الاتفاق النفطي.. هل نجح السوداني فيما فشل فيه أسلافه في العراق؟
مثل غيره من رؤساء الحكومة العراقية في مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، يجرّب رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، حظه في محاولة إنهاء الخلافات بين بغداد وإقليم كردستان، ولا سيما في ما يتعلق بالنفط والغاز والموازنة المالية.
ومع تولي السوداني رئاسة الحكومة في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2022، قررت المحكمة الاتحادية العراقية في 25 يناير/كانون الثاني 2023، إيقاف المستحقات الشهرية التي ترسلها بغداد إلى الإقليم كرواتب الموظفين لحين تسليمهم إيرادات نفطه.
تفاؤل متبادل
في 13 مارس/آذار 2023، أعلن رئيس الوزراء العراقي، عن التوصل إلى اتفاق يُنهي الخلاف بين بغداد وأربيل حول إيرادات نفط إقليم كردستان، فيما أشاد القادة الأكراد بمساعي السوداني لحل المشاكل العالقة بين الطرفين.
وقال السوداني، خلال مؤتمر صحفي عقده في بغداد إنه "جرى التوصل إلى اتفاق لحل المشكلات بين المركز والإقليم بشأن النفط والغاز من خلال وضع الإيرادات من نفط كردستان في أحد المصارف".
وأضاف: "للمرة الأولى وصلنا إلى اتفاق على أن يجرى إيداع الإيرادات النفطية للإقليم في حساب واحد ويخول رئيس وزراء كردستان ورئيس الوزراء الاتحادي (العراقي) بمراقبته".
وتابع السوداني: "ستكون هناك لجنة ترفع توصياتها إلى رئيس الوزراء الاتحادي لاتخاذ القرار المناسب".
وأكد رئيس الوزراء التوصل إلى تفاهمات حيال حصة كردستان العراق من الموازنة المالية للبلاد للعام 2023، والتي بلغت 197 تريليون دينار، (نحو 152 مليار دولار أميركي)، وقد خصص 12 منها للإقليم.
بعد ذلك بيوم واحد، أجرى السوداني زيارة إلى أربيل التقى خلالها رئيس الإقليم نيجيرفان البارزاني، ورئيس الحكومة مسرور البارزاني، إضافة إلى زعيم الحزب الديمقراطي الحاكم مسعود البارزاني.
وأكد مسرور البارزاني، خلال الاجتماع في 14 مارس 2023 أن "هناك أجواء إيجابية وجهودا حثيثة لحل القضايا الخلافية مع الحكومة الاتحادية"، مبينا أنه "بالإمكان حل المشاكل كافة إذا ما توفرت النوايا والإرادة بهذا الشأن".
وشكر البارزاني، السوداني على "مساعيه لحل المشاكل العالقة"، مشيدا بـ"موافقة مجلس الوزراء على مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية، والذي جرى إعداده بالتنسيق والتعاون بين الإقليم والحكومة الاتحادية".
وفي تصريح للصحفيين بعد الاجتماع، عبّر السوداني عن شكره لرئيس حكومة الإقليم على "روحية العمل المشترك، والتعاون والرغبة الصادقة لحل كل الإشكالات بين بغداد وأربيل"، مؤكدا أنه "خلال أربعة أشهر من عمر الحكومة، قطعنا شوطا مهما في تنفيذ جزء من الاتفاق السياسي".
كما غرد السوداني، قائلا: "أجرينا مباحثات مثمرة وبنّاءة في مدينة أربيل مع كل من رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، ورئيسي الإقليم والحكومة في إقليم كردستان".
وأردف: "وجدنا تفاعلا إيجابيا مع خطواتنا في تنفيذ برنامجنا الحكومي، كما لمسنا رغبة جادّة في العمل معاً لتحقيق تطلعات أبناء شعبنا العزيز في كل مكان".
"اتفاق مختلف"
رغم إعلام أغلب رؤساء الحكومات العراقية السابقة التوصل لاتفاق مع إقليم كردستان على تسليم إيرادات النفط مقابل إرسال أموال كامل حصة الموازنة المالية لأربيل، فإن الطرفين لم يلتزما بذلك، وهذا ما دفع المحكمة الاتحادية إلى إصدار قرارها في 25 يناير 2023.
لكن النائب الكردي السابق في البرلمان العراقي شيروان ميرزا، رأى أن "ما حصل اليوم فيه اختلاف عن الاتفاقات السابقة، لأن تحالف إدارة الدولة اتفق على كيفية إدارة الحكومة ومعالجة كل المشكلات العالقة بين أربيل وبغداد، ومن ضمنها حصة الإقليم من الموازنة المالية، وموضوع النفط والغاز".
