تعليق بوتين العمل بمعاهدة "نيو ستارت" مع أميركا.. هل يكون مقدمة لحرب نووية؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن "موسكو تواجه خطرا وجوديا" بسبب سعي الغرب للقضاء على بلاده "مرة واحدة وإلى الأبد"، قرر "تعليق" مشاركة بلاده في المعاهدة الروسية الأميركية "نيو ستارت" بشأن الحد من التسلح النووي.

بوتين أكد أيضا في خطابه السنوي للأمة 21 فبراير/شباط 2023، أنه "مصمّم على مواصلة الهجوم على أوكرانيا"، واتهم "النخب الغربية" بأنها تريد "إلحاق هزيمة إستراتيجية بروسيا".

وبدا الرئيس الروسي وكأنه إما يهدد الغرب بتصعيد نووي أو يلعب بورقة القوة الأخيرة في يده بعدما أنهكته حرب أوكرانيا.

حذر من أن بلاده تواجه خطرا وجوديا، ليؤكد أن السلاح النووي هو ملاذها الأخير، ولم ينس أن يهدد بأن مستوى تجهيز قوات الردع النووي الروسي "وصل إلى أكثر من 91 بالمائة"، أي أنه مستعد لحرب نووية.

وفي الوقت ذاته بدا كأنه يلعب بالتهديد النووي كـ "ورقة أخيرة" في مواجهة الغرب إزاء احتمالات خروج بلاده مهزومة في أوكرانيا بفعل استمرار الدعم العسكري الغربي.

وتزامن هذا مع تسريبات في صحف عالمية لأفكار روسية تدعو لوقف القتال في أوكرانيا، وأن يتحول الوضع لما يشبه الحدود الحالية بين كوريا الشمالية والجنوبية، أي مناطق مقسمة بين روسيا والغرب، وإلا اندلعت حرب نووية عالمية.

ومعاهدة "ستارت الجديدة" هي آخر إرث متبقٍ من اتفاقيات الحد من الأسلحة النووية التي جرى التوصل إليها خلال الحرب الباردة، عندما حددت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي أسلحة معينة عدت تهديدا متبادلا وعملت على القضاء على التهديد.

ساعدت المعاهدات في دعم سلام غير مستقر يتفكك تدريجيا، مما يلقي بظلال الشك على استقرار التوازن النووي العالمي حال تعليق كليهما العمل بها أو الانسحاب منها، وهو ما يجرى اليوم.

ووفقا لاتحاد العلماء الأميركيين، تمتلك موسكو ما إجماليه 5977 رأسا نوويا، بينما تمتلك واشنطن 5428 رأسا نوويا، أي أنهما يمتلكان معا 90 بالمئة من الرؤوس الحربية النووية في العالم.

"تعليق" لا "انسحاب"

حرص بوتين في خطابه على تأكيد أن خطوته تعني "ليس الانسحاب من المعاهدة بل تعليق مشاركتها"، ليبين أن هذا "إجراء وقتي" يتوقف على تعاون الغرب في حل سلمي لحرب أوكرانيا، وهو ما ألمحت له خارجية روسيا بعد خطابه.

وقد أشار خبراء نوويون إلى أن المعاهدة لا تتضمن أي بند يقضي بأن "يُعلق" أي من الجانبين مشاركته، وأنه ليس أمام موسكو سوى خيار واحد فقط هو "الانسحاب"، بحسب وكالة رويترز البريطانية 22 فبراير.

لذلك يرى "جون إراث"، كبير مديري السياسات في مركز الحد من التسلح وعدم الانتشار، في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" 21 فبراير أن هذه الخطوة الروسية "رمزية بالكامل".

ويعتقد المركز أن بوتين أصدر هذا الإعلان للضغط على الرئيس الأميركي جو بايدن للتواصل لاتفاق مع روسيا بشأن إنهاء الحرب، و"حتى تتمكن موسكو من إملاء الشروط التي بموجبها سيحدث ذلك".

وأكد موقع "ذا اتلانتيك" الأميركي في 21 فبراير 2023 أن موقف بوتين ربما جاء ردا على زيارة بايدن لأوكرانيا، والتي وصفها بأنها "شكلت ضربة قوية للزعيم الروسي".

وزار بايدن كييف في 20 فبراير، في خطوة رمزية كبيرة بالنسبة لأوكرانيا. وأشار الموقع إلى أن الرئيس الأميركي "دمر أمل بوتين الأخير" بهذه الزيارة.

وقالت صحيفة "واشنطن بوست" 20 فبراير 2023، إن بايدن تعمد زيارة أوكرانيا في "لحظة رمزية للغاية"، قبل يوم واحد من خطاب بوتين بمناسبة ذكرى الحرب، لينقل رسالة من كييف، أن مخططات الرئيس الروسي لاحتلالها "فشلت".

