مسافر يطا الضحية الأولى.. كيف تبتلع حكومة نتنياهو ما تبقى من الضفة؟

12

طباعة

مشاركة

ماتزال الحاجة السبعينية صفا النجار ترفض مغادرة الكهف الذي تعيش فيه في خربة المركز منذ عام 1967، وسط مسافر يطا، جنوب مدينة الخليل في الضفة الغربية، رغم قرار محكمة الاحتلال الإسرائيلي بإخلاء تلك المنطقة بجانب 7 من القرى.

أما الحاج موسى جبرين ربعي فكان رده على وصول آليات الاحتلال لقريته (خربة بير الغوانمة): "الكثير من الجرافات وصلت لقريتنا، أفضل أن أدفن حيا بهذه الآليات على أن أخرج منها، هذا قرارنا".

وظهر المسنان في مقطع فيديو نشره ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي يؤكدان من خلال تمسكهما بأرضهما وعدم الرحيل عنها رغم تهديدات الاحتلال وإجراءاته.

نكبة جديدة 

وتأتي حملات تهجير أهالي القرى في جنوب الضفة الغربية، عقب تصديق المحكمة العليا الإسرائيلية في 5 مايو/أيار 2022، على طرد سكان 8 قرى من منازلهم في مسافر يطا بالخليل، بحجة وجودهم في منطقة تدريبات عسكرية.

وزعمت سلطات الاحتلال أن الفلسطينيين "اقتحموا" مكان تدريبات عسكرية بالنيران الحية، وتسمى "منطقة 918" حيث جرى الإعلان عنها مطلع الثمانينيات القرن الماضي، مدعية أنهم كانوا سابقا يقيمون في المنطقة بشكل موسمي.

مشهد الصمود الذي يسطره الفلسطينيون في مسافر يطا، رغم اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه، يمتد لمحافظات الضفة الغربية كافة، التي تواجه مخططا استيطانيا كبيرا، بالتزامن مع تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة في 29 ديسمبر/كانون الأول 2022، وتعهداتها بتعاظم الاستيطان.

وبالتزامن مع عمليات التهجير في مسافر يطا، تنتظر قرية الخان الأحمر، الواقعة على بعد 15 كم شرقي القدس ذات المصير، بعد إعلان وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال، إيتمار بن غفير، 6 فبراير/شباط 2023، عزمه إخلاء القرية بشكل فوري.

وتنتهج قوات الاحتلال أسلوب التنكيل والاعتداءات وتنظيم هجمات للمستوطنين في عمليات التهجير، فيما يراه مراقبون سياسة حكومية لإرضاء الحركات الصهيونية المتطرفة. 

وبدوره، قال الناشط محمود مخامرة، من خربة جنبا، في مسافر يطا، إن منازلهم باتت محاصرة بجنود الاحتلال وقطعان المستوطنين، ويُمنع السكان من الوصول لأراضيهم الزراعية.

وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "نتعرض بشكل يومي لمحاولات التهجير، ويعتدي الاحتلال على أهالي المنطقة، الذين يقتربون من منازلهم، وآخرها تعرض عمي للضرب المبرح من قبل القوات الإسرائيلية مع مجموعة من السكان".

وبين أن "معاناتنا مستمرة منذ سنوات ولكن بعد صدور قرار محكمة اللا عدل الإسرائيلية العليا في شهر مايو، بترحيل 8 قرى في مسافر يطا، اشتدت المأساة، كوضع الحواجز بين الخرب، والاقتحامات الليلية والاعتقالات، ومع وصول الحكومة الجديدة زادت الاعتداءات بشكل أكبر".

وأوضح الشاب الفلسطيني، أن الاحتلال بدأ عمليات هدم منازل المواطنين، وسلم السكان إخطارات بالبناء أو بإعادة البناء، يشمل المنازل والمنشآت كافة في المسافر.

وحتى المدارس وصلها إخطار بالهدم، وهدمت جرافات الاحتلال مدرسة إصفي الأساسية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

وعقب الهدم، صادر الاحتلال الأثاث المدرسي، وحتى بعد نصب الخيام كغرف صفية لاستئناف الدراسة صادرتها إسرائيل مرتين متتاليتين لإرغام المواطنين على الهجرة.

ونوه الشاب إلى أن جزءا من سكان القرية هم ممن هجرهم الاحتلال من بلداتهم المحاذية للمسافر، ولجؤوا للكهوف والجبال، وبنيت في أراضيهم مستوطنات، واليوم وبعد 75 عاما من النكبة ينتظرون نكبة أخرى.

وتابع "خربة جنبا من أقدم الخرب في مسافر يطا، تقع على الحدود مع الأراضي المحتلة، وهدمتها قوات الاحتلال في أعوام 1948 – 1967 – 1985 – 1999، والآن تنفذ ذات المخطط، ورغم كل المحاولات وعمليات الهدم صمدنا في أراضينا وأعدنا بناء ما هدموه".

