انقلاب نتنياهو على القضاء.. كيف وصل صداه إلى الجيش الإسرائيلي؟
أثار تهديد مئات جنود الاحتياط في جيش الاحتلال الإسرائيلي بعصيان الأوامر احتجاجا على قوانين تقييد القضاء، قلقا كبيرا في صفوف القادة السياسيين والعسكريين في الكيان.
وذكرت القناة "12" العبرية أن قائد الأركان الإسرائيلي هرتسي هليفي دعا في وقت سابق، جنود الاحتياط إلى إبقاء الجيش بعيدا عن أي تجاذبات سياسية.
وأعرب عن قلقه من بروز بوادر للعصيان في صفوف تشكيلات من جنود الاحتياط احتجاجا على القوانين التي يسعى الائتلاف الحكومي لتمريرها.
وقال هليفي محذرا: "نتحدث عن انقسام يهز المجتمع الإسرائيلي وصل إلى الجنود، سنستمع لما يدور في خلدهم سعيا للحفاظ على الجيش موحدا، ولإبقاء الخلافات خارج الدائرة العسكرية، خاصة تشكيلات الاحتياط التي نحتاجها جدا".
فيما حذرت تشكيلات استخباراتية عسكرية إسرائيلية من أنها ستضطر لعصيان الأوامر حال الاستمرار في سن القوانين الرامية إلى تقييد دور القضاء في إسرائيل.
وتتجه الحكومة اليمينية برئاسة بنيامين نتنياهو إلى تنفيذ ما تسميها "إصلاحات" في الجهاز القضائي، فيما تصفها المعارضة بأنها محاولة لـ"الانقلاب على الديمقراطية".
وتعتمد الحكومة على أغلبيتها البرلمانية، في محاولة لتمرير تعديل قانون السلطة القضائية، لكن المعارضة ترى في هذه التشريعات محاولة لإضعاف القدرة الرقابية لهذه السلطة على السلطتين التنفيذية والتشريعية.
والتشريعات التي تدفع بها الحكومة، تشمل 4 بنود، تقول المعارضة إنها ستؤدي في نهاية الأمر إلى تركيز السلطة القضائية في يد السلطة التنفيذية، التي تسيطر بدورها أيضا على السلطة التشريعية بحكم الأغلبية البرلمانية.
والبنود الأربعة هي: الحد من المراجعة القضائية لتشريعات الكنيست (البرلمان)، وسيطرة الحكومة على تعيينات القضاة، وإلغاء تدخل المحكمة العليا في الأوامر التنفيذية (فقرة التغلب)، وتحويل المستشارين القانونيين بالوزارات إلى معينين سياسيين.
عرائض احتجاج
وذكرت القناة أن العشرات من ضباط الاحتياط في تشكيل العمليات الخاصة في الجيش وقعوا على عريضة احتجاج هددوا فيها برفضهم تنفيذ الأوامر حال الاستمرار في سن القوانين المقيدة للقضاء.
وجاء في العريضة الموقعة على يد عشرات الضباط والجنود في أكثر تشكيلات الاحتياط سرية في الجيش أنهم "لن ينصاعوا للأوامر حال استدعائهم للخدمة في وحداتهم طالما بقي علم أسود كبير يخيم على نظام الحكم الإسرائيلي".
وبين الموقعون أن التشريعات الجديدة ستدمر إسرائيل وتحولها إلى نظام ديكتاتوري، كما حذروا من أنها ستدمر الديمقراطية الإسرائيلية، وفق تعبيرهم.
وأضافوا: "في حال عدم التوصل إلى اتفاق بهذا الخصوص، فسيمتنع الضباط والجنود عن الالتحاق بوحداتهم حال استدعائهم".
ويدور الحديث عن واحدة من الوحدات الأكثر سرية في الجيش وبقيت نشاطاتها طي الكتمان وخاضعة للرقابة العسكرية، حيث حاول ضباط كبار ثني الموقعين عن كتابة العريضة ولكن دون جدوى.
بدورهم، كتب جنود الاحتياط رسالة ردا على تصريحات هليفي قائلين: "لقد مزقت الحكومة الشعب ويجب أن تقف إلى جانبنا، فهذه ليست إصلاحات قضائية ولكنه انقلاب قضائي يمس بأمن الدولة".