وقالت مجلة "بوليتيكو" الأميركية قبلها بيوم، إن سبب زيارة بايدن للمنطقة، أن "الغرب يخشى من أن تجد روسيا موطئ قدم لها في أوكرانيا"، لذا فهي زيارة دعم عسكري ونفسي لتعزيز المكاسب الأوكرانية على الأرض. 

وبسبب ذلك، توقع "أندري باكليتسكي" الباحث في برنامج أسلحة الدمار الشامل والأسلحة الإستراتيجية الأخرى في "معهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح" أن "يتحول تعليق بوتين المعاهدة إلى انسحاب كامل بمرور الوقت".

قال لصحيفة "الغارديان" البريطانية في 22 فبراير، إنه في هذه الحالة "سيكون من الصعب على الولايات المتحدة التحقق من امتثال روسيا للحد من التسلح النووي، وقد تتجه واشنطن بدورها للرد بتعليق التزاماتها بالمعاهدة أيضا".

وقال الرئيس الروسي في تبريره وقف المعاهدة النووية، إن الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو (حلف شمال الأطلسي) "يريدون إلحاق هزيمة إستراتيجية بروسيا ثم الإشراف على منشآتها النووية".

كشف أنه "في بداية فبراير 2023 طالب الناتو روسيا بإتاحة الفرصة للإشراف على قوات الردع النووية الروسية، ونحن طلبنا بالمقابل، الإشراف عليهم، لكن لم يُردَّ على طلبنا وجرى تجاهله".

ويعني تعليق روسيا مشاركتها في المعاهدة، وقف الاتصالات الثنائية وتبادل البيانات وزيارات المواقع النووية التي تجعل كلا من أميركا وروسيا تراقبان تفاصيل العمليات اليومية للقوات النووية الإستراتيجية لبعضهما البعض، بحسب مجلة "التايم" الأميركية 21 فبراير 2023.

وفي هذه الحالة "يمكن للولايات المتحدة أن تستمر في جمع المعلومات عن الأسلحة النووية الروسية عبر أقمار التجسس الصناعية والمعلومات الاستخباراتية لكن هذه الإجراءات تتضاءل بالمقارنة مع نظام المراقبة والتحقق الخاص بـ"نيو ستارت"، وفق "التايم".

لذلك انتقد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، القرار الروسي، ورأى أنه يأذن بنهاية آلية مراقبة الأسلحة في فترة ما بعد الحرب الباردة في أوروبا، و"تفكيك هيكلية مراقبة الأسلحة بالكامل".

واعترف الرئيس بايدن بخطورة التصعيد الروسي وحذر خلال زيارته بولندا 21 فبراير 2023 من "أيام مريرة وصعبة مقبلة".

ووصف الالتزام الأميركي تجاه حلف الناتو وأوكرانيا بأنه "معركة الحرية ضد الاستبداد" بحسب نيويورك تايمز 21 فبراير 2023

وقال مسؤولون عسكريون أميركيون، إن ما أعلنه بوتين "كارثة إستراتيجية، وتهديد باستخدام هجوم نووي وهدر مزيد من الدمار"، وفق قناة MSNBC الأميركية.

بحسب ما نشرت صحيفة "ديلي بيست" الأميركية في 20 فبراير، أغضبت زيارة بايدن لأوكرانيا الروس، إلى حد اقتراح إعلام روسيا اغتياله وتدمير خطوط الأنابيب الأميركية في قاع المحيط الأطلسي.

ونقل الإعلام الروسي عن الخبير العسكري الروسي إفغيني بوجينسكي قوله إن "خطوة بايدن تعني أن الغرب يتجه إلى التصعيد"، وطرح البدء في نفس المسار ومهاجمة الأميركيين.

حيث اقترح الخبير العسكري أن تهاجم روسيا خطوط الأنابيب الأميركية في قاع الأطلسي، وبحري الشمال والنرويج، وتدمير أقمار خدمة الإنترنت "ستارلينك" الخاصة بالملياردير إيلون ماسك، وتحدث عن التفكير في قتل بايدن وهو في أوكرانيا.

تداعيات الخطوة

"ارتفاع المخاطر النووية" هو ملخص تحليل توصلت له وكالة "رويترز" 22 فبراير 2023 في رصدها لدلالات إعلان بوتين "تعليق" المعاهدة النووية الأخيرة مع الولايات المتحدة.

نقلت عن محللين قولهم: "قد يؤدي موت نيو ستارت إلى سباق تسلح لا يمكن التنبؤ به وتوسيع التجارب النووية، وقد يدفع ذلك الصين وغيرها إلى توسيع ترساناتها".

