دبابات "أبرامز وليوبارد".. كيف ستغير شكل الحرب الروسية في أوكرانيا؟

12

طباعة

مشاركة

بينما تشتد المعارك الأوكرانية الروسية بإقليم دونباس الفاصل بين البلدين؛ أعطت واشنطن وبرلين الضوء الأخضر لإمداد كييف بدبابات أبرامز الأميركية وليوبارد الألمانية القتالية المتقدمة للمرة الأولى منذ بدء الصراع في 24 فبراير/ شباط 2022.

ومنحت هذه الخطوة المعلنة في 25 يناير/ كانون الثاني 2023، الأوكرانيين أملا كبيرا في صد الهجمات المتواصلة التي تقودها مرتزقة فاغنر الروسية شرقي أوكرانيا، نظرا لما تمثله هذه الدبابات من قوة هجومية ودفاعية في الوقت نفسه.

من جهته، رحب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بقرار نظيره الأميركي جو بايدن تزويد كييف بدبابات أبرامز، معتبرا حصوله على هذه الدبابات الثقيلة المتطورة "خطوة مهمة لتحقيق النصر النهائي".

تغير واضح

وإلى جانب دبابات أبرامز الأميركية وليوبارد الألمانية، تعتزم واشنطن وبرلين ولندن أيضا تزويد كييف بالعديد من الأسلحة المتقدمة، في تغير واضح للموقف الغربي من الحرب في أوكرانيا.

حيث كانت قد رفضت واشنطن منذ بدء الهجوم الروسي تزويد أوكرانيا بأي أسلحة من شأنها أن تستخدم في مهاجمة الأراضي الروسية أو حتى مهاجمة المناطق الخاضعة لسيطرة روسيا في أوكرانيا كشبه جزيرة القرم المحتلة منذ عام 2014.

ورغم أن أميركا شددت مرارًا على أن جزيرة القرم جزء لا يتجزأ من الأراضي الأوكرانية، لكنها التزمت نهجًا متشددًا عند الحديث عن استعادة شبه الجزيرة، ولم تبدِ تحمسًا لإرسال أسلحة هجومية تساعد أوكرانيا على استعادة القرم.

 ولكن مع استمرار الحرب في أوكرانيا لنحو العام ومع تزايد شدة الهجمات الروسية على إقليم دونباس؛ يبدو أن التفكير الأميركي قد تغير في تزويد كييف بالأسلحة الهجومية.

وهذا التغيير أرجعته صحيفة “نيويورك تايمز” في 18 يناير/ كانون الثاني 2023؛ إلى أنه إذا ما استطاعت القوات الأوكرانية إيصال رسالة إلى الروس، مفادها بأن سيطرة موسكو على القرم قد تكون مهددة، فإن من شأن ذلك تحسين الموقف التفاوضي لكييف مستقبلًا.

وكانت قد اشترطت ألمانيا إرسال أميركا دبابات أبرامز إلى أوكرانيا، حتى تسمح بإرسال دباباتها "ليوبارد 2"، التي أبدت عدة دول أوروبية استعدادها لإمداد أوكرانيا بها، غير أن الخطوة تستلزم موافقة ألمانية. 

وكانت تخشى ألمانيا أن تسليم الأوكرانيين هذه الدبابات، قد يدخلها مباشرة في الحرب، وفقًا لصحيفة “وول ستريت جورنال“، في 18 يناير 2023. كما أن 43 بالمئة من الألمان كانوا يرفضون إرسال دبابات ألمانية الصنع إلى ميدان القتال في أوكرانيا.

وفي 25 يناير، قال المستشار الألماني أولاف شولتس، في بيان، إن "قرار إرسال الدبابات يأتي استكمالا لدعمنا المعروف لأوكرانيا قدر استطاعتنا. نتحرك بأسلوب منسق عن كثب على المستوى الدولي".

وأضاف شولتس أنه سيجرى تدريب قوات أوكرانية في ألمانيا وستقدم برلين إلى أوكرانيا أيضا مواد لوجيستية وذخيرة، و14 دبابة من طراز "ليوبارد2" من مخزونات الجيش لديها.

