الضفة والقدس تتحدان مع غزة.. حكومة نتنياهو المتطرفة تصطدم بمقاومة مغايرة

12

طباعة

مشاركة

بعد 24 ساعة فقط من قتل جنود الاحتلال 9 فلسطينيين في مدينة جنين شمال الضفة الغربية، وسيدة، جاء الرد عاجلا بعملية نفذها فلسطيني، في القدس أدت إلى مقتل 7 إسرائيليين وإصابة 10 آخرين.

واحتاج الاحتلال المئات من جنوده وطائراته ومدرعاته ليقتحم جنين ويُظهر بطشه ويقتل 9 فلسطينيين، وجاء الرد الفلسطيني في 27 يناير/كانون الثاني 2023 عبر شخص واحد هو "خيري علقم"، الذي هجم عليهم وحده وبمسدسه.

أهمية العملية أنها أكدت قاعدة "لا جريمة صهيونية بدون عقاب فلسطيني"، وفعّلت معادلة الرد أو الردع السريع وهو أفضل الحلول التي تؤلم الإسرائيليين، وهي (الدم بالدم)، لمواجهة الإجرام، وفق مراقبين.

كما أن أهميتها ليست في سرعة "الرد" الذي ثبت "الردع" فحسب، ولكن فيمن نفذها، فهو مقاتل من "كتائب شهداء الأقصى" الجناح العسكري لحركة التحرير الوطني "فتح" الذي حلّه رئيس السلطة محمود عباس عام 2007.

وهذا فصيل مهم لكنه انعزل فترة عن فصائل المقاومة الأخرى منذ اتفاقات "أوسلو"، بحكم علاقته بالسلطة الفلسطينية، ولكنه عاد مع تصاعد المواجهة في مدن الضفة، ما يعني ضرب "التنسيق الأمني" الذي أوقفه عباس مؤقتا، في مقتل.

وتبنت العملية "كتائب شهداء الأقصى" المحسوبة على حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، وقالت إن منفذها يدعى خيري علقم، ويبلغ 21 عاما، وذكرت على حسابها في تويتر أنها "تزف هذا الاستشهادي".

ليست الأخيرة

فور وقوع عملية القدس وتنفيذ عملية مشابهة في اليوم التالي أصيب بها إسرائيليان، كتب المحلل السياسي الإسرائيلي "يوآف ليمور " في صحيفة "يسرائيل هيوم" 28 يناير 2023: "يمكن أن تتصاعد الأمور بسرعة كبيرة".

حذر من أن "مذبحة ليلة الجمعة ستؤدي إلى هجمات مشابهة وهو ما كان ملحوظا بالفعل في إطلاق النار صباح اليوم التالي بالقرب من الحائط الغربي للمسجد الأقصى"، وفق وصفه.

قال إن "هجوم القدس من المحتمل أن يغير قواعد اللعبة، ليس فقط بسبب العدد الكبير من الضحايا ولكن لأن التصعيد تجاه الفلسطينيين هو الآن سيناريو حقيقي للغاية ويحمل في طياته تقلبات كبيرة".

وأوضح أن إسرائيل ستتعرض لضغوط شديدة لمتابعة مسار التصعيد وكيفية الرد في أعقاب ذلك مباشرة لأن الرد سيجلب عمليات أخرى.

وكان ملفتا قول الخبير الإسرائيلي في مقال بموقع القناة "12" العبرية "ميخائيل ميلشتاين" إن "أهدأ عام في غزة هو نفسه الأكثر عصفا بالضفة الغربية".

صحيفة "يديعوت أحرونوت" أكدت بدورها أن هذه العملية الأخيرة أوقعت أعلى عدد من القتلى والمصابين منذ عام 2011، حين نفذت عملية أدت لمقتل 8 إسرائيليين في مدرسة دينية.

وصفها رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، وهو مكفهر الوجه في مكان العملية بأنها: "واحدة من أسوأ العمليات التي وقعت في إسرائيل في السنوات الأخيرة".

ووصفها المراسل العسكري لـ "القناة 12" بأنها "عملية مؤلمة بشكل كبير، ويجب اعتقال (إيتمار) بن غفير (وزير الأمن القومي) فورا، لقد فتح علينا عش الدبابير".

قال إن منفذ العملية تمكن من إفراغ مشطين من الرصاص في ساحة العملية عبر مسدس نصف أوتوماتيكي، واستبدالهما بالمشط الثالث وانسحب من المكان بعد إطلاقه النار على رؤوس المستوطنين في شارع قريب من كنيس يهودي.