أوضحت أن آخر معاهدة متبقية للحد من الأسلحة النووية الروسية والأميركية كانت في خطر شديد بالفعل قبل أن يعلن بوتين تعليق موسكو مشاركة بلاده فيها، لكن الآن قد يكون فات أوان إصلاح الأمر وسيزيد خطر حدوث سباق تسلح جديد.

وقال محللون أمنيون، إن الموقف الروسي قد يعقد بشكل كبير الحسابات الدقيقة التي تدعم الردع المتبادل بين البلدين، كما سيحفز قوى أخرى نووية أخرى مثل الصين والهند وباكستان على توسيع ترساناتها النووية، وفق رويترز.

ويقول "وليام ألبيركي"، مدير الإستراتيجية والتكنولوجيا والحد من التسلح في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، إن معاهدة ستارت تحد بشكل فعال من عدد الرؤوس الحربية لكل صاروخ يمكن لأي من الجانبين نشره. لذا فإن زوالها يمكن أن يضاعف على الفور عدد الرؤوس الحربية عدة مرات.

قال: "يمكن للجانبين، لو انهارت المعاهدة، أن ينشروا بين عشية وضحاها 4000 رأسا حربيا إستراتيجيا بدلا من 1550 منتشرة حاليا، ما سيزعزع الاستقرار".

نبه إلى أنه في حالة انهيار معاهدة ستارت الجديدة، أو فشل الجانبان في تجديدها قبل انتهاء صلاحيتها في فبراير 2026، فسيعني ذلك نهاية أكثر من نصف قرن من معاهدات الحد من الأسلحة وإرسال إشارة لقوى نووية أخرى محتملة أن تفعل ما يحلو لها.

وبين الباحث في مشروع أوسلو النووي جيمس كاميرون، إنه "إذا جرى التخلي عن نيو ستارت، فسيكون ذلك بمثابة عودة إلى التخمين على غرار الحرب الباردة حول قدرات الخصم ونواياه".

تابع: "سيتصرف كلا الجانبين وفقا لأسوأ سيناريو، وهذا يؤدي في النهاية إلى وضع غير مستقر أكثر بكثير بين الجانبين ويجلب خطرا من نوع ما من الاستخدام النووي".

وأشار "كاميرون" إلى أن بوتين ذكّر الغرب مرارا وتكرارا بأن روسيا تمتلك أسلحة دمار شامل، وبلاده وسعت مظلتها النووية لتشمل مناطق في أوكرانيا استولت عليها موسكو، ما يعني خطر اندلاع صراع نووي لو انهارت الاتفاقية.

وتقول مديرة مجموعة الأزمات الدولية لأوروبا وآسيا الوسطى "أولغا أوليكر"، إن "بوتين يحاول إجبار الولايات المتحدة على الاختيار بين دعم أوكرانيا والحفاظ على اتفاقية أسلحة نووية رئيسة".

لكنها أوضحت لمجلة "التايم" 21 فبراير 2023 أن اختيار بوتين لـ "تعليق" المعاهدة، بدلا من "الانسحاب" منها، قد يشير إلى "أنه يخطط لبقاء الترسانة الروسية تحت قيود الاتفاق".

ووصفت "روز جوتيمولر"، وهي دبلوماسية أميركية متقاعدة عملت كبيرة المفاوضين في نيو ستارت تهديدات بوتين بأنها "ضربة لاستقرار الأمن العالمي"، و"إذا اختفت كل القيود، فسنكون على أعتاب سباق تسلح نووي"، وفق "التايم".

وكتب "هانز كريستنسن"، مدير مشروع المعلومات النووية، باتحاد العلماء الأميركيين، على تويتر: "إذا كانت روسيا ستتوقف الآن عن تبادل البيانات النووية مع الأميركيين فإن هذا يعني وضع معاهدة ستارت على جهاز الإنعاش".

ورأت صحيفة "واشنطن تايمز" 21 فبراير 2023 أن تعليق روسيا معاهدة ستارت الجديدة "ضربة لآمال بايدن في الحد من التسلح".

أوضحت أن الكرملين سبق أن أعلن تبادله مع الولايات المتحدة الوثائق في 26 يناير/كانون ثان 2021 لتمديد معاهدة ستارت النووية الجديدة، وهي آخر اتفاقية متبقية للحد من التسلح بينهما.

 لكن قرار بوتين "هو آخر صفعة لأجندة إدارة بايدن للسيطرة على الأسلحة"، وفق ذات المصدر.

