بين تفاهم ألماني وضغط أميركي.. هل يملك العراق خيار حل أزمة الكهرباء؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

زيارة رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إلى ألمانيا وإبرام عقد مع شركة "سيمنز" الألمانية على تطوير قطاع الكهرباء في البلاد، والذي يشهد واقعا مترديا منذ عام 2003، رغم صرف مليارات الدولارات في بلد تتجاوز فيه درجة الحرارة الـ50 مئوية في فصل الصيف، أثارت ردود فعل داخلية.

وفي عام 2021، قال رئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي، إن العراق أنفق نحو 81 مليار دولار على قطاع الكهرباء، "لكن الفساد كان عقبة قوية أمام توفير الطاقة للناس بشكل مستقر، وهو إنفاق غير معقول دون أن يصل إلى حل المشكلة من جذورها"، حسب قوله.

مذكرة تفاهم

وعلى غرار معظم رؤساء الحكومات العراقية المتعاقبة ما بعد عام 2003، أجرى السوداني، زيارة إلى ألمانيا والتي استمرت يوما واحدا، في 12 يناير/ كانون الثاني 2023، لإجراء تعاقدات تخص الطاقة، ولا سيما قطاع الكهرباء.

ووقع وزير الكهرباء، زياد علي فاضل، خلال الزيارة مذكرة تفاهم مشتركة مع الشركة الألمانية، والتي مثلها الرئيس التنفيذي للشركة كرستيان بروخ، وتنطوي المذكرة على خريطة عمل لتطوير منظومة الكهرباء في العراق، حسب بيان لمكتب السوداني.

ولفت إلى "عمل شركة سيمنز على وضع خطة متكاملة لمنظومة الكهرباء العراقية بشكل عام، تتضمن حلولا للمشاكل، كما تقوم الشركة بإنشاء محطات توليد جديدة، والاستفادة من الغاز المصاحب في دعم وزيادة إنتاج الطاقة الكهربائية". 

فضلا عن تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة، وهي الطاقة الشمسية وحركة الرياح، وإنشاء محطات تحويل في عموم مناطق العراق، إلى جانب تطوير وتأهيل كوادر وزارة الكهرباء ونقل الخبرات.

من جانبه، أكد المتحدث باسم وزارة الكهرباء، أحمد العبادي، أن المذكرة ستضيف 6 آلاف ميغاواط للمنظومة الوطنية. 

وبيّن العبادي لوكالة الأنباء العراقية الرسمية في 13 يناير 2023، أن "أهمية المذكرة الموقعة تكمن في كونها وقّعت مع أهم الشركات العالمية الرصينة في مجال الطاقة، وأن العمل بالمذكرة سيحلّ مشاكل النقل والتوزيع في المنظومة، وسيسهم في إنشاء محطات تحويلية وخطوط ناقلة".

وفي حوار مع قناة "DW" الألمانية، قال السوداني، إن التعاون مع برلين في مجال الطاقة واعد، والعراق يطمح للاستفادة من الغاز المصاحب لإنتاج النفط.

وأوضح أن العراق هيأ التخصيصات المالية لعقود الكهرباء مع شركة "سيمنز".

وتهدف الصفقة مع "سيمنز"، التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، إلى بناء وتوسيع محطات الطاقة لإنتاج 6 جيجاوات من الكهرباء بالإضافة إلى بناء خطوط كهرباء وإجراء عمليات الصيانة.

من جانبه، أكد متحدث باسم سيمنز، التي تتخذ من ميونخ مقرا لها، الصفقة دون الكشف عن الشروط المالية، وفقا لقناة "DW".

وكان السوداني قد أكد خلال لقائه مع ممثلي الشركات الألمانية في مستهل زيارته إلى ألمانيا، ثقة العراق بالشركات الألمانية لما تمتاز به من خبرة وكفاءة عاليتين وسمعة عالمية، مشيرا إلى أن هناك توجها للحكومة نحو المزيد من مشاركة هذه الشركات في إعادة الإعمار وتطوير البنية التحتية في العراق.

ووجه السوداني الدعوة إلى "الشركات الألمانية للاستثمار في العراق بمختلف المجالات، لا سيما الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة والغاز والبتروكيماويات، ودعم خطة حكومة بغداد في تطوير قطاع الطاقة والكهرباء".

ملف سياسي

وفي الوقت الذي أبدت بغداد تفاؤلا بتطوير قطاع الكهرباء من خلال عقد أبرمته مع "سيمنز"، قلل مراقبون عراقيون من أهمية الاتفاق المبرم، وفاعليته في إنهاء أزمة الكهرباء في البلاد.

وقال الباحث في الشأن العراقي، عدي العزاوي، إن "توقيع العقد بين الحكومة وسيمنز الألمانية لا يعني أن مشكلة الكهرباء أخذت طريقها إلى الحل، لأن الأهم من ذلك هو مدى تطبيقها، فرئيس الوزراء لم يكن أول شخصية حكومية تتفق مع الشركة هذه، فثمة ثلاثة رؤساء وزراء قبله وقعوا اتفاقيات ولم يتحقق شيء".

وأوضح العزاوي لـ"الاستقلال" أن "أزمة الكهرباء في العراق سياسية بالدرجة الأساس، لأن الولايات المتحدة تريد أن تستأثر هي بملف الكهرباء في العراق عن طريق شركة (جنرال إلكتريك) الأميركية، وكذلك إيران المستفيد الأول من الأزمة من خلال تصدير الغاز والكهرباء إلى العراق بمليارات الدولارات سنويا".

