حمزة يوسف.. لماذا اختار الأسكتلنديون مسلما للمرة الأولى رئيسا للوزراء؟

12

طباعة

مشاركة

بات حمزة يوسف (37 عاما)، أول مسلم يقود أسكتلندا كرئيس لوزرائها، وأول مسلم رئيسا للوزراء في أوروبا، بعدما انتخبه أعضاء الحزب الوطني الاسكتلندي الحاكم في 27 مارس/آذار 2023 عقب تصويت استمر أسبوعين.

يوسف وهو وزير الصحة حصل في الجولة الأولى من التصويت على 48.2 بالمئة من الأصوات، تليه فوربس التي حصلت على 40.7 بالمئة، وآش ريغان بنحو 11.1 بالمئة، حسب الحزب الوطني الأسكتلندي.

وحسم يوسف الجولة الثانية بفوزه بنسبة 52.1 بالمئة، فيما حصلت فوربس على 47.9 بالمئة من الأصوات، ليخلف زعيمة الحزب ورئيسة الوزراء، نيكولا ستورجن، التي استقالت بشكل مفاجئ، في فبراير/شباط 2023 من منصب رئيسة الوزراء وكذلك قيادة الحزب الوطني الأسكتلندي.

أول زعيم مسلم

هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" قالت في 27 مارس 2023 إن يوسف "أصبح أول مسلم يقود حزبا كبيرا في المملكة المتحدة، وسيكون أول زعيم ينحدر من أقلية عرقية (باكستان) في حكومة مفوضة منها".

وبذلك أصبح الطريق أمامه ممهدا ليكون أول رئيس مسلم لحكومة أسكتلندا، في تاريخها وتاريخ المملكة المتحدة.

كما يصبح بذلك أول شخص من أقلية عرقية يتولى هذا المنصب في إحدى الحكومات المفوضة التابعة للمملكة المتحدة.

ويقول أنصاره إنه محاور محنك وهو الأقدر على توحيد الحزب والحفاظ على اتفاق تقاسم السلطة مع حزب الخضر الأسكتلندي بعد ما كان منقسما بشدة على القيادة، فضلا عن قيادته الانفصال عن بريطانيا، وفق ما نشرت "بي بي سي" في 27 مارس 2023.

المفارقة هي أن حمزة يوسف الذي ينحدر من أصل باكستاني مسلم سيدخل في صراع مع نظيره البريطاني من أصل هندي ريشي سوناك رئيس وزراء بريطانيا، وهذا يعود إلى تعهده بتسريع انفصال أسكتلندا عن المملكة المتحدة.

ووصفت مجلة "تايم" الأميركية التصويت لاختياره رئيسا للحزب بأنه "تاريخي" ليس لأسكتلندا فقط، لكن للمملكة المتحدة أيضا، لأن فوزه جاء بعد انتخاب رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك عام 2022، وليو فارادكار، لرئاسة حكومة أيرلندا، عام 2017.

وهو ما يعني أن هذه المرة الأولى التي يصبح فيها رؤساء وزراء بريطانيا وأسكتلندا وأيرلندا من أصول جنوب آسيوية، كما أن عمدة بلدية لندن صادق خان، مسلم أيضا ومن أصل باكستاني.

وأشارت إلى هذا، المحامية والناشطة، شولا موس شوغباميمو، بقولها إن ثلاثة رجال بريطانيين آسيويين يشغلون الآن مناصب بارزة في السياسة البريطانية.

وغردت عبر تويتر: "حمزة يوسف، أول وزير بريطاني آسيوي أول أسكتلندي، ريشي سوناك أول رئيس وزراء بريطاني آسيوي في المملكة المتحدة، صادق خان، أول عمدة بريطاني آسيوي للندن ".

ووصف "المجلس الإسلامي" في بريطانيا انتخاب يوسف، كأول زعيم لأمة بريطانية (أسكتلندا) من خلفية إسلامية ومن أقلية عرقية، بأنه "بالغ الأهمية".