وبعد عمليتي القدس، ظهرت معالم رعب كبير يعيشه الاحتلال ومستوطنوه في القدس المحتلة وسط خشية كبيرة لديهم من عمليات جديدة تستلهم تجربة بطولة القدس وتوقع عددا كبيرا من القتلى الإصابات.

وتحدث الإعلام العبري عن حالة من السخط في صفوف المستوطنين وعن الفشل الأمني للاحتلال، خاصة أنه جرى تنفيذ العملية الثانية في القدس بعد ساعات من تنفيذ الأولى وفي ذروة استنفار قوات الجيش والشرطة وانتشارها.

وعملية القدس لن تكون الوحيدة، إذ يتنبأ الاحتلال أن تشهد الأيام المقبلة المزيد منها ردا على مجزرة جنين والقتل المستمر في الضفة الغربية.

ظهرت معالم ذلك حين أطلق فتى (13 عاما) النار في اليوم التالي 28 يناير 2023 النار على مستوطن ونجله في مدينة سلوان، وفق رواية الاحتلال.

ورغم محدودية نتائج هذه العملية التي استهدفت الجيب الاستيطاني في بلدة سلوان في محيط القدس، تكتسب أهمية استثنائية بسبب عمر الفتى.

التباكي المشترك

وحرصت وسائل الإعلام العبرية والغربية كافة، وجهات عربية رسمية مُطبعة، على وصف العملية بأنها قتل لمصلين يهود "مدنيين" خرجوا لتَوِّهم من معبد في القدس وكان الاستشهادي ينتظرهم.

بينما الحقيقة أن إطلاق النار حدث في شارع مستوطنة أو "مستعمرة" غير قانونية بالقرب من القدس، تُسمي نيفي يعقوب، حسبما نوه ناشطون.

فمن قتلهم المقاوم الفلسطيني سرقوا الأرض وطردوا أهلها على مراحل في مستوطنة "نفيه يعقوب" قرب القدس، والتي يعد معظم ساكنيها من اليهود الأرثوذكس المتطرفين (الحريديم) ممن يدعون لإبادة العرب جهارا نهارا.

ومستوطنتهم التي يعيشون فيها أقيمت على أنقاض قرى فلسطينية، أبرزها "بيت حنينا"، وظلت تتوسع لتلتهم كل ما حولها منذ عام 1973 وحتى اليوم.

وأوجعت العملية قادة الاحتلال، وكتب أوفير جندلمان المتحدث السابق باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي للعالم العربي عدة تغريدات يتباكى على أفراح الفلسطينيين بقتل الإسرائيليين "المدنيين".

وفي محاولة لجلب التعاطف، استشهد المتحدث العسكري باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي بآية قرآنية لادعاء عدم جواز قتل المسلمين لليهود، وعدم جواز توزيع الحلوى ابتهاجا بقتل الإسرائيليين.

واستضافت قناة سكاي نيوز الإماراتية "أوفير جندلمان" لينتقد العملية ويزعم أنها ضد مصلين يهود مدنيين أبرياء.

وأدانت العملية أنظمة التطبيع العربية خاصة مصر والإمارات والبحرين والأردن، ووصفتها أبوظبي بـ "الإرهابية" و"العمل الإجرامي"، وقدمت التعازي لحكومة نتنياهو وشعب إسرائيل "الصديق"، وهو نفس ما فعلته البحرين.

وأثار هذا سخرية ناشطين قالوا إن القتلى في القدس المحتلة، والعزاء في أبوظبي والمنامة

وبالمثل انتقدت مصر العملية وأعربت وزارة الخارجية عن "رفضها التام واستنكارها الشديد" لها، رغم أنها حين وقع عدوان جنين وقتل 10 فلسطينيين اكتفت بالقول إنها "تدين" الهجوم، ما أثار غضب الناشطين.

واستشهد ما يقرب من 150 فلسطينيا في الضفة الغربية وشرق القدس في عام 2022، مما يجعله العام الأكثر دموية هناك منذ عام 2004، وفقا لمنظمة بتسيلم الإسرائيلية الحقوقية.

وحتى الآن، استشهد خلال العام 2023، ما يقرب من 30 فلسطينيا، وفقا لإحصاءات نشرتها وكالة أسوشيتيد برس في 28 يناير 2023.

تثبيت الردع

رغم أنه شخص واحد، فإن أن الشهيد المقدسي ثبت بعمليته الاستشهادية وبمسدس واحد الردع في مواجهة الاحتلال في القدس المحتلة والضفة الغربية بعدما ثبتته مقاومة غزة بالصواريخ المتجهة إلى تل أبيب.

