"قانون الأسرة في ظل ثوابت الشريعة".. لماذا تصر أصوات مغربية على معاكسة الأغلبية؟

عالي عبداتي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

بخلاف دعوات بعض الجمعيات إلى اعتماد المرجعية الدولية كأساس مرجعي لتعديل "مدونة الأسرة" (قانون) بالمغرب، أكد استطلاع رأي حديث أن الغالبية العظمي من المغاربة متمسكون بـ"المرجعية الإسلامية" أساسا لهذا التعديل.

الاستطلاع الذي أجرته شبكة "أفروباروميتر"، ونشرت نتائجه في 17 مارس/آذار 2023، أكد أن الغالبية العظمى من المغاربة يقولون إن أي إصلاح لقانون الأسرة يهدف إلى تعزيز المساواة بين الجنسين في البلاد "يجب أن يستند إلى الشريعة الإسلامية"، بنسبة 78 بالمئة.

وتعرف "أفروباروميتر" نفسها كـ"شبكة أبحاث إفريقية وغير حزبية التي توفر بيانات موثوقة عن التجارب الإفريقية وتقييمات للديمقراطية والحكامة ونوعية الحياة في البلدان الإفريقية".

وذكرت شبكة "أفروباروميتر" في موقعها الإلكتروني، أن الاستطلاع بيَّن أن اثنين فقط من كل 10 (20 بالمئة) يريدون أن تكون الإصلاحات مبنية في أساسها على "الاتفاقيات الدولية" التي وقعتها المملكة المغربية.

وعن حيثيات هذا الاستطلاع، أوضحت "أفروباروميتر" في المغرب، أن "فريقا منها بقيادة مؤسسة العالمية للبحث والتكوين والاستشارات (GSC)، قام بمقابلة 1200 من المغاربة البالغين في الفترة ما بين 31 أغسطس/آب و19 سبتمبر/أيلول 2022، بنسبة خطأ قدرها +/- 3 نقاط مئوية ومستوى ثقة بحدود 95 بالمئة".

رقم دال

وأكد المحامي، نجيب البقالي، عضو "لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان" بمجلس النواب السابق، أن "هذه النتيجة طبيعية، لأن الشعب المغربي مسلم، ودولته إسلامية بنص دستور 2011".

وقال البقالي لـ"الاستقلال"، إن "تمسك المغاربة بالمرجعية الإسلامية يجد أساسه في دستور 2011، وقبل هذا الدستور هم شعب مسلم، وأساس البناء الاجتماعي للدولة هو الإسلام، كما أن المغرب دخل التاريخ بانتمائه وتمسكه بالإسلام، الذي هو الإسمنت الجامع للمغرب، دولة ومجتمعا".

وأضاف "يجب أن نعلم أن دستور 2011 نص أن المغرب دولة إسلامية، يتولى أمير المؤمنين حماية الملة والدين، ونص على مجموعة من الصلاحيات التي يمارسها الملك بصفة حصرية".

وأردف، لذلك فإن "قول معارضي المرجعية الإسلامية بأن الدستور يتضمن سمو المواثيق الدولية على القوانين الداخلية قول لا ننكره، لكن هذا السمو بحسب الدستور يوجب أن تكون هذه المواثيق الدولية قد صادق عليها المغرب، في إطار أحكام الدستور وقوانين المملكة المستمدة من الدين الإسلامي".

وتابع البقالي: "أي أنه في حالة تعارض المواثيق الدولية مع قوانين المملكة المستمدة من الدين الإسلامي، فإن المغرب يتحفظ على بعض المقتضيات الواردة في هذه المواثيق، وهذا حقه التام والمطلق".

واستطرد: "هذا يعني أن كل المقتضيات والنصوص التشريعية، سواء ذات الطبيعة التنظيمية أو القوانين العادية يجب أن لا تخالف الإسلام في مقتضياته الكبرى وفي روحه ومقاصده".

وأوضح أن "الدستور نص على أن الأسرة القائمة على عقد الزواج الشرعي، هي الخلية الأساسية للمجتمع".

