لماذا تزايدت الدعوات الأميركية لمراقبة "البرنامج النووي السعودي"؟
دعا مركز بحثي أميركي إلى تشديد الرقابة على المملكة العربية السعودية، بالتزامن مع إعلانها تعزيز خططها لتطوير البنية التحتية للوقود النووي.
وفي يناير/كانون الثاني 2023، قال وزير الطاقة السعودي، عبدالعزيز بن سلمان، إن بلاده ستبدأ باستخدام يورانيوم محلي المصدر لبناء قوتها النووية، موضحا أن اكتشافا حديثا أثبت وجود أنواع مختلفة من اليورانيوم في باطن الأراضي السعودية.
وأضاف الوزير السعودي أن "المملكة تسعى إلى استغلال مواردها المحلية من اليورانيوم بعدة طرق، منها الدخول في مشروعات مشتركة مع شركاء جاهزين بما يتفق مع الالتزامات ومعايير الشفافية الدولية".
ووفق تقرير نشره مركز "ستيمسون" الأميركي، فإن تصريحات عبدالعزيز بن سلمان لم تكن مفاجئة، إذ أنه كشف عام 2022، أن المملكة تخطط لاستغلال موارد اليورانيوم الهائلة "بأكثر الطرق شفافية".
ولم يمنع القلق الدولي من تنامي النوايا السعودية، وسط سياق إقليمي تفيد فيه التقارير بأن إيران خصبت اليورانيوم بمستويات أعلى من أي وقت مضى.
فقد أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها عثرت على جزيئات من اليورانيوم خصبت إلى درجة 83.7 بالمئة، وهي درجة قريبة جدا من التخصيب اللازم لصناعة أسلحة نووية، في مفاعل فوردو النووي تحت الأرض في إيران.
في المقابل، قالت طهران إن وجود هذه الجزيئات ربما يكون نتيجة "تقلبات غير مقصودة" في مستويات تخصيب اليورانيوم.
ويستخدم اليورانيوم شديد التخصيب، الذي تصل درجة نقائه إلى 20 بالمئة وأكثر، في المفاعلات النووية البحثية. أما اليورانيوم الذي يستخدم في تطوير السلاح النووي فهو الذي يمرّ بتخصيب يوصله إلى درجة نقاء 90 بالمئة.
طموح متزايد
وأورد المركز الأميركي أن الاهتمام السعودي بالتكنولوجيا النووية المدنية يعود إلى أواخر الثمانينيات عندما أنشأت المملكة "معهد بحوث الطاقة الذرية"، داخل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتكنولوجيا.
وأضاف أن الطموحات النووية السعودية تزايدت بشكل ملحوظ، على الأقل فيما هو معلن.
ففي يونيو/حزيران 2011، أعلن منسق التعاون العلمي في مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، عبدالغني بن مليباري، عن خطط لبناء 16 مفاعلا نوويا على مدار 20 عاما.
وقال "مليباري" إن هذه المفاعلات ستلبي في النهاية حوالي 20 بالمئة من الطلب الوطني على الكهرباء.
وتأسست مدينة الملك عبدالله، عام 2010، بهدف زيادة تنويع مصادر الطاقة، واستخدام النووية منها لتحلية المياه، واستكشاف إمكانات الطاقة المتجددة بشكل عام.
ووفق مركز "ستيمسون"، فإن تطوير برنامج للطاقة النووية المدنية كان جزءا لا يتجزأ من "رؤية السعودية 2030"، وهو مشروع أطلقه ولي العهد، محمد بن سلمان، لتحويل المملكة من اقتصاد يعتمد على الهيدروكربونات إلى آخر أكثر تنوعا واستدامة وإنتاجا.
ومنذ الكشف عن هذه الرؤية في عام 2016، أعربت النخب السياسية السعودية عن اهتمام قوي لا يتزعزع، يهدف لتطوير قدرة المملكة على إنتاج يورانيوم منخفض التخصيب كوقود نووي باستخدام الموارد المحلية.
وهذا يعني أن السعودية تهدف للاستقلال فيما يخص دورة الوقود النووي، ما أثار تنبؤات ومزاعم مثيرة للقلق، وفق المركز الأميركي.
فقد برزت تساؤلات حول طبيعة البرنامج السعودي ونواياه، بعد تقارير تحدثت عن الاشتباه في وجود يورانيوم مخصب، ومنشآت سرية للعمل عليه، وعن تعاون سعودي-باكستاني في مجال الطاقة النووية، يضيف التقرير.
رقابة غير كافية
ويوضح أنه "على الرغم من أن هذه الادعاءات لا يمكن إثباتها في كثير من الأحيان، فإن الإشارات المقبلة من السعودية تبين أنها تتجه نحو امتلاك أسلحة نووية تستوجب تحليلا أكثر شمولا وتعمقا.
