استخراج الذهب في السودان.. كيف تحول من مورد ثمين إلى آفة قاتلة؟

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة إيطالية الضوء على ما يسببه استخراج الذهب بطريقة عشوائية في السودان من أضرار جسيمة وواسعة النطاق للبيئة والسكان، منوهة في نفس الوقت بأنه "مورد وفير" للبلاد. 

وذكرت صحيفة "نيغريسيا" أنه يتم استخدام المواد الكيميائية القاتلة مثل الزئبق والسيانيد بشكل عشوائي منذ سنوات، منتقدة ضعف عمليات المراقبة خاصة في ظل تكاثر حالات التلوث والاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد. 

ونقلت عن معطيات رسمية من وزارة المعادن، بأنه تم استخراج 689 طنا بين عامي 2011 و2020، حوالي 80 بالمئة منها من قبل عمال المناجم.  

ووفقا لمصادر أخرى موثوقة، بلغ الإنتاج عام 2021 قرابة 90 طنا وهو ما يضع البلاد بين أكبر 10 منتجين في العالم، والثالث في إفريقيا، بعد غانا وجنوب إفريقيا.

تهديد للاستقرار

وللحصول على فكرة عن أهمية المسألة، أشارت الصحيفة الإيطالية إلى أنه "يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن متوسط سعر الذهب في السوق الدولية خلال الأسابيع الأخيرة منذ فبراير/شباط 2023، كان في حدود 58 يورو للغرام". 

وأعلنت الشركة السودانية للموارد المعدنية، الهيئة الحكومية للرقابة على الموارد المعدنية الوحيدة المخولة بالتعامل مع المستثمرين في القطاع، عن إنتاج 18 طنا و637 كيلوغراما عام 2022، وتحدثت عن نتائج غير مسبوقة. 

وتشير تقديرات موثوقة إلى أن ما لا يقل عن 50 بالمئة من الذهب المستخرج في السودان (تصل النسبة بحسب بعض المصادر إلى 80 بالمئة) يتم تهريبه خارج الحدود بطرق مختلفة ومن قبل جهات فاعلة مختلفة.  

ولفتت الصحيفة إلى "استخدام الأرباح الناتجة في تمويل العديد من الجماعات المسلحة المتصارعة في عدة مناطق من البلاد وأنشطة أخرى غير مشروعة، مثل تهريب الأسلحة". 

وقالت إن الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، نائب رئيس المجلس السيادة ورئيس قوات الدعم السريع، يدين بثروته الهائلة وقوته للذهب. 

وأشارت إلى أنه اشترى هذا المورد وتداوله بطرق غير مشروعة إلى حد ما في بداية صعوده من تاجر جمال مغمور إلى زعيم عصابة مليشيا "الجنجويد" التي كان لها دور في تدمير دارفور، ثم إلى نائب رئيس البلاد. 

ولذلك، لا يُنظر إلى الذهب في السودان على أنه مورد مهم فحسب، ولكن أيضا كتهديد لاستقرار البلاد، وفق قول الصحيفة.  

وأضافت أنه "يظهر بوضوح الآن كيف يلحق أضرارا جسيمة بالبيئة وبصحة جزء مهم من السكان". 

واستنكرت أن "الأساليب المستخدمة في معالجته الأولية، تتضمن استخداما مكثفا للزئبق والسيانيد وغيرهما من المواد شديدة التلوث والخطيرة على صحة الإنسان والحيوان والنبات".

أضرار كبيرة

وبالنسبة للزئبق، وفقا لبيانات البنك الدولي، استورد السودان 38 بالمئة من إجمالي ماوردته بلدان إفريقيا جنوب الصحراء بين عامي 2010 و2015. 

جاء ذلك في دراسة أجراها الباحث السوداني، محمد صلاح عبد الرحمن، بعنوان "كيف يسمم الزئبق أمة" نشر في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 من قبل مركز "أبحاث الشفافية وتتبع السياسات في السودان". 

وقالت الورقة البحثية إن "التلوث الناجم عن تعدين الذهب منتشر على نطاق واسع في جزء كبير من الأراضي السودانية، في 15 ولاية من أصل 18 تتكون منها البلاد، كما أنه يمتد خارج المناطق المتأثرة بشكل مباشر".

وبدأ ملخص الوثيقة بسرد مثير للقلق، "في الأسبوع الأول من أغسطس/ آب 2022، غمرت المياه أكثر من 25 قرية شمال عطبرة في ولاية نهر النيل".

وغسلت المياه آلاف الأطنان من مخلفات التعدين الملوثة بالزئبق في نهر النيل، في كارثة تضخم التهديدات الصحية والبيئية التي تعاني منها المجتمعات في مناطق استخراج الذهب التقليدية في السودان. 

وعلقت الصحيفة بأنها إحدى الحلقات العديدة التي أثارت القلق في الأشهر الأخيرة. 

وذكرت الصحيفة أن آخر الاحتجاجات وقعت في 15 مارس/ آذار 2023، عندما نظم سكان سبع قرى في منطقة مروي بالولاية الشمالية وقفة احتجاجية للتنديد باستخدام السيانيد في استخراج الذهب والمعادن الأخرى، خوفا من الأضرار الصحية والبيئة.

ودعوا على وجه الخصوص إلى فرض حظر فوري على استخدام الآبار الارتوازية (بئر ينفجر منه الماء تلقائيا) وبرك ري الحيوانات لغسل المعادن المعالجة بالسيانيد.

يذكر أن المحتجين المطالبين بضمانات صحية، اضطروا إلى مواجهة الشرطة في جنوب كردفان وولاية البحر الأحمر ودارفور وأماكن أخرى.

غياب الرقابة 

وأردفت الصحيفة أن "القطاع يواجه مشكلة أخرى تتمثل في اختصاصات الجهة الرقابية، أي الشركة السودانية للثروة المعدنية، التي يجب أن تشرف على نشاط التعدين وتضمن احترام معايير السلامة لحماية البيئة والصحة العامة، وكذلك تحصيل الإتاوات والمدفوعات المستحقة للمعادن المستخرجة".

وتدخلت الشركة أخيرا في تلودي، مدينة تقع جنوب كردفان، حيث نفقت في الأسابيع الأخيرة العديد من رؤوس الماشية "بشكل غامض".  

وأثارت خطورة المسألة قلق السكان، ما دفع إلى اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة، على غرار حجز مواقع التعدين واعتقال بعض أصحاب الامتياز.

إلا أنها لم تكن صارمة في تطبيق المعايير التي وضعتها بنفسها ومنحت تراخيص لاستخدام مواد تتجاوز الحدود، ولكنها ضمنت إنتاجية أفضل وبالتالي أرباحا أكبر، تنتقد الصحيفة. 

من جانبه، يرى الباحث محمد صلاح عبد الرحمن في تقريره أن المصلحة الاقتصادية للشركة تحد من "قدرتها على أداء دور الرقابة" الذي يجب عليها القيام به.   

وإذا أضيف إلى هذا التضارب، الافتقار إلى الإعداد الفني للموظفين والمعدات المناسبة، يصبح من المفهوم سبب عدم مراقبة القطاع في الواقع، تبين الصحيفة. 

بدوره، أكد عبد الرحمن أن "سنوات من الاستخدام العشوائي للمواد الكيميائية الخطرة مثل الزئبق والسيانيد وغيرهما، دون اتخاذ تدابير وقائية لعمال المناجم والسكان المحليين، قد عرّضت الملايين من الناس في جميع أنحاء السودان لمخاطر مميتة".