رغم الخلافات الكبيرة بينهما.. لماذا زار الرئيس الفلبيني الصين؟
تحدثت صحيفة صينية عن أهمية زيارة الرئيس الفلبيني المنتخب قبل أشهر، فرديناند ماركوس جونيور الأخيرة إلى بكين وإجرائه محادثاته مع نظيره الصيني شي جين بينغ.
وأجرى الرئيسان محادثات في 4 يناير/ كانون الثاني 2023 خلال الزيارة التي تكمن أهميتها في أن البلدين بينهما خلافات فيما يتعلق ببحر الصين الجنوبي.
وهي القضية التي تعمل الولايات المتحدة على استغلالها للضغط على الصين، في ضوء إستراتيجية الأمن القومي الأميركية الجديدة، وفق ما تقول صحيفة "سوهو" الصينية.
ولطالما عبرت الفلبين عن مخاوف بشأن أنشطة بناء صينية واحتشاد سفن بكين في المياه المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، وهي منطقة غنية بالنفط والغاز والموارد السمكية.
إيجابية متبادلة
وسلطت الصحيفة الضوء على هذه الزيارة ومخرجاتها، وانعكاساتها على العلاقات الثنائية، مشيرة إلى الموقف الفلبيني من التدخل الأميركي في قضية بحر الصين الجنوبي.
تتمتع الصين والفلبين بتاريخ من العلاقات المتبادلة والتعاونات الثنائية يمتد لأكثر من 1000 عام، نظرا لكونهما جارتين متقاربتين، لا يفصل بينهما سوى شريط من المياه.
ورأت الصحيفة أن البلدين تعاملا مع بعضهما بشكل صحيح خلال السنوات الأخيرة فيما يتعلق بالخلافات الثنائية بينهما حول بحر الصين الجنوبي.
إذ تمسك الطرفان بمبادئ التضامن والتعاون والمساواة والمنفعة المتبادلة، كما أنهما التزما بتطوير العلاقات الثنائية، بما يعود بالنفع على البلدين وشعبيهما، لافتة إلى أن الزيارة الأخيرة دفعت العلاقات الصينية الفلبينية إلى مستوى أعلى.
وتناول التقرير الزيارة بالتحليل من خلال 3 زوايا: قبل الزيارة، وأثناءها، وبعدها.
فعشية رحلته إلى الصين، عقد ماركوس مؤتمرا صحفيا في 3 يناير، وأعلن فيه -بتفاؤل بالغ- أنه يتوقع أن تكون هذه الزيارة قاطرة لفصل جديد في العلاقة بين الطرفين.
وتحدث عن تعزيز العلاقات بين البلدين، ودفعها لمستوى أعلى، مما يكثر من الفرص الواعدة لكليهما، وهو ما سيساهم في تحقيق المزيد من المكاسب للشعبين.
وتجدر الإشارة إلى أن ماركوس جونيور هو أول رئيس دولة أجنبي تستقبله الصين في عام 2023.
وقد صرح السفير الصيني لدى الفلبين، هوانغ شيليان، بأن بلاده تعطي أهمية كبيرة للعلاقات الثنائية مع الفلبين.
وتعقب الصحيفة: "ليس من الصعب تخيل أن هذا التعاطي الإيجابي المتناغم بين الطرفين قبيل الزيارة كان مقدمة إيجابية، مما أظهر أن الجانبين سيكونان قادرين على الوصول إلى توافق حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتحقيق سلسلة نجاحات دبلوماسية مثمرة".
وأثناء الاجتماعات بين الجانبين، أوضح الجانب الصيني أنه يضع الفلبين على رأس أولويات دبلوماسيتها مع دول الجوار، مؤكدا أنهم ينظرون للعلاقات الصينية الفلبينية من منظور إستراتيجي شامل.
الشريك الأقوى
وهو ما قابله ماركوس بالتأكيد على أن الصين هي الشريك الأقوى للفلبين، وأنه لا شيء بمقدوره وقف استمرار وتنمية الصداقة بين الدولتين.
وأردف التقرير: "لم تكن هذه البيانات والتصريحات المباشرة مؤشرا على الصداقة التقليدية القديمة بين الجانبين وفقط، لكنها كانت كذلك مؤشرا من الممكن من خلاله توقع التطورات الإيجابية المستقبلية للعلاقات الثنائية".