إذ يرى بعض الخبراء أن تصميم السعودية على امتلاك القدرة على الانتقال من التنقيب إلى تصنيع الوقود هو سبب إضافي للشك في النوايا السلمية للمملكة.
وذلك نظرا للطبيعة غير المجدية اقتصاديا لتصنيع الوقود المحلي، بالإضافة إلى احتياطيات البلاد الهائلة من النفط والطاقة الشمسية، حسب التقرير.
وأردف أنه "بالنسبة لبعض البلدان، هناك عدم كفاية في الضمانات التي توفرها السعودية في الوقت الراهن".
فعلى سبيل المثال، تحتفظ المملكة بالنسخة القديمة لما يسمى "بروتوكول الكميات الصغيرة (SQP)"، الذي يعفي البلاد من عمليات التحقق والرقابة المكثفة من قِبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
كما أن السعوديين غير راغبين حتى الآن في تبني بروتوكول الكميات الصغيرة بنسخته الجديدة، أو البروتوكول الإضافي النموذجي، الذي يسمح بعمليات تفتيش بعد فترة وجيزة من إخبار الدولة المقصودة.
وبالنسبة لبلد يشرع في تنفيذ خطط طموحة في مجال الطاقة النووية، فإن التحقق المبكر والرصد الكامل ضروريان للتأكد من الطبيعة السلمية للبرنامج، حسب التقرير.
علاوة على ذلك، فإن خطاب النخب السعودية الحاكمة، المستمر منذ فترة ليست بالقصيرة، حول البرنامج النووي الإيراني، هو مصدر قلق إضافي.
فقد أكد المسؤولون السعوديون في أكثر من مناسبة أن "كل الخيارات مفتوحة" إذا حصلت إيران على سلاح نووي، يضيف التقرير.
وأورد أن "معظم التحليلات تميل إلى التوافق مع وجهة النظر الغربية التقليدية تجاه السلاح النووي، متجاهلة الديناميكيات المحلية والإقليمية والدولية الاستثنائية، التي تتشابك معا لتحدد موقف المملكة تجاه الملف النووي".
وأضاف: حقيقة أن السعودية لم تنفذ حتى الآن ما يطلق عليه "حقها في تخصيب اليورانيوم"، على الرغم من كل هذه السنوات التي صدّرت فيها خطابا تصعيديا، هو أمر يستحق الاهتمام.
مصدر قلق
ونظرا للتهديدات السعودية بأنها ستطور قنابل نووية إذا فعلت إيران، فإن إصرار المملكة الشديد على المطالبة بهذا الحق هو جزء من إستراتيجية واسعة.
وتهدف هذه الإستراتيجية إلى تهيئة الرأي العام المحلي والدولي لتحول دراماتيكي في البرنامج النووي السعودي إذا رأت الحكومة ضرورة لذلك.
واستشهد المركز بما نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عام 2018، من أن "المفاعلات النووية - كما يراها ابن سلمان- هي مسألة تتعلق بمكانة وقوة المملكة على المسرح العالمي".
كما أنها خطوة لمجاراة البرنامج النووي لدى الخصم الشيعي (إيران)، هذا فضلا عن أنها تروي بعضا من ظمأ المملكة للطاقة على المستوى المحلي، تضيف واشنطن بوست.
وفي حين أن الأهداف النووية المدنية كانت شفافة – من تنويع للطاقة إلى الأمن الديموغرافي، والتخفيف من ندرة المياه – فإنه يجب أيضا اعتبار رغبة المملكة في استقلالية دورة الوقود النووي مسألة تتعلق بالسيادة.
فالنظام السعودي يهدف إلى تعزيز شرعيته على المستوى الداخلي، وإبراز قوته على المستوى الخارجي عبر استخدام المشروع النووي، حسب التقرير.
ويؤكد مركز "ستيمسون" أن النقطة الجوهرية هنا لا تدور حول إذا ما كان ينبغي للسعودية تطوير برنامجها النووي المدني أم لا، إذ إن لها الحق في ذلك طالما أنها تخضع لضمانات كعضو في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
"لكن بدلا من ذلك، فإن الوضع الحالي لتلك الضمانات السعودية هو الذي يشكل مصدر القلق الأكبر"، يؤكد المركز الأميركي.
وأردف: في هذا السياق، فإن أي اتفاقية تعاون نووي - مع روسيا أو الصين أو كوريا الجنوبية- يجب أن تشترط مسبقا بيع المفاعلات للمملكة بعد تبنيها للبروتوكول الإضافي الخاص بالرقابة المكثفة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.