وعد فوزه "لحظة مهمة" وخطوة إلى الأمام في ضمان التمثيل العادل في مجتمع متنوع، وأنه يأمل أن يكون "مصدرا لوحدة كبيرة عبر المجتمعات" بحسب صحيفة "الإندبندنت" البريطانية 27 مارس 2023.

ويشكل المسلمون حوالي 2 بالمائة من سكان أسكتلندا، والعدد آخذ في الازدياد، ويشغلون مناصب رئيسية في الأحزاب المؤيدة والمعارضة، والشباب منهم يدعمون استقلالها عن بريطانيا، بحسب ما نشر موقع "هيفيون أون لاين" الذي يهتم بنشر أخبار مسلمي أوروبا في 15 أغسطس/آب 2023.

ورجح مراقبون أن يكون اختيار "يوسف" بسبب موقفه القوي الداعم لانفصال أسكتلندا عن بريطانيا عكس منافسيه الذين خسروا السباق الانتخابي.

ودارت معركة انتخابية حول استقلال أسكتلندا عن المملكة المتحدة بين يوسف ومنافسته الرئيسية كيت فوربس.

إذ يرى يوسف أنه يجب الشروع فورا في الانفصال، وتشكيل "جمهورية" بعيدا عن التاج البريطاني.

وفي آخر مناظرة انتخابية له، أعلن أنه في حال وصوله لمنصب رئيس الوزراء، سيعلن تنظيم انتخابات مبكرة ويضمن أغلبية مطلقة تزيد على 60 بالمئة بالتحالف مع حزب الخضر، وبعدها سيجري استفتاء الانفصال عن بريطانيا.

وفي مقابلة أخرى مع صحيفة "ذا ناشيونال" 13 مارس 2023 شدد على أن أسكتلندا يمكن أن تتخلى عن النظام الملكي في غضون خمس سنوات من الاستقلال وأن تستبدل الملك تشارلز برئيس منتخب".

وهدفه، وفق برنامجه المعلن، هو "الدفاع عن أسكتلندا من استيلاء وستمنستر (مقر الحكم في بريطانيا) على السلطة والحصول على الاستقلال"، لذا تصفه بعض صحف لندن بأنه "السياسي المسلم الذي قد يتسبب بتفكك بريطانيا".

وتقول صحيفة "التايمز" البريطانية 28 مارس 2023 إن "الاستقلال سيكون على رأس جدول الأعمال"، كما "سيكون أمام يوسف ثلاثة أسابيع فقط إذا رغب في تحدي فيتو لندن بشأن قانون الإصلاح الجنسي".

وكانت حكومة المملكة المتحدة، التي تتمتع بصلاحية منع التشريع والحصول على الموافقة الملكية، اعترضت على مشروع قانون الإصلاح الجنسي في اسكتلندا يناير/كانون الثاني 2023، والذي يسمح بتغيير الجنس لمن يرغب.

وأدى منع بريطانيا صدور القانون الذي يسمح للمتحولين جنسيا في أسكتلندا بتغيير جنسهم دون تشخيص طبي، إلى احتدام الجدل مجددا حول الاستقلال.

وتوقع نائب رئيسة وزراء أسكتلندا "جون سويني" وهو رئيس الحزب الحاكم سابقا، أن حمزة يوسف "سيكمل رحلتنا نحو الاستقلال"، وفق "بي بي سي" 27 مارس 2023.

وكان الأسكتلنديون اختاروا البقاء ضمن المملكة المتحدة بنسبة 55 بالمئة خلال استفتاء نظم عام 2014.

لكن أسكتلندا عادت للمطالبة بالاستقلال بعد وفاة الملكة إليزابيث وتنوي تنظيم استفتاء جديد عقب رفض المحكمة العليا في لندن طلبها التصويت على الاستقلال.

وفي استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي يونيو/حزيران 2016، صوت 62 بالمائة من الناخبين الأسكتلنديين لصالح بقاء المملكة المتحدة في كتلة بروكسل.