وشدد البقالي على أن "المغاربة لا يرون أنفسهم داخل أسرهم إلا من داخل المرجعية الإسلامية، ولذلك هم لا يريدون أن يعيشوا تناقضا بين النصوص الشرعية وبين المقتضيات القانونية المنظمة لشؤونهم الأسرية".

بدوره، أكد عضو الأمانة العامة لحزب "العدالة والتنمية"، رضا بوكمازي، أن "استطلاع (أفروباروميتر)، دال على المعاني الدستورية والشرعية التي يتمسك بها المغاربة لإصلاح قانون الأسرة".

وأضاف بوكمازي في كلمة خلال ندوة بعنوان "مدونة الأسرة ومطلب الإصلاح، بين الثابت والمتغير"، في 19 مارس 2023 بمدينة أغادير (وسط غرب)، أن "تعديل الأسرة مؤطر بالفصل الأول والثالث من الدستور، والذي رأى أن الدين الإسلامي منطلق وأساس الهوية والمرجعية التي يستند لها الجميع".

وأكد بوكمازي ثقته "من مسألة عدم السماح بإقرار أي تشريع يمس الثوابت"، مشددا أن "هذه الثوابت لا يمكن إلا التقيد بها، والاشتغال في ضوئها وتحت إطارها".

وكان العاهل المغربي محمد السادس، قد قال خلال خطاب "عيد العرش" في يوليو/تموز 2022، أثناء حديثه عن تعديل قانون الأسرة: "بصفتي أمير المؤمنين، وكما قلت في خطاب تقديم المدونة أمام البرلمان، فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لا سيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية".

وجاء في الخطاب أيضا "من هنا، نحرص أن يتم ذلك، في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية".

تأكيد ملكي

وأكدت رئيسة "منتدى الزهراء" للمرأة المغربية، بثينة قروري، أن "الخطاب الملكي كان دقيقا في التنصيص على المرجعية الإسلامية، وقوله بخصوص الحلال والحرام، مع عدم إغلاق باب الاجتهاد في ظل مقاصد الشريعة الإسلامية.

و في كلمة خلال ندوة نظمها مركز "وفاق للإبداع الأسري"، بعنوان "مدونة الأسرة: أي مرجعية؟ لأي تعديل؟"، في 21 مارس 2023، بمدينة سطات، أضافت قروري أن "الخطاب الملكي يؤكد المرجعية الدستورية لهذا الإصلاح".

ونبهت قروري إلى أن "التعديل المرتقب للمدونة لن يكون ذا طابع شمولي كما يريد البعض، ممن يسعون لتغيير مرجعية النص، بقدر ما سيكون جزئيا، ويهم المقتضيات التي ظهر من الممارسة أنها بحاجة إلى تعديل". 

وشددت قروري، على أن "أي تعديل للمدونة يجب أن يراعي حاجات المجتمع وقناعاته، لأن القاعدة القانونية هي قاعدة مجتمعية".

وتابعت: "وهذا يعني أن القانون يجب أن يعكس تطور المجتمع لا أن يكون بعيدا عنه، سواء من حيث الواقع أو من حيث الخصوصية أو الهوية التي يؤمن بها وينطلق منها".

في المقابل، ترى رئيسة جمعية "المساواة للتحدي والمواطنة"، بشرى عبدو، أن "التعديلات المرتقبة على مدونة الأسرة، ينبغي أن ترتكز على مقتضيات الدستور، وعلى المواثيق الدولية".

وقالت عبدو لموقع "العمق المغربي" المحلي، في 19 مارس 2023، إن "ذلك يرجع لكون المغرب جزءا لا يتجزأ من المنظومة الدولية، ولا يليق به أن يتخلف عن ركب الحضارة الإنسانية".

ورأت أن المحاور الرئيسة التي يجب أن يطالها التعديل هي "مراجعة لغة المدونة، وحذف المصطلحات والعبارات التي من شأنها أن تكرس الصور النمطية لمهام وأدوار الرجال والنساء".

وهناك مطالب في المغرب تدعو إلى مراجعة "قانون الأسرة" (اعتُمد عام 2004) في البلاد، لتحقيق المساواة بين الرجال والنساء.

