ملابسات معقدة.. من يقف خلف اختفاء أطنان من اليورانيوم في ليبيا؟
بعد إجراء عملية تفتيش، اكتشف مفتشون من الوكالة الدولية للطاقة الذرية اختفاء حوالي 2.5 طن من اليورانيوم الطبيعي من منشأة ليبية غير تابعة للحكومة.
وقد أثار اختفاء براميل اليورانيوم الطبيعي من أحد المنشآت الليبية قلقا دوليا واسعا، وفقا لما أوردته صحيفة "مينا واتش" الألمانية.
بيان سري
بعث رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل ماريانو غروسي، بيانا سريا للدول الأعضاء في الأمم المتحدة في 15 مارس/آذار 2023.
وقال غروسي في هذا البيان إن "مفتشي الوكالة اكتشفوا اختفاء براميل اليورانيوم خلال عملية تفتيش كانت مقررة عام 2022، لكنها تأجلت بسبب الوضع الأمني في المنطقة". وأكد إجراءها أخيرا في 14 مارس 2023.
وأضاف البيان أن "10 أسطوانات تحوي قرابة 2.5 طن من اليورانيوم الطبيعي في شكل تركيزات لليورانيوم الخام، كانت قد أعلنت ليبيا أنها مخزنة في الموقع، ليست موجودة فيه".
وأفادت الوكالة أنها ستجري "مزيدا من الأنشطة" لتحديد ملابسات اختفاء اليورانيوم من موقع لم يذكر اسمه ومكانه حتى الآن.
وفي هذا الصدد، كتبت الوكالة: "إن الافتقار إلى المعرفة بالمكان الحالي للمواد النووية يشكل خطرا إشعاعيا ويثير مخاوف تتعلق بالسلامة النووية".
وحسب الصحيفة الألمانية، فإنه في 16 مارس 2023، وبشكل غامض، أعلنت قوات شرق ليبيا التابعة للواء الانقلابي المتقاعد خليفة حفتر، العثور على براميل اليورانيوم.
وبهذا الشأن، قال مدير إدارة التوجيه المعنوي في قوات شرق ليبيا اللواء خالد المحجوب، إن "مسؤولا من الوكالة يدعى ماسيمو، أبلغ عن اختفاء 10 براميل يورانيوم، وكذلك وجود فتحة في المستودع من الجانب تسمح بخروج جسم في حجم البرميل الواحد".
وأضاف أنه "بناء على ذلك، اتخذت الإجراءات، وكُلفت قوة من الجيش للبحث عن هذه البراميل، ثم وجدت في منطقة لا تبعد سوى حوالي خمسة كيلومترات عن المستودع في اتجاه الحدود التشادية".
وتابع المحجوب موضحا: "لقد صُورت الكمية بالفيديو، وجرى التحفظ عليها لحين إرسال الوكالة الدولية متخصصين للتعامل معها".
وبحسب ما ذكره اللواء، أُبلغ ماسيمو بعدم الإعلان عن فقدان الكمية باعتبارها موجودة.
وأكد كذلك أن التعامل مع هذه المواد الخطرة والمشعة -وبحكم متابعة الوكالة لها- يحتاج إلى دعم حقيقي للمحافظة عليها والتعامل الآمن معها.
افتقار للأمان
تذكر الصحيفة الألمانية أنه في السنوات الأخيرة، كانت مدينة "سبها" إلى حد كبير تحت سيطرة قوات شرق ليبيا، بقيادة خليفة حفتر.
ووفق بيان أصدرته قوات شرق ليبيا، جرت زيارة موقع اليورانيوم في الجنوب الليبي عام 2020 من قبل أعضاء الوكالة، وتم حصر العدد الموجود بالفعل.
وأشار البيان إلى أن الوكالة تعهدت في ذلك الوقت بتأمين "احتياجات الحراسة"، والتي تشمل ملابس خاصة وكمامات وغيرها لحماية المكلفين بالحراسة من الأمراض التي تسبّبها هذه المادة.
لكن الوكالة لم توفر هذه الاحتياجات، وفق البيان، مما اضطر الحراس للبقاء بعيدين عن المستودع.
وبحسب "مينا واتش"، قال متحدث باسم الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا: "ستجري الوكالة مزيدا من الأنشطة لتوضيح ملابسات اختفاء المواد الخام النووية، وتوضيح مكانها الحالي".
وتؤكد الصحيفة أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تراقب الموقع بانتظام، من خلال تحليل صور الأقمار الصناعية والوصول المفتوح للمعلومات.
وفي ضوء نتائج هذه التحليلات، أرادت الوكالة زيارته رغم الوضع الأمني المقلق في المنطقة واللوجستيات المعقدة للوصول إليه.
توضح الصحيفة الألمانية أنه بشكل علمي، لا يمكن استخدام اليورانيوم الطبيعي على الفور كسلاح فتاك.
إذ تتطلب عملية التخصيب عادة الكثير من عمليات التحويل للعنصر الذي يجري تدويره في أجهزة الطرد المركزي للوصول إلى المستويات المطلوبة لعمل ذلك.
المخزون الليبي
ومن الجدير بالذكر هنا، أن ليبيا تخلت في عام 2003 عن برنامج أسلحتها النووية في عهد رئيس النظام الأسبق معمر القذافي.
إذ تلقت البلاد أجهزة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم ومعلومات حول صنع قنبلة ذرية، لكنها أحرزت تقدما ضئيلا في الممارسة الفعلية للعملية.
وفي هذا السياق، يقول الخبراء إن كل طن من اليورانيوم الطبيعي -بفرض توافر الوسائل والموارد التكنولوجية- يمكن تحويله إلى 5.6 كيلوغرامات من المواد التي يمكن استخدامها في صنع الأسلحة النووية.
ولذلك صرح إدوين ليمان، مدير سلامة الطاقة النووية في اتحاد العلماء المهتمين، وهي منظمة غير ربحية، أن "كمية اليورانيوم التي فُقدت كانت تحتوي على ما يكفي من النظير يو-235 لصنع قنبلة نووية من الجيل الأول، في حال جرى تخصيبها بنسبة تزيد عن 90 بالمئة".
وأضاف ليمان: "إن الأمر لا يعد تهديدا مباشرا أو عاجلا بالانتشار النووي، لكن فقدان كمية كبيرة من اليورانيوم الطبيعي يمثل مصدر قلق، بسبب إمكانية تحويلها إلى مواد تستخدم في الأسلحة النووية".
ولفت إلى أن الحادث يثير تساؤلات حول قدرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على استمرارية الحفاظ على معرفتها بالمواد النووية في البلدان التي يوجد بها مناطق نزاع نشطة.
وتشير الإحصائيات إلى أن مخزون ليبيا يبلغ حوالي 1000 طن متري من اليورانيوم. ووفقا لـ"مينا واتش"، ترجع هذه الكمية إلى عهد القذافي، الذي أعلن عن برنامجه النووي للعالم في عام 2003 بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق.
وبعد إزالة المفتشين آخر كمية من اليورانيوم المخصب من ليبيا عام 2009، قدرت الأمم المتحدة، عام 2013، أن حجم المخزون منها يصل إلى حوالي 6400 برميل، أغلبها يوجد في مدينة سبها.
ووفقا لبرقية دبلوماسية عام 2009، نشرها موقع التسريبات "ويكيليكس"، كان المسؤولون الأميركيون قلقين من أن "إيران قد تحاول شراء اليورانيوم من ليبيا".
وهو الأمر الذي حاول كبار المسؤولين النوويين الليبيين في عهد القذافي طمأنة الولايات المتحدة بشأنه.