بعد تفعيل "قانون الحجاب" .. هل تعود احتجاجات نساء إيران بدعم غربي؟

12

طباعة

مشاركة

رغم الاحتجاجات التي أعقبت وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني (22 عاماً)، تحدث الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بعد شهور من الانتفاضة النادرة عن "إلزامية ارتداء الحجاب".

وفي سبتمبر/أيلول 2022، اندلعت مظاهرات لا مثيل لها استمرت لعدة شهور، إثر مقتل أميني، بعد احتجازها من قبل شرطة الأخلاق لخرقها قانون ارتداء الحجاب.

وخلفت هذه الاحتجاجات، التي رفعت شعار "امرأة. حياة. حرية"، نحو 500 قتيل وفق مؤسسات حقوقية معارضة خارج إيران، غير أن حصيلة القتلى الرسمية لم تعلن بعد. 

وقال إبراهيم رئيسي مطلع أبريل/نيسان 2023، إن إلزامية ارتداء الحجاب في البلاد تستند إلى قانون، وعلى الجميع الالتزام به، وسط ترتيبات إيرانية جديدة لعقاب مخترقات القانون بحرمانهن من خدمات حكومية. 

"رئيسي"، أوضح في تصريحات نقلها التلفزيون الحكومي على الهواء مباشرة: "إذا قال بعضهن إنهن غير مؤمنات (بالحجاب)، فمن الجيد استخدام الإقناع معهن، لكن النقطة المهمة هي أن هناك إلزاماً قانونياً، وهو اليوم مسألة قانونية".

تزامن هذا مع تهديد رئيس السلطة القضائية "غلام حسين محسني أجئي"، في اليوم نفسه، بملاحقة من يظهرن في الأماكن العامة غير محجبات "دون رأفة"، ودون أن يحدد العقوبة، في ظل تزايد عدد النساء المتحديات لقواعد الملبس الإلزامية.

ونقلت مواقع إخبارية إيرانية عنه القول: "عدم ارتداء الحجاب يصل إلى حد العداء لقيمنا".

وجاء تحذير رئيس السلطة القضائية في أعقاب بيان لوزارة الداخلية في 30 مارس/آذار 2023، وصف الحجاب بأنه "أحد مبادئ جمهورية إيران الإسلامية"، و"لن يكون هناك تراجع أو تسامح في هذا الشأن".

والغريب أن بيان وزارة الداخلية الإيرانية حث المواطنين على "مجابهة النساء غير المحجبات".

لذا فوجئ إيرانيون بتعنيف شاب إيراني امرأتين لا ترتديان الحجاب في محل تجاري ثم سكبه عبوة لبن فوق شعرهن المكشوف، ما قد يكون استجابة لطلب "الداخلية" بالتصدي لغير المحجبات، خاصة أن الشرطة اعتقلت السيدتين، مع الرجل الذي اعتدى عليهما.

وتظهر نساء بشكل متزايد بدون حجاب في مراكز التسوق والمطاعم والمتاجر والشوارع في أنحاء البلاد بالرغم من أن هذا يعرضهن للاحتجاز بتهمة مخالفة قواعد الملبس الإلزامية.

وتصاعدت انتقادات المحافظين ومرجعيات دينية وسياسية محافظة لانتشار ظاهرة خلع الحجاب في إيران، وتشجيع وسائل إعلام وحكومات غربية لذلك، ما دفع السلطات الإيرانية لاتخاذ تدابير وإجراءات جديدة تتضمن حرمان المخالفات من الخدمات.

وبدلا من التصدي للظاهرة بتسيير دوريات شرطة الآداب في الشوارع، والتي اختفت مع اندلاع الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها إيران خلال الأشهر الماضية جراء إثارة قضية الحجاب، بدأ حرمان فتيات مثل طالبات المدارس والجامعات من الخدمات.

قصة قانون الحجاب

أدخلت الثورة الإسلامية عام 1979 فكرة قانون الحجاب في 8 مارس، بعد الثورة الإيرانية في السنة نفسها.

وبموجب تفسير الشريعة الإسلامية في القانون الإيراني، يجب على النساء الالتزام بتغطية شعورهن وارتداء ملابس طويلة وفضفاضة، وتواجه المخالفات التوبيخ العلني أو الغرامة أو الاحتجاز.

في عام 1981، أعلنت المادة 18 من قانون إعادة بناء الموارد البشرية للهيئات الحكومية والوزارات أن عدم اتباع "قواعد اللباس الإسلامي" يعد جريمة يعاقب عليها بالجلد 74 جلدة.

لكن ارتداء الحجاب أصبح إلزاميًا على جميع النساء الإيرانيات اعتبارًا من أبريل 1983، وفق ما نشر موقع "ذا كونفرزيشن" الأميركي في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2022.

ومنذ ذلك الحين، أُجبرت جميع النساء في إيران، سواء الأجنبيات أو الإيرانيات، مسلمات أو غير مسلمات، على اتخاذ خيار يومي: إما تغطية شعرهن خارج المنزل، أو مواجهة احتمال العقاب البدني الذي تفرضه الدولة.