وقال نواب في الكونغرس الأميركي، إن قرار بايدن بتمديد المعاهدة الحالية في عام 2021 اتخذ دون السعي للحصول على تنازلات من موسكو.

إذ لا تشمل اتفاقية ستارت الحالية ما يسمى بالرؤوس الحربية النووية التكتيكية وبعض الأسلحة الإستراتيجية الروسية الجديدة.

ونقلت "واشنطن تايمز" عن السيناتور توم كوتون: "ما كان ينبغي للرئيس بايدن أن يمدد هذه المعاهدة، التي قيدت يدي الولايات المتحدة بينما سمحت لروسيا بالغش والصين بتوسيع ترسانتها". 

قال "إن تصرفات روسيا تؤكد الحاجة الملحة للتحديث النووي للولايات المتحدة لمواجهة تهديد المخزونات المتزايدة لخصومنا".

بوتين في ورطة؟

قبل زيارة بايدن لأوكرانيا تعمدت وسائل الإعلام الأميركية وصف الرئيس الروسي بأنه ضعيف وأنه بات "قيصر بلا إمبراطورية"، ويبحث عن "انتصار" في أوكرانيا لمواجهة "أزمة بالداخل الروسي"، لتبرر لاحقا تهديداته النووية.

صحيفة "واشنطن بوست" ذكرت 19 فبراير 2023 أن بوتين يصور نفسه على أنه "قيصر جديد" مثل بطرس الأكبر أو إيفان الثالث، أمير القرن الخامس عشر المعروف باسم "موحد الأراضي الروسية".

"لكن بعد مرور عام على الحرب في أوكرانيا لم ينجح زعيم الكرملين في تطبيق تلك الصورة على أرض الواقع"، وفقًا لتقرير الصحيفة.

أوضحت أن بعد عام من الحرب في أوكرانيا، فشلت روسيا، حتى الآن في تأمين الأراضي التي أراد بوتين الاستيلاء عليها.

كما ظهر في الداخل الروسي تخوف من أنه يتحول لديكتاتور ويقود أمته إلى فترة مظلمة من الصراع والركود، أو ما هو أسوأ.

أكدت الصحيفة الأميركية أن بوتين بدأ الغزو الشامل لأوكرانيا بغطرسة وحماسة لإعادة تشكيل النظام العالمي.

ولكن قواته تعرضت لهزائم عسكرية متتالية قللت مكانته على الصعيد العالمي، كما تلطخت سمعته بعد الفظائع التي ارتكبتها قواته، في الداخل والخارج.

ولذلك ترى بعض النخب الروسية، أن زعيم الكرملين بحاجة ماسة الآن إلى نصر عسكري لضمان بقائه في السلطة، بحسب "واشنطن بوست".

لكن العديد من الأوليغارشية (شخصيات متنفذة مقربة من الكرملين) ومسؤولي الدولة الروسية يثقون في أن الحرب كانت خطأ كارثيا، ومصابون بالرعب من تداعيات الغزو على الداخل الروسي، بعدما فشل بوتين في تحقيق "أي أهداف"، وفق "واشنطن بوست".

ولتبرير الغزو، ينشئ بوتين مجتمعا ذا طابع عسكري وقومي، يتغذى على الدعاية كما أنه مهووس بحرب "وجودية" إلى الأبد ضد الولايات المتحدة وحلف الناتو، وفقا لوكالة "رويترز" 19 فبراير 2023.

ولهذا السبب تقول صحيفة "نيويورك تايمز" 19 فبراير 2023 إن بوتين يحاول تعويض ورطته وضعفه وفشله والانتكاسات على الجبهة بـ "تعزيز هيمنته في الداخل".

أوضحت أن بوتين وأجهزته يحاولون صنع بروباغندا (دعاية كاذبة) وتغيير ثقافي داخلي وتغيير للقوانين ودس أفكاره من خلال القطاعات التعليمية والثقافية والإعلامية.

ويهدف بذلك إلى إيهام الشعب أن الجيش الروسي يسعى لتحرير البشرية من "المعتدين الذين يسعون للهيمنة على العالم"، ولهذا غزا أوكرانيا.

ذكرت أن بوتين استغل المعارك لإعادة تشكيل روسيا على الصورة التي يريدها، بتسريب أفكاره عن "مؤامرات" تحاك ضد بلاده، إلى أعماق الحياة الروسية كي يكون أكثر هيمنة من أي وقت مضى.

وفي عدد من خطاباته التي تهدف إلى تعزيز الدعم المحلي لحربه على أوكرانيا، وصف بوتين الغزو بأنه "حرب شبه مقدسة لهوية روسيا ذاتها"، معبرا عن أنها كانت "تقاتل لمنع المعايير الجنسانية الليبرالية الغربية العدوانية".