من بوابة سوريا.. ما إمكانية عودة حزب البعث إلى العمل السياسي بالعراق؟
لا تزال الزيارة التي أجراها مسؤول حزب البعث العراقي- جناح سوريا، إلى العراق، ولقاؤه عددا من المسؤولين والشخصيات السياسية، تثير الجدل في الأوساط العراقية، ولاسيما بعد التصريحات التي أطلقها بخصوص رغبته في الدخول بالعملية السياسية.
وفي 19 مارس/ آذار 2023، أجرى محمد رشاد الشيخ راضي، مسؤول تنظيم حزب البعث، زيارة إلى بغداد، وعقد سلسلة اجتماعات مع الرئيس العراقي عبداللطيف رشيد ورئيسي الوزراء الأسبقين نوري المالكي وعادل عبد المهدي وزعيم الحزب الشيوعي رائد فهمي.
محاولات للعودة
خلال مقابلة صحيفة أعقبت زيارته للعراق بمناسبة مرور 20 عاما على ذكرى الاحتلال الأميركي، قال الشيخ راضي الموالي للنظام السوري إن لقاءاته استهدفت "إيجاد طريقة للتفاهم في دفع العملية السياسية إلى الأمام بعد أن تعثرت كثيرا، ولمنع انزلاقها لما هو أسوأ".
وقال المسؤول البعثي، إنه يجري اتصالات مستمرة مع المسؤولين العراقيين لتصحيح المسار والتفريق بين جناحنا عن بعث صدام (الرئيس العراقي الراحل) فالمادة 7 من الدستور العراقي تُجرم "البعث الصدامي"، وليس الفصيل البعثي المعارض له من أجل تجنيب البلد المزيد من الصراعات.
وأوضح الشيخ راضي، قائلا: "رغم أن الدستور العراقي الذي أُقرّ بعد سقوط نظام صدام والذي صادقت عليه القوى الشيعية ينص في المادة 7 منه على (تجريم البعث الصدامي) ولكن حاول البعض تعميم التسمية لتشملنا لاعتبارات المصالح الذاتية وارضاءً للموقف الإقليمي الدولي".
ولفت إلى أن "تعميم التسمية علينا بحجة أن صدام كان بعثيا أمر غير مقبول، وغير منطقي، فهل يجوز أن نعتبر الإسلام إرهابيا، لأن فيه فصائل منحرفة انتحلت اسم الإسلام من أمثال تنظيم الدولة وغيرهم؟".
وتابع: "لذلك يجب إعادة النظر بالموقف الخاطئ الذي ارتكبته الحكومات العراقية المتعاقبة وتمييزنا عن (البعث الصدامي) وإفساح المجال أمامنا للعمل السياسي العلني بغض النظر عن التأثيرات الإقليمية الدولية، لأن مصلحة العراق تقتضي ذلك".
وشدد المسؤول البعثي على ضرورة استحداث آلية صحيحة لاختيار المسؤولين من أجل وضع العراق على بداية الطريق الصحيح لتعافيه وعودته إلى دوره الريادي على الساحتين الإقليمية والدولية.
ودعا الشيخ راضي إلى "ضرورة مغادرة العراق للمحاصصة المقيتة حيث حان الوقت للتخلص مما فرضته على البلاد من أشخاص لا يتمتعون بالحد الأدنى من الشروط الواجب توافرها لمن يتولى موقع المسؤولية على الشعب العراقي بأجمعه".
ويعد الشيخ راضي من قيادات حزب البعث (اليسار) وكان بالمعارضة العراقية في مرحلة ما قبل الاحتلال الأميركي، وتربطه علاقات وثيقة مع المعارضين آنذاك، وسبق أن زار العراق بعد عام 2003 والتقى بالقادة السياسيين لكن نقطة الاختلاف هو "حظر البعث" في البلاد.
بعد خطير
وتعليقا على مدى عودة حزب البعث للعمل السياسي في العراق، قال رئيس البرلمان العراقي الأسبق، سليم الجبوري، إن "زيارة مسؤول البعث في سوريا ولقاءه بشخصيات مسؤولة بالبلد لم يكن شيئا عابرا أو مجرد مجاملات، وإنما يحمل رسائل".
وأوضح الجبوري خلال مقابلة تلفزيونية في 2 أبريل 2023 أن "القضية التي تسوق حاليا هو أن الحظر الذي أشار إليه الدستور، يتعلق بـ(البعث الصدامي)، بمعنى أن غير الصدامي له مساحة من التواجد والحركة، وقد نجد نخبة سياسية عراقية ليس لديها مانع من التعاطي مع ذلك".
ورأى أن "وجه الخطر يكمن في فهم هذه المسألة، من أن الجانب الذي يمثله الإطار التنسيقي (الشيعي) يعتقد أن عودة حزب البعث غير مزعجة له، لأنه سيشتغل وينمو في المحافظات السنية ويكون بديلا عن النخبة السياسية للسنة حاليا".
وتابع: "هذا أيضا قد يتماشى مع فكرة أن ممثلي هذه المحافظات (السنية) هم متغيرون وليسوا ثابتين، ففي عام 2005 مثلتهم جبهة التوافق، ثم ائتلاف متحدون، وبعدها القائمة العراقية، ووصلت إلى من يجلس معهم ويجاورهم حاليا، وبالتالي ما الضير إذا تبدل هؤلاء بآخرين؟".
