"لعبة المصالح".. هذه مطالب السعودية لإعادة العلاقات مع نظام الأسد

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أمام التغيرات الإقليمية تجاه التعاطي مع الملف السوري، فتحت السعودية التي ما تزال في حالة مقاطعة سياسية مع نظام بشار الأسد، قنوات حوار جديدة "غير معلنة"، بالتوازي مع الحراك العربي التركي.

وتخوض الرياض حراكا استخباراتيا جديدا مع نظام الأسد، ضمن محاولاتها الحصول على مطالب معينة تراها "كحسن نية" قبل الحديث عن تغير في العلاقة مع هذا النظام الذي قطعت العلاقات معه منذ نهاية عام 2011 لقمعه الثورة الشعبية.

لقاءات استخباراتية

وأكدت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، في تقرير لها نشرته في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2022، أن رئيس المخابرات العامة التابع للنظام السوري، اللواء حسام لوقا، زار العاصمة الرياض في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 لإجراء محادثات مع وفد سعودي.

وأوضحت المجلة، أن "توقيت الزيارة اللافت هي بهدف فتح حوار حول تعاون أمني يمهد لتطبيع العلاقات الثنائية بين النظام السوري والسعودية".

وأفادت "إنتيليجنس أونلاين"، بأن "ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يعارض خطوة تطبيع العلاقات مع النظام السوري".

فيما يعد اختيار النظام السوري للواء "لوقا" كونه من الطائفة السنية وينحدر من المكون الشركسي، وهو النجم الصاعد في جهاز المخابرات، ومن المتوقع أن يخلف اللواء علي مملوك في رئاسة مكتب الأمن القومي.

ويعتبر لوقا مسؤولا بشكل مباشر عن مجازر ارتكبت بأوامر منه في أكثر من مدينة لإخماد الثورة الشعبية التي اندلعت في مارس/ آذار 2011.

وله باع طويل في عمليات تهجير السوريين من بعض المدن أبرزها درعا، وقد ورد اسمه في كتاب "القائمة السوداء" الذي نشرته منظمة "مع العدالة" عن أسماء ضباط الأسد المتورطين بدماء الشعب وقتلهم عقب الثورة.

ويعتبر لوقا المسؤول عن إعادة دمج نظام الأسد في المنطقة، بعدما قاد بنجاح عملية "المصالحات" بين بعض فصائل المعارضة والنظام بأكثر من مدينة سورية.

وكانت مصادر "إنتيليجنس أونلاين" قالت في 4 يوليو/تموز 2022: إن مصر باتت تعارض الآن عودة نظام الأسد إلى مقعد سوريا في جامعة الدول العربية.

وجاء موقف القاهرة متناغما بشكل براغماتي مع موقف السعودية، التي لا تزال تعارض بشدة استعادة النظام السوري لمقعده في الجامعة، حيث تواصل القاهرة التفاوض مع الرياض حول بعض القضايا الرئيسة.

"دولة مركبة"

وخلال عام 2021، سربت معلومات عن وجود محاولات لتقارب السعودية مع نظام الأسد، قبل أن تنفي الرياض ذلك.

بل أعطت الرياض إشارات على بعد المسافة بينهما، عبر شن مندوب السعودية لدى الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2021 هجوما على الأسد من داخل قاعة الجمعية العامة.

وقال المعلمي حينها: "لا تصدقوهم إن وقف زعيمهم (الأسد) فوق هرم من جماجم الأبرياء مدعيا النصر العظيم.. فكيف يمكن أن يعلن ذلك بين أشلاء الأبرياء وأنقاض المساجد".

وفي السياق، أكد الكاتب والمحلل السياسي السوري، أحمد الهواس، أن "السعودية بشكل عام كانت مرتابة من الربيع العربي ولم تكن معه ومع التغيير".

وأوضح الهواس لـ"الاستقلال" أن "المملكة ترى أن الربيع إما أنه سيصل إليها ويتغير نظام الحكم فيها، أو أن الذين يصلون للحكم في البلدان التي ثارت على الطغاة سيشكلون خطرا على الواقع السعودي من خلال تغير بنية الدول من أنظمة مستبدة إلى أنظمة تأتي من خلال الاختيار الشعبي".

ولفت الهواس، إلى أنه "بالنسبة للثورة السورية، فإن السعودية دعمت فصائل عسكرية معينة للمعارضة حتى تبقي حالة الاحتراب موجود، ولكنها لا تسقط نظام الأسد".

