بعثر حياة 5 ملايين إنسان.. ما تداعيات الزلزال على الشمال السوري المحرر؟
عمّق الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا فجر 6 فبراير/شباط 2023، حجم معاناة ملايين النازحين السوريين، وفتح نافذة جديدة من الحاجة للمساعدات الدولية، وسط مخاوف من صعوبة التعافي قريبا.
وبلغت قوة الزلزال 7,8 درجات وتلاه هزات ارتدادية كثيرة، وأكدت منظمة الدفاع المدني السوري التابعة للمعارضة (الخوذ البيضاء) تجاوز حصيلة ضحايا الزلزال في شمال غربي سوريا أكثر من ألفي وفاة حتى 9 فبراير.
والعدد المذكور مرشح للارتفاع بشكل كبير؛ بسبب وجود مئات العوائل تحت أنقاض الأبنية والمنازل المدمرة، وسط عمليات البحث والإنقاذ المستمرة من قبل عناصر الإغاثة لفرق الدفاع المدني في أجواء البرد القارس بريف حلب وإدلب، في سباق مع الزمن لمحاولة إنقاذ الناجين.
وأكد ارتفاع عدد الأبنية المنهارة كليا إلى 418، والمنهارة جزئيا إلى أكثر من 1300، وتَصدُّع آلاف المباني في شمال غربيّ سوريا، والتي باتت تشكل تهديدا جديدا على الوضع الإنساني هناك.
كارثة جديدة
ويعيش في شمال غربي سوريا (الشمال السوري) الخارج عن سيطرة رئيس النظام بشار الأسد 5 ملايين نازح، وتدخل المساعدات الإنسانية الدولية إليهم عبر معبر "باب الهوى" الحدودي مع تركيا الواقع شمال إدلب، والذي يعد الشريان الوحيد المفتوح لإغاثتهم بموجب قرار مجلس الأمن.
ويجري عبر معبر باب الهوى الحدودي الذي يبعد عن مدينة إدلب حوالي 33 كيلو مترا إيصال نحو 85 بالمئة من حجم المساعدات الإنسانية الإجمالي إلى سوريا.
فقبل أن يضرب الزلزال الشمال السوري كان يعاني عجزا في احتواء الكارثة الإنسانية، نتيجة ارتفاع عدد المخيمات والنازحين، وإقامة أبنية سكنية بمواصفات متواضعة، إلى جانب ضعف التمويل الدولي اللازم للاستجابة.
وعقب الزلزال، أكد المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية في اجتماع له بجنيف في 7 فبراير 2023، أن الاحتياجات الإنسانية لسوريا وصلت إلى أعلى مستوياتها بعد الزلزال القوي.
وتجد المنظمات الإنسانية وعلى رأسها الخوذ البيضاء نفسها عاجزة عن الاستجابة بإمكانياتها الحالية لتداعيات الزلزال المدمر، فيما لاتزال مئات العائلات عالقة تحت الأنقاض شمال غربي سوريا التي أعلنت كمنطقة منكوبة بالكامل.
ووسط ذلك بدأت منظمات محلية في شمال سوريا مطالبتها المجتمع الدولي بإيصال مساعدات عاجلة للمنطقة المنكوبة والتي تعاني أساسا من ظروف معيشية واقتصادية معدمة وقصف متقطع من قبل النظام السوري وروسيا.
والدفاع المدني الذي بدأ عمله عام 2013 عبر مجموعة من المتطوعين لإنقاذ الضحايا جراء قصف النظام السوري الجوي والمدفعي، صب كل ثقله وما يملك من عناصر ومعدات وآليات مخصصة لعمليات رفع الأنقاض وانتشال القتلى والجرحى من تحت ركام الزلزال.
إلا أن حجم المباني التي سويت بالأرض نتيجة الزلزال في ريف حلب وإدلب، جعلت إمكانيات الدفاع المدني محدودة وغير قادرة على تغطية حجم الكارثة التي تتعامل معها فرقه للمرة الأولى.
ضعف الاستجابة
وهذا ما دعا الدفاع المدني لتوجيه نداء عاجل للمنظمات الدولية لتقديم الدعم للمساعدة في عمليات انتشال الضحايا من تحت الأنقاض، وتقديم الخدمات لعشرات الآلاف من المشردين في العراء، حيث باتت هناك أزمة إنسانية جديدة وتضاعفت أعداد المخيمات من جديد مع فقدان المنازل السكنية.
وفي السياق، أوضح منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية في سوريا مهند هادي، في 8 فبراير 2023، أن "المنظمة الدولية تأمل في استئناف شحنات المساعدات الحيوية عبر الحدود من تركيا إلى الشمال السوري بتاريخ 9 من الشهر المذكور، والتي توقفت منذ أن ضرب الزلزال المنطقة، وفق ما نقلت وكالة رويترز البريطانية.
كما أكد معبر باب الهوى مساء 8 فبراير 2023، في بيان له "أنه منذ وقوع الزلزال لم تدخل إلى الشمال السوري أي مساعدات من أي جهة كانت أممية أو غير أممية".
لكن ما كان لافتا هو تأكيد الدفاع المدني في 8 فبراير 2023، قدوم فريق تقني مصري من الاختصاصيين لدعم عمليات إنقاذ العالقين تحت الأنقاض، ومن الأطباء لتقديم الرعاية الطبية للسوريين المنكوبين في شمال غربي سوريا.
وأكد ناشطون سوريون، أن الفريق الطبي المصري الذي دخل الشمال السوري، متطوع يقيم في تركيا وجاء مع هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH)، ولا علاقة له بنظام عبدالفتاح السيسي.
