يحيى السنوار.. قائد "حماس" يرحل ممتشقا سلاحه مشتبكا مع عدوه

خالد كريزم | منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

ممتشقا سلاحه، مرتديا جعبته وكوفيته، مشتبكا مع عدوه، هكذا كان قائد حركة المقاومة الإسلامية حماس يحيى السنوار (62 عاما) بعد أكثر من عام على تدشينه معركة طوفان الأقصى.

وعجز الاحتلال الإسرائيلي عن اغتيال السنوار على مدار عام كامل رغم استعانته بالاستخبارات والطائرات الأميركية والبريطانية التي لطالما حلقت فوق قطاع غزة بحثا عنه.

وكان آخر شيء يتوقعه الاحتلال أن يكون السنوار فوق الأرض وليس تحتها كما روجت وسائل إعلام عربية وإسرائيلية ودولية أخيرا.

فطوال عام كامل، ادعت وسائل إعلام عديدة أن السنوار يتخفى في أنفاق غزة ويحيط نفسه بالأسرى الإسرائيليين حتى لا يجرى اغتياله.

ولكن جاءت صور استشهاده لتدحض ذلك كله بتأكيد من جيش الاحتلال نفسه الذي قال إن السنوار “قتل أثناء اشتباك وقع بتل السلطان برفح جنوبي قطاع غزة وكان يرتدي جعبة عسكرية ومعه قيادي ميداني آخر”.

وقالت وسائل إعلام عبرية إن “مقتل السنوار جرى بمحض الصدفة دون توفر معلومات استخباراتية سابقة، وذلك خلال استهداف الجيش لمبنى كان يوجد فيه مع مقاتلين آخرين”.

ولذلك، جاءت خاتمة أبي إبراهيم أقرب للأسطورة كونه كان يقاتل من فوق الأرض، مثلما كانت حياته التي خرق فيها المنطق والصورة وتحدى فيها الاحتلال خلال سجنه وبعد تحرره، فماذا نعرف عن هذا القائد الاستثنائي؟

النشأة والسجن

ولد السنوار في أكتوبر/ تشرين الأول 1962 في مخيم خانيونس للاجئين، لعائلة لاجئة، تعود أصولها إلى مجدل عسقلان المحتلة، الواقعة جنوب الأراضي الفلسطينية.

درس في مدارس المخيم وأنهى دراسته الثانوية فيها ثم التحق بالجامعة الإسلامية ليحصل على درجة البكالوريوس في تخصص اللغة العربية.

وانضم منذ صغره لجماعة الإخوان المسلمين، التي تحول اسمها أواخر عام 1987، إلى حركة "حماس".

وخلال دراسته الجامعية، ترأس "الكتلة الإسلامية"، الذراع الطلابي لجماعة الإخوان وقتها. وأسس السنوار الجهاز الأمني التابع للجماعة الذي عُرف باسم "المجد"، عام 1985.

وكان عمل الجهاز يتركز على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، ومكافحة عملائه من الفلسطينيين والتخلص منهم، حتى إن تقارير تتحدث عن أن السنوار كان يقتل بعضهم بنفسه، وفق صحيفة معاريف العبرية في فبراير/ شباط 2017.

وأصبحت علاقته بمؤسس حماس الشيخ الراحل أحمد ياسين قوية جدا، فقد اتفقا على تأسيس جهاز "مجد" الأمني معا.

وعن حياته الاجتماعية، تأخر زواج السنوار كثيرا بسبب وجوده في سجون الاحتلال لسنوات طويلة، ولكن بعد إطلاق سراحه عام 2011 تزوّج في 21 نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام.

وفي عام 1982، اعتقل الجيش الإسرائيلي السنوار للمرة الأولى، وظل رهن الاعتقال الإداري لأربعة أشهر حتى أفرج عنه.

وعاود الاحتلال اعتقاله مرة ثانية عام 1985 وحكم عليه بالسجن 8 أشهر بتهمة المشاركة في نشاطات أمنية ضد إسرائيل.

ثم اعتقله مجددا في 20 يناير/ كانون الثاني 1988، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، أربع مرات، بالإضافة إلى ثلاثين عاما.

وجاء هذا الحكم القاسي بعد أن وجهت له تهمة تأسيس جهاز المجد الأمني، والمشاركة بتأسيس الجهاز العسكري الأول للحركة، المعروف باسم "المجاهدون الفلسطينيون".

وقضى السنوار 23 عاما متواصلة داخل سجون الاحتلال حتى تحرر ضمن صفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل عام 2011، التي عُرفت باسم "صفقة شاليط" أو "وفاء الأحرار" وجرت برعاية مصرية.

