ضغط جديد.. ما أهمية اعتصام النواب لفك عقدة انتخاب رئيس للبنان؟

12

طباعة

مشاركة

تعطيل متعمد ينتهجه "حزب الله" اللبناني وحلفاؤه لانتخاب رئيس جمهورية جديد في "بلاد أرز"، قابله لجوء نواب في البرلمان إلى خطوات تصعيدية تخرجهم من حالة المتفرج إلى فرض واقع جديد أملا في إخراج الدولة من الشغور الرئاسي.

ومع وجود رغبة من الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان للدفع نحو معادلة "القبول برئيس تابع وليس مستقل"، يواصل نواب لبنانيون منذ 19 يناير/كانون الثاني 2023، الاعتصام داخل مبنى البرلمان وسط العاصمة بيروت، احتجاجا على تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية.

وفشل البرلمان للمرة الـ11 منذ سبتمبر/ أيلول 2022، بانتخاب رئيس جديد لقصر بعبدا خلفا لميشال عون الذي انتهت ولايته في 31 أكتوبر/ تشرين الأول من العام المذكور.

اعتصام مفتوح

وبدأ النائبان ملحم خلف ونجاة صليبا الاعتصام المفتوح داخل قاعة البرلمان، للضغط "تجاه تكثيف عقد جلسات لانتخاب رئيس للجمهورية"، وفق ما أعلنا خلال مؤتمر صحفي في 26 يناير/كانون الثاني 2023.

وسرعان ما بدأت الحلقة تكبر عبر انضمام 12 نائبا إلى الاعتصام، بينهم مستقلون وآخرون ممن أفرزتهم "ثورة 17 تشرين 2019" ويسمون أنفسهم "تغييرين".

وقال نواب من "قوى التغيير"، إن المجلس سيتحول إلى مسكن دائم، حيث يعمل النواب على تنظيم حياتهم داخل القاعة العامة رغم عدم وجود كهرباء في بلد يعاني أزمة اقتصادية حادة منذ عام 2019 ألقت بـ80 بالمئة من اللبنانيين في براثن الفقر، وفق تقارير أممية.

وأمام هذا المشهد، كثف النواب المعتصمون دعواتهم للبنانيين لمؤازرتهم من الخارج لتنظيم اعتصامات أمام المجلس النيابي وفي المناطق المحلية.

وقال البرلماني ملحم، من قاعة المجلس عن مسار الاعتصام والنتائج المرتقبة له: "نقوم بواجب وطني ودستوري وحقوقي وأخلاقي وإنساني تجاه شعبنا الذي يعاني، وأيضا بما تقره المادة 74 من الدستور التي تفرض علينا فورا وحكما انتخاب الرئيس، وهذا هو المبدأ الذي نعتمده للخروج من المأزق".

وخلال تصريحات صحفية في 21 يناير 2023ـ أضاف خلف: المفروض أن يهز هذا الاعتصام الدنيا لأننا نطبق الدستور، وإلا فلننتقل إلى ديكتاتورية في الحكم، هذا الكلام عن عدم وجود أفق للتحرك ذرائع يرميها بوجهنا الفاشلون".

ورأى أن "الاعتصام يؤدي إلى الالتزام بالدستور وإبقاء المجلس منعقدا حتى انتخاب رئيس للجمهورية، فمن يعالج مشاكل الناس التي تمضي أوقاتها بلا كهرباء ولا طبابة ولا مدارس بظل سعر الدولار 50 ألف ليرة وأكثر".

وزاد بالقول: "إذا البلد بلا رئيس وبلا حكومة والمجلس عاجز عن الحل، هل نترك البلد للزبائنية السياسية والطائفية وللنهج التدميري؟"، وفق ما نقل عنه موقع "اللواء" اللبناني.

ضغط جديد

محاولات النواب تحريك ملف انتخابات رئيس الجمهورية، وتشكيل ضغط جديد على القوى السياسية الراغبة بوصول رئيس يحفظ مصالحها الخاصة ويكون تابعا وشكليا، قد يفك عقدة قدوم رئيس على مقاس بعض الأحزاب أو حتى مفروض من قبلها.

ووفقا لنظام المحاصصة الطائفية في لبنان، يجب أن يشغل منصب الرئيس ماروني، ورئيس الحكومة من الطائفة السنية، ورئيس البرلمان من الطائفة الشيعية.

ورغم أن النواب المعتصمين يؤكدون أن وجودهم داخل البرلمان بهذه الصورة هو "تطبيق للدستور"، إلا أنها أحرجت رئيس المجلس، نبيه بري، الذي يتولى من موقعه إدارة جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، استنادا لرغبات تحالفه مع "حزب الله"، وليس كرئيس للمجلس، وفق موقع "اللواء".