تفاعل واسع

من جانبه، أكد الوزير السابق المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، مصطفى الخلفي، أن "القضايا المطروحة فيما يخص تعديل مدونة الأسرة تعكس الاختلاف بين وجهتي نظر متباينة".

وذكر الخلفي وفق موقع "الإصلاح" المحلي، في 3 يناير/كانون الثاني 2023، أن "الملك محمد السادس قدم مقاربة إصلاحية لمدونة الأسرة، تقوم على الحفاظ على الأسرة وصيانتها، وتنطلق من المرجعية الإسلامية في إيجاد الحلول المطلوبة".

ونبّه الخلفي إلى أننا "نعيش صراعا حادا بين مقاربتين، الأولى تعد الأسرة أساس الاجتماع والعمران البشري، والنظر في مختلف الإشكاليات في علاقتها بهذا الكيان، بما يحفظ تكوينه ووحدته وتماسكه واستمراره".

أما المقاربة الثانية، فهي "فردانية مبنية على فلسفة النوع"، مؤكدا أنه "اليوم اتضح بجلاء أن الأسرة ليست قضيتها بل تعتبرها بمثابة كيان عائق".

وشدد الخلفي على أنه "إن كانت هناك في السابق فرصة لحلول وسطى بين المقاربتين، فإن هذا الأمر لم يعد ممكنا اليوم، أي التعايش بين التوجهين".

بدورها، شهدت منصات التواصل الاجتماعي، تفاعلا واسعا بخصوص تعديل مدونة القانون ومسألة المرجعية (الإسلامية أم القوانين الدولية).

وفي هذا الصدد، قال وزير النقل والحكامة السابق، محمد نجيب بوليف، إن "مدونة الأسرة تحتاج بدون شك لتعديلات تزيد من دعم الروابط الأسرية وحفظ حقوق مختلف أطرافها".

واستدرك بوليف في تدوينة نشرها بحسابه على فيسبوك في 5 مارس 2023، لكن ذلك "لن يكون إلا ضمن النصوص الدينية القطعية".

وأضاف "أما البحث عن رضا الثقافات والأيديولوجيات والهويات الأجنبية الأخرى، التي ليست عالمية، وإنما غربية الأصل والهوى… ففيه خطر على تماسك أسرنا وسيجعلنا إمعة".

بدوره، نقل الناشط السياسي، حسن حمورو، فقرة من بيان لمنظمة "النساء الاتحاديات"، التابعة لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (يساري)، قائلا في تدوينة نشرها بحسابه على فيسبوك، في 7 مارس 2023 إن "فيها استقواء مفضوحا بالخارج على الداخل المغربي، دولة ومجتمعا".

وذكر حمورو أن الفقرة ورد فيها ما يلي: "(النساء الاتحاديات) بصفتها جزءا لا يتجزأ من الأممية الاشتراكية للنساء، لا تقيم تمايزات بين الحقوق المدنية والسياسية للنساء، وبين حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولذلك فإنها ترى أن أي طموح لبناء الدولة الاجتماعية على أسس صحيحة، لا بد أن يمر من إقرار سياسات أكثر إنصافا للنساء في أفق المساواة الكاملة والفعلية".

وشدد حمورو على أن هذه الفقرة تستبطن كذلك اعترافا بـ"الولاء" لجهات خارجية في موضوع المرأة والأسرة، وبهذا تنكشف مرجعية دعواتها ومقترحاتها بخصوص تعديل مدونة الأسرة.

وتابع: "خاصة أنها لم تُحل في بيانها على أي من توجيهات الملك أمير المؤمنين، الذي دعا إلى تعديل بعض البنود من مدونة الأسرة إذا اقتضى الأمر ذلك، وحرصها على تنظيم حملة شعارها: المراجعة الشاملة لمدونة الأسرة".

صراع مفاهيمي

في الوقت الذي غير فيه المغرب "مدونة الأحوال الشخصية" إلى اسمها الحالي "مدونة الأسرة"، مما يدل على محورية الأسرة في المنظومة القانونية الجديدة، تستمر منظمات نسائية في النظر إلى النص من جانب أحادي، يركز أساسا على المرأة، ولا يخلق التوازن مع فكرة الأسرة.

