نائبة الرئيس الأميركي تزور ثلاث دول إفريقية.. ما رسائل واشنطن وأهدافها؟

12

طباعة

مشاركة

بين 26 مارس/ آذار  و2 أبريل/ نيسان 2023، أجرت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس جولة إفريقية لافتة شملت ثلاث دول، هي غانا وتنزانيا وزامبيا، رأى مراقبون أنها انخراط مباشر في صراع النفوذ بالقارة مع الصين وروسيا.

وتأتي الزيارة بعد أن أقرت الولايات المتحدة في 2022 إستراتيجية جديدة تجاه إفريقيا تهدف إلى تعزيز أولوياتها هناك وإعادة صياغة مكانة القارة وفق مصالح الأمن القومي خلال السنوات الـ5 المقبلة، كما خصصت 55 مليار دولار للقارة على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

وهو ما أكده مسؤولون أميركيون لموقع "يورونيوز"، بالقول إن "هذه الرحلة تندرج في إطار إستراتيجية واشنطن الهادفة إلى الحد من النفوذ المتزايد لبكين وموسكو في القارة الغنية بالموارد، وتوجيه رسالة أكثر إيجابية من جانب الولايات المتحدة".

جولة لافتة

وفي أولى محطاتها، قالت هاريس في تصريحات لدى وصولها غانا، إن "زيارتها تمنحها الفرصة لتعميق العلاقة بين الولايات المتحدة والشركاء الأفارقة".

وأضافت: "نتطلع إلى هذه الرحلة بصفتها تعبيرا إضافيا عن العلاقة طويلة الأمد والمستمرة والبالغة الأهمية والصداقة بين شعب الولايات المتحدة وأولئك الذين يعيشون في قارة إفريقيا".

وتابعت: "أنا متحمسة للغاية بشأن مستقبل إفريقيا. أنا متحمسة للغاية لتأثير مستقبل إفريقيا على بقية العالم بما في ذلك الولايات المتحدة".

وفي غانا، قابلت هاريس الرئيس نانا أكوفو-أدو، وشاركت في مأدبة رسمية، وألقت خطابا للشباب عن الابتكار وتمكين المرأة، وزارت "قلعة العبيد" التي كانت المحطة الأخيرة للآلاف من الأفارقة الذين تم بيعهم خلال فترة تجارة الرقيق.

وفي ثاني محطاتها، أعلنت نائبة الرئيس الأميركي خططا لتعزيز التجارة مع تنزانيا والاستثمار فيها.

وقالت في مؤتمر صحفي مع الرئيسة سامية سولوهو حسن: "هدفنا المشترك زيادة الاستثمار الاقتصادي في تنزانيا وتقوية روابطنا الاقتصادية"، مشيرة إلى عدد من المبادرات.

منها مذكرة تفاهم جديدة بين بنك التصدير والاستيراد للولايات المتحدة (EXIM) وحكومة تنزانيا.

وستسهل هذه المذكرة تمويلا يصل إلى 500 مليون دولار لمساعدة الشركات الأميركية على تصدير السلع والخدمات إلى تنزانيا في قطاعات تشمل البنية التحتية والنقل والتكنولوجيا الرقمية وأمن المناخ والطاقة وتوليد الطاقة.

كما ذكرت هاريس بالشراكة الجديدة بين البلدين في تكنولوجيا الجيل الخامس والأمن السيبراني، بالإضافة إلى خطة مدعومة من الولايات المتحدة من قبل شركة LifeZone Metals لفتح مصنع معالجة جديد في تنزانيا للمعادن التي تدخل في بطاريات السيارات الكهربائية.

وقالت هذا المشروع هو نموذج مهم ورائد، يستخدم معايير مبتكرة ومنخفضة الانبعاثات. والأهم من ذلك، أن المعادن الخام ستتم معالجتها قريبا في تنزانيا، من قبل التنزانيين"، مضيفة أن المصنع سينقل النيكل من فئة البطاريات إلى الولايات المتحدة والسوق العالمي اعتبارا من 2026.