انتهاكات المستوطنين

وتتواصل اعتداءات المستوطنين المسلحين الذين يمنعون رعاة الأغنام من الدخول إلى أراضيهم ومراعيهم في منطقتي الثعلة، وأم الخير شرق يطا.

كما تستمر قوات الاحتلال بمداهمة أحياء في مدينة الخليل والمناطق المحيطة بمسافر يطا، وتوصل للفلسطينيين بلاغات لمراجعة مخابراتها.

ومن جانبه، قال الشاب الفلسطيني، حسام أبو عرام أحد السكان المهددين بالتهجير في مسافر يطا، إن معاناتهم تتفاقم بشكل متواصل وباتوا ينتظرون أن تأتي الجرافات الإسرائيلية لهدم منازلهم التي ورثوها عن أجدادهم، دون أي بوادر لتراجع الاحتلال.

وأوضح في حديث لـ "الاستقلال" أن الاحتلال يواصل عمليات تهجير وتدمير القرى الـ 8 في مسافر يطا، ليستولي على هذه المساحات الشاسعة من الأراضي، ذات التربة الخصبة والمياه الجوفية الوفيرة، وسيترك قرابة 4 آلاف فلسطيني دون مأوى.

وأضاف الشاب "نحن صامدون في أرضنا دون أدنى مقومات الحياة، رفضنا المغادرة رغم انقطاع الخدمات كافة عنا، من كهرباء وماء، حتى بتنا نعيش حياة بدائية ونطهو طعامنا على نيران موقد نشعله من روث الحيوانات، ونقاسي البرد والظلام في الليل".

وكشف أن الاحتلال يمارس الطرق والأساليب كافة التي من شأنها تهجير السكان من ضرب واعتقال ومهاجمة الخيام، ولم يكتف بهذا بل بدأ بتسليط المستوطنين للاعتداء على السكان، وسرقة ما يملكونه من مواشٍ.  

وتابع "يحرس الاحتلال المستوطنين الذين يجلبهم لمهاجمتنا، ويحاول أن يظهر الأمر أمام وسائل الإعلام الأجنبية على أنه نزاع بيننا وبين المستوطنين على الأرض، والحقيقة أنه هو من يوجههم وما أن نقاومهم نقابل بالرصاص والغاز المسيل للدموع والضرب والاعتقالات".

وشدد أبو عرام على أن محاكم الاحتلال تصدر حاليا أوامر الهدم للمنازل في مسافر يطا قبل تنفيذها بـ 96 ساعة؛ لتمنع استئناف الحكم أو الطعن به، "رغم أننا نعلم يقينا أن الحكم لو جرى استئنافه 100 مرة، لن يتوقف هدم بيوتنا فهذه المحاكم أداة صهيونية".

حكومة التهجير

ويشير النشاط الهائل في عمليات الهدم، إلى أن هذه السياسة هي مشروع الحكومة الإسرائيلية الحالية وخطتها في الضفة الغربية.

وقبيل الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، توصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وزعيم حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، نوفمبر/تشرين الثاني 2022، إلى اتفاق، يتضمن شرعنة عشرات البؤر الاستيطانية.

وهو ما ترجمه نتنياهو بتكليف وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش ملف الاستيطان والإدارة المدنية، حسب القناة 12 العبرية.

وفي حملته الانتخابية توعد سموتريتش بإلغاء صلاحيات الإدارة المدنية التابعة للسلطة الفلسطينية، وتفكيكها وتعزيز السيادة الإسرائيلية على الضفة.

وتعهد ببناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية، بجانب شرعنة البؤر الاستيطانية غير القانونية وضمها رسميا لدولة الاحتلال.

وكشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في نوفمبر 2022، أن الاتفاق بين نتنياهو وسموتريتش ينص على ترخيص البؤر الاستيطانية غير المرخصة التي تعد معقلا لإرهابيي "تدفيع الثمن"، وهي واحدة من الجماعات اليمينية الموجودة في إسرائيل، والتي تنتمي للصهيونية الدينية.

كما يتضمن الاتفاق فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، وبنودا أخرى تتعلق بتعزيز الاستيطان فيها.

علما بأن البؤر الاستيطانية غير المرخصة تسيطر على حوالي 240 ألف دونم في الضفة الغربية، أي ما يقارب 7 بالمئة من إجمالي مساحة المناطق المصنفة ج وفق اتفاق أوسلو، التي تشكل نحو 60 بالمئة من مساحة تلك المنطقة.

وبحسب الصحيفة فإن الاتفاق الذي انضم بموجبه بتسلئيل سموتريتش وحزبه إلى حكومة نتنياهو، ينص على ترخيص البؤر الاستيطانية "غير القانونية" - حسب تصنيف قانون الاحتلال-.

ومن جانبه، قال الخبير في شؤون الاستيطان خالد معالي، إن مسافر يطا منطقة واسعة جدا تقع قرب الخليل، يستهدفها الاحتلال منذ سنين طويلة. 

