البرلمان المصري في قلب الأزمة.. الورود للسيسي والشوك للشعب

داود علي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعيشها مصر منذ شهور، يتساءل مواطنون عن دور البرلمان كمؤسسة من أهم مؤسسات الدولة الرقابية. 

وجاءت التساؤلات مع ظهور نقاشات جدلية بسبب ممارسات رئيس مجلس النواب الحالي حنفي جبالي، وتعاطيه السلبي مع المعضلة.

وبين النص والممارسة يظهر دور البرلمان إذا كان قويا وممثلا للأمة، أو ضعيفا مصنوعا على عين الحاكم ومتمما لسياسته.

ووفقا للباب الخامس من الدستور المصري، تنص المادة (101) على أن يتولى مجلس النواب سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية (الرئاسة والحكومة).

ومصر من أقدم دول الشرق التي عرفت البرلمان والمجالس التشريعية، وأسس فيها أول مجلس للشعب عام 1866. 

لكنها اليوم وبعد مرور أكثر من قرن ونصف، غائبة عن وجود برلمان قوي يمثل المواطن ويراقب الحكومة ويحاسبها وسط تشرذم لا مثيل له.

وفي 11 يناير/كانون الثاني 2023، تراجع الجنيه المصري إلى أدنى مستوى له على الإطلاق عند 32.20 للدولار.

وجاء ذلك نتيجة لبدء النظام المصري تحريك سعر الصرف اتباعا لما ينص عليه اتفاق قرض صندوق النقد الدولي من ضرورة تبني مرونة أكثر في التعامل معه ضمن شروط أخرى وافقت عليها الحكومة للحصول على قرض بقيمة 3 مليار دولار تتسلمها على مدار 46 شهرا. 

تحذيرات جبالي 

وفي خضم الأزمة الاقتصادية العاصفة اجتمع رئيس مجلس النواب حنفي جبالي، في 12 يناير 2023، مع رؤساء اللجان النوعية، والهيئات البرلمانية للأحزاب.

وكان محور الاجتماع الرئيس تصاعد لهجة انتقادات بعض النواب للحكومة بسبب الأزمة، ومطالبة الوزراء مثل وزير المالية محمد معيط ووزير التموين علي المصيلحي بتغيير السياسات الراهنة جراء معاناة المواطنين من موجة الغلاء، وانفلات أسعار السلع الأساسية.

وبالرغم من أن تلك الانتقادات لم توجه لرئيس النظام عبد الفتاح السيسي المسؤول الأول عن الأزمة، واقتربت ببطء من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، فإن سقفها ظل منخفضا، ولم ترق لرئيس مجلس النواب. 

ووجه جبالي النواب بصرامة لعدم انتقاد السياسات الاقتصادية على الملأ في الجلسات العامة للبرلمان، سواء المالية والنقدية أو المتعلقة بالقروض والديون وأمر بعدم التقدم ببيانات عاجلة أو أسئلة أو طلبات إحاطة بشأنها.

كل ذلك تحت ذريعة أهمية الوقوف إلى جوار الدولة ومؤسساتها في أزمتها الحالية، والتصدي لمحاولات زعزعة الاستقرار من جانب البعض في الداخل والخارج، وفق زعمه.

ولم يغفل جبالي المرحلة الصعبة التي يمر بها الشعب المصري فقط، بل ذهب إلى أمور استفزازية ومتناقضة، مثلما حدث في 29 ديسمبر/كانون الأول 2022، عندما أرسل رسالة ممتلئة بعبارات الثناء والمدح إلى السيسي، بمناسبة حلول العام الميلادي الجديد.

وأورد جبالي، في رسالته: "يطيب لي أن أبعث إليكم باسمي، وباسم نواب الشعب، خالص التهاني وأسمى الأمنيات بمناسبة حلول العام الجديد، حيث ارتقى الشعب المصري أعلى مراتب السعادة والرخاء، وارتدى ثياب العزة والمنعة والأمن والأمان".

حديث جبالي جاء في ظل موجة ارتفاع بالغة في أسعار السلع الغذائية، على أثر تخفيض قيمة الجنيه للمرة الثالثة في أقل من عام، وتجاوزه عتبة الـ 30 أمام الدولار الواحد.

وجبالي تولى رئاسة البرلمان بتزكية من حزب "مستقبل وطن" الممثل لنظام السيسي، والحائز على الأغلبية، بعد فوزه بمقعده على قوائم الحزب المدعوم من الأجهزة الأمنية والمخابرات أواخر عام 2020.

وجرى ذلك في انتخابات شابتها عمليات تزوير وانتهاكات واسعة أطاحت بجميع المرشحين المعارضين، وفق ما وثقته منظمات حقوقية مستقلة، على رأسها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية. 

وجبالي مكتوب في التاريخ باعتباره صاحب حكم عدم الاعتداد بجميع الأحكام الصادرة عن مجلس الدولة، في شأن بطلان اتفاقية تنازل بلاده عن جزيرتي "تيران وصنافير" لصالح المملكة العربية السعودية، وذلك حين كان يشغل رئاسة المحكمة الدستورية العليا عام 2018

 ثم كرمه السيسي بمنحه وسام الجمهورية من الطبقة الأولى عقب تقاعده في 11 يوليو/تموز 2019. 