وبموجب الصفقة التي نفذت في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2011، أطلقت إسرائيل سراح 1027 أسيرا فلسطينيا مقابل إطلاق "حماس" سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.

ووصفت بيتي لاهط السجانة السابقة ليحيى السنوار، الرجل بأنه "عدائي وقاس" دبر في كثير من الأحيان "أعمال عنف واضطرابات داخل السجن".

وفي مايو/ أيار 2022، قالت لاهط، المأمورة السابقة لسجن “هشارون”، رئيسة قسم المخابرات في مصلحة السجون الإسرائيلية، إنه "قبل اعتقاله كان يقود بواسطة الخوف والرعب. كان يحفر حفرا، ويرمي أشخاصا يشتبه في أنهم ضده ويصب الأسمنت عليهم وهم مازالوا على قيد الحياة"، وفق وصفها.

وأردفت المسؤولة السابقة عن كبار الأسرى الأمنيين، ومن بينهم السنوار في مقابلة مع صحيفة “معاريف”: "في السجن أرسل أيضا أشخاصا لإيذاء من لم يعجبوه. لكنه هو نفسه لم يلطخ يديه أبدا”.

وأضافت “كان يرسل السجناء لطعن الحراس وإثارة الاضطرابات، لكن دائما وراء الكواليس، لقد استغل وقته في السجن ليتعلم قدر استطاعته عن الإسرائيليين وأسلوب تفكيرهم".

وقالت أيضا: “إنه شخص ذكي للغاية استثمر في تطوره الفكري وفي فهم عميق للمجتمع الإسرائيلي".

وأوضحت أنه "عيّن فرقا في السجن للاستماع إلى جميع محطات الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلية، لمتابعة السياسيين. كانوا يستمعون إلى التحليلات السياسية والتقييمات الدبلوماسية”.

مناصب قيادية

وعقب خروجه من السجن، شارك السنوار في الانتخابات الداخلية لحركة حماس عام 2012، وفاز بعضوية المكتب السياسي للحركة، وتولى مسؤولية الإشراف على الجهاز العسكري "كتائب القسام".

وفي عام 2015، عينته حماس مسؤولا عن ملف الأسرى الإسرائيليين لدى كتائب القسام، ليقود مفاوضات عمليات التبادل، دون حدوث تقدم.

ووقتها، كانت "حماس" تحتفظ في غزة، بجنديين إسرائيليين، هما "أورون شاؤول" و"هدار غولدين"، بعد أن أسرتهما كتائب "القسام"، خلال حرب صيف 2014، فيما تقول إسرائيل إنهما قُتلا وتحتفظ الحركة برفاتهما.

كما كانت تحتفظ الحركة بمدنيين إسرائيليين هما "أبرا منغستو" وهشام السيد، بعدما دخلا القطاع في ظروف غامضة في سبتمبر/أيلول، وديسمبر/ كانون الأول من العام ذاته.

وخلال عملية طوفان الأقصى، أسرت كتائب القسام عددا آخر من المستوطنين والجنود، وأفرجت عن بعضهم ضمن صفقة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، لكن الاحتلال يعرقل إتمامها في خضم رفضه وقف إطلاق النار بغزة.

ويحظى السنوار برضى القيادتين العسكرية والسياسية لحركة حماس، وأسندت له مهمة التنسيق بين الجانبين، كما كان له دور كبير خلال المواجهة العسكرية في قطاع غزة عام 2014.

وبعد حرب 2014 أجرى عمليات تقييم وتحقيقات شاملة لأداء القيادات الميدانية نتج عنها إقالة لقيادات بارزة في الحركة، وفق ما نشرت صحيفة فلسطين اليومية التابعة لحماس" في ذلك الوقت.

ويرجع له الفضل في تحديد موقف الحركة من الاقتراحات المعروضة للتهدئة عند أي مواجهة، وكان يدعم دائما مطالب ومواقف القيادة العسكرية بضرورة تنفيذ المطالب الفلسطينية.

وفي 13 فبراير/ شباط 2017، انتخب يحيى السنوار رئيسا للمكتب السياسي للحركة في قطاع غزة خلفا لإسماعيل هنية، فيما اختير خليل الحية نائبا له.

وفي ذات العام، جرى انتخاب إسماعيل هنية رئيسا للمكتب السياسي للحركة، الذي اغتالته إسرائيل خلال معركة طوفان الأقصى في طهران 31 يوليو/تموز 2024.

وجاء اختيار السنوار رئيسا لحماس في غزة بانتخابات داخلية للحركة أجريت على مستوى مناطق القطاع المختلفة. 