حاجة كبيرة

أمينة جباروف نائبة وزير الخارجية الأوكراني، أكدت لـ"الاستقلال"، أن أي دعم غربي لبلادها قد يسهم بشكل كبير في وقف المأساة التي تحياها أوكرانيا منذ نحو العام.

وأشارت جباروف إلى أن بقاء أوكرانيا في ساحة المعركة على مدار عام أمام القوات الروسية لم يأت إلا بفضل الدعم الغربي عبر منظومات الصواريخ الدفاعية والهجومية. 

وطالبت نائبة وزير الخارجية الأوكراني في حديثها إلى الاستقلال الدول الغربية إلى ضرورة مدَّ كييف بالأسلحة الهجومية من طائرات وصواريخ بعيدة المدى حتى يتسنى للقوات الأوكرانية الجوية على الأقل تدمير صواريخ روسيا الباليستية في الهواء قبل نزولها على رؤوس الأوكرانيين.

من جانبه، قال المتحدث باسم المنطقة الجنوبية في الجيش الأوكراني فلاديسلاف نزاروف لـ "الاستقلال" إن تزويد أوكرانيا بهذه الدبابات قد يسهم في الدفاع عن المناطق التي تسعى روسيا للسيطرة عليها كما في خيرسون وميكولايف جنوبي أوكرانيا.

واستدرك نزاروف قائلا: "لكنه سيسهم كذلك في استرداد العديد من المناطق التي سيطر عليها الروس على مدار 2022 خاصة في ماريوبول ولوهانسك".

وأضاف أن المعارك الآن تتركز بصورة كبيرة في المناطق الشرقية والجنوبي الشرقية، ويعمل الروس بكل طاقاتهم وقواتهم من مرتزقة فاغنر للسيطرة على مدينة باخموت التي تطل على العديد من الطرق الرئيسة مثل طريق T13 الذي يربط باخموت بمدينة كراماتورسك وكذلك الطريق T4 الذي يربط المدينة بمناطق شمال زاباروجيا.

ويوضح المتحدث العسكري أن توافر دبابات متقدمة مثل ليوبارد الألمانية أو أبرامز الأميركية من شأنه أن يوفر مظلة دفاعية وهجومية قوية للقوات الأوكرانية في مناطق الاشتباكات لتحرير الأراضي الأوكرانية من سيطرة الروس. 

في المقابل، شدد الروس على أن الأسلحة الغربية هي أهداف مشروعة، وأنهم يعدونها دليلا على خوض روسيا حربا ضد دول حلف شمال الأطلسي "ناتو"، وتأكيدا على تورط الغرب في النزاع.

وعلق السفير الروسي في واشنطن، أناتولي أنتونوف، بأن الولايات المتحدة تتورط في النزاع على نحو متزايد، مشددًا على حق موسكو في الرد على “النهج المتشدد الذي تتبناه واشنطن في التعامل مع قضية شبه جزيرة القرم”، وكذلك اتهم واشنطن بتشجيع كييف على شن ضربات "إرهابية" ضد القرم. 

رأس حربة

مجلة فورين بوليسي الأميركية بدورها قالت في 24 يناير 2023، إن دبابات القتال الرئيسة كانت جزءا مهما مفقودا بالنسبة للأوكرانيين في تصديهم للهجوم الروسي.

إذ إن إضافة هذه الدبابات تحديدا، جنبا إلى جنب مع مركبات قتال المشاة الحديثة -مثل برادليز 109 التي تنقلها أميركا وماردرز 40 التي وعدت بها ألمانيا- والمدفعية المتنقلة ينتج عنها ثالوث قاتل في الحرب الآلية الحديثة.

فدروع دبابات القتال الرئيسة ومدافعها الرئيسة 120 ملم وآلاف طلقات المدافع الرشاشة تجعلها أصولاً هجومية لا تُقدر بثمن، تؤكد الصحيفة الأميركية.

