ردا على استهداف القضاء.. هل تحجب واشنطن المعونة العسكرية لإسرائيل؟
استعرض موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي أوراق الضغط لدى إدارة الرئيس جو بايدن على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مع استمراره في سن قانون يتيح للكنيست (البرلمان) إلغاء أي قرار للمحكمة العليا.
وفي 13 فبراير/شباط 2023، صدقت "لجنة الدستور والقانون والقضاء" في الكنيست على القراءة الأولى لعدة بنود من مجمل التشريعات الخاصة بالقضاء، بالتزامن مع تصاعد التحذيرات الأميركية.
وسيحد التشريع المزمع من صلاحيات المحكمة العليا في إلغاء القوانين، وسيسمح للبرلمان بإعادة سن القوانين التي استبعدتها المحكمة، كما أنه سيمنح الحكومة السيطرة على تعيين القضاة، وسيسمح للوزراء بتعيين المستشارين القانونيين لوزاراتهم.
وقبل يوم واحد من مناقشة الكنيست للقانون، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية تصريحا للرئيس جو بايدن، أوجز فيه رأيه حول القضية التي يبدو أنها بالفعل تمزق إسرائيل، وفق وصف "ذا ميديا لاين".
وقال بايدن إن "عبقرية الديمقراطيتين الأميركية والإسرائيلية تكمن في أنهما مبنيتان على مؤسسات قوية، وعلى ضوابط وتوازنات، وعلى قضاء مستقل"، وفق زعمه.
وأضاف أن "بناء توافق في الآراء بشأن التعديلات الأساسية مهم جدا لضمان أن يتقبلها الناس وبالتالي تستمر".
ويعتقد العديد من الخبراء أن التشريع المقترح يهدد العلاقات الوثيقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، هذا فضلا عن الجدل الداخلي الذي سببه، والتحذيرات الدولية بشأنه.
بدوره، وصف السفير الإسرائيلي السابق لدى فرنسا وإيطاليا، آفي بازنر، تصريح بايدن بأنه "صِيغ بعناية شديدة"، مشيرا إلى أن لهجته كانت "إيجابية وليست ناقدة".
"ولكن يمكن اعتباره كذلك تحذيرا بشأن ما سيحدث إذا أُبرمت التشريعات دون حوار"، يضيف بازنر.
ومن غير المرجح أن يتفاجأ بايدن بتصريحات نتنياهو، إذ إتتتتتنه منذ أن أدى اليمين الدستورية نهاية ديسمبر/كانون الأول 2022، التقى بالعديد من المسؤولين الأميركيين في القدس، الذين أوضحوا له موقف الإدارة الأميركية، وفق التقرير.
تدخل نشط
وتتفق جميع مكونات الطيف السياسي الإسرائيلي أن هناك حاجة لإدخال تعديلات على النظام القضائي، لكنهم يطالبون بالحوار من أجل الوصول إلى أكبر قدر من الإجماع.
وخلال حملته الانتخابية ومنذ أن أدى اليمين الدستورية مرة أخرى كرئيس للوزراء، وعد نتنياهو الأميركيين وحلفاء آخرين بأنه سيكون في دفة القيادة، وأنه لن يسمح للعناصر الأكثر تطرفا في ائتلافه بتنفيذ كل مخططاتهم.
بدوره، أكد إيتان غلبوع الخبير في العلاقات الأميركية الإسرائيلية في جامعة بار إيلان، أن "لدى نتنياهو سجلا حافلا بالوعود التي لم يفِ بها".
وأشار البروفيسور الإسرائيلي إلى أن "نتنياهو أجرى مقابلات باللغتين الإنجليزية والعبرية تناقضت فيها تصريحاته، لذلك يراه الأميركيون شخصا غير موثوق به".
ويقول نتنياهو وحلفاؤه في الائتلاف الحكومي إن التعديلات ضرورية من أجل كبح جماح المحاكم التي أصبحت قوية للغاية. إذ باتت المحكمة العليا تتدخل في كثير من الأحيان في القضايا السياسية.
