كيف تؤدي سيطرة موسكو على إقليم برقة الليبي إلى زعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي؟

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

يرى موقع إيطالي أن هدف روسيا الرئيس في استعادة مكانتها كقوة عالمية يساعد في فهم الرابط بين غزو أوكرانيا في فبراير/شباط 2022 وعودة الانقسام في ليبيا.

وأوضح موقع "مركز الدراسات الجيوسياسية" أن "عدم الاستقرار السياسي الليبي وسيطرة الكرملين على إقليم برقة من خلال مرتزقة مجموعة فاغنر، كانا حاسمين خلال صيف 2022 في زعزعة استقرار إيطاليا، وبالتالي التأثير على الوحدة الأوروبية".

نشاط فاغنر

وقال الموقع الإيطالي إن "روسيا ظلت ملتزمة بالحفاظ على نفوذها في ليبيا رغم جمود الحرب في أوكرانيا، التي أدانتها منذ البداية حكومتا طرابلس وطبرق".

وفي 5 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أكد نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف، عزم موسكو إعادة فتح سفارتها في العاصمة الليبية. 

ويرى بوغدانوف، في مقابلة مع وكالة الأنباء الروسية الرسمية "تاس"، أن هدف بلاده يتمثل في استعادة وجودها في جميع أنحاء ليبيا وإعادتها "إلى ما كانت عليه قبل تفكك الاتحاد السوفييتي".

وعلق الموقع بأنه "يبدو أن الكرملين يعيد النظر في سياسته تجاه ليبيا، ولا سيما حكومة الوحدة الوطنية بقيادة رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة". 

وأشار إلى أنه "على مدى سنوات، دعمت روسيا فعليا القوات العسكرية شرق البلاد، ولا سيما تلك التابعة للجنرال (الانقلابي خليفة حفتر)، المعارض اللدود لحكومة طرابلس".

علاوة على ذلك، كانت موسكو من أوائل الدول التي اعترفت بحكومة الاستقرار الوطني بقيادة رئيس الداخلية الأسبق فتحي باشاغا، على إثر تكليفه من قبل برلمان طبرق في فبراير/شباط 2022.

ويفسر مركز الدراسات هذا التغيير الأخير في الإستراتيجية بكونه "نتيجة لمحاولات باشاغا العديدة الفاشلة دخول العاصمة، لذلك تبدو موسكو مستعدة لدعم حكومة الوحدة من أجل التمكن من لعب دور مهم في السياسة الداخلية الليبية".

ولفت إلى أن وجود المرتزقة من شركة "فاغنر" لا يزال كبيرا في البلاد، رغم النوايا الروسية المعلنة لتحويل دورها في ليبيا من عسكري ولوجستي إلى دبلوماسي بشكل متزايد.

زيادة النفوذ

وذكر المركز أن "فاغنر، المرتزقة الذين توظفهم موسكو بشكل غير رسمي لتحقيق أغراض سياسية وعسكرية، قامت بعد وصولها إلى ليبيا عام 2015 بتدريب قوات حفتر ودعمت هجومه على طرابلس في 2019". 

بعد ذلك، نشرت المليشيا عناصرها لحماية سلسلة من البنى التحتية للطاقة في  إقليم برقة، تحديدا في مدن طبرق وبنغازي ودرنة وسرت.

وأردف المركز أن "الكرملين قام بتوظيف جهات فاعلة مثل فاغنر لمحاولة تعميق العلاقات مع الدول الإفريقية، من جهة، إلى حد جعلها تعتمد على الموارد العسكرية التي توفرها موسكو، ومن ناحية أخرى للوصول إلى مواردها الطبيعية الوفيرة".

وشرح أن "الإستراتيجية المستخدمة بسيطة للغاية، يقدم المرتزقة خدماتهم للحكومات التي تواجه صعوبات أو، كما في حالة ليبيا، إلى الفصائل المقربة من روسيا بهدف القيام بعمليات عسكرية ضد الخصوم المحليين". 

في المقابل، تطالب فاغنر، نيابة عن الكرملين، بالدفع إما بامتيازات الموارد الطبيعية أو العقود التجارية الكبيرة، أو الوصول إلى البنية التحتية الإستراتيجية مثل الموانئ والمطارات.

وأكد المركز أن "عناصر المجموعة مازالوا يسيطرون على القواعد العسكرية وحقول النفط الرئيسة في برقة، رغم حديث العديد من وسائل الإعلام الدولية عن انسحاب كبير من ليبيا لدعم القوات الروسية في أوكرانيا".

