يشجع تفكيك بريطانيا.. هل يحكم أسكتلندا "مسلم" للمرة الأولى في تاريخ أوروبا؟
مرحلة حاسمة في تاريخ أسكتلندا السياسي، مع بدء أعضاء "الحزب الوطني" (SNP)، البالغ عددهم نحو 100 ألف شخص، التصويت في 13 مارس/آذار 2023، لاختيار رئيس وزراء جديد بعد استقالة نيكولا ستورجن.
التصويت سيستمر لمدة أسبوعين، ثم تعلن النتيجة النهائية في 27 مارس 2023 لمن سيختاره الحزب الحاكم رئيسا جديدا له، ومن ثم رئيسا لوزراء أسكتلندا.
أهمية الانتخابات أنه يتنافس فيها للمرة الأولى مسلم من أصل باكستاني، هو "حمزة يوسف"، الذي كان وزيرا للعدل ثم الصحة، مع وزيرة الخزانة، كيت فوربس، ووزيرة الشؤون المحلية، آش ريغان.
"تاريخية بامتياز"
الانتخابات توصف بأنها "تاريخية بامتياز"، لأنه في حال فوز يوسف، فسيكون أول رئيس وزراء مسلم، ومن أقلية دينية وعرقية في تاريخ أسكتلندا وأوروبا، بحسب ما قالت صحيفة "إندبندنت" البريطانية في 22 فبراير/شباط 2023.
أما في حال فوز فوربس، فإنها ستكون بذلك أصغر رئيسة وزراء في تاريخ البلاد وعمرها لم يتجاوز 32 عاما، وستكون أول مسؤولة مقربة من الكنيسة تحوز هذا المنصب.
أهمية الانتخابات أيضا أن الحزب الحاكم يسعى لإجراء استفتاء للانفصال عن بريطانيا، ويحظى يوسف بدعم قوي من طرف زعيمة الحزب ستورجن، التي ترى فيه استمرارا لمشروعها بالانفصال.
وتدور المنافسة بين المرشحين لزعامة الحزب ورئاسة الوزراء حول ثلاثة ملفات أساسية هي الانفصال عن المملكة المتحدة، وقوانين الشواذ والأقليات الجنسية، والأزمة المعيشية التي تعيشها البلاد.
وتشير توقعات الصحف البريطانية الأسكتلندية إلى انحسار المنافسة بين "يوسف" و"فوربس"، وكلاهما يمثل ثقافة وتيارا سياسيا مختلفا، فالأول مسلم، لكن صحف أسكتلندا تصفه بأنه "تقدمي"، والثانية تُعد تلميذة للكنيسة ومتدينة محافظة.
لذا تحول الصراع بين المرشحين إلى تيار تطلق عليه الصحافة المحلية "التقدمي" الذي يمثله يوسف، و"المحافظ" الذي تمثله فوربس.
وفي حين يتوقع مراقبون فوز حمزة على غرار اختيار البريطانيين "هندوسي" هو ريشي سوناك رئيسا لوزراء بريطانيا، يرى آخرون أن الأمر قد يخضع لأمور أيديولوجية يحركها الميل للشخص الأبيض تفضيلا على "الأجنبي" المسلم.
ويخشى المراقبون أن يقع يوسف ضحية ذات العقلية، وتختار قواعد حزبه المسيحي "كيت" تلميذة الكنيسة البيضاء من أصل أسكتلندي عليه كمسلم من أصل باكستاني، رغم مناصرة قيادة الحزب ليوسف، وفق صحيفة "إندبندنت" في 22 فبراير 2023.
وأشارت آخر استطلاعات للرأي قامت بها مؤسسة "ابسوس" العالمية للاستطلاعات في 9 مارس 2023، إلى تقدم طفيف لفوربس.
وذكرت المؤسسة (مقرها باريس) أن وزيرة المالية تحظى بـ32 بالمئة من الشعبية، مقابل 24 بالمئة ليوسف.
وقبل ذلك أشار استطلاع أجري بين 6 و7 مارس إلى أن واحدا من كل ثلاثة ناخبين (33 بالمئة) في الحزب الوطني الأسكتلندي يرون أن يوسف سيكون رئيس الوزراء المقبل، بينما قال واحد من كل ثلاثة (32 بالمئة) نفس الشيء بالنسبة لفوربس.
ويشكل المسلمون حوالي 2 بالمئة من سكان أسكتلندا، والعدد آخذ في الازدياد، ويشغلون مناصب رئيسة في الأحزاب المؤيدة والمعارضة، والشباب منهم يدعمون استقلال أسكتلندا عن بريطانيا، وفق موقع "هيفيون أون لاين" الذي يهتم بنشر أخبار مسلمي بريطانيا وأوروبا، في 15 أغسطس/آب 2022.
"صوم ودعم الشواذ"
بحسب متابعين، هناك إشكالية قد تؤثر على تصويت بعض المسلمين والمعادين للشواذ، هي دعمه لقضايا الشواذ في أسكتلندا.