لذا فالدلالة الأولى لعملية المقاومة في القدس أنها أعادت تثبيت "معادلة الردع" بوجه حكومة نتنياهو بعدما سعت خلال عملية جنين لاتباع أسلوب "الصدمة والرعب" ضد الفلسطينيين لردعهم بعملية قتل جماعية.

العملية لا تمثل فقط انتقاما لدماء شهداء جنين، بل تقلب الموازين وتعيد ضبط قواعد الاشتباك وتكرس معادلة الردع مع الاحتلال.

وتوضح لجمهوره الثمن الذي سيدفعه جراء محاولة نتنياهو صرف الأنظار عن فساده عبر التصعيد ضد الفلسطينيين، حسبما يؤكد الخبير في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي عبر تويتر.

تمثل صفعة مدوية لوزير الأمن الصهيوني بن غفير وصديقه وزير المالية بتسلئيل سموتريتش اللذين توليا ملف الضفة والقدس وقدما نفسيهما كحاميين لليهود.

وكان من تداعياتها المهمة وصف ناشطين يهود وعرب لما جرى بأنه "صفعة" على وجه "بن غفير" الذي تولي وزارة الأمن القومي وتوعد بقتل الفلسطينيين.

وقال المحلل الفلسطيني مصطفي الصواف لـ "الاستقلال" إن أهمية العملية هي الردع، قائلا: "عشرة بعشرة يا بن غفير، عشرة بعشرة يا نتنياهو، عشر بعشرة يا كل الإرهاب الصهيوني، هذا هو الفلسطيني وهذا هو الرد والذي لم يتأخر". أوضح أن "المعادلة تغيرت وأن المشهد سيكون فلسطينيا في المستقبل".

وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" 27 يناير 2023 إنه حين هرع بن غفير لمكان العملية صرخ مستوطنون في وجهه قائلين "هذه المجزرة حدثت في ظل ولايتك كوزير"، أي أنه لم يجلب الأمن وإنما جلب لهم القتل.

ولم يجد "بن غفير" ردا سوى أن يكرر هتافاته الروتينية ويقول لهم: "الموت للمخربين".

وبحسب إذاعة "كول براما" التي تبث من غرب القدس، فإن حالة من الغضب الشديد تسود بين المستوطنين في مستوطنة النبي يعقوب، إذ يقولون إن منفذ العملية استمر في إطلاق النار أكثر من 15 دقيقة دون أن تأتي الشرطة.

قالوا إنه ظل يطلق الرصاص بحرية ثم غادر المكان بسيارته، بينما قال شاهد عيان إن المنفذ "هتف لجنين وصاح: الله أكبر"، وفق الإذاعة.

بعد عملية القدس وسقوط هذا العدد الكبير من القتلى ردا على مجزرة جنين، تكون حكومة نتنياهو ووزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير قد وُضعوا تحت اختبار كبير لاستعادة قوة الردع أمام الفلسطينيين، حسب باحث فلسطيني.

الباحث أحمد أبو عبيدة من غزة، كتب يقول عبر تويتر إن بن غفير ونتنياهو سيحتاجان لحفظ ماء وجوههم أمام خصومهم السياسيين الذين سيستثمرون هذا الزلزال الأمني لمحاولة إسقاط الحكومة، لذا فالأمور مقبلة على تصعيد كبير.

وذكرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" 27 يناير، أن وزراء المجلس الأمني المصغر "الكابينيت" سيطلبون اتخاذ إجراءات صعبة وقاسية ضد الفلسطينيين.

ويتخوف الاحتلال في الوقت الحالي من تقليد العملية ليس فقط في القدس ولكن أيضا في الضفة الغربية، لذلك يجرى هستيريا تعزيز تلك المناطق بقوات إضافية.

الاحتراب والتنسيق

يتوقع أيضا أن تعمق عملية القدس الاحتراب والاستقطاب الداخلي بين الإسرائيليين المتدينين الموجودين في سدة الحكم، وجمهورهم. إذ جرى تنفيذ العملية في منطقة تابعة للحريديم أنصار بن غفير وسموتريتش.

وهذه المجموعات الدينية اليهودية المتطرفة تضغط على نتنياهو لتنفيذ عمليات قوية في غزة والضفة قد تشعل انتفاضة فعلية.

لذا يتوقع صالح النعامي أن تزيد هذه العملية الصدع داخل حكومة نتنياهو ذاتها، إذ إنها استهدفت أتباع التيار الحريدي، الذي تشارك أحزابه في هذه الحكومة.

