التطبيع مع إسرائيل وانعكاساته على الزراعة.. هل يهدد الأمن الغذائي المغربي؟
ضمن مسار التطبيع مع إسرائيل، كشف خبراء مغاربة عن معطيات صادمة بخصوص "الأمن الغذائي" في المملكة وحذروا من تداعياتها على الوطن والمواطنين.
ومنذ توقيع اتفاق التطبيع بين المغرب وإسرائيل برعاية أميركية أواخر العام 2020، تسير العلاقات في منحى تصاعدي، وسط تنبيه من المناهضين لهذه الخطوة من عواقب خطيرة.
ويرى مغاربة أن الأمن الغذائي في خطر، لأن الدولة لم تعد وصية على المجال الفلاحي بعد الشراكات التي جرى توقيعها مع شركات إسرائيلية خاصة ورسمية مع استفرادها ببعض الامتيازات.
قطاع مخترق
وقال الأستاذ الباحث بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، محمد الناجي، إن معظم بذور الخضروات المتداولة في الأسواق المغربية ذات مصدر إسرائيلي، بنسبة تفوق 80 بالمئة، وأن العلامات التجارية الأخرى، الهولندية والإسبانية وما إلى ذلك، تأتي في المرتبة الثانية.
وأوضح الناجي في كلمة له خلال محاضرة بعنوان "مخاطر التطبيع والاختراق الصهيوني لقطاع الفلاحة والصيد البحري بالمغرب"، أن المملكة "لم اشتغل على صناعة بذور وطنية، بسبب غياب الإرادة السياسية لذلك، رغم توفر البلد على الكفاءات البشرية والعلمية لتحقيق هذا المبتغى".
ولفت في المحاضرة التي عقدت في العاصمة الرباط في 27 فبراير/شباط 2023، إلى أن الخضراوات ذات المصدر الإسرائيلي عديدة ومنها الطماطم والبصل والجزر والفلفل والبروكلي وغيرها.
وأشار الناجي إلى أن "إسرائيل تعمل على إغراء المهندسين المغاربة بالاشتغال في شركاتها والتي تحمل أسماء أخرى، أوروبية في الأساس".
وذكر أن "إسرائيل حاضرة بشكل كبير في تزويد المغرب بالكثير من حاجاته في قطاع البذور، ومعدات الري الموضعي، والأسمدة الذائبة، ثم الإنتاج الزراعي والسمكي".
وقال "إننا اليوم عقب التوقيع مع إسرائيل، أصبحت شركات الاحتلال تظهر بشكل علني في السوق المغربية وليس بشكل مقنع، وتتوجه في مخططاتها إلى التصدير لإفريقيا عبر المغرب".
وأبرز أن إسرائيل مستثمر كبير على المستوى العالمي في إنتاج البذور، وهي أيضا مساهمة في عدد من الشركات الأوروبية للبذور التي تباع بسعر باهظ، يساوي سعر الذهب، وفق تقديره.
وأشار الأستاذ الجامعي إلى أن "القطاع الفلاحي المغربي مخترق من طرف الشركات الإسرائيلية منذ التسعينيات، بشركات غير معروف أنها تابعة للكيان الصهيوني، والتي بدأت اليوم تخرج للعلن وتطور فروعها بالمملكة".
ونبه إلى أن "السياسة الفلاحية في المغرب مجرد استعراض، وأن البنية الاقتصادية الفلاحية الصلبة غير موجودة، حيث نستورد كل البذور، وهو ما يجعل البلد مرتهنا للخارج عموما وإسرائيل خصوصا".
وأبرز الناجي أن "المغرب يستورد من إسرائيل البذور منذ أزيد من ثلاثة عقود، وهي بذور (مخصية) لا يمكن إعادة زراعتها، بل ينبغي اقتناء بذور جديدة كل سنة".
من جهته، قال منسق "مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين"، عبد القادر العلمي: "من المعلوم أن هذا المجال يكتسي حيوية كبرى لأنه يتعلق بالأمن الغذائي وبمنتجات تهم الحاجيات المغربية فيما يخص المواد الغذائية".
وفي تصريحات صحفية في 27 فبراير 2023 أضاف العلمي أن "التطبيع في هذا المجال والاختراق الصهيوني يهدد الأمن الغذائي في بلادنا، ويكرس علاقة غير طبيعية بسبب وجود منتوجات صهيونية تنافس أولا المنتوج المغربي ثم إلى أي حد نضمن سلامة هذه المنتوجات؟".