واستطرد: "لا سيما أن هناك فصائل عسكرية دعمتها السعودية وكانت تحيط بدمشق وكان بإمكانها إنهاء نظام الأسد، إلا أنها لم تفعل ذلك، وبالتالي من مصلحة الرياض ربما أن ينتصر النظام حتى تخوف شعبها بأن الثورة السورية التي قدمت مليون شهيد فشلت في تغيير النظام".

وألمح الهواس إلى أن "هناك تيارا لا شك في ذلك داخل السعودية كان يؤيد إسقاط نظام الأسد وكان يتبناه وزير الخارجية الراحل سعود الفيصل وهو أول من دعا إلى تسليح الثورة السورية".

واعتبر أن "هناك تغيرات كثيرة تحصل في الملف السوري، من ناحية إعادة إنتاج النظام وقبوله كما هو، لكن التغيير يحصل في بنية الدولة السورية، بحيث تتحول الدولة إلى دولة مركبة".

واستدرك الهواس قائلا: "لا شك أن هناك تنسيقا بطريقة أو بأخرى بين النظام والسعودية من خلال الإمارات، التي لم تقدم على خطوة فتح سفارتها في دمشق عام 2018، واستقبال الأسد في أبوظبي وزيارة وزير خارجيتها عبد الله بن زايد إلى دمشق ولقاء الأسد، إلا بتنسيق كامل مع السعودية أو لإرضائها".

وزاد قائلا: "وبالتالي إرضاء الولايات المتحدة الأميركية التي تريد إنتاج النظام من جديد وتغيير بنية الدولة السورية فقط".

وذهب الهواس للقول: "ربما السعودية تريد تحقيق مصالحها والمفاضلة بين نظام الأسد المجرم ومن سيأتي فتجد أن الذي سيأتي ربما لا يتسق معها".

وختم الهواس بالقول إن "مصلحة الأنظمة العربية التي تتساند فيما بينها ضد الشعوب الثائرة لا مصلحة لها بأي تغيير في المنطقة يأتي بنتائج تنعكس سلبا على السعودية أو الدول التي لم تحدث بها ثورات".

تغيرات إقليمية

وتأتي التحركات السعودية الحديثة تجاه النظام السوري، بالتوازي مع تقدم في العلاقة بين أنقرة ودمشق، والتي نتج عنها عقد اجتماع لأول مرة منذ عام 2011، بين وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام، ورؤساء أجهزة الاستخبارات في البلدان الثلاثة بالعاصمة موسكو في 28 ديسمبر/كانون الأول 2022.

كما أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أعلن في 5 يناير 2022، عن لقاء مقبل سيعقد بين وزراء خارجية تركيا وروسيا والنظام السوري في إطار مسار ثلاثي.

وأضاف أردوغان خلال اجتماع لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم في العاصمة أنقرة، أنه بعد ذلك "سيجتمع الزعماء وفقا للتطورات".

وبين أن "الهدف من ذلك هو تحقيق الطمأنينة والهدوء، وإحلال السلام في المنطقة".

وبحسب صحيفة "الشرق الأوسط"، فإن وزيري خارجية النظام السوري فيصل المقداد والتركي مولود جاويش أوغلو، سيجتمعان بحضور نظيرهما الروسي سيرغي لافروف، في موسكو، وسط جهود لترتيب مشاركة الوزير الإماراتي عبد الله بن زايد في اللقاء ليصبح رباعيا.

وفي 4 يناير 2022، التقى وزير الخارجية الإماراتي مع رئيس النظام السوري بالعاصمة دمشق.

ويعد هذا اللقاء هو الثاني بينهما بدمشق الذي جرى في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، وجاء ثمرة لقيام الأسد بزيارة علنية لأبوظبي في 18 مارس من العام المذكور في أول زيارة له إلى دولة عربية منذ اندلاع الثورة.

ومن هنا يتلمس المُسْتَجَد في الموقف السعودي تجاه النظام السوري، الذي بات "أمام جملة من الشروط التي ينبغي عليه تطبيقها ثمنا لإعلان الرياض تطبيع العلاقة معه من جديد"، وفق مراقبين، ولا سيما أن مصادر إعلامية سورية تحدثت عن أن زيارة اللواء لوقا إلى الرياض استغرقت 4 أيام.

"طلبات الرياض"

وفي السياق، أكد الباحث السوري ومدير موقع "اقتصادي" المعارض، يونس الكريم، أن "زيارة حسام لوقا للسعودية هي محاولة لمعرفة طلبات الرياض لتحديد مستوى العلاقة، وخاصة أن هناك ضغوطا على الرياض من قبل الإمارات وسلطنة عمان، وإلى حد ما فقد نجحت تلك الضغوط".

