زلزال سوريا.. كيف رفع الحرج عن تعامل دول عربية مع نظام الأسد؟

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

رفع الزلزال المدمر الذي ضرب شمال سوريا الحرج عن العديد من قيادات الدول العربية، للتطبيع مع النظام السوري برئاسة بشار الأسد، رغم المجازر التي ارتكبها النظام خلال السنوات الماضية.

وعربيا ظهرت العديد من الأصوات التي تنادي بإعادة سوريا للمجتمع العربي، وإعادة العلاقات مع دمشق، بعد الزلزال الذي ضرب عددا من مدنها، وهو ما قد يسهم في تحقيق تطلعات النظام.

ويرى مراقبون أن الكارثة الذي ضربت سوريا، قد يستغلها الأسد لصالحه في تسريع تطبيق علاقاته مع الدول العربية، خاصة الأنظمة التي رفضت إعادة علاقتها معه.

وفي 6 فبراير/شباط 2023، وقع زلزالان متتاليان بقوة 7.7 درجات و7.6 درجات جنوب تركيا وشمال سوريا، وتسببا بخسائر كبيرة بالأرواح والممتلكات في البلدين.

ومنذ وقوع الزلزال أعلنت أكثر من 16 دولة عربية، منها السعودية وقطر ومصر وسلطنة عُمان والبحرين والجزائر والإمارات والأردن ولبنان، إنشاء جسور جوية وتقديم مساعدات إغاثية وطبية عاجلة وتدشين حملات تبرع لدعم تركيا وسوريا.

وأكد معهد "نيولاينز" الأميركي، أن "المأساة المروعة التي عصفت بسوريا وتركيا هي فرصة واضحة للأسد من أجل محاولة دفع عملية تطبيع نظامه مع بقية العالم العربي، والتي إن كانت تسير ببطء لكنها تتقدم".

لكن الأزمة الإنسانية، وفق ما نشر المعهد في تقرير نشره 10 فبراير 2023 "لن تبرئ نظامه أمام الدول الغربية".

وتؤكد صحيفة "نيويورك تايمز"، أن الأسد استغل الكارثة بهدف العودة إلى الساحة الدولية وكسر المقاطعة التي فرضت عليه بسبب ما جرى في سوريا بعد اندلاع ثورة 2011.

وأكدت الصحيفة في تقرير نشرته 17 فبراير 2023، أن بعض القادة العرب الذين نبذوا بشار الأسد لسنوات بدؤوا يتواصلون معه لبحث المساعدات مثلما تواصلت معه قيادات أممية للسبب نفسه، واُلتقطت صور له برفقة مسؤولين عرب.

ونقلت عن إيميل هوكايم محلل شؤون الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية بلندن قوله إن الزلزال كان "نعمة" بالنسبة للأسد يحاول التشبث بها، لأنه "لا أحد يريد إدارة هذه الفوضى".

حلحلة عربية

بدأت الدعوات العربية لإعادة التواصل مع بشار الأسد، من خلال رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي.

وقال الحلبوسي في تصريح له 11 فبراير خلال المؤتمر الخامس للبرلمان العربي ورؤساء المجالس والبرلمانات العربية: "يجب عودة سوريا إلى محيطها العربي والإقليمي والدولي"، بحسب تقرير نشرته وكالة الأنباء العراقية "واع".

وإلى جانب دعوة العراق، بدأت دول عربية التواصل، وكان أبرزها الأردن الذي وصل وزير خارجيتها أيمن الصفدي في 15 فبراير 2023، إلى دمشق، والتقى الأسد.

وزيارة الصفدي التي تعد الأولى لمسؤول أردني رفيع منذ اندلاع الثورة السورية عام 2021، قد تكون مقدمة لوصول مسؤولين عرب آخرين إلى سوريا بدعوة الوقوف إلى جانب دمشق بعد الزلزال.

وإلى جانب الأردن، قرر الرئيس التونسي، قيس سعيد، رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بسوريا في خطوة لإعادة العلاقات بشكل كامل مع دمشق.

وأشارت الرئاسة التونسية، في بيان لها، 13 فبراير 2023 إلى أن قضية النظام السوري شأن داخلي يهمّ السوريين بمفردهم والسفير يُعتمد لدى الدولة وليس النظام.

كما تلقى الأسد اتصالات هاتفية، من الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، ورئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، والجزائري عبدالمجيد تبون، وملك البحرين حمد بن عيسى، وعبرا عن تضامنهما مع الشعبين السوري والتركي، وأعربوا عن استعدادهم لتقديم المساعدة.

السعودية التي قاطعت نظام الأسد بعد الثورة ورفضت إعادة العلاقات معه، أرسلت الكثير من المساعدات إليه وهبط طائرات المملكة في مطارات تابعة للنظام.

ولم تكتفِ السعودية بإرسال المساعدات إلى النظام السوري، بل قد ترسل وزير خارجيتها فيصل بن فرحان إلى دمشق، وهو ما أكده مصدر مطلع لوكالة "سبوتنيك" الروسية.

وأفاد مصدر سوري مطلع لوكالة سبوتنيك الروسية في 16 فبراير، بأن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان سيزور العاصمة السورية دمشق في الأيام القليلة القادمة.

وفي حالة جرت زيارة بن فرحان لدمشق، فستكون أول زيارة لمسؤول سعودي إلى روسيا منذ الثورة عام 2011.