بالمقابل، ذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية أنه بتوجيهات من رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، جرى إرسال طائرات عسكرية محملة بمساعدات طبية عاجلة إلى النظام السوري، وذلك بعد اتصال بينه وبين رأس النظام السوري بشار الأسد.
وكان الهلال الأحمر القطري، أعلن فور وقوع الزلزال تفعيل غرفة عمليات الطوارئ للاستجابة بالتنسيق مع بعثته في تركيا "لمد يد العون (إلى الشمال السوري) على وجه السرعة".
وخصص الهلال الأحمر القطري 4800 سلة غذائية عاجلة من مخزونه لدى بعثته في تركيا، لتوزيعها على الأسر المتضررة في الشمال السوري، بحسب البيان.
بدورها ذكرت شبكة "بي بي سي" البريطانية في 8 فبراير 2023، أن حكومة لندن قررت منح "الخوذ البيضاء" مساعدات إضافية بقيمة 800 ألف جنيه إسترليني (963 ألف دولار).
وأوضحت الشبكة، أن المساعدات تأتي إضافة إلى 2.25 مليون جنيه إسترليني تمنحها المملكة المتحدة للمنظمة كل عام.
فتح الحدود
وقبل ذلك، أكدت مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية سامانثا باور، أن الوكالة تتواصل مع مدير الدفاع المدني السوري، حول كيفية استخدام مساعدات وإيصالها لمن هم في أمس الحاجة إليها.
وأضافت باور في تغريدة على حسابها في تويتر، أنه يوجد حاجة إلى أن تظل الحدود بين تركيا وسوريا مفتوحة لتدفق المساعدات الضرورية.
ويقول غسان هيتو، الرئيس التنفيذي للمنتدى السوري (منظمة غير حكومية مقرها تركيا)، لوكالة الأنباء الفرنسية في 8 فبراير 2023: "الحاجات اليوم أكبر بكثير من قدرة المنظمات السورية على التعامل معها".
وأردف هيتو الذي يدير منظمة تعمل على تقديم الدعم لمتطوعي الخوذ البيضاء والسكان المتضررين، أن الوضع الإنساني بظروفه الحالية يتطلب تدخلا دوليا عاجلا ضمن خطة إسعافية واضحة.
من جانبه، قال رئيس هيئة التفاوض السورية المعارضة، بدر جاموس، عبر حسابه في تويتر، بتاريخ 8 فبراير 2023، إنه بعد التواصل مع الحكومة التركية، جرى السماح بإدخال المساعدات من معبر باب السلامة والراعي بالإضافة لباب الهوى المدخل الرئيسي.
وطالب الدول والمنظمات الدولية بالتحرك العاجل والفوري لنجدة المتضررين جراء الزلزال في ريفي حلب وإدلب.
تأخر التعافي
ويشكل عدم توفر الكهرباء بشكل متواصل التحدي الأكبر لعمليات الإنقاذ، وسط نقص مخزون الفيول للمولدات والتي لا تكفي أكثر من يومين أو ثلاثة.
كما أن فرق الإنقاذ تعمل بإمكانيات محدودة، إذ يضطر عناصرها بمؤازرة السكان للنبش أحيانا بأيديهم أو بواسطة معاول وأوان منزلية حتى؟
هذا بالإضافة إلى كون المنظمة بحاجة إلى آليات ثقيلة وقطع غيار للآليات الموجودة لديها ومعدات حديثة مخصصة لعمليات الإنقاذ.
فضلا عن أن الشمال السوري بات بحاجة لمساعدات طبية مع استنزاف القدرات الاستيعابية للمستشفيات في المنطقة ونقص المستلزمات الأساسية.
وأمام هذه المعطيات، لخص الباحث السوري في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية أيمن الدسوقي، أبرز الجوانب التي تضاعف معاناة السوريين في مناطق المعارضة عقب الزلزال.
وقال الدسوقي لـ "الاستقلال": "بالأساس تعاني المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة نقصا في الإمكانيات، لا يساعدها في الاستجابة للاحتياجات الإنسانية القائمة".
وأضاف: "الزلزال سيضاعف المعاناة ويزيد من العبء الملقى على عاتق المؤسسات والمنظمات المحلية العاملة للاستجابة للكارثة القائمة، سواء في رفع الأنقاض وانتشال الضحايا، أم التعامل مع الاحتياجات الإنسانية من مأوى وطعام وأدوية للآلاف المتضررين، لا سيما في ظل تأخر الاستجابة الأممية".
وذهب للقول: "ما حدث سيؤخر مشاريع التعافي المبكر في مناطق المعارضة، ليكون التركيز راهنا على الاستجابة الإنسانية الطارئة، وما تواجهه من تحديات في ظل تراجع حجم التمويل الأممي المخصص لسوريا".
وتابع: "كذلك يخشى من عمليات التسييس المتواصلة للاستجابة الإنسانية، من قبل النظام السوري وحلفائه ومحاولات احتكارها، الأمر الذي يتطلب جهودا من المجتمع الدولي والمنظمات السورية ومؤسسات المعارضة للضغط والحشد والمناصرة، لإخراج ملف الاستجابة الإنسانية من التوظيف السياسي، وضمان حياديتها واستمراريتها".
وإلا "فإن الكارثة المدمرة ستتعمق تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية على النازحين السورين في شمال غربي سوريا، لتعزز من موجات عدم الاستقرار في مناطق المعارضة هناك"، وفق الباحث.