كما أسفرت نتائج الانتخابات الداخلية لحركة حماس في قطاع غزة، التي كشف عن نتائجها في مارس/ آذار 2021، عن إعادة انتخاب يحيى السنوار، رئيسا للحركة في القطاع، ليشغل هذا المنصب، للمرة الثانية على التوالي، حتى عام 2025.

ويلعب السنوار دورا رئيسا في عملية اتخاذ القرار داخل حماس وأصبح عضوا في القيادة التنفيذية التي تضع السياسات بما في ذلك تلك الخاصة بإسرائيل.

ومع إقامة هنية في الخارج في ذلك الوقت، اكتسب المسؤولون المقيمون في غزة وأبرزهم السنوار المزيد من النفوذ في السنوات العشر الأخيرة.

وبعد اغتيال هنية، اختارت حماس في مساء 6 أغسطس/آب 2024، السنوار رئيسا للمكتب السياسي للحركة بـ"الإجماع" من قبل مجلس الشورى.

وأدرجت الولايات المتحدة السنوار، مع اثنين من قادة حماس وهما "محمد الضيف" القائد العام لكتائب القسام، و"روحي مشتهى" عضو مكتبها السياسي، على لائحة "الإرهابيين الدوليين"، في سبتمبر/أيلول 2015.

العقل المدبر

وبعد عملية طوفان الأقصى، أصبح السنوار المطارد الأول من قبل الاحتلال الإسرائيلي الذي ألقى العديد من المنشورات يعد فيها بحصول من يقدم معلومات عنه بمكافأة مالية قدرها 400 ألف دولار.

وعد الاحتلال السنوار العقل المدبر للعملية التي دشنتها الحركة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 باقتحام مستوطنات غلاف غزة وأسر عشرات الإسرائيليين.

وبعد فوزه رئيسا للحركة في غزة للمرة الثانية، قال مركز عبري إن السنوار هو قائد للجناح العسكري (كتائب عز الدين القسام) إضافة إلى دوره السياسي. 

وأشار المركز المقدسي الأورشليمي (عبري) وقتها إلى أن التغيير الكبير في انتخابات حماس الداخلية منذ عام 2017، كان نقل مركز ثقل اتخاذ القرار في الحركة من الخارج إلى قطاع غزة.

وأوضح المعلق العسكري في صحيفة "معاريف"، نوعم أمير، أن "السنوار يتخذ موقفا لا هوادة فيه حيال السلطة الفلسطينية، ويعد أحد الزعماء البارزين في تعميق أيديولوجيا المقاومة لإسرائيل". 

وأضاف أن السنوار "يؤمن بالحرب ضد الصهاينة وليس بالتهدئة"، وأنه "يرى في كل زمن أنه جيد للمواجهة العسكرية مع إسرائيل".

وكتبت صحيفة "إسرائيل اليوم" في ذات الشهر أن السنوار خلافا لرموز "حماس" الآخرين، ترعرع في القطاع، وشارك في كثير من العمليات ضد الإسرائيليين.
 
وقال المحلل الإسرائيلي رؤوبين باركو وقتها، إنه خلافا لفترة مشعل، الذي كان يقود التنظيم من قطر، فإن السنوار مقاتل نشأ داخل القطاع.
 
وأضاف أن أصدقاء السنوار في غزة يصفونه بأنه شخص عنيد وبارد المزاج، ويكره اليهود إلى درجة الهستيريا، ولكنه في الوقت ذاته قائد كاريزماتي. 

وبدوره، تحدث موقع القناة 12 العبرية عن مقابلة سابقة أجرتها قناة الأخبار الثانية مع السنوار من الأسر عام 2006.

وقال السنوار وقتها في المقابلة: “نحن نعلم أننا لا نستطيع تفكيك إسرائيل، لكننا عنيدون، وكما مررنا حياة الإسرائيليين خلال فترة مقاومة الاحتلال، سنجعل حياتهم مريرة في الحوار حول وقف إطلاق النار”.

وأضاف: “سنتمسك بشروطنا ولن نمرر الأمور بالسهولة التي كانت عليها، لن نجري مفاوضات سهلة وبسيطة، سنعاند، وسنجعل الحياة بائسة بالنسبة لهم”.

وتابع: "في النهاية سنصل إلى وقف إطلاق نار سواء كان ذلك على المدى الطويل أو القصير، وإذا فعلنا، فسنحترم ذلك وسنثبت للعالم أجمع، كما أثبتنا دائما، أننا نقف وراء كلمتنا".