مشروع قانون جديد.. ما الهدف من تضييق الجزائر على العمل النقابي؟
أثار حديث وزير العمل الجزائري يوسف شرفة، عن مضامين مشروع قانون جديد يضبط علاقات العمل ويحدد شروط ممارسة الإضراب، شكوكا وسط النقابات فيما يتعلق بدوافع الحكومة من وراء هذه الخطوة.
وأمام سعي الحكومة لسن قوانين جديدة لضبط ممارسة الحق النقابي والحق في الإضراب، عبر نقابيون وسياسيون وإعلاميون عن تحفظهم وتخوفهم من أن تكون هذه القوانين مطية للتضييق على العمل النقابي.
وفي 10 يناير/كانون الثاني 2023، عرض وزير العمل الجزائري، مسودة مشروع قانون يتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية للعمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب، أمام أعضاء لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والتكوين المهني بالمجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى بالبرلمان) من أجل الشروع في مناقشة المحاور التي تضمنها.
وقال الوزير شرفة إن "المشروع يولي اهتماما خاصا لتأطير ممارسة الحق في الإضراب والآثار التي يمكن أن تترتب على عدم استمرارية الخدمة العمومية وكذلك على سلامة الأشخاص والممتلكات، كما يعاقب على الممارسات التعسفية في هذا الشأن".
وذكر أن أحكام مشروع القانون استمدت من المعايير الدولية للعمل التي صدقت عليها الجزائر، ولا سيما الاتفاقية رقم 87 بشأن الحرية النقابية وحماية الحق النقابي لسنة 1948، والاتفاقية رقم 98 بشأن حق التنظيم والمفاوضة الجماعية لسنة 1949.
بالإضافة الى مراعاة ما جرى تسجيله من تساؤلات وانشغالات ناجمة عن انعكاسات النزاعات الجماعية على الاقتصاد الوطني وعلى استمرارية الخدمة العمومية والوضع الاجتماعي.
وتابع الوزير، أن مشروع القانون يولي أهمية كبيرة للحوار بين الشركاء الاجتماعيين، من أجل السماح بتبني حلول مشتركة وتوافقية، تساهم في تحسين العلاقات المهنية والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
وأشار إلى أن هذا المشروع يأتي تجسيدا لتوجيهات رئيس الجمهورية، الرامية إلى إرساء قواعد المصالحة والوساطة والتحكيم وكذا إدراج مفهوم الإضراب وتحديد شروطه وضوابطه القانونية.
وكان الرئيس عبد المجيد تبون، أمر خلال اجتماع مجلس الوزراء، في 11 ديسمبر/كانون الأول 2022، بتعديل القانون الذي ينظم علاقات العمل والحق في ممارسة الإضراب، في أقرب وقت، لتعزيز السكينة وحقوق وواجبات الفئات المهنية.
وإضافة إلى مناقشة مشروع قانون الوقاية من النزاعات الجماعية للعمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب، ذكرت تقارير إعلامية أن الحكومة أحالت على اللجنة المختصة بالبرلمان مشروع قانون يتعلق بالمنظمات النقابية وممارسة الحق النقابي يهدف إلى تحديد المبادئ والقواعد المرتبطة بالحرية النقابية.
خطوط حمراء
مشروعا القانونين اللذان أحالتهما الحكومة على البرلمان للمناقشة والمصادقة، يتضمنان قواعد وشروطا جديدة لتنظيم ممارسة العمل النقابي والحق في الإضراب، تقول الحكومة إنها جاءت في انسجام مع مقتضيات الدستور الجديد لسنة 2020.
المشروع الأول المتعلق بالحد من النزاعات الجماعية وتسويتها وممارسة حق الإضراب، يضع عدة قيود أمام اللجوء للإضراب ويوجب في البداية إيجاد مساحات للحوار بين العمال والإدارة.
ولا يمكن اللجوء إلى الإضراب، وفق مشروع القانون، بمجرد وضع إشعار بالإضراب لدى السلطات المعنية، بل تُلزم المنظمات النقابية بإجراءات طويلة تبدأ بالمصالحة ثم الوساطة والتحكيم.
ويعد أي إضراب لا يحترم هذه الإجراءات الطويلة غير قانوني ويعاقب بمجالس تأديبية وباللجوء للعدالة.
ويحصر الإضراب بمطالب مهنية محضة وبالظروف العامة للعمل، ويمنع على أساس مطالب سياسية أو دون مدة محددة أو الإضراب المفاجئ أو المتقطع أو التضامني.
كما ينص مشروع القانون على منع الإضراب في القطاعات الإستراتيجية ذات الحساسية السيادية وفي المصالح الأساسية ذات الأهمية الحيوية للدولة.