لكن بالمقابل، هناك حراك سياسي مكثف بين جميع الكتل والأحزاب بغية التوصل لتسوية حول اسم "محدد توافقي"، لكن العقبة الأكبر تبقى حول دخوله قصر بعبدا، أن يكون "رئيسا منفتحا على الجميع ولا يكون رئيس تحدٍّ".

فكما تؤكد وسائل إعلام محلية أن "حزب الله" المدعوم من إيران بالسلاح والمال، مازال يصر  على النظر إلى "سليمان فرنجية" على أنه مرشحه الرئاسي.

وبالدرجة الأولى، يتهم حزب الله وحليفه "التيار الوطني الحر" بقيادة جبران باسيل صهر ميشال عون، و"تيار المردة" برئاسة سليمان فرنجية بتعطيل جلسات انتخاب الرئيس.

وهؤلاء يواصلون اقتراعهم بالورقة البيضاء، ويعمدون في كل جلسة إلى إفقاد نصابها، ويكررون مشهد خروجهم من قاعة البرلمان ضمن غاية فرض "مرشح كيدي" تحت عنوان "التسوية السياسية".

بالموازاة يؤكد رئيس حزب "القوات اللبنانية"، سمير جعجع، المناوئ لحزب الله، بالقول: "لن نقبل برئيس تحت الضغط ولا بحكم حزب الله وكل الاحتمالات مفتوحة أمامنا".

ولفت جعجع خلال تصريحات صحفية في 16 يناير 2023، إلى أن "المرشح الأقوى في الوقت الحاضر هو  ميشال معوض حتى إشعار آخر، واسمه ليس مطروحا للتسلية حتى الوصول إلى مرشحين أقوياء".

وميشال هو برلماني وابن رينيه معوض الرئيس الأسبق للبنان من 5-22 نوفمبر/تشرين الثاني 1989، ومدعوم من المعارضة، وحصد 44 صوتا في جلسات انتخاب رئيس الجمهورية إلا أنها غير كافية لإعلانه رئيسا، في ظل تعطيل حزب الله والذي يصفه بـ"مرشح التحدي".

حراك غربي عربي

على الجانب الآخر، تدفع فرنسا باسم قائد الجيش العماد جوزيف عون لرئاسة الجمهورية وتخوض حراكا إقليميا من أجل ذلك مع السعودية والولايات المتحدة وقطر.

وتنظر الأوساط اللبنانية إلى عون بوصفه "مرشح تسوية" في حال فشل التوافق على مرشح آخر.

ووفق تقارير إعلامية في صحيفتي "الأخبار" و"النهار"، فإن فرنسا والولايات المتحدة وقطر والسعودية منفتحة على ترشيح قائد الجيش من دون وجود إعلان رسمي من هذه الدول بشأن اسم الرئيس.

إن محاولة وضع حد للمراوحة بانتخاب رئيس للجمهورية، والنجاح بعقد جلسة انتخابية لا تغلق إلا بانتخاب رئيس جديد، مرهونة بتجاوز عقدة تأمين النصاب والورقة البيضاء أثناء التصويت داخل البرلمان.

وقالت النائبة المعتصمة، حليمة قعقور، لوكالة "الأناضول" التركية الرسمية في 20 يناير 2023: "بعد 11 جلسة لانتخاب رئيس كنا نخرج من البرلمان بشعور سيئ جدا لأن المسيطر الأكبر في البرلمان أحزاب السلطة، ونحن أقلية لسنا قادرين على أن نحدث أي شيء يحرك هذا الجمود بعدم انتخاب الرئيس".

لكن خطوة الاعتصام قال عنها المرشح النائب ميشال معوض، في تصريحات صحفية بتاريخ 22 يناير 2023، إنها "ضرورية لكنها غير كافية، لأن المطلوب أن نتوحد المعارضة وقوى التغيير لإيصال رئيس حل سيادي وإصلاحي".

ولذلك مايزال اللبنانيون يرون أن "مقعد الرئاسة مختطف" من قبل جهة تغلب حساباتها ومصالحها الشخصية والفئوية على حساب الشعب الذي يأن تحت واقع معيشي صعب يواجه تحذيرا من الانهيار، وسط ربط الدول تقديم المساعدات لهم بانتخاب رئيس.

حجر في المياه

ويرى كثير من المراقبين أن خطوة النواب في الاعتصام ما هي إلا "رمي حجر في مياه الشغور الرئاسي الراكدة" للخروج من الجمود الحاصل، وسط خشية  إطالة أمد الفراغ "قد يجر إلى صدامات بين أنصار الكتل".