 

بلد في أزمة

ونشرت مجلة "فايننشال تايمز" الأميركية في 18 يناير 2023، تقريرا عن تدهور الأوضاع الاقتصادية في مصر، وهو ما يتنافى مع أحاديث رئيس البرلمان.

وقالت: "إن السيسي لم يحقق وعوده بالرخاء، بينما ملايين المصريين يكافحون لأجل الطعام، بعد أن انخفض إلى أدنى مستوياته على الإطلاق، ووصل التضخم إلى 20 بالمئة، مع نقص حاد في العملات الأجنبية، جعلت المعاملات البنكية متعثرة". 

وأضافت: "مصر بلد في أزمة، والسيسي يحمل الحرب الروسية الأوكرانية سبب إخفاقاته، لكنه هو السبب الحقيقي في أن تعيش بما يتجاوز إمكانياتها، إذ اقترض من صندوق النقد الدولي 4 مرات في 6 سنوات، وأصبح البلد ثاني أكبر مدين للصندوق بعد الأرجنتين". 

وذكرت: "أن المستثمرين سحبوا 20 مليار دولار من مصر، التي اضطرت للاستغاثة بدول الخليج لأجل إنقاذها، لكن المشكلة الأعمق تمثلت في دور الجيش داخل الاقتصاد المنهك". 

وأوضحت: "الجيش يمسك بأسس الاقتصاد، حتى (مشاريع الغرور) مثل العاصمة الجديدة يشرف عليها، لكن هناك أكثر من 60 مليون إنسان مصري يعانون الفقر، في ظل دولة تخذل مواطنيها".

وفي 19 يناير 2023، خفضت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني تصنيف مصر (+B) ونظرتها المستقبلية من مستقرة إلى سلبية. 

وأكدت الوكالة أن الاحتياجات التمويلية في مصر كبير، وسياسة حكومتها الاقتصادية تمثل مخاطر، متعلقة بالتضخم والعجز والتقلب في تدفقات الاستثمار. 

وشددت أن هذه الحالة ستؤدي إلى أن الدين الحكومي والناتج المحلي والإيرادات ستصل لمستويات قياسية، والاقتصاد برمته سيتعطل بسبب المعدلات المرتفعة والتضخم. 

ويأتي هذا التدهور في ظل غياب تام للبرلمان الذي يؤدي دور المراقب والمحاسب للحكومة والوزراء، ما أثار انتقادات واسعة.

واجهة عسكرية 

الباحث السياسي المصري، محمد ماهر، يقول إن البرلمانات في الدول الكبرى وظيفتها الرقابة والمحاسبة على السلطة التنفيذية وأيضا سن التشريعات التي تصب في مصلحة الشعوب".

لكن في مصر، يحدث العكس تماما، فالبرلمان واجهة للنظام وظيفته الحد من الرقابة ووضع التشريعات بأوامر من السلطة العليا ورئيس الجمهورية، مع كبح جماح أي حراك يؤدي لمحاسبة الحاكم والحد من صلاحياته المطلقة، بحسب ما أضاف لـ "الاستقلال". 

واستطرد: "حنفي جبالي، قاضي فضيحة التفريط في تيران وصنافير، لا يجب أن نبدأ من عنده، أي من مرحلة النهاية والأزمة الاقتصادية الطاحنة، ومأساة الديون والقروض والخصخصة وبيع البلد والأموال الساخنة وكل هذه المصطلحات التي أصبح دارجة في الشارع المصري المقهور".

بل يجب أن نبدأ من طرح سؤال كيف بُني هذا البرلمان؟ ومن الذي أوجده بهذه الطريقة؟ وما هو الدور المنوط أن يلعبه في مثل هذه الأوضاع؟، وفق تساؤلاته. 

وأوضح: "الإجابات ببساطة أن البرلمان بهذه النسخة والنسخة السابقة عام 2015 بني على يد المخابرات برئاسة عباس كامل ومحمود السيسي (نجل رئيس النظام)، ، وتتحكم فيه الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، وتوجهه وتحدد مساره، حتى حنفي جبالي نفسه واجهة لا أكثر وليس له من الأمر شيء". 

وأضاف: "كل القوائم الانتخابية البرلمانية عام 2020، كانت على عين النظام، لكنه غلّب القائمة الوطنية من أجل مصر، وتحديدا حزب مستقبل وطن".

ويعود ذلك إلى أنه "حزب الجيش والمخابرات في مصر، فلنتخيل عندما يكون هذا الحزب هو المهيمن على مجلس النواب، كيف سيكون الأداء إذا؟"، كما قال. 

وضرب الباحث المصري مثلا آخر، وقال: "سنجد أن البرلمان منذ جلسات انعقاده الأولى رفع المعاشات العسكرية أكثر من مرة، وهو الذي أقر قانون إنشاء صندوق خاص لشهداء الجيش والشرطة، ورفض ضم الأطباء لهذا الصندوق رغم جائحة كورونا".

وتابع: "حاليا يعمل المجلس على امتصاص الأزمة الاقتصادية، وإبعادها عن السيسي، وخلق تمثيلية محاسبة بعض الوزراء". 

واختتم: "هذا مجلس نواب مماثل تماما لمصر في العهد الحالي، وبالتالي هو واحد من أسوأ مجالس النواب التي مرت على البلاد في تاريخها".