وفي 26 يوليو/تموز 1984 أصدرت نيابة الثورة بيان متابعة أعلنت فيه منع النساء غير المحجبات أو "المحجبات السيئات" من دخول المباني العامة والمكاتب الحكومية.

ثم في عام 1996، أضيف للمادة 638 من قانون العقوبات الإسلامي، عقوبة السجن من 10 أيام إلى شهرين مع 74 جلدة كعقوبات محتملة على المخالفات لقواعد ارتداء الحجاب.

وفي عام 2005، تأسست شرطة الأخلاق لاعتقال النساء المخالفات لقواعد الحجاب، وبات القضاء الإيراني يحكم بالسجن لمدة تتراوح بين عشرة أيام وشهرين أو بغرامة تتراوح بين 550 ألف ريال على المخالفات للقواعد.

ولكن بعد عقوبات تغريم واعتقال غير المحجبات وسجنهن، حدث تحول مختلف في ضبط طريقة ارتداء النساء في طهران، بدءًا من يناير 2018، عبر مرسوم جديد.

ونص المرسوم على أن النساء اللواتي لا يلتزمن بالزي الإسلامي لن يواجهن غرامات أو سجنا، بل عليهن حضور دروس تعليم الإسلام.

وقالت تقارير إعلامية محلية نقلاً عن قائد شرطة طهران الجنرال حسين رحيمي حينئذ: "لن يجرى نقل النساء بعد الآن إلى مراكز الاحتجاز، ولا رفع دعاوى قضائية ضدهن".

بحيث تصطحب شرطة الإرشاد، النساء المخالفات عبر سيارة شرطة إلى فصل دراسي ويُطلب منهن التوقيع على استمارة تفيد بأنهن لن يرتكبن جريمة "الحجاب السيئ" مرة أخرى. كما يُجبرن على المشاركة في "التوجيه" الذي تنظمه الشرطة لمعرفة كيفية احترام القيم الإسلامية. 

ثم عاد التشدد في المخالفات مرة أخرى عام 2019، إذ جرى تعديل قانون "الحجاب والعفة" ليوضح بالتفصيل واجبات 32 وكالة حكومية إيرانية فيما يتعلق بالحجاب الإلزامي الإجباري. 

في نهاية يوليو 2022، منعت شرطة الآداب الإيرانية النساء من ارتداء المعاطف التي لا تغطي الركبتين، والسراويل الضيقة والجينز الممزق، وكذلك الملابس ذات "الألوان الزاهية".

وقد نشرت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إيران، عام 2022 وثيقة من 119 صفحة تحمل اسم "مشروع الحجاب والعفة" توضح بالتفصيل سياسته في إيران، ضمن حملة فرضه بشكل أكثر صرامة.

ونص "مشروع الحجاب والعفة" على أن هدفه "تطهير المجتمع من التلوث الناجم عن عدم الالتزام بقواعد اللباس الإسلامي"، و"بناء نموذج للمجتمع الإسلامي فيما يتعلق بالعفة" و"الحفاظ على القيم ومكافحة الغزو الثقافي".

وتراقب شرطة الآداب -المعروفة رسمياً باسم "دوريات الإرشاد"- التزام النساء بتفسير السلطات للملابس "المناسبة" ويتمتع الضباط بالقدرة على إيقافهن وتقييم ما إذا كن يظهرن الكثير من الشعر.

وما إن كانت سراويلهن ومعاطفهن قصيرة جداً أو مناسبة؛ أو أنهن يضعن الكثير من المكياج. وتشمل عقوبات مخالفة القواعد الغرامة أو السجن أو الجلد.

هل تعود الاحتجاجات؟

يرى مراقبون أن إعادة قوننة إيران الحجاب والتشدد في تنفيذه قد يؤدي لمزيد من الاحتجاجات، التي يري بعض المسؤولين الرسميين أن دولا غربية تدخلت لدعمها ضمن خطط لإضعاف النظام الإيراني ودفعه للانهيار من الداخل.

وتدعم وسائل الإعلام وجهات استخبارية غربية ثورة النساء على الحجاب في إيران بغرض إسقاط النظام هناك، وفق تقارير صحفية غربية، لكنها تقر أن السلطات الإيرانية نجحت في تحجيم ظاهرة الاحتجاجات عبر قمع منظم لها.

وفي 13 سبتمبر 2022 اتهم الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، الولايات المتحدة باستخدام احتجاجات الحجاب لـ "إضعاف" إيران مع انتشار المظاهرات.

وقال كناني على تويتر إن المحاولات الانتهازية " لانتهاك سيادة إيران " لن تمر دون رد"، مؤكدا أن "واشنطن تحاول دائمًا إضعاف استقرار البلاد وأمنها".

وأضاف أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية الأخرى تختار دعم "مثيري الشغب" بدلاً من ملايين الإيرانيين الذين يقول كنعاني إنهم يدعمون نظام البلاد.