لكن غالبية المصوتين في المملكة المتحدة كانوا مع المغادرة وهو ما جرى بالفعل، فقررت أسكتلندا الاستقلال.

وهناك تقلب في المزاج الأسكتلندي تجاه الانفصال عن التاج البريطاني، عكسته استطلاعات للرأي أجراها أكثر من مركز بحثي، ربما بسبب دور الملكة الراحلة إليزابيث في جذبهم عاطفيا للبقاء داخل المملكة المتحدة.

ففي استطلاع أجراه موقع "نيوستاتسمان" البريطاني 15 سبتمبر/أيلول 2020، أيد 70 بالمائة من الأسكتلنديين الانفصال عن المملكة المتحدة.

ووجد استطلاع منفصل أجراه مركز أبحاث المستقبل البريطاني British Future في 18 مايو/أيار 2022 أن 45 بالمائة فقط في أسكتلندا أرادوا البقاء داخل النظام الملكي، مقارنة بستة من كل 10 أشخاص في جميع أنحاء بريطانيا.

وأظهر الاستطلاع أن أكثر من ثلث الأسكتلنديين (36 بالمائة) قالوا إن نهاية عهد الملكة إليزابيث الثانية سيكون الوقت المناسب لإلغاء الملكية وتحول أسكتلندا إلى "جمهورية".

وكان آخر استطلاع أجراه فريق أبحاث مركز Redfield & Wilton Strategies في 8 مارس 2023 أظهر أن 51 بالمائة من المشاركين في أسكتلندا أكدوا أنهم سيصوتون بـ "لا" إذا كان هناك استفتاء غدا حول الاستقلال، بينما قال 42 بالمائة إنهم سيصوتون بـ "نعم" على دولة مستقلة.

تحديات عديدة

مقابل الفريق الذي رجح أن يكون اختيار الأسكتلنديين ليوسف راجع لموقفه الصارم الداعم لاستقلالهم عن المملكة المتحدة، يرى مراقبون آخرون أن هناك سبب آخر، هو تقديم نفسه لهم على أنه مسلم يفصل بين الدين والسياسة، ولن يُدخل إيمانه في إدارة البلاد.

وأظهر "يوسف" تناقضا في مواقفه وتصريحاته، فهو لا يقدم نفسه كعلماني أو معاد للإسلام أو بعيد عنه، وقال في تصريحات صحفية: "أنا مسلم، أنا شخص يفتخر بإيماني، سأصوم خلال شهر رمضان".

لكنه، بالمقابل، قال: "أنا لا أستخدم إيماني كأساس للتشريع، إيماني لا يعني أنني غير قادر على اتخاذ قرار بشأن التشريع"، ومن هذا المنطلق قال: "أنا مؤيد لزواج الشواذ"، بحسب صحيفة "الإندبندنت" 22 فبراير/شباط 2023.

وحين سأله "راديو تايمز" الأسكتلندي مارس 2023 عن تأثير إسلامه على موقفه من قضية زواج الشواذ، قال: الجميع يعرف ما هو موقف الإسلام السائد (حسب تعبيره) في هذا الصدد (من الشذوذ).

ثم أضاف: "لكن السؤال هو: هل يستخدم الناس إيمانهم كشرع؟ لم ولن أفعل ذلك، لأنني لا أعتقد أن هذه مهمة المشرعين أو صانعي السياسات".

ووعد حمزة يوسف بأن الإسلام لن يؤثر على سياساته إذا أصبح وزيراً أول وأصر على أنه "يحتفل بالتنوع"، قائلا: "أنا أؤمن بأسكتلندا المتنوعة بالاختلافات وبالمساواة".

لذلك صدمت أفكار حمزة يوسف المسلمين، ليس فقط بسبب موقفه من زواج الشواذ، ولكن لأنه يعترف أن هذا مخالف للإسلام، ثم يزعم أن هناك فارقا بين الدين وبين الحكم، أي يفصل بين الدين والسياسة.