وتأسس تحالف "إدارة الدولة" في 25 سبتمبر/أيلول 2022، بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان، ويمثل الأغلبية التشريعية كونه مشكل من "الإطار التنسيقي" الشيعي، والحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكرديين، وتحالف السيادة وعزم السنيين، وحركة بابليون المسيحية".
وأوضح ميرزا لـ"الاستقلال" أنه "بعد صدور قرار المحكمة الاتحادية بعدم دستورية بيع نفط الإقليم، أصبحت هناك حاجة ماسة للاتفاق بين الطرفين على كيفية إدارة هذا الملف".
لذلك حصلت تفاهمات بين بغداد وأربيل على قانون النفط والغاز في البرلمان، وموضوع الموازنة، وفق قوله.
وأشار إلى أنه "جرى الاتفاق على إيداع إيراداتها في حساب مصرفي خاص تحت رقابة رئيس الوزراء في مقابل إعطاء حصة الإقليم من الموازنة ودفع كل مستحقات إنتاج النفط في كردستان للشركات العاملة هناك ويحسب ضمن أجور جولات التراخيص النفطية في البلاد بشكل عام".
وتابع: "لذلك إذا تحقق دفع حصة الموازنة المالية للإقليم ومستحقات الشركات النفطية العاملة فيه، فبالتأكيد ليس هناك أي مبرر لحكومة كردستان العراق في عدم تسليم إيرادات النفط إلى بغداد".
عوامل ضاغطة
وبخصوص ضمانات الاتفاق، قال ميرزا إن "هناك بعض الأشياء تضغط على الطرفين للالتزام بما جرى التوصل إليه، أولها قرار المحكمة الاتحادية، وكذلك قرار آخر من محكمة تحكيم باريس، وبالتالي لا يوجد طريق لبيع نفط الإقليم، فضلا عن أنه يعبر خطوة أولى لإصدار قانون النفط والغاز".
ومطلع فبراير/شباط 2023 تحدثت صحيفة "الصباح الجديد" العراقية عن ظهور مؤشرات أولية تؤكد إصدار محكمة تحكيم باريس التابعة لغرفة التجارة الدولية، حكما نهائيا لصالح العراق بشأن تصدير نفط إقليم كردستان بمعزل عن الحكومة الاتحادية، عبر ميناء جيهان التركي.
ولفت البرلماني الكردي إلى أن "الأكراد طرحوا في عامي 2020 و2021، 3 مقترحات لحل الأزمة بين أربيل وبغداد، أولها تأسيس شركة بكردستان لإنتاج وبيع نفط الإقليم على غرار شركة النفط الوطنية العراقية "سومو"، والثاني إعادة هيكل الأخيرة وجعل فيها ممثلين من الأكراد.
أما المقترح الثالث، يضيف ميرزا، فقد كان بيع نفط الإقليم عن طريق "سومو" الوطنية بالسعر نفسه والآلية المتبعة في بيع نفط العراق، ووضعه في حساب خاص به. وما جرى اليوم من اتفاق مشابه لما جرى طرحه قبل عامين.
وأكد البرلماني الكردي السابق أن "نفط الإقليم سيباع عبر (سومو) حاله حال النفط العراقي وتودع الإيرادات ضمن حساب خاص به، ومن صلاحية حكومة الإقليم سحب المبالغ تحت إشراف رئيس الوزراء العراقي".
ولفت ميرزا إلى أن "التصريحات الصادرة من القيادات الكردية أثناء زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني للإقليم تعبر عن تفاؤل كبير بتنفيذ الأخير لما جرى الاتفاق، والالتزام به من الطرفين".
وفي السياق ذاته، قالت صحيفة "المدى" العراقية إن "الاتفاق سيقضي بعدم قطع مرتبات الإقليم مرة ثانية، وضمان حصة كردستان في الموازنة، وتشريع قانون النفط والغاز، ورواتب البيشمركة (قوات حماية الإقليم)، إضافة إلى المادة 140، وتحويل حلبجة (مدينة تابعة للسليمانية) إلى محافظة".
وتضمن الدستور العراقي الذي أقر في عام 2005، مادة رقمها 140 معنية بحل قضية المناطق الحدودية المتنازع عليها بين الحكومتين الاتحادية في بغداد، وإقليم كردستان العراق.
وتتنازع الحكومة المركزية في بغداد وإقليم كردستان العراق منذ سنوات على مناطق عدة بمحافظات يقطنها خليط من القوميات والطوائف: عرب، وأكراد، وتركمان، ومسلمون، ومسيحيون، وتتوزع تلك المناطق بين محافظات كركوك ونينوى شمالا، وديالى وسط، وواسط جنوبا.