في هذا الصدد، قال الكاتب وليد شقير، في مقالة نشرها موقع "نداء الوطن" في 23 يناير 2023، إنه "بصرف النظر عما سينتج عن مبادرة التغيريين في الاعتصام فإن خلفية ما قاموا به تكرس التشخيص المعروف، ليس هناك فريق قادر على تحصيل أكثرية الأصوات لمرشحه بسبب تشتت الكتل النيابية".

وأردف قائلا: "ليس هناك فريق قادر على تأمين نصاب الثلثين كي تستمر جلسة الانتخاب حتى الدورة الثانية، ما يعني أنه من دون توافق لا مجال لانتخاب الرئيس، وهذا ينطبق على وضعية بعض المرشحين".

وتفاعل لبنانيون مع خطوة اعتصام النواب، ودعا بعضهم "محور السيادة لإعلان التمرد المدني كوسيلة لمساعدة النواب الثائرين داخل البرلمان".

وتقود دفة "محور السيادة والحياد وحفظ الهوية اللبنانية"، مقر البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي ينتقد بشكل علني "محور المقاومة والممانعة" الذي يقوده "حزب الله" وترعاه إيران.

وسبق لزعيم حزب الله، حسن نصر الله، أن قال في كلمة خلال احتفال في 11 نوفمبر 2022 بمناسبة "يوم الشهيد"، إنه "يرغب في أن يكون للبنان رئيس جمهورية غير خاضع للولايات المتحدة ومطمئن للمقاومة".

وكثير ما انتقد الراعي مواصفات حزب الله لملء الشغور الرئاسي، قائلا في كلمة 19 يناير/كانون الثاني 2022: "الشعب يريد رئيسا يحمي ظهر لبنان وصدره، لا ظهر هذا أو ذاك، فمتى كان ظهر الدولة محميا، الشعب يريد رئيسا لا يخونه مع قريب أو بعيد ولا ينحاز إلى المحاور".

أمام ذلك، يواجه لبنان أزمة حكم غير مسبوقة مع عدم وجود رئيس للبلاد وفي ظل حكومة تصريف أعمال برئاسة نجيب ميقاتي محدودة السلطات وبرلمان منقسم، لذا لا تملك جهة قوة فرض رئيس بالانتخاب الحر كما ينص الدستور.

إزعاج المعطِلين

وضمن هذه الجزئية يشير الكاتب والباحث السياسي اللبناني، أسعد بشارة، إلى "أن الاعتصام يمثل تحديا ولعبة عض أصابع، خاصة بعد رد بري بعدم تحديد جلسة قادمة لانتخابات رئيس للجمهورية، واستعاض عنها بجلسة للجان المشتركة لتعديل بعض أحكام قانون الضمان الاجتماعي وإنشاء نظام التعاقد والحماية الاجتماعية".

وأضاف بشارة لـ"الاستقلال" قائلا: "من هنا نرى أن هذا الاعتصام هو شمعة في ظلام الفراغ الرئاسي في لبنان، ولذلك الأمر مرتبط بمدى قدرة النواب على الاستمرار في هذا الاعتصام وفي تبادل الدعم فيما بينهم".

واستدرك قائلا: "بمعنى ألا يقتصر الاعتصام على ثلاث نواب، بل أن يمتد ويشمل جميع ممثلين الكتل، وبالتالي فإن استمرار الاعتصام بهذه الطريقة قادر على تشكيل حالة رفض للأمر السياسي الواقع القائم".

وذهب بشارة للقول إن "الاعتصام داخل مجلس النواب له رمزيته وأهميته، بحيث سيكون عامل إزعاج لمعطلي انتخاب رئيس للجمهورية".

وتصاعد التوتر داخل البرلمان حيال استحقاق رئاسة الجمهورية المعطل، يفتح الباب على مصراعيه أمام فكرة "التدخل الدولي والتدويل"، وفق مراقبين.

وفكرة التدويل أول من دعا إليها البطريرك الماروني، بشارة الراعي، حينما دعا في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، الأمم المتحدة للتحرك وعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان "أمام الفشل الذريع بانتخاب الرئيس".

ويكاد الاستعصاء السياسي أن يعيد سيناريو تدويل القضية اللبنانية على غرار ما حدث في الماضي، حيث دفعت الحرب الأهلية لعقد "مؤتمر الطائف" في 30 سبتمبر/أيلول 1989، والذي أسفر عن "اتفاق الطائف".

وكرس اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية (1975 إلى 1990) معادلة اقتسام السلطة في البلاد على أساس الانتماءات الدينية والطائفية.

وآنذاك انتخب رينيه معوض أول رئيس للبنان بعد "اتفاق الطائف"، والتاسع في تاريخ البلاد ما بعد الاستقلال، لكنه اغتيل بعد تقلده الرئاسة بأيام قليلة في انفجار استهدف موكبه بمحلة الصنايع بالعاصمة بيروت بعد 17 يوما من توليه المنصب.