم تحول أطفال العالم إلى "أغبياء"، بينما النسخة الصينية مختلفة.

صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية نقلت في ديسمبر/كانون الأول 2022 عن موظف سابق في شركة غوغل تصريحات مثيرة حول الاختلافات بين النسختين الصينية والدولية من منصة "تيك توك" بحيث تجعل الصين أطفال العالم أغبياء وتحمي أطفالها.

وقالت الصحيفة إن الاختلافات بين النسختين الصينية والدولية من منصة "تيك توك" تثير تساؤلا حول وجود نية لدى الصين "لتحويل الأطفال إلى أغبياء عن طريق هذه القوة الناعمة".

الموظف السابق في شركة غوغل "تريستان هاريس"، قال لبرنامج "60 دقيقة" الأميركي إن "نسخة الصينيين من تيك توك تعرض لمن أعمارهم أقل من 14 عاماً تجارب علمية يمكن تنفيذها في المنزل".

أو جولات في المتحف، أو مقاطع فيديو وطنية أو تعليمية، ويقصرون الاستخدام على 40 دقيقة فقط في اليوم.

وزعم أن "هذا الإصدار من تيك توك لا يُقدم لبقية العالم، بينما يصدر الصينيون الأفيون (النسخة الفقيرة من التطبيق) إلى بقية العالم".

"هاريس" أوضح أن "دراسات سعت إلى اكتشاف المهنة التي تلهم الشباب في مستقبلهم، فكان الجواب في الولايات المتحدة (شخصية مؤثرة على وسائل التواصل)، بينما كانت الإجابة في الصين (رائد فضاء)".

وتقول دراسة أعدتها وكالة "بلومبيرغ" 23 مارس 2023 إن ما يجعل تيك توك مختلفا عن مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى (يوتيوب وفيسبوك وإنستغرام) أنه يجمع جميع أنواع البيانات حول كل مستخدم، ومن خلال خوارزمياته.

ثم يستخدم هذه المعلومات لعرض المزيد من الأشياء التي تهم المستخدمين، لذا يُنظر إليه على أنه الأكثر تقدما وفاعلية بشكل غير متوقع في التعرف على اهتمامات المستخدمين، استنادا إلى المدة التي يقضونها لمشاهدة فيديو والتعليق عليه.

وبإمكان التطبيق أن يتعرف على عنوان بروتوكول الإنترنت (IP) للجهاز الخاص بك وكذلك (إذا اخترت السماح له) ببيانات موقعك الدقيق والأشخاص المدرجين في قائمة جهات الاتصال الخاصة بك.

وأوضح التقرير أنه لهذا يمزح بعض الناس قائلين إن خوارزمية "تيك توك فور يو" تعرفك أكثر مما تعرف نفسك.

وهذا ما يجعل ملكية الصين لـ "تيك توك" مثيرة للقلق بشكل خاص في الولايات المتحدة، حيث يقضي مستخدمو التطبيق من الأميركيين 56 دقيقة في المتوسط يوميا عليه، أكثر بكثير مما يقضونه على فيسبوك أو إنستغرام.