ويمنع أيضا كل إضراب قد يؤدي إلى تعريض حياة المواطن أو سلامته أو صحته للخطر أو احتمال أن يؤدي الإضراب إلى أزمة خطيرة.
أما مشروع القانون المتعلق بالمنظمات النقابية وممارسة الحق النقابي فيؤكد على استقلالية النقابات عن أي حزب سياسي، ومنع أي ارتباط هيكلي ووظيفي لها بالأحزاب السياسية.
كما يمنع مشروع القانون، النقابيين من الجمع بين العمل النقابي وممارسة مسؤولية قانونية أساسية أو عهدة في الهيئات القيادية لحزب سياسي، إضافة إلى إلزام الأعضاء المؤسسين والقيادات النقابية بالحياد والامتناع عن التصريح بمساندتهم لأحزاب أو لأي شخصية سياسية.
وهدد مشروع القانون بحل النقابات التي تمارس أي شكل من النشاطات السياسية، مع معاقبة كل نقابي بغرامة ما بين 100 و200 ألف دينار (الدولار = نحو 136 دينارا)، في حال مساسه باستقلالية المنظمة النقابية.
وبصفة عامة يحظر مشروع القانون إقامة إضرابات ذات طابع سياسي أو تتعلق بمطالب سياسية، في محاولة لمنع تكرار تجارب سابقة شهدتها الجزائر بسبب مطالب سياسية لا تخص القطاعات المضربة.
وحدث مثل هذا الأمر في الحراك الشعبي الذي انطلق في فبراير/شباط 2019، إذ دعت عدة قطاعات إلى إضرابات عمالية للمطالبة بالتغيير السياسي.
ونبه مشروع القانون إلى أنه في حال ارتكاب المنظمة النقابية أي مخالفة من شأنها الإخلال بالنظام العام، فإن السلطة الإدارية المختصة لها حق رفع دعوى أمام الجهة القضائية المختصة للمطالبة بتعليق كل نشاط لهذه المنظمة.
ويحظر مشروع القانون اللجوء إلى حق الإضراب في ميادين الدفاع والأمن، أو من قبل المستخدمين الذين يمارسون وظائف السلطة باسم الدولة في القطاعات الإستراتيجية والحساسة السيادية.
وتسعى الحكومة الجزائرية إلى وضع سد قانوني يمنع تكرار حادثة إضراب ومسيرة رجال الشرطة، التي شهدتها العاصمة الجزائرية للمرة الأولى في تاريخ الجزائر.
ففي 14 أكتوبر 2014، نظم عناصر الشرطة مسيرة من مقر ثكنة لقوات التدخل إلى غاية مقر رئاسة الجمهورية وسط العاصمة الجزائرية، حيث اعتصموا للمطالبة برحيل المدير العام للأمن عبد الغني الهامل، والسماح لهم بتأسيس نقابة مهنية، وتحسين أوضاعهم الاجتماعية.
كما اشترط مشروع القانون نسبة تمثيل للنقابات تساوي على الأقل 30 بالمئة من تعداد العمال والمستخدمين بينما النسبة المعمول بها حاليا هي 20 بالمئة في القانون الحالي.
وفي حال ممارسة نشاطات غير منصوص عليها في القانون الجديد، يمكن تعليق نشاط المنظمة لمدة أقصاها سنتين بالطرق القضائية أمام القضاء الإداري.
وأمام اتجاه الحكومة لفرض المزيد من الضوابط والخطوط الحمراء على العمل النقابي، سجل مراقبون أن هذه الخطوة قد تكون محاولة لاستباق تهديدات أطلقتها نقابات بالعودة إلى الاحتجاجات ولغة الإضراب التي تتزايد مؤشرات اندلاعها مع تواصل غلاء المعيشة وارتفاع مستويات البطالة.
انفجار اجتماعي
النقابي الجزائري الناشط في مجال التربية والتعليم مسعود بوديبة، قال إن "العمل النقابي هو الطريق الوحيد للعامل الجزائري حتى يصل إلى حقوقه".
وعبر بوديبة، عن رفضه "كبح العمل النقابي عبر تشديد الشروط عليه"، مشددا على أنه "من حق النقابي أن يشن الإضراب ومن حقه أن يلتقي بأي سياسي، لأن المصالح كثيرا ما تتقاطع".
وفي 12 يناير 2023، أكد بوديبة، في تصريح لموقع "العربي الجديد"، أن "الفصل بين العمل النقابي والسياسي مهم بقدر فصل المال عن السياسة، لكن في المقابل يجب أن نحافظ للنقابيين على حقوقهم وحصانتهم".