وأوضحت أنه يمكن للدبابة أبرامز العمل رغم نيران العدو لتدمير المركبات المدرعة والمباني الخرسانية، وجميع الحواجز أمام الأوكرانيين وهم يقاتلون ضد القوات الروسية الراسخة على طول الطرق المؤدية إلى شبه جزيرة القرم ودونباس. 

ولدى الجيش الأميركي حوالي 3500 دبابة من طراز إم-1 أبرامز في المخازن، وفقاً لتقديرات المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، وعلاوة على ذلك، تخلى سلاح مشاة البحرية الأميركي عن أسطول أبرامز المكون من 450 وحدة كجزء من إعادة توجيهه الإستراتيجي طويل الأجل نحو الصراع في المحيط الهادئ.

وهناك طلب إقليمي بالفعل على دبابات أبرامز الأميركية المستعملة، حيث وافقت وزارة الخارجية على بيع 116 دبابة منها إلى بولندا في ديسمبر/ كانون الأول 2022.

إلى جانب 12 من مركبات الاسترداد من طراز إم-88، وثمانية جسور هجومية مشتركة من طراز إم-1110، وعناصر متنوعة أخرى.

ويؤكد الباحث في معهد الدراسات الإستراتيجية الدولي البريطاني، بن باري في تصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، أن "هذه الدبابات الغربية ستحدث فرقا".

 لكن باري، الذي شغل كذلك منصب عميد في الجيش البريطاني سابقاً، حذّر أيضاً أنه من غير المرجح أن تكون التعهدات التي قدمت حاسمة.

وأثبتت الدبابات أنها عنصر رئيس في الحرب الحديثة خلال العمليات الهجومية، لاختراق خطوط العدو واستعادة أراضٍ؛ خاصة أنها توفر قوة نيران متحركة وحماية وصدمة ومفاجأة، عند استخدامها بشكل فعال.

ويمكنها خلخلة دفاعات العدو إن كانت مركزة من حيث العدد لكنها تحتاج أيضا إلى دعم المدفعية لإضعاف تلك الدفاعات أولاً، ثم دعم المشاة لاستعادة الأرض.

ولن يكون من المنطقي بالنسبة لأوكرانيا أن تشتت دباباتها الإضافية عبر خط أمامي يزيد طوله عن ألف كلم، ستحتاج أوكرانيا إلى تركيز قواتها لاختراق الدفاعات الروسية - ربما على مساحة تتراوح بين خمسة و20 كلم. 

فالعقيد السابق في فوج الدبابات الملكي في الجيش البريطاني هاميش دو بروتون - غوردون يقول إن الأعداد مهمة لتحقيق اختراق.

وأضاف أنه عادة ما يضم اللواء المدرع ما لا يقل عن 70 دبابة، في عملية هجوم مهمة؛ لذا فإن أكثر من 100 دبابة غربية يمكنها إحداث فرق كبير.

وإن كان لدى أوكرانيا أكثر من ذلك، يمكنها أن تحاول شنّ عمليات هجومية متزامنة في أماكن مختلفة، كما فعلت في 2022 بالشمال والجنوب، وهناك الدعم الإضافي المطلوب لما يسميه الجيش "مناورة السلاح المشتركة".

وتعد دبابات تشالنجر 2 وليوبارد 2 وأم 1 أبرامز، أسرع من معظم الدبابات الروسية الصنع بما يزيد على 40 كلم في الساعة، في الأراضي الوعرة.

ويرى العقيد دو بروتون - غوردون الذي قاد سابقا سرب دبابات تشالنجر البريطانية، أن إحدى المزايا المهمة للدبابات الغربية الصنع، هي قدرتها على القتال في الليل.

وتعد المشاهد الليلية وكاميرات التصوير الحراري معيارا للدبابات الروسية المتطورة فقط مثل دبابات "تي 90"، وهي المجهزة للقتال في الليل. وتزيد الهجمات تحت غطاء الظلام من عنصر الصدمة والمفاجأة.