لكن في المقابل، يقول معارضو "الإصلاحات القضائية" إنها ستضعف المحاكم، وستمنح الائتلاف الحاكم سلطة مطلقة، وستضعف الديمقراطية الإسرائيلية بشكل كبير.
ولمدة ستة أسابيع متتالية، نظم معارضو التشريعات المزمعة مظاهرات أسبوعية كبيرة ضد الحكومة، وبالتزامن مع بدء العملية التشريعية، دعا المتظاهرون إلى إضراب عام.
ووفق البروفيسور غلبوع، فإن "نشر الديمقراطية والحفاظ عليها دائما ما كان حجر الزاوية في السياسة الخارجية الأميركية".
"ولذلك، يراقب الأميركان ما يحدث في إسرائيل -بما في ذلك الاحتجاجات الحاشدة- ويخشون أن تتحول إسرائيل إلى منظمة لا يمكن التعاون معها"، يضيف غلبوع.
وأردف: "وهذا بدوره أدى إلى تغيير في السياسة الأميركية، حيث تحولت من اللامبالاة إلى التدخل النشط".
وفي اجتماعاتهما مع نتنياهو، في يناير/كانون الثاني 2023، سلط كل من مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، ووزير الخارجية، أنتوني بلينكن، الضوء على القيم المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حسب اعتقادهما.
وقال بلينكن: "ما نؤكد عليه مرارا وتكرارا هو أن المصالح المشتركة والقيم المشتركة ضاربة في جذور علاقاتنا".
وأوضح أن ذلك "يتضمن دعمنا للمبادئ والمؤسسات الديمقراطية الأساسية، بما في ذلك احترام حقوق الإنسان، والمساواة في إقامة العدل للجميع، والحقوق المتساوية للأقليات، وسيادة القانون، والصحافة الحرة، ومجتمع مدني قوي".
ويعلّق "ذا ميديا لاين" على تصريح وزير الخارجية الأميركي بأن "نتنياهو رجل دولة وسياسي مخضرم، ومن المؤكد أنه فهم ما يلمّح إليه بلينكن، لكنه لم يستجب حتى الآن لدعوات إجراء حوار حول الإصلاحات".
وقد تعهد نتنياهو بالمضي قدما دون أي استعداد لتقديم تنازلات أو تسويات، الأمر الذي ربما ستدفع ثمنه إسرائيل، وفق خبراء.
ومن جانبه، أضاف السفير "بازنر" أنه "إذا استمرت الأمور على هذا النحو، فقد تكون هناك مواجهة مع الولايات المتحدة، التي ستنظر إلى تحركات نتنياهو على أنها تتعارض مع القواعد الأساسية للعلاقات بين الدول".
وشارك بازنر في التوقيع على رسالة - مع أكثر من 100 دبلوماسي إسرائيلي سابق- في 31 ديسمبر 2022، يحذرون نتنياهو من عواقب سياسته على مكانة إسرائيل في المجتمع الدولي.
ووفق الموقع الأميركي، فإنه في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، أعادت الولايات المتحدة تقييم علاقاتها مع إسرائيل، ما أدى إلى توتر كبير بين الحليفين.
واضطرت الولايات المتحدة إلى "إعادة التقييم" حينها لأنها "لم تتفق مع إسرائيل حول كيفية منع أي صراع مستقبلي بينها وبين مصر".
إذ جمدت واشنطن شحنات الأسلحة إلى إسرائيل، وكان لهذا الجفاء الأميركي تأثير ملحوظ على العلاقات معها، حسب التقرير.
ووقّعت إسرائيل لاحقا اتفاقيتين لـ"فك الاشتباك" مع مصر، عامي 1974 و1975، وكان ذلك على الأرجح بسبب الضغط الأميركي، وفق تقديره.