وشدد الجبوري على أن "العناوين الصارخة بالنسبة لهم (القوى الشيعية) ليست مهمة وإنما المنهجية والفكرة، لذلك هم لا يمانعون طالما أن الموضوع متعلق بمساحة لا تتعلق بواقع الشيعة، وإنما بواقع السنة".
وحذر السياسي السني، القوى الشيعية من أن "المسألة لا ترتبط بمنطقة وإنما بنخبة سياسية، فإذا جرى الأمر على هؤلاء (السنة) فسيصل إلى الآخرين (الشيعة)، وبالتالي قد يلفظهم المكون الشيعي".
منذ احتلال العراق أسست القوات الأميركية والدول المتعاونة معها نظاما سياسيا يقصي كل من له علاقة تنظيمية بحزب البعث الذي أطيح به من حكم العراق.
وقد كُيِّف هذا الإجراء بصيغة قانونية عبر إنشاء "الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث" (المساءلة والعدالة حاليا)، بقانون صادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة برئاسة الحاكم الأميركي بول بريمر، في 16 أبريل 2003.
حظر البعث
وعن مدى قانونية عودة حزب البعث للعمل السياسي في العراق، قال الخبير القانوني العراقي علي التميمي، إن الدستور يشير بالفعل إلى البعث الصدامي، لكن ثمة قانون آخر يدعى حظر حزب البعث، وهذا يمنع الترويج والتثقيف لكل ما يتعلق بالحزب".
وأوضح التيمي في حديث لـ"الاستقلال" أن "بعض المحاكم العراقية حكمت على أشخاص روجوا أو مدحوا رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين أو رفعوا صوره، وعلى هذا يمكن أن نقيس على باقي الأفكار".
ولفت إلى أن "مسألة عودة حزب البعث والحديث عنها في الوقت الحالي، مجرد شعارات، لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع مع وجود النصوص الدستورية والقانونية في العراق".
وأشار التميمي إلى أنه "بالحديث عن البعث - جناح سوريا، فيمكن أن يجري استفتاء بالمحكمة الاتحادية لمعرفة رأيها في التفاصيل، لأنني اعتقد أن الحزب أفكاره واحدة سواء في دمشق أو بغداد".
وتابع: "لكن يبقى تفسير المحكمة الاتحادية (أعلى سلطة قضائية في البلد) لأنه قد يؤخذ بنظر الاعتبار موضوع الخلاف الذي كان في السابق بين جناحي الحزب في سوريا والعراق".
وأكد التميمي أن "الجنبة السياسية لا شك ستكون حاضرة في مثل هذا الموضوع، خصوصا في ظل مساعي عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وجهود العراق في ذلك، وعودة افتتاح السفارات العربية في دمشق. كل هذه تؤثر حتما بالأمر".
وحزب البعث العربي الاشتراكي - سوريا، تأسس في السابع من أبريل 1947 بمقهى الرشيد بين ثلاثة شباب سوريين، هم ميشيل عفلق (مسيحي) وصلاح الدين البيطار (سني) والمدرس زكي الأرسوزي (علوي) من الإسكندرونة جنوب تركيا.
ووجد البعثُ صداه في العراق على يد فؤاد الركابي وسعدون حمادي في الجامعة الأميركية في بيروت، عام 1951 وهم من الطلبة العراقيين الشيعة، انساق معهم العشرات من الجيل الذي يرفض المد الشيوعي في تلك المرحلة.
وعلى الرغم من أن منطلق فكر البعث واحد في كل من العراق والشام، كانت هناك منافسة قطرية وانشقاقات متتالية.
وجرى ذلك بعد إعلان دولة الوحدة الثلاثية بين العراق ومصر وسوريا عام 1958 على أثر سقوط النظام الملكي في بغداد، الذي كان رافضاً فكرة الوحدة، مناديا بـ"الأمة العراقية" حتى الانفصال لدولة الوحدة عام 1961.
لكن، فرصة أخرى بدت قريبة بإعلان الوحدة بين الدول الثلاث عام 1963 عندما حدثت إثر انقلابين عسكريين في العراق وسوريا قادهما حزب البعث في كلا البلدين، تلاه إعلان (17 أبريل) بين الدول الثلاث، لكنه لم يطبق لرفض مصر الوحدة الفورية.
وتكرر مشهد التقارب في عودة البعث للحكم في كلا البلدين بفترة متقاربة خلال عامي 1968 في العراق و1970 في سوريا، لكنهما دخلا في صراع التمثيل الحقيقي للحزب، حين أعلنا بأن هذا الطرف أو ذاك الممثل الحقيقي والشرعي للبعث.
وبقيت الخلافات مستمرة بين الجانبين حتى فجّر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مفاجأة حين استدعي رفاقه من الكادر المتقدم للحزب بالعراق في اجتماع واسع عقد بقاعة الخلد ببغداد في 22 يوليو/ تموز 1979 وعرفت لاحقا بـ"مجزرة الرفاق"، حيث جرى اتهامهم بالتآمر مع البعث السوري للانقلاب على النظام العراقي، وبالتالي إعدامهم.
ومنذ ذلك الحين، ظل فكر البعث وتوجهاته تتنافس حد الموت بين سوريا والعراق، وهذا أحدث جناحين يسارا ويمينا داخل الحزب نفسه في البلدين، بعد أن آوى كل منهما معارضة الآخر، ومدها بالمال والسلاح، ويدعمها كي تكون مصدر تهديد قريب حد العمل العسكري.