وأضاف في حديث لـ "الاستقلال" : "يستخدم الاحتلال ما يسمى بالمحكمة العليا الإسرائيلية كوسيلة لمصادرة مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات عليها، وهو ما حصل أيضا في نكبة مسافر يطا". 

وبين أن "الحكومة الجديدة ترفع شعار التهجير وبناء المستوطنات، وأن الضفة الغربية على موعد مع حملات تهجير أكبر وأكثر اتساعا"، وفق تقديره.

وتابع "نتنياهو يريد إرضاء وزير الأمن إيتمار بن غفير، والأخير يسعى لإرضاء أشد مجموعات المستوطنين تطرفا، والذين يرون أن الأرض الفلسطينية كلها لليهود وأن على الفلسطينيين الرحيل، وهو ما يرسم لنا الشكل الذي تسير عليه عمليات التهجير".

وشدد الكاتب على أن الاحتلال يسير بخطى ثابتة لتفريغ مناطق (ج) من السكان الأصليين، ففي البداية يعلنها مناطق عسكرية مغلقة، ومن ثم تبدأ عمليات الاستيطان، وما يرافقها من الاستيلاء على مزيد من الأراضي بحجة تأمين المستوطنات وفي وقت لاحق توسعتها.

 ولفت إلى أنه مع بناء المستوطنات يزداد النشاط العسكري لجيش الاحتلال وانتشار الحواجز، ومعها تزداد وتيرة الاستهداف للسكان بالرصاص الحي.

ضم الضفة 

وتشمل عمليات الهدم والإخلاء مناطق الضفة الغربية كافة، وفي 25 يناير/كانون الثاني 2023، هدم الاحتلال 6 منازل فلسطينية في قرية الديوك التحتا غرب مدينة أريحا، وذلك ضمن مخطط إفراغ المنطقة من أهلها الأصليين لصالح التوسع الاستيطاني.

ووفق تقديرات مركز القدس للمساعدة القانونية لعام 2022، فإن أكثر من 150 ألف مواطن فلسطيني ينتظرون ذات المصير بهدم منازلهم، إذ أبلغهم الاحتلال بقرارات الإخلاء.

وفي السياق ذاته، نشرت صحيفة "إسرائيل اليوم" في 26 يناير، تقريرا تحدث عن مخطط حكومة الاحتلال لفرض ما أطلقت عليه "السيادة الإسرائيلية" بالضفة الغربية، عبر الموافقة على آلاف خطط البناء في المستوطنات.

ووفق الصحيفة، فإن الوزارات في الحكومة الإسرائيلية ستغير الأرقام الرسمية للمستوطنين في الضفة بدلا من نصف مليون مستوطن إلى 2.5 مليون بمن فيهم الفلسطينيون.

وتسعى سلطات الاحتلال من وراء هذه الخطوة للنظر إلى المواطنين في الضفة على أنهم سكان يتلقون خدمات من "دولة إسرائيل"، الأمر الذي يمكن وصفه بأنه ضم.

ومن جانبه، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية، فايز أبوشمالة إن إسرائيل تخطط لتدمير البلدات والقرى كافة الواقعة جنوب مدينة الخليل، ومسافر يطا حلقة في سلسلة ممتدة من عمليات التهجير المخطط لها، وستكون الأعوام القادمة مكتظة باقتلاع الفلسطينيين من أرضهم في الضفة. 

وأوضح في حديث لـ "الاستقلال" أن مسافر يطا تمتاز بموقع جغرافي يربط بين جنوب الضفة الغربية مع الداخل المحتل، وهو جعل الاحتلال يقرر تحويلها إلى منطقة استيطانية تتوسط ما بين الخليل وبئر السبع.

وشدد أبوشمالة على أن جريمة الاحتلال لا تتوقف عند مسافر يطا، بل إنه شرع بنكبة أخرى في مناطق غور الأردن الذي يشكل 27 بالمئة من مساحة الضفة الغربية، وغيرها من المناطق.

وأضاف "تسعى إسرائيل لتفريغ مناطق (ج) من سكانها الفلسطينيين وحسب اتفاقية أوسلو فهذه المناطق تشكل أكثر من 60 بالمئة من مساحة الضفة الغربية، وفي حال تمت عملية الضم فستشكل أكبر عملية استيطان بعد النكبة عام 1948 والنكسة عام 1967".

وأكد أن الاحتلال يخطط لاستخدام الأراضي المصادرة في بناء المستوطنات والطرق الالتفافية التي ستزيد من تمزيق مناطق الضفة، بجانب بناء مرافق عسكرية لجيشه.

وشدد الكاتب الفلسطيني على أن هذه الخطوات تصب في النهاية لتحقيق ضم الضفة الغربية فعليا لدولة الاحتلال، وعليه ستكون قتلت أي فرصة للحديث عن حل الدولتين أو حتى سلطة حكم ذاتي.

وتابع "مع تشكيل الحكومة الحالية يعمل المتطرفون فيها على توظيف كافة إمكانيات الاحتلال وجيشه للتقدم بالمشروع الاستيطاني بشكل قياسي".