ولفت إلى أن "هناك واقعة كانت في مصر حيث استوردت الطماطم وبذورها من الكيان الغاصب وكانت نتائج ذلك خطيرة على صحة السكان".
ومن هنا يعتقد أن "هناك عدة جوانب تكتسي خطورة فيما يتعلق بالتطبيع في المجال الزراعي والفلاحي".
استنزاف الأرض
وأمام توالي هذه التحذيرات، أعلن مكتب الكيان الإسرائيلي بالمغرب، في 3 مارس/آذار 2023، عن افتتاح الشركة الإسرائيلية "نيتافيم" المتخصصة في مجال حلول الزراعة الدقيقة، أول مصنع لها في مدينة القنيطرة، وذلك "لتعزيز التنفيذ الناجح للري الدقيق في المملكة وتقويه قطاعه الزراعي".
لكن هذا التطور لم يكن وليد اليوم بل له إرهاصات "سرية سابقة"، حين بدأت العلاقات المغربية الإسرائيلية على مستوى منخفض عام 1993، بعد توقيع اتفاقية "أوسلو" بين منظمة التحرير الفلسطينية وتل أبيب، لكن الرباط جمدت تلك العلاقات عام 2002، في أعقاب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
وفي 22 سبتمبر/أيلول 2000، زار المغرب رجال أعمال إسرائيليون، يمثلون 24 شركة متخصصة في التقنيات الزراعية، بدعوة من غرفة التجارة والصناعة والخدمات (حكومية) بمدينة الدار البيضاء.
طيلة هذه المرحلة، ظل مناهضو التطبيع في المغرب يتهمون بلادهم بربط "علاقات سرية" مع إسرائيل في المجال التجاري والاقتصادي وبطرق متحايلة، وهو الأمر الذي ظلت الرباط تنفيه.
ومنذ 2018، برز المغرب ضمن قائمة الدول العربية المرشحة لتوقيع اتفاقات تطبيع مع إسرائيل، في إطار خطة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، التي كان مستشاره وصهره جاريد كوشنر عرابا لها.
وأفضت المساعي الأميركية إلى إعلان إسرائيل والمغرب استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020.
وفي 22 من الشهر ذاته، وقع رئيس الوزراء المغربي وقتها سعد الدين العثماني "إعلانا مشتركا" بين بلاده وإسرائيل والولايات المتحدة، خلال أول زيارة لوفد رسمي إسرائيلي أميركي إلى الرباط.
ووقعت المملكة وإسرائيل أربع اتفاقيات على هامش استئناف العلاقات بينهما، تشمل مجالات منها الاقتصادي.
وتوالت اللقاءات والمشاورات بين المسؤولين المغاربة ونظرائهم الإسرائيليين، حيث همت مجالات عمل مختلفة وأفضت إلى توقيع اتفاقات همت المجال الزراعي.
ورصد الأستاذ الباحث الناجي الخطر الذي تشكله إسرائيل على المغرب عبر زراعة فاكهة "الأفوكادو"، وهي المعروفة بالاستهلاك الكبير للماء.
وأشار إلى أن هذا الاستثمار الخطير موجه أساسا للتصدير لأوروبا، باستثناء الوحدات المنتَجَة غير المناسبة للتصدير والتي سيتم بيعها في السوق المغربية.
وبيّن أن أخطر ما في الموضوع، فضلا عن استنزافه للمياه المغربية، أن المنتج سيجري تصديره بعلامة "صنع في المغرب"، وهي بذلك معفية من الضرائب، في حين أن عائداتها المالية ستذهب لإسرائيل، مبرزا أن تغيير منشأ الإنتاج فيه تحايل على حملة "مقاطعة المنتجات الإسرائيلية".
وشدد الناجي على أن شعار نقل التكنولوجيا من “إسرائيل” محض وهم، قائلا إن “تل أبيب” عملت على قرصنة تمر المجهول المغربي الأصل، وأن كل التمور التي ينتجها الاحتلال مسروقة من البلدان العربية.
وذهب إلى أن "الكيان الصهيوني سينتج لأول مرة الأفوكادو خارج الأراضي المحتلة، والمغرب من البلدان التي اختارها لينتج فيها تلك الفاكهة لحل عدد من الإشكالات اللوجستية التي تعترضه".