وفي هذا الإطار، أكد الأستاذ بجامعة الحسن الثاني بمدينة الدار البيضاء، محمد ابراهمي، أن "مدونة الأسرة هي للأسرة، وبالتالي، هي ليست حقل صراع بين الرجل والمرأة".

وشدد ابراهمي خلال ندوة لمنظمة "التجديد الطلابي" (هيئة طلابية) في 16 مارس 2023 بمدينة بني ملال، أن "الإصلاح المطلوب لمدونة الأسرة، تؤطره المرجعية الإسلامية، والتي تستمد أساسها القانوني من الدستور".

ولذلك، أردف ابراهمي، أنه "لا يمكن التفريط بالمرجعية الإسلامية في موضوع إصلاح المدونة"، مشددا على أن "هذا الإصلاح يمر حتما عبر المقاربة التشاركية المؤسساتية، والتي تسعى لتحقيق التكامل في إطار الأسرة"، منبها إلى أنه في ظل الأخيرة "يمكن حل الكثير من الإشكالات".

في المقابل، تركز بعض الأصوات على حقوق المرأة في إطار الجدل القائم بخصوص المرجعية وقانون الأسرة.

ومن ذلك، تأكيد رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء، سميرة موحيا، أن "الإسلام هوية وليس مرجعية"، معتبرة أن "الدستور كما تحدث عن الإسلام تحدث أيضا عن الخيار الديمقراطي وحقوق الإنسان، ونص في الفصل 19 على المساواة التامة بين النساء والرجال".

وذكرَّت موحيا لموقع "هسبريس" المحلي في 13 فبراير/شباط 2023، بالخطاب الملكي الذي انطلق بالتذكير بمقتضيات الدستور، التي نصت على مبدأ المناصفة وضرورة إشراك النساء والرجال، مؤكدة على ضرورة تكريس "الاجتهاد المتنور".

وقالت إن عبارة "لا أحلل حراما ولا أحرم حلالا" التي قالها الملك في خطابه "يقرؤها الجميع كما يريد، ونحن قرأناها بإيجابية، وأن ملك البلاد يضع توازنات".

واستطردت موحيا: "لا يمكن أن يكون الظلم حلالا، فمفهوم الحلال والحرام في ظروفنا اليوم ووضعنا الحالي بات مختلفا عما كان في وقت سابق"، حسب تعبيرها.

وتابعت: "نحن لا نلغي الاجتهاد، بل نطالب به.. وعلى العلماء أن يقوموا بدورهم ويجيبوا عن إشكاليات واقع النساء اليوم"، مردفة: "نطالب باجتهاد حي وجديد وإنساني".

في المقابل، قال المحامي نجيب البقالي، عضو "لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان" بمجلس النواب السابق، إن بعض الجهات ذات المرجعية العلمانية، التي تزعم الانتماء للمرجعية الكونية لحقوق الإنسان، "عودتنا على محاولة فرض قيمها على المغاربة".

وشدد البقالي لـ"الاستقلال"، على أن "هذه الجهات لها أزمة انتماء لمرجعية الدولة والمجتمع، ولا ترى نفسها في هذه المرجعية".

ورأى أن هذا الأمر "إن كان من حقها من حيث المبدأ، فإنه ليس من حقها فرض إرادتها على المجتمع، فهي في المحصلة أقلية وسط النخبة أحرى وسط المجتمع".

وأردف "كما أن هذه الجهات لها أزمة على مستوى احترام إرادة المجتمع، والذي قال في غير ما مرة، أنه يرفض المساس بالأساس الشرعي لمدونة الأسرة".

ونبه المحامي إلى أن "المغاربة منفتحون على العالم، لكنهم في الآن نفسه، محافظون على قيمهم وخصوصيتهم، ولا يريدون ولا يقبلون أن تكون دعاوى حقوق الإنسان والمواثيق الدولية مطية لتغيير هويتهم ونظام أسرهم".

ودعا البقالي هذه الأطراف، "المناوئة للمرجعية الإسلامية، أن تعود إلى رشدها، وأن يكون نقاشها حول قانون الأسرة في ظل المرجعية والأسس الدستورية للبلد".