كما تضاف التحذيرات الأخيرة لجنود الاحتياط إلى أخرى مشابهة أطلقها المئات من ضباط الشاباك (جهاز الأمن العام) السابقين.
وحذر هؤلاء من تداعيات إقرار القوانين المذكورة على مستقبل إسرائيل، معربين عن خشيتهم من اندثارها وتمزقها إلى شيع وأحزاب بعد ما أسموه "انهيار النظام الديمقراطي".
الوحدة السرية 8200
في حين لم تقتصر الاحتجاجات والتهديدات برفض الخدمة العسكرية على التشكيل العملياتي لجنود الاحتياط، بل وصل إلى وحدة الاستخبارات الرقمية "8200" التابعة لشعبة الاستخبارات في الجيش.
إذ عبر العشرات من جنود الاحتياط في الوحدة عن نيتهم رفض الخدمة في الوحدة إذا ما أقرت قوانين تقييد القضاء.
وجاء في عريضة قدمها عشرات الجنود في الوحدة التي تعد من أهم وحدات الجيش الاستخباراتية في العصر الحديث، بأنهم يخشون على أمن ومستقبل إسرائيل حال إقرار قوانين تقييد القضاء، حيث وصفوا إقرار القوانين بالكارثة الكبرى وأنها حرب جديدة بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي.
وقال الضباط في عريضة تقدموا بها للكنيست (البرلمان): "نحذر من وجود مقدمات تدلل على خشية حقيقية على سلامة وأمن دولة إسرائيل، عبر تفكك المجتمع والإضرار بالاقتصاد وضرب مكانتنا في العالم عبر المس بسلطة القضاء، وبعض هذه الأضرار لا يمكن إصلاحها بينما يرقص أعداؤنا فرحا بذلك".
وقال الضباط في عريضتهم، إن "مشاريع قوانين تقييد القضاء تمت بشكل متسرع من خلال تجاهل صارخ لمواقف كبار القانونيين"، الأمر الذي يدلل على وجود ما أسموه بـ "المؤامرة على الديمقراطية الإسرائيلية".
كما حذر الضباط في عريضتهم من أن "المرة الأخيرة التي شهدت تصرفا إسرائيليا مشابها لذلك حدثت كارثة كبيرة"، محذرين من أن هذه القوانين ستؤدي بالمجتمع الإسرائيلي إلى هزيمة نكراء أسوأ من الهزيمة في حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973".
وفي النهاية، هدد ضباط الوحدة أنه في حال تمرير القوانين في الكنيست دون حوار أو توافق واسع، فلن ينصاعوا للأوامر ولن يستجيبوا لدعوة الجيش الانضمام إلى الوحدة حال الطوارئ ولن يخدموا في صفوف الاحتياط.
كما أوضحوا بالقول: "لن نتطوع لخدمة دولة قامت بالإخلال بالعقد بينها وبين شعبها بشكل صارخ"، وفق ما جاء في العريضة.
وفي ذات السياق ذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية أن موجة رفض الأوامر انتقلت إلى تشكيل طياري الاحتياط في الجيش الإسرائيلي.
إذ يخطط العشرات منهم لعدم الانصياع للأوامر بالالتحاق بألويتهم الجوية حال استدعائهم، وذلك على خلفية السعي لإقرار قوانين تقييد القضاء.
وقالت الصحيفة، إن "هنالك بوادر أولية لحالة من التمرد في صفوف الطيارين، الأمر الذي يعد غير مسبوق في تاريخ الطيارين العسكريين، حيث خطط الطيارون إلى التهرب من الخدمة العسكرية لحين التراجع عن رزمة القوانين المذكورة".
فيما يخشى القادة العسكريون من أن تمتد حالة التمرد على الأوامر بالتحاق جنود الاحتياط بوحداتهم حال الطوارئ، وبالتالي توجيه ضربة قاضية لمنظومة الاحتياط برمتها والتي يعول عليها الجيش حال وقوع حرب على إحدى الجبهات.