هذه المشكلة تدفع بعض المرشحين المسلمين لمناصب في الغرب لقبول وتأييد ممارسات تنتشر في مجتمعاتهم، يُحرمها الإسلام، أبرزها "قضية الشذوذ والشاذين"، وبعضهم يزعم أنه "سيوفق بين مبادئ دينه والقيم الغربية المتطرفة!".
لكن مشكلة يوسف أنه أطلق العديد من التصريحات حول هذه "الشذوذ" ربما لأسباب انتخابية حيث تحتل مع قانون تغيير الجنس جانبا من المعركة الانتخابية.
ولضمان عدم الحكم عليه من منطلق أنه مسلم وسينعكس إيمانه على حكم أسكتلندا مستقبلا، وعد يوسف بأن "الإسلام لن يؤثر على سياساته إذا أصبح وزيرا أول"
وأصر على أنه "يحتفل بالتنوع"، قائلا: "أنا أؤمن بأسكتلندا المتنوعة بالاختلافات وبالمساواة"، وفق صحيفة "اندبندنت".
وكان يوسف تفاخر في تصريحات سابقة بأنه مسلم ملتزم ويصوم رمضان، ثم حاول الإيحاء بأنه "تقدمي"، كما تصفه صحف أسكتلندا، فدافع عن حقوق الشواذ.
وفي مقابلة مع القناة "الرابعة" الإخبارية الأسكتلندية، في 20 فبراير/شباط 2023، وصف يوسف نفسه بأنه مسلم متدين، وقال إنه سيحتفل بشهر رمضان قريبا، لكنه أصر على أنه "يدعم شخصيا زواج الشواذ".
It's clear that - regardless of differing views on - independence - LGBTQ people can trust @HumzaYousaf.
— Owen Jones (@OwenJones84) February 20, 2023
Given how rampant Islamophobia is, it's striking that @HumzaYousaf and @SadiqKhan are two Muslim politicians who back LGBTQ equality, unlike certain Christian politicians. https://t.co/PB7I2F6AAf
وتعود أصول يوسف إلى أسرة باكستانية مسلمة، هاجرت إلى مدينة غلاسكو في ستينيات القرن الماضي، وفي تلك المدينة وُلِد حمزة عام 1985، ودرس العلوم السياسية في جامعتها وتخرج عام 2007 بدرجة ماجستير.
ودرس يوسف السياسة في جامعة غلاسكو، حيث كان نشطا في السياسة الطلابية، وأصبح رئيسا لاتحاد الطلاب المسلمين.
وبعد التخرج، عمل يوسف مساعدا للنائب البرلماني بشير أحمد خلال حملته الانتخابية عام 2007، وأثناء عمله البرلماني لمدة عامين، بعدها انتقل إلى العمل مساعدا لعدد من نواب الحزب القومي الآخرين، من بينهم ستورجن.
وعمل أيضا مساعدا لرئيس الوزراء السابق أليكس سالمون، خلال حملته الانتخابية.
في عام 2011، دخل يوسف البرلمان الأسكتلندي كنائب الحزب الجمهوري عن غلاسكو، وفي 2012 تقلد أول منصب وزاري، كاتب دولة مكلَّف بالعلاقات الخارجية والتنمية الدولية لدى وزارة الخارجية.
في عام 2016، أصبح يوسف وزيرا للنقل، حيث قضى سنتين في هذه الحقيبة ليجرى تعيينه بعدها وزيرا للعدل.
مسيحية ملتزمة
على النقيض من حمزة، تعارض منافسته المسيحية "فوربس" تماما، وترفض زواج الشواذ أو الإنجاب خارج إطار الزواج، وتعارض قانون تسهيل عمليات تغيير الجنس.
فهي عضو ملتزم في "كنيسة أسكتلندا الحرة" المحافظة اجتماعيا، وبدأت حملتها الانتخابية بإعلان معارضتها لأمور تعارضها الكنيسة مثل رفض زواج الشواذ، بحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية في 13 مارس/آذار 2023.
وكنيسة أسكتلندا الحرة، التي تنتمي لها فوربس تأسست عام 1843 كمجموعة احتجاجية منشقة عن التيار الكنسي الرئيس، بصفتها "طائفة إنجيلية وكالفينية".
وهي ثاني أكبر طائفة في أسكتلندا بعد الكنيسة الرئيسة، بحسب صحيفة "إندبندنت" في 24 فبراير 2023.
وتشتهر الكنيسة الحرة بمعارضتها لزواج المثليين والإجهاض، وتصفه بأنه يتعارض مع "تعاليم الكتاب المقدس".
وتنهل فوربس مواقفها السياسية من نشأتها وتلقيها تربية كنسية محافظة، وهو ما رفع شعبيتها في صفوف الكتلة المحافظة في أسكتلندا، لكن هيئات الدفاع عن الشواذ انتقدتها وأعلنت دعمها ليوسف بعد تأييده لهم.