دعم ضخم

ونما الدعم الغربي ببطء ليشمل مدافع "هاوتزر" وأنظمة المدفعية الصاروخية "هيمارس" ثم الدفاعات الجوية "باتريوت". وأخيرا، المركبات القتالية المدرعة، بما في ذلك "سترايكر" المستخدمة من قبل الجيش الأميركي قبل الإعلان عن الدبابات الثقيلة.

نتيجة لذلك، أدى توفير الدبابات الغربية إلى إحداث قدر كبير من الضغط، وحتى الآن تم ردع موسكو عن توسيع الحرب ويمثل إنشاء وحدات أوكرانية أحدث وأقوى أفضل فرصة لتجنب الجمود في الصراع.

ويرى القادة الغربيون أن طريق أوكرانيا لاستعادة أراضيها وتحقيق الانتصار يكمن في الاستفادة من الآلات القتالية بدلاً من التضحية بالجنود.

وهذا يتطلب مساعدةً من الخارج، وفي حال تأكيد الالتزامات الغربية، ستعزز القوات الأوكرانية بأكثر من 100 دبابة. سيبقى هذا أقل بكثير مما طلبه الجيش الأوكراني.

وقال القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية العميد فاليري زالوجني في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، إن أوكرانيا تحتاج إلى 300 دبابة إضافية و700 عربة مشاة مقاتلة، و500 مدفع "هويتزر" لتنفيذ مخططه الهجومي.

وقد ينتهي الأمر بالحصول فقط على نصف هذا، وسيحتاج التدريب على هذه الأسلحة أسابيع وقد يحتاج إلى أشهر، ولايزال غير واضح متى ستصل جميع هذه المعدات.

وترى وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس ووزير الدفاع السابق روبرت غيتس في مقال رأي نُشر في صحيفة واشنطن بوست الأميركية، أن تردد الغرب في توفير المزيد من المعدات سيسمح لروسيا بتشديد قبضتها على الأراضي التي تسيطر عليها وإعادة تجميع صفوفها لشن هجمات جديدة. 

ورغم الصدى الواسع الذي صاحب إعلان الدول الغربية دعم أوكرانيا بالدبابات القتالية الثقيلة، فإن هذه الأسلحة المتقدمة لن تكون "الرصاصة الفضية" التي تسمح لكييف بالانتصار في الحرب، وفق صحيفة "نيويورك تايمز".

وبدلا من ذلك، ستحاول القوات العسكرية الأميركية إعادة تشكيل جيش وفقا لتصورها الخاص لمنح أوكرانيا أفضل فرصة لاختراق الدفاعات الروسية المحصنة، بحسب الصحيفة.

ورأت أن الولايات المتحدة وبقية الحلفاء لن تضطر إلى توفير الدبابات والمدرعات والذخائر المتطورة فقط، بل إلى توسيع برنامج التدريب المخصص للجيش الأوكراني بحيث تتمكن من استخدام هذه المعدات الحديثة في ساحة المعركة.

وسيكون التحدي الأكبر بالنسبة لأوكرانيا هو اللوجستيات والحفاظ على تدفق الوقود والذخيرة وقطع التبديل.

ولن يكون على أوكرانيا فقط أن تحافظ على ترسانتها القديمة التي تعود إلى الحقبة السوفيتية، بل عليها أن تقلق أيضاً بشأن مخزون متزايد التعقيد من الأسلحة التي يرسلها الغرب.

كما أن إرسال أسلحة جديدة إلى أوكرانيا، وبخاصة الدبابات، يمثل خطراً داهماً إذ سيُقابل بمزيد من التهديد بالتصعيد من جانب روسيا، بما في ذلك شبح الحرب النووية.

إلا أن هذا الخطر لم يمنع الولايات المتحدة من إرسال الدبابات، في مؤشر واضح على تغير موقف واشنطن بشكل شبه جذري منذ بدأت الحرب وحتى الآن. 

ومنذ الصيف، قدم الناتو أكثر من 20 مليار دولار من المعدات العسكرية، بما في ذلك المدفعية، وأكثر من 1.5 مليون طلقة من ذخيرة المدفعية، وأنظمة صواريخ المدفعية عالية الحركة التي ساعدت في قلب مجرى الحرب في أواخر صيف 2022.