وأشار النقابي الناشط في مجال التربية والتعليم، إلى أن "العمل النقابي حق مكفول دستوريا، لذا لا يمكن أن نسقط الحصانة الدستورية عن النقابيين تحت أي غطاء أو حجة كانت".
من جهته، قال الصحفي والمعارض الجزائري، وليد كبير، إن سن الحكومة لقانون جديد لتأطير الحق في ممارسة الإضراب، يأتي في إطار تضييق الخناق على الحريات بشكل يتناقض مع مضامين الدستور الذي أقره النظام الجزائري في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.
وأضاف كبير، في حديث لـ"الاستقلال"، أن هذا القانون يأتي أيضا تخوفا من أي انفجار اجتماعي في المستقبل، مسجلا أن النظام الحاكم في الجزائر أضحى رغم كل الإمكانيات يخشى من الشارع أكثر من أي وقت مضى.
ورأى المحلل السياسي الجزائري، أن سن قوانين جديدة لكبح حرية ممارسة الإضراب من قبل النقابات في مختلف القطاعات مرده خوف النظام من زعزعة الشارع.
وعد أن "السلطة تتخوف بشدة من خروج الشعب إلى الشارع وبالتالي تتحول الشعارات الاجتماعية إلى سياسية وهذا ما يربك النظام الذي لم يتمكن بعد من نيل شرعية شعبية تجعله في أريحية".
ويرى كبير، أن "الجبهة الداخلية الجزائرية تعاني من تصدع جراء الأزمة السياسية التي لا يريد النظام الحاكم أن يحلها، لذا يلجأ إلى تشديد الخناق والتضييق على الحريات وإصدار تشريعات جديدة خصوصا فيما يتعلق بالحق في الإضراب حتى يجري نوعا ما ترهيب النقابات بالجزائر".
وخلص إلى أن خلفية تضييق الحكومة على الحق في الإضراب سياسية بالأساس، مبينا أن "النظام الحاكم يخشى أن تتطور الحرية في الإضراب إلى احتجاجات أو أن تدفع إلى غليان الشارع من جديد وبالتالي عودة الحراك الشعبي الذي انطلق في فبراير (شباط) 2019".
وأمام تحفظ نقابيين وسياسيين وإعلاميين على مضامين مشروعي القانونين الجديدين بسبب ما تضمناه من تراجع عن المكاسب العمالية ومخالفة للحق الدستوري في الإضراب ومحاولة لإبعاد النقابيين عن ممارسة السياسة، ظهرت مطالب بضرورة سحب القانون لتعديل مضامينه بما يضمن المكتسبات النقابية التي حققتها البلاد.
الأمينة العامة لحزب العمال (يساري)، لويزة حنون، طالبت "بسحب كل مشاريع القوانين المقيدة للحريات النقابية والإعلامية"، في إشارة إلى قانوني ممارسة الحق النقابي والحق في الإضراب اللذين تمت إحالتهما من قبل الحكومة إلى البرلمان.
وفي 24 يناير 2023، دعت حنون، في اجتماع للمكتب السياسي للحزب، السلطات إلى "وقف كل أشكال التضييق السياسي والقيود على الحريات والإفراج عن معتقلي الرأي".
من جهته، رأى حزب جبهة القوى الاشتراكية (أقدم حزب معارض في الجزائر)، أن "مشروعي القانونين المتعلقين بالممارسة النقابية وحق الإضراب لم يجر فيهما استشارة مع الشركاء الاجتماعيين والفاعلين في المشهد النقابي والعمالي، وهو ما يمثل طرحا أحاديا لا يفكر في مصالح الطبقة العاملة والممارسة الديمقراطية".
وأكد حزب جبهة القوى الاشتراكية، في بيان له، أن "المشروعين يقلصان المكاسب الديمقراطية للعمال، وبدل الوعي بضرورة فتح قنوات التعبير الحر، يعمل مسؤولونا على إسكات كل صوت مخالف".
كما رأى ممثلو عدة نقابات خلال جلسة سماع لهم على مستوى لجنة الصحة والعمل بالبرلمان أن المشروعين مناقضين لقوانين الجمهورية وللاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة، ويشكلان تراجعا عن المكاسب النقابية الحالية وحرية ممارسة العمل النقابي.
وأمام هذا الرفض النقابي والسياسي لتمرير القوانين الجديدة المؤطرة للعمل النقابي والحق في الإضراب، جمّدت الحكومة مشروعي القانونين بإيعاز من الرئيس عبد المجيد تبون، إلى غاية إجراء مشاورات موسعة مع القواعد العمالية والنقابية، حسب ما ذكرت تقارير إعلامية.