حجر عثرة.. هل يلبي العراق طلب تركيا بتصنيف العمال الكردستاني تنظيما إرهابيا؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

أثارت مطالبة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، السلطات العراقية تصنيف حزب العمال الكردستاني "بي كاكا" تنظيما إرهابيا، العديد من التساؤلات عن مدى استجابة بغداد لذلك، وفيما إذا كان القرار يتعلق بالأخيرة لوحدها أم أن لإيران رأيا في الموضوع.

وعلى خلفية جرائمه ومذابحه بالداخل التركي في العقود الأخيرة، يُصنف "بي كاكا" الذي تأسس عام 1978 تنظيما إرهابيا على لوائح تركيا والولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وإيران وسوريا وأستراليا، بينما رفضت الأمم المتحدة ودول أخرى كروسيا والصين والعراق تصنيفه إرهابيا حتى اليوم.

طلب تركي

وفي أول زيارة يجريها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إلى أنقرة منذ توليه منصبه في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بحث مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الكثير من الملفات التي تخص البلدين، ومن بينها ملف حزب العمال الكردستاني.

وتطرق الجانبان خلال مؤتمر صحفي في 21 مارس/ آذار 2023 إلى قضية مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين لديهم قواعد خلفية في منطقة إقليم كردستان العراق المحاذية للأراضي التركية.

وقال الرئيس التركي: "نتوقع من أشقائنا العراقيين تصنيف حزب العمال الكردستاني تنظيما إرهابيا وتخليص أراضيهم من هذه المنظمة الإرهابية الدموية".

بدوره، شدد رئيس الحكومة العراقية على رفض "استخدام أراضيه للاعتداء على دول الجوار، أو أي مساس بالسيادة العراقية" وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء العراقية في 21 مارس.

وقبيل بدء المحادثات بين أردوغان والسوداني، التقى وزير الدفاع التركي خلوصي أكار نظيره العراقي ثابت محمد سعيد العباسي، إذ أكد الأول خلال اللقاء، الذي عقد في مقر وزارة الدفاع التركية، أن حزب العمال الكردستاني يشكل تهديدا مشتركا لتركيا والعراق.

وشدد أكار على أن تركيا تحترم وحدة أراضي دول الجوار وفي مقدمتها العراق، مؤكدا تصميم القوات التركية على دحر الإرهاب وحماية حدود البلاد، وأهمية التعاون والتنسيق في مكافحة التنظيمات الإرهابية، وضرورة تعزيز التعاون بين الجيشين التركي والعراقي.

وتناول الوزيران، خلال اللقاء، عددا من الملفات الإقليمية والدولية وسبل تعزيز التعاون في مجال الصناعات الدفاعية بين البلدين، حسب ما صدر عن وزارة الدفاع التركية في 21 مارس.

وتنفذ تركيا عمليات عسكرية مستمرة ضد مواقع حزب العمال الكردستاني شمالي العراق، آخرها عملية "المخلب – القفل" المستمرة منذ 17 أبريل/ نيسان 2022، بعد أن دفع الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني لعقد اتفاقية أمنية مع العراق عام 1994.

وبموجب الاتفاقية يُسمح للقوات التركية بتنفيذ ضربات جوية ضد معاقل الحزب الذي تصنفه إرهابيا، والتوغل البري لمطاردته إلى عمق 25 كيلومترًا على طول الشريط الحدودي، إذ جرى تمديدها عام 2007.

وينتشر نحو 20 من القواعد والمقرات العسكرية التركية موزعة على محافظتي أربيل ودهوك، في إقليم كردستان العراق، وتقع أكبر تلك القواعد في بامرني شمال دهوك، وهي قاعدة عسكرية لوجستية فيها مهبط للطائرات.

وتقول تركيا إن هدفها من الوجود العسكري في تلك المناطق هو ردع خطر حزب العمال الكردستاني الذي يشكل خطرا عليها وعلى العراق في الوقت ذاته، وتأمين حدودها وشعبها من هجماته.