وفي زامبيا، كررت هاريس، دعوتها إلى "إنهاء سريع" لإعادة هيكلة ديون زامبيا الهائلة، والتي تقدر بـ 17.3 مليار دولار.

وذكر موقع "Africanews" في 31 مارس 2023، أن الولايات المتحدة كانت تضغط من أجل الدائنين، بما في ذلك الصين، لتخفيف الدين الخارجي للبلاد، مشيرا إلى أن زامبيا تعثرت في أدائه عام 2020 وسط جائحة كوفيد.

وقالت هاريس في مؤتمر صحفي عقب اجتماعها مع الرئيس الزامبي هاكيندي هيشيليما في لوساكا "سنواصل الدعوة إلى استكمال سريع لمعالجة ديون زامبيا وإعادة هيكلتها".

وأضافت: "يجب على المجتمع الدولي مساعدة بلدان مثل زامبيا على الوقوف على قدميها مرة أخرى. لذلك سأكرر النداء الذي وجهته عدة مرات لجميع الدائنين الثنائيين لإجراء تخفيض كبير في الديون".

واتهمت الولايات المتحدة الصين، أكبر دائن للعديد من الدول الإفريقية، بالتباطؤ منذ أن طلبت لوساكا المساعدة بموجب آلية مجموعة العشرين لإعادة هيكلة ديون الدول الأكثر فقرا.

خلفيات وأهداف

وتفاعلا مع الجولة، أكد أستاذ العلوم السياسية المصري مبارك أحمد، أن برنامج هاريس ركز على عدة قضايا محورية هي: التنمية الاقتصادية، وتغير المناخ، والأمن الغذائي، والمرأة والشباب، وتخفيف الديون وشؤون الديمقراطية، والصناعة الإبداعية.

وأوضح أحمد في مقال نشره عبر موقع "القاهرة الإخبارية"، في 30 مارس 2023، أن الزيارة تهدف إلى الترويج للرؤية الأميركية لمستقبل إفريقيا.

وأضاف، وهي الرؤية التي عبر عنها الرئيس جو بايدن بتطلعه للعمل مع الحكومات الإفريقية والمجتمع المدني والقطاع الخاص ومجتمعات الشتات والمغتربين في جميع أنحاء الولايات الأميركية.

وأما الهدف الثاني، وفق المتحدث ذاته، فيتمثل في موازنة النفوذ الصيني، الذي تعده أميركا تهديدا لها.

حيث تعد الصين أكبر شريك تجاري لقارة إفريقيا، إذ وصلت المبادلات التجارية بينهما نحو 282 مليار دولار في عام 2022، منها صادرات صينية إلى إفريقيا بنحو 164.5 مليار دولار، وصادرات إفريقية إلى الصين بنحو 117.5 مليار دولار.

وقال أحمد إن الهدف الثالث يتجسد في مواجهة التمدد الروسي، ذلك أن الاهتمام الروسي في عهد الرئيس فلاديمير بوتين تزايد في المناطق الإستراتيجية من أقاليم العالم، في ظل سعيه لاستعادة المكانة الروسية على مسرح السياسة الدولية.

وقال أحمد إن الهدف الرابع تمثل في تعزيز المكاسب الاقتصادية، ذلك أن إفريقيا تملك مقومات اقتصادية جعلت الولايات المتحدة تصفها بأنها مستقبل العالم.

وخلص الكاتب إلى أن زيارة كامالا تعكس الرغبة الأميركية في تضييق فجوة الثقة مع الدول الإفريقية، واستعادة مكانتها داخل القارة التي أضحت مجالا أرحب للتنافس الدولي ما بين القوى الكبرى المتنافسة على قمة النظام الدولي، والساعية لتعزيز أدوارها ومكانتها.