وأضاف الكريم لـ"الاستقلال" أن "اللقاء الجديد هو محاولة لاستكمال العلاقة بين نظام الأسد والسعودية التي انطلقت في مايو/ آيار 2021، وآنذاك سلمت مخابرات الأسد للرياض، مجاهدين سعوديين (يسمون جزراوية) كانوا يقاتلون بسوريا وتم اعتقالهم أثناء المعارك وزجهم بالسجون، كحسن نية أمام إعادة العلاقات بينهما".

ولفت إلى أن "نظام الأسد بحاجة لدعم السعودية للعودة إلى شغل مقعد سوريا في الجامعة العربية والتعويم العربي، وخاصة أن الرياض وقطر هما من يقفان في وجه عودة الأسد للجامعة".

وكان اللواء لوقا حضر تأسيس "المنتدى العربي الاستخباري" مطلع فبراير/ شباط 2021، في القاهرة، والتقى حينها بنظيره السعودي الفريق خالد الحميدان.

ويهدف المنتدى الذي يتخذ من القاهرة مقرا له، إلى تعزيز الأمن القومي العربي، عبر دعم التعاون الاستخباري وتبادل المعلومات بين الدول، بما يساعدها على "مواجهة الإرهاب" والتهديدات الإقليمية.

ورأى الكريم أن "ما يجرى الآن بين الرياض ونظام الأسد هو محاولة إيجاد صيغة للتفاهم لإعادة العلاقات، ومن بين الأمور التي يجرى نقاشها هو تجارة المخدرات التي تهرب من سوريا إلى السعودية رغم معرفة الأخيرة أن الأسد لن يتخلى عنها إلا بحصوله على مقابل كبير في العلاقة".

جدير بالذكر أن انشغال روسيا حليفة الأسد والتي تدخلت عام 2015 عسكريا لمنع سقوطه، في حرب أوكرانيا منذ فبراير/ شباط 2022، أعطى دفعة جديدة لإعادة الملف السوري إلى الطاولة.

ويؤكد مراقبون أن هذا الأمر يستدعي اتخاذ مواقف حازمة من الملف السوري سواء بما يتعلق من إعادة الأسد إلى الجامعة العربية أو حول الموقف من النظام بحد ذاته وسياساته.

ولذلك فإن السعودية رغم أنها ليست دولة حدودية مع سوريا، إلا أنها تدرك حجم المخاطر التي وقعت عليها بسبب بشار خلال السنوات الأخيرة.

شروط السعودية

وضمن هذه الجزئية، أكد مدير موقع "اقتصادي" أن "السعودية لديها صفقة لإعادة العلاقات مع النظام لها جوانب اقتصادية وسياسية، ويظهر أن الرياض مهتمة بالملف السوري من خارج رؤية المعارضة السورية".

وبين الكريم لـ"الاستقلال"، أن "ما يجرى حاليا من نقاشات هي استكمال لنقاشات سابقة منذ عام 2021 لم يلتزم حينها النظام بالمطالب السعودية، حول التدخل الإيراني واصطفاف الأسد مع طهران في عدة قضايا وتواجد حزب الله والمليشيات الإيرانية".

وألمح إلى "أن العلاقات بين الرياض ونظام الأسد توترت، عقب استخدام روسيا للأراضي السورية لتهديد شركة آرامكو (عملاق النفط) والقواعد الأميركية في السعودية".

فضلا عن "اكتشاف الرياض لوجود معسكرات للحوثيين على الأراضي السورية بمناطق تواجد المليشيات الإيرانية في ديرالزور شرقي سوريا"، وفق الكريم.

وبين أن "من جملة المطالب السعودية التي تريدها من نظام الأسد مقابل إعادة تعويمه هو السيطرة الخليجية على خط الغاز العربي، وقطع تجارة المخدرات من سوريا تجاه السعودية والخليج عموما".

وخط الغاز العربي الإستراتيجي أنشئ عام 2000 لتصدير الغاز الطبيعي بين مصر والأردن ولبنان وسوريا إلى أوروبا عبر تركيا، لكنه توقف بسبب ثورات الربيع العربي.

إلا أن المعضلة التي تهدد إحياء هذا الخط، هو إمساك إيران بهذا الملف بعدما نشرت مليشياتها مدعومة بحزب الله اللبناني جنوب سوريا وتحديدا في محافظة درعا التي يمر منها الخط قادما من الأردن المجاورة.