المعونة في خطر
ويعتقد "بازنر" أن "لدى الولايات المتحدة أوراق كثيرة للضغط على إسرائيل"، فقد كانت مذكرة التفاهم الأخيرة الموقعة بين الطرفين، عام 2016، اتفاقية غير مسبوقة زادت فيها المساعدات الأميركية لإسرائيل بنحو 40 مليار دولار.
"هذه الزيادة في المساعدات ستكون صالحة لمدة عقد، لكنها لا تزال تتطلب موافقة سنوية من قبل الكونغرس الأميركي، ويمكن لأي توتر في العلاقات بين الجانبين أن يؤثر عليها"، يضيف التقرير.
وبدوره، يؤكد غلبوع أن "هناك خطرا حقيقيا على المساعدات العسكرية الأميركية التي تتلقاها إسرائيل"، مضيفا أنه "عندما يحذر رئيس الولايات المتحدة نتنياهو، فإن لهذا عواقب مالية".
"ولعل أكثر ما يهدد نتنياهو هو التبعات الاقتصادية للإصلاح القضائي وتداعياته، إذ يرتبط تأثير هذا الإصلاح بالعلاقات الإسرائيلية-الأميركية إلى حد بعيد"، وفق ذا ميديا لاين.
ويرى أن نتنياهو قد يتراجع، آخذا في الاعتبار التحذيرات الأخيرة لإسرائيل من قبل الشركات التصنيف الائتماني الأمريكية وتحذيرات البيت الأبيض.
في هذا السياق، أكد غلبوع أن "نتنياهو يجب أن يقلق من أن تحركاته ستضر بالعلاقات المميزة التي تجمع إسرائيل بالولايات المتحدة".
ومنذ سنوات، كان نتنياهو يفتخر بنفسه باعتبار أنه أعطى دفعة للاقتصاد الإسرائيلي، ما جعله جاذبا للاستثمار الأجنبي. وبالطبع، فإن "الاستثمارات الأميركية هي مفتاح الاستمرارية"، وفق وصف الموقع.
علاوة على ذلك، تواجه إسرائيل لحظة فارقة خلال الأشهر المقبلة، إذ ستتبلور المطالب الفلسطينية من المحاكم الدولية في شكل تحقيقات وربما إجراءات.
واعتمدت إسرائيل في كثير من الأحيان على حق النقض الأميركي (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإسقاط القرارات المناهضة لها.
"وفي حال لم ترفع الولايات المتحدة يدها لصالح إسرائيل، يمكن أن تجد الدولة اليهودية نفسها معزولة على الساحة الدولية"، يضيف التقرير.
وخلال حملته الانتخابية الأخيرة، وعد نتنياهو أيضا بتوسيع اتفاقيات التطبيع التي أبرمت عام 2020 لتشمل السعودية.
والجدير بالذكر أن الاتفاقات الموقعة بين إسرائيل من جهة، والإمارات والمغرب والبحرين من جهة أخرى، جرى التوصل إليها من خلال الوساطة والحوافز الأميركية.
وبالتالي فإن "إحضار السعودية لقائمة المطبعين يعتمد على الولايات المتحدة بشكل أكثر بكثير مما يعتمد على إسرائيل نفسها".
"إذ إن تطبيع العلاقات مع إسرائيل أُنجز على أساس أن الولايات المتحدة - وليست إسرائيل- هي التي ستكافئ الدول المُطَبّعة"، وفق غلبوع.
ورغم أن نتنياهو ربما لم يفاجأ بموقف بايدن، فإن قدرته على تجاهل التحذيرات الأميركية تضاءلت بشكل كبير، حسب التقرير.
ويصف الأيام القادمة في إسرائيل بأنها ستكون "دراماتيكية"، مؤكدا أنه إذا استمرت العملية التشريعية دون تدخل من نتنياهو لإيقافها، فستكون هذه إشارة منه بأنه يسير في مسار تصادمي مع البيت الأبيض.