يؤكد أنه رغم تطرف هذا التيار إلا أنه أقل القطاعات اليهودية استعدادا لدفع ثمن ضريبة الصراع.

وهناك استقطاب آخر نتج عن هذه العملية داخل المجتمع الإسرائيلي بين الحكومة وبين المعارضة العلمانية، التي تتهم نتنياهو بإشعال إسرائيل لتحقيق مصالحه والتهرب من قضايا فساد وتخشي أن يجلب لإسرائيل الدمار والنهاية.

واتهم محللون إسرائيليون نتنياهو بأنه أقدم على مجزرة جنين بهدف فرض أجندة أمنية تغطي على الاحتجاجات الداخلية ضد حكومته وسياساتها على الصعيد الداخلي.

ورغم إعلان السلطة الفلسطينية وقف "التنسيق الأمني"، مع الاحتلال عقب مجزرة جنين، فقد تعيده مجددا خاصة مع وصول مسؤولين أميركيين إلى تل أبيب ورام الله لإعادة ضبط الأمور.

فبعد فشل مستشار الأمن القومي جيك سوليفان في وقف التدهور، دفعت واشنطن بمدير وكالة المخابرات المركزية وليم بيرنز، وبعده وزير الخارجية أنتوني بلينكن للقاء الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وسينقل بيرنز للرئيس عباس رفض الولايات المتحدة وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، وكذلك رفض التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية، وستكون عملية القدس سلاحا في يده حيث تعدها واشنطن "إرهابا" بينما مجزرة جنين "دفاع عن النفس".

الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي وصف عملية القدس بأنها "هجوم على العالم المتحضر"، عرض على نتنياهو تقديم "كل وسائل الدعم المناسبة"، وشدد على "التزام أمريكا القوي بأمن إسرائيل".

فوقوع العملية قبل قدوم مدير المخابرات الأميركي ووزير الخارجية ووقف التنسيق الأمني أربك الجميع.

لكن زيارات ومحادثات بيرنز وبلينكن لن تسفر عن نتائج فعلية حقيقية لجهة لجم حكومة الاحتلال، بقدر ما ستكون قادرة على ضبط إيقاع الرد الفلسطيني على مجزرة جنين، حسبما يقول المحلل الفلسطيني نضال محمد وتد بموقع "عرب 48" في 28 يناير 2023.

الهدف الرئيس لزيارة بلينكن، وإن جاءت بعد المجزرة، هو محاولة واشنطن ضبط سياسات نتنياهو، المتعلقة أولا بملف الحرب الأوكرانية، والملف الإيراني.

ثم التغييرات القانونية والقضائية المقترحة في النظام الإسرائيلي، من جهة، وضبط النشاط الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما لا يحرج الولايات المتحدة أمام أصدقائها العرب، من جهة أخرى، كما يوضح "وتد".

وبالتالي هذه الزيارة لا تحمل أي بوادر أو "بشائر" لضغط أميركي حقيقي وفاعل على إسرائيل، لجهة إطلاق مبادرة تمنح صدقية للتصريحات الأميركية المتكررة بشأن خيار "حل الدولتين". 

لكن بالمقابل لن يتردد بلينكن في الضغط بشكل مكثف على السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، للتراجع عن قرار وقف التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال. 

وقد يحذر بلينكن عباس من تبعات "خطيرة" و"وخيمة" جراء تطبيق هذا القرار، ويكرر التلويح بإعادة فتح قنصلية أميركية مستقلة للفلسطينيين في القدس المحتلة، وضخ مساعدات مالية تمنع انهيار السلطة، وفق مراقبين.

لكن من الناحية العملية لن تكون توصيات أو نتائج زيارة المسؤولين الأميركيين للمنطقة ملزمة للمقاومة التي ستواصل التصعيد وتفجر انتفاضة جديد خلال مارس/آذار أي في شهر رمضان، حسبما يتوقع محللون إسرائيليون.

مع هذا قالت وكالة أسوشيتد برس 28 يناير 2023 إن زيارة بلينكين ستركز بشكل كبير على خفض التوترات، والأسباب الكامنة وراء الصراع، وجدول أعمال الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة الجديدة وقرار السلطة الفلسطينية بوقف التنسيق الأمني ​​مع إسرائيل ردا على غارة جنين.

ويعد شهر رمضان بمثابة الاختبار الأول للحكومة الحالية لمواكبته عيد الفصح اليهودي ومحاولة الصهاينة المتطرفين كل عام تقديم قرابين الهيكل المزعوم خلاله وذبحها داخل المسجد الأقصى.