من جانبه، أكد لاندري سيني، أستاذ الاقتصاد العالمي والتنمية بجامعة ولاية أريزونا الأميركية، أن جولة هاريس تأتي في منعطف حاسم فيما يتعلق بالمضي قدما في تنفيذ الالتزامات الصادرة عن قمة قادة الولايات المتحدة وإفريقيا.

وعبر سيني في مقال نشره موقع "بروكينغز"، في 30 مارس، عن أمله في أن تثبت الولايات المتحدة من خلال زيارة هاريس أن الشراكة مع إفريقيا تهدف إلى أن تكون مفيدة للطرفين وطويلة الأجل، وليست مجرد جزء من سياسة جيوسياسية أوسع.

وشدد الأستاذ الجامعي على أن أفضل طريقة للولايات المتحدة لتعزيز العلاقات ذات المنفعة المتبادلة مع إفريقيا هي تسريع تنفيذ الالتزامات الصادرة عن قمة قادة الولايات المتحدة وإفريقيا.

وتابع: بما في ذلك من خلال تقديم 55 مليار دولار من الموارد المالية الملموسة، وتنفيذ وفرة التزامات القطاع الخاص، وتمكين المجلس الاستشاري الأميركي بشأن مشاركة المغتربين الإفريقيين، ورعاية الاستثمارات من مبادرة التحول الرقمي مع إفريقيا.

ورأى سيني أن تقدم الدول الثلاث المختارة للزيارة فرصا فريدة لتعزيز هذه الالتزامات بطريقة تتطلع إلى ما هو أبعد من المنافسة ونحو التعاون لتعزيز الأهداف المشتركة.

وذلك من خلال التركيز على نقاط القوة في كل بلد، سواء في التجارة أم حفظ السلام أم الاقتصاد الرقمي أم دمج النوع الاجتماعي أو غير ذلك.

صراع دولي

ومع أول إعلان لجولة هاريس الإفريقية، أكد عدد من الباحثين أنها تأتي أساسا في ظل تنامي الصراع والتنافس الأميركي الصيني في عدة ساحات دولية.

وفي هذا الصدد، قالت الباحثة السياسية نورهان أبو الفتوح، إن "زيارة هاريس إلى إفريقيا، تأتي في خضم التحولات المتلاحقة التي يشهدها العالم، ولتؤكد مرة أخرى على تصاعد التنافس على القارة الإفريقية بين الدول والفواعل الكبرى".

وأوضحت أبو الفتوح في تصريح لقناة روسيا اليوم الحكومية، في 14 مارس، أن "هذه الجولة تأتي بعد جولات شهدتها المنطقة من الفاعلين الكبريين على الساحة والمنافسين الأكبر للولايات المتحدة الأميركية".

وأضافت: "فقد قام وزير الخارجية الصيني تشين قانغ، بزيارة رسمية إلى إفريقيا في الفترة ما بين 9 وحتى 16 يناير 2023، بدأت بإثيوبيا مرورا بالغابون وأنغولا وبنين واختتمت بمصر".

وأردفت: "كما شهدت المنطقة زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى عدد من الدول الإفريقية، منها مالي وموريتانيا والسودان، كما زار أخيرا جنوب إفريقيا وإسواتيني وأنغولا وإريتريا في يناير 2023، حيث جاءت هذه الجولة تزامنا مع جولة لوزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين".

ومضت أبو الفتوح تقول: "فضلا عن زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى مصر التي جاءت بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى روسيا، وهو ما يشير إلى التحركات المتتابعة لمسؤولي الثلاث دول الولايات المتحدة والصين وروسيا".

ورأت أن هذه الزيارات تؤكد حالة الصراع التي تشهدها المنطقة بين ثلاث قوى، تسعى إلى الاستفادة من وجودهم في هذه المنطقة كساحة من ساحات الصراع بينهم على قمة النظام الدولي.

حيث يسعى كل منهم إلى توسيع نفوذه على المستوى العالمي عبر حسم معركة وجوده في العديد من المناطق ذات الأهمية الجيوستراتيجية، وفق الباحثة المصرية.