وقال وزير الخارجية السعودي، في 18 فبراير إن "إجماعا بدأ يتشكل في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل سوريا، وأن الحوار مع دمشق مطلوب في وقت ما".

وأوضح في منتدى ميونخ للأمن: "سترون أن إجماعا يتزايد، ليس فقط بين دول مجلس التعاون الخليجي بل في العالم العربي، على أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار".

والإمارات التي طبعت علاقاتها مع النظام السوري، ذهب أيضا وزير خارجيتها عبد الله بن زايد، في 12 فبراير إلى دمشق والتقى برئيس النظام بشار الأسد.

الكاتبة والمحلل السياسية، جويس كرم، أكدت أن الفشل الدولي على مستوى المساعدة والإغاثة في سوريا لا مبرر له، فهو سيعبد الطريق لإعادة بعض الدول فتح جسورها مع بشار الأسد.

وتقول كرم إن "اتصال الرئيس الإماراتي محمد بن زايد والمصري عبد الفتاح السيسي بالأسد، سيعجل الهزة قطار التطبيع العربي معه، لكن في المقابل الدول الغربية مازالت تعيد تحفظاتها وتكرر أنها لن ترسل المساعدات عبره".

وتوضح في مقال نشرته عبر موقع الحرة 10 فبراير أن دمشق تعول أولا على التطبيع الإقليمي وتحديدا العربي والتركي.

وحول عودة الأسد إلى جامعة الدول العربية، توضح كرم، أن الأردن والإمارات دفعت باتجاه ذلك، مع تحفظ السعودية ومصر نتيجة ضغوط عربية.

ولكن مع الزلزال قد يجرى إعادة دعوة دمشق للجامعة من باب المساعدة وإعادة الإعمار، وفق تقديرها.

مرحلة مؤقتة

في المقابل، لا تزال الولايات المتحدة والدول الأوروبية تتخذ موقفا مشددا من النظام السوري، إذ أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في 10 فبراير أن بلاده مصممة على تقديم المساعدات للشعب السوري، وليس إلى النظام في دمشق.

وسبق الزلزال، تأكيد الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني 2023، أنها ترفض أي خطوة للتطبيع مع الأسد.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس إن الأسد ارتكب أعمالا وحشية، وقواته مارست جرائم حرب، وسنواصل العمل على محاسبتهم، وتشجيع شركائنا وحلفائنا على عدم التطبيع معه وعلى تطبيق القرار 2254".

وينص القرار المذكور على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة ممثلي النظام والمعارضة السورييْن للمشاركة "على وجه السرعة" في مفاوضات رسمية بشأن مسار الانتقال السياسي.

وأضاف نيد برايس: "أوضحنا أننا لن نطبع ولا نؤيد أي دولة تطبع العلاقات مع نظام الأسد".

كما أكدت وزارة الخارجية الفرنسية في 9 فبراير، أن النهج السياسي الذي تتبعه باريس تجاه الحكومة السورية لن يتغير، وأن المساعدات المقدمة لسوريا بعد الزلزال المدمر ستكون عبر المنظمات غير الحكومية وآلية الأمم المتحدة.

وقال المتحدث باسم الوزارة فرانسوا ديلما في إفادة مقتضبة للصحفيين "نهجنا السياسي لم يتغير ونعمل لصالح الشعب السوري بخلاف بشار الأسد".

الباحث والكاتب السوري والناشط السابق في صفوف المعارضة السورية، وائل علوان، يؤكد أن العالم لاحظ تصرف النظام مع الوضع الإنساني بالطريقة المعهودة نفسها بالاستبداد والإجرام.

ويقول علوان في حديثه لـ"الاستقلال": "النظام السوري استغل الكارثة الإنسانية لخلق مساحة من التحرك سياسيا، لأنه مايزال معزولا، وربما يستفيد مؤقتا من الكارثة، ولكن لن يستطيع الاستفادة من الوضع إستراتيجيا".

ويضيف: "المرحلة الحالية التي يعيشها النظام السوري، ستمضي وسيفهم الجميع أنه غير قادر على تغيير سلوكه الذي قاطعته الدول من أجله، كونه يشكل تهديدا على المنطقة وليس الشعب السوري".

ويوضح أن النظام السوري سيفشل أي تغير في نظرة المجتمع الدولي له، لذلك سيبقى معزولا سياسيا.

وبدوره، الكاتب والصحفي السوري، عقيل حسن، يؤكد أن النظام تمكن بالفعل من استغلال الزلزال على أحسن وجه سياسيًا، والفائدة الأولى التي جناها تمثلت بالاستثناءات التي أقرتها الإدارة الأميركية، والاتحاد الأوروبي، على العقوبات المفروضة عليها.

ويقول حسن في حديثه لـ"الاستقلال": "النظام السوري كان يبذل خلال السنوات الماضية من خلال حلفائه كل الجهود للحصول على تلك الاستثناءات، والضغط على أميركا من أجل رفع العقوبات وإقرار الإعفاءات التي حصل عليها".

ويضيف: "أهم مكسب سياسي حققه النظام السوري هو تلك الاستثناءات، ومعها سقوط الجدران بينه وبين دول عربية من خلال بدء العلاقات بمساعدات ثم تطبيع كامل، وهو ما ظهر مع السعودية ومصر".

ويرى أن الحياة السياسية في سوريا بعد الزلزال لن تكون كما قبلها، ويمكن القول إن كل الدول لديها خطط لحلحلة موقفها من النظام، وفق تقديره.