وأضافت "المدى" أن "الالتزامات الجديدة حتى الآن بلا ضمانات وقد تتعقد العلاقة بين الإقليم وبغداد مرة أخرى كما جرى في المرات السابقة بين التحالفات الشيعية السابقة وكردستان".
ورجحت الصحيفة أن "ما جرى من تعهدات جديدة قد يكون بضغط من الولايات المتحدة الأميركية التي تحدثت في أكثر من مناسبة عن ضرورة حل المشاكل العالقة بين بغداد وأربيل".
قانون معطل
لطالما كان ملف تصدير وإيرادات النفط في إقليم كردستان إحدى أبرز نقاط الخلاف بين بغداد وأربيل، وعادة ما كان يتسبب بتأزم العلاقات، إذ تصاعدت حدة المشكلات بينهما بعدما أصدرت المحكمة الاتحادية قرارا يقضي بإيقاف موظفي رواتب كردستان.
وعلى هذا الأساس، يُعد غياب قانون النفط والغاز، من أبرز المشكلات التي تواجه قطاع الطاقة بعد عام 2003، وقد أرسلت ثلاث مسودات لمشروع القانون إلى البرلمان منذ 2005.
وتكمن أهمية القانون المختلف عليه في كونه يُنظم استخراج وتصدير وإدارة ثروات النفط والمعادن الطبيعية التي تُنتج في حدود الدولة العراقية وضمنها إقليم كردستان، فضلا عن تنظيم الإيرادات النفطية، ومن هي الجهة التي تذهب إليها الأموال والمخولة بإنفاقها.
لكن الخلافات بين الأطراف السياسية حالت دون تمريرها، ما دفع إقليم كردستان إلى إصدار قانونه الخاص للنفط والغاز عام 2007.
لكن المحكمة الاتحادية العراقية العليا أصدرت في 15 فبراير/شباط 2022، قرارا، وصفت فيه قانون نفط وغاز إقليم كردستان بـ"غير الدستوري".
وطالبت المحكمة حكومة الإقليم بتسليم إيرادات النفط المنتج إلى الحكومة الاتحادية، وهو قرار رفضته كردستان بشكل قاطع.
وبعد القرار، عينت وزارة النفط، بحسب تقرير لـ"رويترز" البريطانية في 5 يوليو/تموز 2022، شركة المحاماة الدولية، كليري غوتليب ستين، وهاملتون للتواصل مع بعض شركات الطاقة العاملة في إقليم كردستان "لبدء مناقشات لجعل عملياتها تتماشى مع القانون العراقي المعمول به".
وأدت الجهود كما يبدو إلى انسحاب شركة "شلمبرغير" الأميركية لخدمات حقول النفط، من إقليم كردستان في يوليو/تموز 2022، التزاما بقرار المحكمة الاتحادية (أعلى سلطة قضائية في العراق).
وهذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها الشركات العاملة في الإقليم التزاما من هذا النوع بقرارات بغداد، إذ قالت وزارة النفط حينها إنها ستتخذ إجراءات قانونية لضمان التزام الشركات المصدرة لنفط كردستان بقرارات بغداد.
لكن وزارة الموارد الطبيعية في إقليم كردستان العراق قالت خلال بيان لها في 13 يونيو/حزيران 2022، إن تصرفات الوزارة (النفط العراقية) "غير قانونية".
وأضاف البيان أن "المحكمة التجارية في بغداد، استدعت الشركات العالمية العاملة في إقليم كردستان بناء على طلب وزير النفط العراقي السابق إحسان عبد الجبار".
والشركات هي "دي.إن.أو" و"يسترن زاكروس" و"أتش.كيه.إن" و"شارمان" و"غينيل إنيرجي" و"أداكس" و"غولف كيستون"، والتي تنفذ أعمالها وفقا لقانون النفط والغاز في أربيل رقم 22 لسنة 2007 الذي أقره برلمان كردستان بما يتوافق مع أحكام الدستور العراقي، وفق البيان.
المصادر
- تفاؤل بحلّ الملفات العالقة بين بغداد وأربيل بعد زيارة السوداني
- الإطار التنسيقي يتراجع عن مواقفه السابقة من أربيل ويقدم 6 تعهدات بضغط من واشنطن
- هل ستنجح إجراءات حكومة السوداني في ضبط واردات نفط الإقليم؟
- محكمة باريس تضع حكومة الإقليم في الخانق..ليس امامها سوى تسليم النفط للحكومة الاتحادية
- توجيه الحكومة العراقية لتفعيل المادة 140.. هل يجدد خلافات بغداد مع كردستان؟
- بعد وقف رواتب موظفي كردستان العراق.. هل ينفرط عقد حكومة السوداني؟