وأكدت أبو الفتوح: "يمكن القول إن الولايات المتحدة ستعمل على اتخاذ خطوات وتحركات أكبر في القارة الإفريقية في الفترة القادمة، في محاولة منها لضمان شريك إستراتيجي دائم، خاصة في ظل الدور الإقليمي والعالمي البارز الذي تلعبه الصين في الفترة الأخيرة".

عودة اضطرارية

الاهتمام الأميركي بالقارة الإفريقية كان محط ملاحظة وتتبع من لدن الصحف والمنابر الإعلامية الدولية أيضا.

فأكدت صحيفة لاراثون الإسبانية أن عودة أميركا للتودد للدول الإفريقية من جديد "قسرية"، لمواجهة نفوذ الصين وروسيا المتنامي بالقارة، وهو ما يؤكده تنظيم جولة بلينكن عقب أيام من أخرى لنظيره الروسي لافروف نهاية يوليو/ تموز 2022.

وذكرت الصحفية، في ترجمة لـ"الاستقلال"، أن هذه الزيارة تعد أحدث خطوة تقودها الولايات المتحدة لتعزيز التقارب مع الدول الإفريقية التي لها وزن استراتيجي، في مواجهة تنامي النفوذ الروسي والصيني في القارة. 

وقالت إن سيناريو التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا لفرض نفوذهما في إفريقيا يعود بنا إلى أجواء الحرب الباردة.

كما تناولت مجلة فرنسية المساعي الحثيثة للولايات المتحدة، من أجل تنويع سلاسل توريد المعادن الإستراتيجية الثمينة والمهمة، من أجل الثورة الطاقية في القرن الـ21.

وأكدت مجلة "جون أفريك" أن "الغرب يسعى لتقليل اعتماده بشكل تدريجي على الصين وروسيا في المواد الخام والمواد الطاقية". 

وتأمل البلدان المنتجة للطاقة والمعادن الثمينة في القارة الإفريقية، في هذا الصدد، للتحول نحو معايير بيئية واجتماعية وحوكمة أكثر صرامة، للاستفادة من مواردها وتصديرها نحو الدول الغربية.

بدورها، ذكرت صحيفة "تي في سانك موند – TV5 Monde" الفرنسية، أن القمة الأميركية الإفريقية لعام 2022، تعد فرصة للإعلان عن استثمارات جديدة بين الولايات المتحدة والدول الإفريقية. 

وبحسب الصحيفة، في ترجمة لـ "الاستقلال"، تمحورت القمة بشكل خاص حول مشكلة الأمن الغذائي المتفاقم منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، وقضايا التغير المناخي، بالإضافة إلى إحلال الديمقراطية والحوكمة.

لكن وقبل كل شيء، ترى الصحيفة أن القمة هي فرصة مناسبة للولايات المتحدة من أجل إثبات اهتمامها المتواصل بالقارة الإفريقية.

فيما يؤكد باحثون على حاجة إفريقيا إلى معاملة عادلة، سواء من الصين أو الولايات المتحدة أو روسيا أو غيرها.

وفي هذا الصدد، يقول البروفيسور غودفريد ألوفار بوبكين، خبير الاقتصاد والأستاذ بجامعة غانا، إن هناك قدرا من الشك والريبة في أفريقيا إزاء تعاظم الاهتمام بأفريقيا.

ويشرح بوبكين رأيه لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في 27 مارس 2023، قائلا: "ثمة اعتقاد بأننا نشهد تدافعا جديدا على إفريقيا"، في إشارة إلى قيام الدول الأوروبية بتقسيم القارة في أواخر القرن التاسع عشر، وهو ما أدى إلى عقود من الاستعمار والاستغلال.

لكنه أكد أن "هناك حاجة إلى التأكيد على الاحترام المتبادل بين إفريقيا والدول الكبرى التي تسعى إلى تقوية الروابط معها".