وفي هذا المناخ الودي، أصدر البلدان بيانا مشتركا، تضمن 28 بندا، كما وقعا 14 وثيقة تعاون تغطي مجالات مثل الزراعة والبنية التحتية للثروة السمكية، إضافة إلى التمويل في مبادرة "الحزام والطريق".
وبعد دراسة متأنية للبيان الصحفي والبيان المشترك الذي أعقب الاجتماع، أعطى التقرير اهتماما خاصا لثلاث نقاط، رأى أنها جديرة بالاهتمام.
أولى هذه النقاط تتمثل بقضية بحر الصين الجنوبي، إذ اتفق الطرفان على أن النزاع فيه لا يمثل سوى جزء من العلاقات البينية.
كذلك توافقا على ضرورة إدارة الخلافات بينهما والسيطرة عليها بشكل مناسب، فضلا عن تأكيدهما على أن الطرق السلمية هي السبيل لحل الخلافات، كما أنها الضامن لتعزيز السلام والاستقرار الإقليميين.
كذلك اتفق الجانبان على أهمية المشاورات الدبلوماسية، ووضعا آلية التشاور الثنائي، وقررا إنشاء آلية اتصال مستدام بين إدارة الحدود والبحار بوزارة الخارجية الصينية، وإدارة المحيطات بوزارة الخارجية الفلبينية.
كما توافقا على تعميق التعاون في مجال الطاقة، وذلك من خلال استئناف مشاوراتهما لتطوير أنشطتهما التنقيبية عن النفط والغاز البحري في أقرب وقت ممكن.
بينت الصحيفة أن النقاط المذكورة أعلاه وضعت إطارا موضوعيا وعمليا لقضية بحر الصين الجنوبي.
وهو ما أعطى إمكانية لأن تصبح هذه القضية نقطة مضيئة في العلاقات الصينية الفلبينية، يجرى فيها مراعاة مصالح الجميع، وتتحقق فيها مكاسب متبادلة للأطراف كافة.
وبعد الاجتماع، أشادت وزارة الخارجية الصينية بزيارة ماركوس، واصفة إياها بأنها "بداية جيدة" للعلاقات بين الصين والفلبين خلال هذا العام".
وأكدت أن الزيارة ستجلب فوائد كبيرة للعلاقات الثنائية في المرحلة القادمة، كما ستوفر دعما لتنمية البلدين، وبالتالي ستساهم في إحلال السلام والاستقرار الإقليميين.
لن تنجح
وفي مقابلة مع وكالة CCTV الصينية، أبدى ماركوس ثقته الكبيرة في الاتفاقيات مع الصين، ولا سيما المتعلقة بالتنمية البحرية المشتركة.
كما أكد معارضته الشديدة لتدخل أي دولة من خارج المنطقة خاصة بعد أن هددت الولايات المتحدة سابقا أنها ستصبح "طرفا ثالثا" في قضية بحر الصين الجنوبي.
لكن ماركوس أعلنها بصراحة أن جهود الولايات المتحدة "لن تنجح". وقد عزا ذلك إلى أن واشنطن ليست صاحبة مصلحة مباشرة في هذه القضية.
وبين أن الفلبين والصين هما المنوط بهما التفاوض في هذا الملف، وقد يشمل هذا التفاوض دولا آسيوية أخرى ذات صلة.
وشدد ماركوس على أن "مستقبل منطقة آسيا والمحيط الهادئ ينبغي تحديده من قبل دوله وليس عبر الآخرين".
وخلصت الصحيفة إلى أنه يمكن وصف زيارة ماركوس بأنها إيجابية ومثمرة وإستراتيجية، وهو ما يشير إلى أن العلاقات الصينية الفلبينية ستشهد فترة مستقرة نسبيا في المرحلة القادمة.
ومن جانب آخر، ترى الولايات المتحدة أن بحر الصين الجنوبي نقطة انطلاق مهمة للمضي قدما في إستراتيجيتها للمحيطين الهندي والهادئ.
وهو ما ذكر بالتفصيل في "إستراتيجية الأمن القومي الأميركي 2022"، التي أطلقتها إدارة الرئيس جو بايدن، في أكتوبر/تشرين الأول 2022.
ولذا، تختتم الصحيفة تقريرها بأن "احتماليات نجاح مشاورات الصين والفلبين لتطوير نشاطاتهما المتعلقة بالنفط والغاز، وكذلك حل الخلافات الثنائية بينها، يعتمد إلى حد كبير على ما إن كان بإمكان البلدين القضاء على تدخل الطرف الثالث".