وأشار الباحث إلى أن "العراق لا يمتلك خيار حل أزمة الكهرباء بنفسه، لأن أطرافا عدة مستفيدة، لذلك الشعب لم يعد متفائلا بأي اتفاقية تبرمها الحكومات مع أشهر وأرقى شركات العالم مالم يلمسوا ذلك على أرض الواقع"، متسائلا: "ما الجديد في اتفاقية السوداني مع سيمنز؟ لم تخرج الحكومة وتوضح للشعب ذلك".

في السياق ذاته، علّق المحلل السياسي العراقي، أمير الدعمي، خلال تغريدة على "تويتر" في 13 يناير 2023، قائلا: "كل رؤساء الحكومات زاروا ألمانيا وحاولوا التعاقد مع شركاتها، وخصوصا سيمنز لحل معضلة الكهرباء".

وتابع الدعمي: "كل الزيارات قيدت في سجل التاريخ حبرا على ورق، لأن ببساطة قيود إيران وأميركا ماتزال تقيد اقتصاد العراق وخصوصا الكهرباء، فلا إيران ستسمح بهدر المليارات التي تحلب بها العراق، ولا أميركا".

وتشكل صادرات الغاز والكهرباء الإيراني إلى العراق 4 مليارات دولار سنويا، من أصل 12 مليار دولار الصادرات السنوية، إذ يستورد العراق ما يصل إلى 28 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي من طهران لتشغيل مولدات الطاقة الكهربائية الغازية، كما يشتري بشكل مباشر 1300 ميغاواط من الكهرباء الإيرانية.

وفي 30 أكتوبر/تشرين الأول 2022، قال السياسي العراقي بهاء الأعرجي، خلال مقابلة تلفزيونية، إنه حين كان نائبا لرئيس الوزراء لشؤون الطاقة لمدة سنة في حكومة حيدر العبادي السابقة، "كانت لدينا مشاريع تخص ملف الكهرباء، لو قدر لها أن تكتمل لتحسن وضعها بنسبة 80 بالمئة".

وأكد أن "بعض الأحزاب التي لا تريد لحكومة العبادي النجاح، إضافة إلى موقف كبير من إيران على اعتبار أنها تتضرر من تصدير الغاز والطاقة إلى العراق، وكان موقفها سلبي من هذه المشاريع".

وأوضح الأعرجي: "جاءني السفير الإيراني شخصيا وقال لي أوقف هذه المشاريع، واستطلع عن المشروع الجديد وسأل عنه، لكني لم أعطه مجالا في حينها، وكانت هذه القصة واحدة من الضغوطات التي أسهمت في أن أستقيل من حكومة العبادي".

وأكد القيادي السابق في التيار الصدري أن "إيران تفكر بمصلحتها وهذا شيء طبيعي، ويقولون إنهم في ظل الأزمة الموجود في العراق، نبيع لهم الكهرباء بملايين الدولارات".

تنافس عالمي

يشكل ملف الكهرباء في العراق تنافسا بين "سيمنز" الألمانية، و"جنرال إلكتريك" الأميركية على صفقة محتملة بقيمة 15 ميار دولار لتطوير البنية التحتية للكهرباء.

وفي عام 2019، نشرت السفارة الأميركية في بغداد، مقطع فيديو يتعلق بمؤتمر في بغداد يخص التعاون الاقتصادي مع العراق، شددت من خلاله على ضرورة أن تكون الولايات المتحدة "شريكا اقتصاديا للعراق".

وقال ستيف لوتس من غرفة التجارة الأميركية التي نظمت المؤتمر في بغداد، إن الهدف هو "أن نظهر للشركات الأميركية أن العراق مفتوح للأعمال"، إذ كان من المشاركين أيضا، شركة "شيفرون" العملاقة للنفط والغاز، إضافة إلى شركتي "سيمنز" و"جنرال إلكتريك" للطاقة.

ووقع العراق مذكرة تفاهم مع "جنرال إلكتريك" خلال أكتوبر/تشرين الأول 2018 في عهد رئيس الوزراء الأسبق العبادي، لإصلاح قطاع الكهرباء، بعد توقيع اتفاقية مماثلة مع "سيمنز" في العام نفسه.

كما وقعت وزارة الكهرباء العراقية عقدا مع "سيمنز" لتطوير الكهرباء في العراق، خلال زيارة أجراها رئيس الوزراء الأسبق، عادل عبدالمهدي، إلى ألمانيا في 30 أبريل/ نيسان 2019.

وقال عبدالمهدي خلال زيارته ألمانيا ولقائه المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، إن "شركة سيمنز هي الشريك الرئيس في اتفاق خارطة الطريق لتحسين شبكة الكهرباء في العراق".

وأكد أن "سيمنز تواجه فرصة جيدة في الحصول على الجزء الأكبر من الطلبات بقيمة 14 مليار دولار".

ووقتها أعلنت شركة "سيمنز" أن "الاتفاقية مع وزارة الكهرباء تمهد الطريق للتنفيذ التام لخارطة طريق العراق"، مشيرة إلى أن "خارطة الطريق تشمل إضافات قصيرة، متوسطة وطويلة الأجل لسعة توليد طاقة جديدة وعالية الكفاءة".

وتضمنت الاتفاقية إعادة تأهيل وتحديث المحطات الموجودة حاليا، وتوسيع شبكات النقل والتوزيع، ومنح ثلاثة عقود بقيمة تقارب 700 مليون يورو للمرحلة الأولى من خارطة الطريق.

وتشمل العقود بناء محطة طاقة تعمل بالغاز بسعة 500 ميغاوات في منطقة الزبيدية، وتزويد 40 توربين غازي بوحدات تبريد، وإنشاء 13 محطة فرعية بقوة 132 كيلوفولت مع 34 محول طاقة في العراق.