وقد أشار نقاد إلى أنه رغم دفاعه عن الشواذ، غاب عن تصويت رئيسي في البرلمان الأسكتلندي بشأن تقنين زواج الشواذ عام 2014، وقالوا إنه تهرب منذ ذلك لأنه مسلم.

لكنه قال إنه غاب بسبب اجتماع مهم حول مواطن أسكتلندي كان يواجه حكما بالإعدام في باكستان بسبب هجومه على الإسلام.

وقال أليكس سالموند، الذي كان وزيرا في ذلك الوقت، لشبكة سكاي نيوز البريطانية إن "يوسف غاب عن التصويت بسبب ضغوط دينية من مسجد في غلاسكو"، وهو ادعاء نفاه الأخير بشدة، وفق وفق "بي بي سي" 27 مارس 2023.

لكن يوسف اعترف لاحقا بأن غيابه عن التصويت على قانون زواج الشواذ جاء بعدما "استشار الجالية المسلمة" ثم انسحب منه، بحسب صحيفة "التايمز" البريطانية 24 فبراير 2023.

وبعدما تعرض لضغوط لتوضيح سبب عدم حضوره للتصويت النهائي على قانون الزواج والشراكة المدنية (أسكتلندا) في عام 2014، قال إنه "كثيرا ما كان يستشير الجالية الإسلامية حول مواقفه السياسية".

ويعتقد أن هذا التناقض في موقفه هو محاولة للتوفيق بين كونه مسلما وبين متطلبات وعادات البلد الذي يعيش فيه.

فهناك إشكالية تدفع بعض المرشحين المسلمين لمناصب في الغرب لقبول وتأييد ممارسات تنتشر في مجتمعاتهم، يُحرمها الإسلام، مثل قضية الشذوذ والشاذين جنسيا، وبعضهم يزعم أنه سيوفق بين مبادئ دينه والقيم الغربية المتطرفة.

ومثلما دعم نواب في الكونغرس الأميركي مثل المسلمة إلهان عمر الشواذ ودافعوا عن مطالبهم، فعل ذلك المسلم رئيس وزراء أسكتلندا الجديد حمزة يوسف قبل انتخابه، لأن هذه الانتخابات هيمن عليها موضوع الشذوذ وقانون تغيير الجنس.

كما حاول استرضاء الفئات المتطرفة دينيا من المسيحيين في المجتمع بالظهور كمسلم "معتدل"، وهو توصيف في الغرب للمسلم الذي يفصل بين إيمانه وممارسته الشعائر وبين ممارسة أحكام الشريعة الإسلامية.

وتعود أصول يوسف إلى أسرة باكستانية مسلمة، هاجرت إلى مدينة غلاسكو في ستينيات القرن الماضي. وفي تلك المدينة وُلِد عام 1985، ودرس العلوم السياسية في جامعتها وتخرج فيها عام 2007 بدرجة ماجستير.

وبخلاف قضايا الاستقلال عن بريطانيا هناك تحديات عدة تواجه يوسف أبرزها الوضع الاقتصادي المتراجع ومحاربة العنصرية ضد الأقليات التي قال إنه عانى هو شخصيا منها في بدايات حياته.

قال في خطاب الفوز: "يجب أن نفخر جميعا بحقيقة أننا أرسلنا اليوم رسالة واضحة، مفادها أن لون بشرتك أو إيمانك لن يقفا عائقا أمام قيادة البلد الذي نطلق عليه جميعا كلمة وطن".

أيضا سيكون أمام حمزة يوسف تحديا أكبر هو توحيد حزبه، بعد أن ظهرت انقسامات عميقة خلال الفترة الماضية داخل الحزب الوطني الأسكتلندي، مما دفع بعض كبار أعضائه إلى التكهن بإمكانية انقسامه. 

أيضا سيكون الاختبار الانتخابي الأكثر إلحاحًا ليوسف هو الانتخابات العامة المقبلة في المملكة المتحدة، المقرر إجراؤها بحلول يناير/كانون ثان 2025.