هل تلبي بغداد؟

وبخصوص مدى استجابة بغداد للطلب التركي، قال البرلماني العراقي وقائمقام قضاء سنجار السابق، محما خليل، إن "العراق لا يسمح أن تكون أراضيه ممرا أو منطلقا للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، لذلك فإنه سيدفع باتجاه إخراج هذه المنظمة من البلاد".

وأضاف لـ"الاستقلال" إن "هناك دولا عدة في المنطقة تصنّف هذه المنظمة على لوائح الإرهاب، وأن العراق لا يزال حتى الآن لم يفعل ذلك، لكنه سيلتزم ليس بما يُطلب منه، وإنما سيذهب إلى ما ذهبت إليه معظم دول العالم ضد هذه المنظمة".

وأكد البرلماني العراقي أن "بغداد ستدفع باتجاه إخراج منظمة حزب العمال الكردستاني من الأراضي العراقية كونها تشكل تهديدا للمصالح العليا للبلد وتسبب مشكلات وإحراجات مع الآخرين".

ولفت إلى أنه "جرى توقيع اتفاقية سابقا بين بغداد وأربيل بهذا الخصوص وكانت برعاية الأمم المتحدة، تنص على إخراج كل السلاح المنفلت من سنجار وبقاء الشرطة والجيش العراقي".

وأكد البرلماني العراقي أنه "لم يتحقق أي شيء من اتفاقية سنجار حتى اليوم، ولايزال لهذه المنظمة وجود في المنطقة".

وفي 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 وقعت بغداد وأربيل "اتفاقية سنجار" بوساطة الأمم المتحدة لتطبيق النظام في المنطقة، إذ تقضي بتولي الشرطة العراقية والجيش إرساء الأمن في القضاء، وإنهاء وجود حزب العمال الكردستاني من المنطقة، لكن أي من ذلك لم يحصل.

من جهته، استبعد المحلل السياسي العراقي الكردي، طارق جوهر، أن تستجيب السلطات العراقية ببغداد للطلب التركي في تصنيف حزب العمال الكردستاني حركة إرهابية.

وقال لـ"الاستقلال": أستبعد أن تلبي بغداد طلب تركيا في وصف أي حركة كردية بتهمة الإرهاب، لأنها سبق أن دخلت في نزاعات مع جميع الحركات الكردية منذ الحكم الملكي والجمهوري ولم تفعل ذلك.

وأوضح المحلل السياسي الكردي أن "الدولة العراقية منذ تشكيلها في عشرينيات القرن العشرين واجهت الحركات الكردية ووجهت إليهم شتى الاتهامات، منها: العمالة للأجنبي، وحركات انفصالية، لكن لم يوجهوا لهم تهمة الإرهاب".

ورقة إيرانية

وطالما شكل حزب العمال الكردستاني مصدر توتر بين العراق وتركيا، كونه لم يعد موجودا على الحدود فقط، وإنما يسيطر على قضاء سنجار في محافظة نينوى (مركزها الموصل) بعد استعادته من تنظيم الدولة عام 2015، عن طريق "وحدات حماية سنجار" (اليبشة) التابعة له.

وتأسست "وحدات حماية سنجار" بدعم من حزب العمال الكردستاني عام 2014 بحجة الدفاع عن قضاء سنجار بعدما سقط بيد تنظيم الدولة، والذي يقع شمال غرب مدينة الموصل (400 كيلومتر شمال بغداد)، ويتبع إداريا محافظة نينوى، إذ لم يكن لـ"بي كاكا" وجود ظاهر في العراق قبل ذلك.

وسرعان ما تحولت هذه الذريعة للحزب المطارد في تركيا إلى وضع أول موطئ قدم له بالعراق، مستغلا ضعف الدولة العراقية وحروبها ضد تنظيم الدولة الذي سيطر على ثلث مساحة البلاد عام 2014.