وقبل سعي المؤسسة السياسية الإيرانية المضي لتفعيل قانون الحجاب، قالت سنام وكيل، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة تشاتام هاوس بلندن إنها تتوقع عودة الاحتجاجات.

قالت للإذاعة الأميركية (npr) 13 مارس 2023: "الحكومة تعرض نفسها لخطر عودة الاحتجاجات إذا اختارت تعزيز قانون الحجاب بطريقة شديدة القسوة".

ويشير تقرير لموقع "صدى كارنيغجي" إلى أن أعمال الاحتجاجات وحرق الحجاب وقص الشعر "لم تكن مجرد إطلاق تمرد ضد قواعد اللباس التي تفرضها الحكومة".

ولكنها جاءت أيضًا لترمز إلى مطالب أوسع لإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية أساسي"، وفق ما قال التقرير في  13 أكتوبر/تشرين أول 2022.

لكن "نعمة خورامي" الباحثة بمركز دراسات الأمن حول القطب الشمالي في بيشكيك، وهي أحد كُتاب التقرير، فترى أنه "يجب على الولايات المتحدة وحلفائها تصعيد الضغط على طهران وتبني موقف متشدد في المحادثات النووية من خلال المطالبة بإصلاحات سياسية".

عقوبات غير مباشرة

الجديد هو سعي المؤسسات الرسمية الإيرانية بإيعاز من المرجعيات الدينية والسياسية لمواجهة انتشار ظاهرة خلع الحجاب، لتنفيذ عقوبات غير مباشرة، تتمثل في حرمانهن من الخدمات الحكومية كي تجبر النساء على ارتدائه.

من ذلك إعلان وزارة التعليم والتربية الإيرانية 3 أبريل 2023 أنها لن تقدم الخدمات للطالبات اللواتي لا تلتزمن بقوانين الحجاب. 

أكدت في بيان نشرته وكالات أنباء إيرانية، رفضها "تقديم الخدمات التعليمية لعدد محدود من الطالبات اللواتي لا يلتزمن بقوانين ومقررات الزي في المدارس، فيما يخص الحجاب والعفة في المدارس والمؤسسات التعليمية التابعة".

أيضا أعلنت وزارة الصحة الإيرانية في اليوم نفسه، أنها سترفض تقديم خدماتها لـ "الطالبات المعدودات غير المحجبات"، داعية الطلبة إلى الالتزام بـ "الزي المهني الذي ارتبط ارتباطا وثيقا بالعفة والحجاب"، وفق ما أوردته وكالة تسنيم الإيرانية. 

كما أمرت وزارة العلوم والبحوث الإيرانية، الجامعات ومراكز التعليم العالي بحظر الخدمات المقدمة إلى الطالبات اللاتي لا يرتدين الحجاب، وفقا لما نشرته وكالة أنباء "تسنيم" الموالية للسلطات مطلع مارس 2023.

قالت الوزارة: "سيجرى منع جميع الجامعات ومراكز التعليم العالي الخاضعة لإشرافنا من تقديم خدمات تعليمية وترفيهية لعدد قليل من الطالبات اللائي لا يتبعن قواعد وأنظمة الجامعات فيما يتعلق بالحجاب والعفة".

أيضا انتشرت فيديوهات عن رفض مطارات إيرانية تقديم الخدمات للإيرانيات اللواتي خلعن غطاء الرأس، لكنها بعد ارتدائه قدمت لهن.

كما أعلنت السلطات المحلية في مدن إيرانية عن إغلاق محلات تجارية بسبب سماحها بدخول غير المحجبات، فضلا عن مواقع سياحية.

ويؤكد موقع "فاردا" الذي ينشر أخبار الاحتجاجات في إيران، ضمن نشرة "أوروبا الحرة" 29 مارس 2023 أن النظام الإيراني لا يفكر في التراجع عن صرامة فرض الحجاب، بدليل اقتراح المشرعين الإيرانيين إجراءات جديدة تخص قانونه.

وأشار إلى سعي مجلس النواب الإيراني لفرض غرامات تصل إلى 60 ألف دولار على مخالفات قانون الحجاب، ومصادرة جوازات سفرهن ورخص قيادتهن، وفقا لما كشفه النائب الإيراني، حسين جلالي في 27 مارس 2023.

وأضاف: قد تشمل العقوبات إلغاء رخص القيادة وجوازات السفر، أو حظر استخدام الإنترنت للمشاهير والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي والمدونين.

ويُعتقد أن السلطات الإيرانية تحاول التوفيق بين ما سبق أن أعلنته عقب تصاعد الاحتجاجات بأنها ستعيد النظر في قانون الحجاب، وبين استمرارها في الحفاظ على الالتزام به بصفته أحد مظاهر "الجمهورية الإسلامية".

بحيث تخفف من الإجراءات البوليسية لصالح إجراءات عقابية أخرى مجتمعية وخدمية بما يجبر النساء على ارتداء الحجاب وإلا لن تتعامل معهن المؤسسات الحكومية المختلفة، ويصبح الالتزام به "ذاتي".