خطوة خطيرة
وتستثمر إسرائيل في موقع المغرب المطل على أوروبا وكذلك الإفلات من مواجهة حملة المقاطعة في الاتحاد الأوروبي التي تتزعمها عدد من الحركات المناهضة للكيان،أبرزها حركة المقاطعة العالمية “بي دي إس”.
وفي 22 أغسطس/آب 2021، كشفت أكبر شركة للمنتجين والمصدرين "للأفوكادو" في إسرائيل (مهادرين)، عن انطلاق مشروع لإنتاج الفاكهة بالمغرب على مساحة 455 هكتارا .
ويرى خبراء بالثروة المائية، وفق جريدة "الأيام" المغربية في 13 مارس 2022، أن توسيع مساحات زراعة "الأفوكادو" بالمملكة سيستنزف الفرشة المائية، لا سيما بالمناطق التي تعرف نقصا وشحا في الماء.
وحسب المختصين، فإن هذا النوع من الزراعة يستهلك المياه الجوفية بشكل كبير. فما عدا الأشهر الأربعة الأكثر برودة، تتطلب الأفوكادو الناضجة من 2271 إلى 4163 لتر ماء، أما خلال فترات الجفاف الشديد، فإنها تتطلب ما يصل إلى 4542 لترا.
بينما تحتاج الأشجار الصغيرة ذات المظلة النباتية التي يصل طولها إلى 1.2 متر، إلى ما بين 75.7 و151 لترا، وقد تحتاج إلى ما يصل إلى 189 لترا خلال أشهر أكثر دفئا.
بدوره، قال الباحث الأكاديمي، رشيد الفلولي، إن "الاختراق الصهيوني لقطاع الزراعة والفلاحة الإستراتيجي أمر خطير على الأمن الغذائي".
وبين في تصريح لموقع "الإصلاح" المغربي في 27 فبراير 2023، أن "الكيان الصهيوني يعيث في هذا المجال فسادا منذ سنين وطبعا جاء المسار الجديد للتطبيع لتزكية ما كان يقوم به بشكل سري".
ودعا إلى "التوعية بمخاطر هذا الأخطبوط وهذا السرطان (الإسرائيلي) الذي ينخر جسم المجتمع والدولة المغربية، والتحذير من قرصنته خاصة في مجال التمور وشجرة الأركان (شجرة نادرة للغاية توجد جنوب المغرب بكثرة ويستخرج منه زيت يستخدم للأكل والتجميل)".
من جهته، قال الناشط المغربي، محمد اللحياني، إنه جرى اللجوء للتطبيع الفلاحي مع الكيان الإسرائيلي "بعد فشل المغرب في ما يسمى (المخطط الأخضر) والذي أطلقه عام 2008 وزير الفلاحة آنذاك رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش وكان هدفه دعم المزارع والزراعة الوطنية".
وأضاف اللحياني لـ"الاستقلال" أن "هناك مخاطر حقيقية على مستقبل الفلاحة والزراعة في المغرب بعد اتفاقية التطبيع المشؤومة، لأن الأرض المغربية وخيراتها ستكون حكرا على الشركات الإسرائيلية المصدرة للمنتوجات".
ولفت إلى أن "إسرائيل تحتكر الأجهزة التقنية لمجال تطوير الزراعة، وتجعل البلد مقتصرا على الخصائص البدائية ومرهونة دائما باستيراد الآليات من الخارج، وهذا يجعلنا دائما في خانة التبعية دون تطوير".
ويرى اللحياني أن الحلول تتمثل بـ "وقف هذا التطبيع في أقرب وقت، والتركيز على الاتفاقيات مع الشركات والمقاولات والتعاونيات (منظمة تجمع أشخاصا يزاولون حرفة معينة ولا تدفع الضرائب) في المغرب، وتكوينها وتقديم الدعم المالي لها للإشراف على الزراعة الوطنية، لأن الارتهان للكيان الإسرائيلي سيؤدي بنا إلى الخراب".
وختم حديثه بالقول: "التخوف يكمن في أنه بعد سنوات ستجدنا جراء استخدام هذه الأسمدة والبذور أمام مبيدات إسرائيلية مسطرنة، والتربة الزراعية ستصبح بلا منتوج بفعل هذا الاستنزاف بثمن زهيد".