وعلى الرغم من إعلان العراق في يوليو/ تموز 2017، إنهاء تنظيم الدولة في نينوى، لكن حزب العمال الكردستاني بقي يملأ الفراغ الأمني عوضا عن القوات الرسمية العراقية في سنجار.

وفي ضوء الصراعات الجارية في المنطقة، منها بين دول كبرى مثل أميركا وروسيا، وتدخل فيها إيران وتركيا، ولاسيما المناطق التي تضم سوريا والعراق، يعد حزب العمال الكردستاني ورقة بيد أطراف عدة.

وفي هذا الصدد، قال محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي لوكالة "بغداد اليوم" في 25 مارس 2019، إن "حزب العمال الكردستاني، له دور كبير في عمليات تهريب المخدرات من إيران إلى العراق وسوريا ومنها إلى الخليج العربي".

ورأى النجيفي أن "حزب العمال يعد بمثابة الصفقة الرابحة لطهران ولا يمكن التخلص منه بهذه السهولة"، مشيرا إلى أن "إيران رفضت خروج الجناح العسكري للحزب (بي كاكا) من سنجار وبعض المناطق الأخرى التي يوجد بها".

ونقلت وكالة "بغداد اليوم" عن النجيفي قوله، إن "وجود حزب العمال في تلك المناطق سبق وجود تنظيم الدولة، واستقوى في فترة دخول الأخير بناء على خطة مسبقة، وحصل على فرصة كبيرة ليتغلغل في تلك المناطق".

وأضاف محافظ نينوى السابق أن "بعض الجهات العراقية وبدعم إيراني غامرت بدعم حزب العمال لمحاربة الكرد، وخلق صراع كردي - كردي على حساب الوطن، إيمانا منهم بأنها الطريقة الأسهل لتحجيم المطالب الكردية".

وأكد النجيفي أن "وجود الحزب في سنجار والمناطق الأخرى ينعكس سلبا على مجمل الوضع العراقي، وأن هناك جهات تستفيد من وجود العمال الكردستاني، على الشريط الحدودي بين العراق وسوريا، لاستخدامهم في صراع إيران وأميركا في المنطقة".

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2016، طالب ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، الحكومة العراقية، بالسماح لحزب العمال الكردستاني بافتتاح مكاتب له في بغداد والمحافظات.

وقالت عواطف نعمة، النائبة عن الائتلاف في بيان لها، إن "حزب العمال الكردستاني لا يشكل أي خطر على أمن العراق ولا علاقة له بالشأن العراقي بتاتا. ومن جهة أخرى فهو يخوض حربا ضد تنظيم الدولة".

ولفتت إلى أنه "تم إغلاق مقرات هذا الحزب في بغداد في السنوات السابقة بضغط أميركي تركي دون مبرر.. أما في إقليم كردستان، فما زالت سلطات الإقليم تمنع هذا الحزب من ممارسة أي نشاط سياسي وتقمع عناصره وتعتقلهم وخصوصا في أربيل ودهوك".

وكان حسن سعيد، قائد "وحدات حماية سنجار" التابع للعمال الكردستاني، قد أعلن في يناير/كانون الثاني 2016، أن حكومة بغداد تزود عناصره بالرواتب الشهرية والاحتياجات اللوجستية للمقاتلين، كما أنها وافقت على طلب تزويدهم بالدبابات والمدافع والأسلحة الثقيلة.

وقال في تصريحات نقلها موقع "شبكة أخبار العراق" إنه جرى الاعتراف بقوتهم (التابعة لحزب العمال الكردستاني) رسميا من الحكومة العراقية في يوليو/تموز 2016، وإنهم حاليا قوة عراقية في إطار الحشد الشعبي.

وتشير التقديرات إلى أن ألفا من مقاتلي حزب العمال جاؤوا من جبال قنديل؛ حيث معقله التقليدي بالمثلث العراقي التركي الإيراني إلى سنجار، حيث تخشى أنقرة من تحوله إلى قنديل آخر.