وفقدت فوربس، دعما انتخابيا لقولها إن إيمانها المسيحي يعني أنها تعتقد أن الزواج يجب أن يكون بين رجل وامرأة وأن إنجاب الأطفال خارج إطار الزواج أمر خاطئ"، بحسب صحيفة "ديلي ميل" البريطانية في 22 فبراير/شباط 2023
معركة الانفصال
هناك معركة أخرى حول استقلال أسكتلندا عن المملكة المتحدة بين يوسف وفوربس، فكلاهما مؤيد لوجهة نظر حزبهم بالاستقلال، لكن الأول يرى أنه يجب الشروع فورا في الانفصال، وتشكيل "جمهورية" بعيدا عن التاج البريطاني.
بينما الثانية ترى "التريث"، ولوت طلب الأمر الانتظار ست سنوات، وتفضل عدم التصادم مع المملكة.
وفي آخر مناظرة انتخابية له، أعلن يوسف أنه في حال وصوله لمنصب رئيس الوزراء، سيعلن تنظيم انتخابات مبكرة ويضمن أغلبية مطلقة تزيد على 60 بالمئة بالتحالف مع حزب الخضر، وبعدها سيجرى استفتاء الانفصال عن بريطانيا.
وفي مقابلة مع صحيفة "ذا ناشيونال" الأسكتلندية في 13 مارس 2023، شدد على أن بلاده يمكن أن تتخلى عن النظام الملكي في غضون خمس سنوات من الاستقلال وأن تستبدل الملك تشارلز برئيس منتخب.
وهدفه، وفق برنامجه المعلن، هو "الدفاع عن أسكتلندا من استيلاء وستمنستر (مقر الحكم في بريطانيا) على السلطة والحصول على الاستقلال"، لذا تصفه بعض صحف لندن بأنه "السياسي المسلم الذي قد يتسبب بتفكك بريطانيا".
Only with independence can we unleash our nation's potential. I will:
— Humza Yousaf (@HumzaYousaf) March 14, 2023
1️⃣ Defend Scotland's democracy from Westminster power grabs.
2️⃣ Lead from the front as First Activist.
3️⃣ Build support and deliver independence.
Together, we will win independence for ��������������.#HumzaForScotland pic.twitter.com/SH61vpR6tS
بينما ترى فوربس أن السعي للانفصال يكون عندما تنضج شروطه، ولا تمانع في تأجيل الاستفتاء ست سنوات مقبلة، حتى لا تدخل بلادها في مواجهة مع المملكة.
وكان الأسكتلنديون اختاروا البقاء ضمن المملكة المتحدة بنسبة 55 بالمئة خلال استفتاء نظم عام 2014.
لكن أسكتلندا عادت للمطالبة بالاستقلال بعد وفاة الملكة إليزابيث وتنوي تنظيم استفتاء جديد بعد رفض المحكمة العليا في لندن طلبها التصويت على الاستقلال.
وفي استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في يونيو/حزيران 2016، صوت 62 بالمئة من الناخبين الإسكتلنديين لصالح بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي لكن غالبية المملكة المتحدة صوتت للمغادرة، فقررت اسكتلندا الاستقلال.
وهناك تقلب في المزاج الأسكتلندي تجاه الانفصال عن التاج البريطاني، عكسته استطلاعات الرأي التي أجراها أكثر من مركز بحثي، ربما بسبب دور الملكة الراحلة إليزابيث في جذبهم عاطفيا للبقاء داخل المملكة المتحدة.
ففي استطلاع أجراه موقع "نيوستاتسمان" البريطاني في 15 سبتمبر/أيلول 2020، أيد 70 بالمئة من الأسكتلنديين الانفصال عن المملكة المتحدة.
ووجد استطلاع منفصل أجراه مركز "أبحاث المستقبل" البريطاني في 18 مايو/أيار 2022 أن 45 بالمئة فقط في أسكتلندا أرادوا البقاء داخل النظام الملكي، مقارنة بستة من كل 10 أشخاص في جميع أنحاء بريطانيا.
وأظهر الاستطلاع أن أكثر من ثلث الأسكتلنديين (36 بالمئة/ من أصل 5 ملايين ونصف نسمة) قالوا إن نهاية عهد الملكة إليزابيث الثانية سيكون الوقت المناسب لإلغاء الملكية وتحول أسكتلندا إلى "جمهورية".
فيما أظهر آخر استطلاع أجراه فريق أبحاث مركز "إستراتيجيات ريدفيلد ويلتون" في 8 مارس 2023، أن 51 بالمئة من المشاركين في أسكتلندا أكدوا أنهم سيصوتون بـ"لا" إذا كان هناك استفتاء حول استقلال أسكتلندا، بينما قال 42 بالمئة إنهم سيصوتون بـ"نعم" على دولة مستقلة.
المصادر
- What a Humza Yousaf victory means, in Scotland and beyond
- SNP leadership frontrunner Humza Yousaf is grilled on gay marriage and religion after fellow candidate Kate Forbes lost support for saying her Christian faith means she believes marriage should be between a man and a woman
- Kate Forbes Scots' favourite to become next First Minister, poll finds
- Yousaf: My election as first minister would be ‘seminal moment’ for Scotland