وبين أن "أنشطة فاغنر، التي تتعارض بشكل واضح مع التصريحات الرسمية للكرملين، تعكس الأهداف الجيوسياسية الروسية الأوسع في ليبيا، وعموما في جميع أنحاء القارة الإفريقية، خاصة زيادة النفوذ وتقليله في المقابل للغرب، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي". 

علاوة على ذلك، "يكشف دعم مجموعة فاغنر لحكومة طبرق عدم الحرص الروسي على الاستقرار الوطني والتهدئة، بل بالأحرى ينصب اهتمامها على الحفاظ على الوضع الراهن". 

وبحسب المركز، تسمح سيطرة المرتزقة الروس على حقول النفط والغاز الطبيعي الرئيسة للكرملين بـ"الإشراف على إمدادات الغاز الطبيعي، كما أن عدم الاستقرار السياسي الليبي يُخرج تدفقات الهجرة نحو أوروبا عن السيطرة".

وتابع: "يمكن لروسيا بعد ذلك أن تستغل عواقب كلتا هاتين المسألتين للضغط على القوى الغربية وتحقيق نتائج سياسية لفائدتها".

عواقب ملموسة

بحسب الموقع، كانت إيطاليا خلال صيف عام 2022 الدولة الأكثر تضررا من وجود الكرملين في ليبيا، سواء من وجهة نظر إمدادات الطاقة أو من ناحية تدفقات الهجرة غير النظامية. 

وأوضح أن مصلحة روما اقتضت منذ اندلاع الصراع في أوكرانيا، زيادة واردات الطاقة من ليبيا لخفض الاعتماد على الغاز الروسي.

إلا أن ما حدث هو العكس، وذلك بعد أن خفضت ليبيا، التي تخضع مواردها الرئيسة من الغاز الطبيعي لسيطرة فاغنر، الإمدادات إلى إيطاليا بنسبة 27 بالمئة عام 2022، وفق الموقع الإيطالي.

وفي هذا الصدد، يذكر أن خط الأنابيب المعني "غرين ستريم" لم يُستغل بشكل كافٍ لسنوات، خاصة أن بإمكانه ضخ 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى إيطاليا سنويا، ولكن الكميات التي تم تصديرها من خلاله كانت ثلاثة مليارات عام 2021 وما يزيد قليلا على مليارين في 2022.

 وبذلك تسبب الوضع السياسي في ليبيا في منع  تصدير ما يقرب من 8 مليارات متر مكعب من الغاز سنويا إلى إيطاليا. 

أما بالنسبة لتدفقات الهجرة غير النظامية، فإن الآلاف غادروا الساحل الليبي، ما يقارب 39 ألفا في 2022 مقارنة بـ27 ألفا و771 عام 2021 خلال أشهر الصيف، وخاصة بعد استقالة حكومة ماريو دراغي.

وتغادر معظم القوارب من برقة وبشكل رئيس من مدينة طبرق الساحلية، حيث ينتشر ما بين ألفين وخمسة آلاف مرتزق من مجموعة فاغنر.

وأكد الموقع أن "استغلال ورقة المهاجرين غير النظاميين يفرض ضرورة قيام الاتحاد الأوروبي بوضع خطة فعالة لإدارة هذه الظاهرة".

وتابع قائلا: "طالما أن تدفقات الهجرة تدار بشكل فردي وعن طريق تفويض بلدان المنشأ والعبور مقابل الدعم الاقتصادي من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء، ستواصل هذه البلدان توظيفها كسلاح للابتزاز ولتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية". 

كما أن زيادة التدفقات المغادرة من ليبيا لم يؤد إلى إضعاف التماسك على المستوى الأوروبي فحسب، بل أفضى أيضا في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 إلى تجديد مذكرة التفاهم الإيطالية الليبية المثيرة للجدل بشأن إدارة تدفقات الهجرة، وهو ما يصب في صالح المليشيات الليبية المتحالفة مع فاغنر

واتهم الموقع روسيا باستخدام المهاجرين الليبيين لزعزعة استقرار إيطاليا وبالتالي الاتحاد الأوروبي، ويأتي ذلك بعد أقل من عام من سماح رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، الحليف المخلص لرئيس روسيا فلاديمير بوتين، لآلاف المهاجرين من الشرق الأوسط (معظمهم من العراق) من العبور إلى الحدود مع لاتفيا وليتوانيا وبولندا.

وذكر أن ذلك تسبب في بناء جدار بين بولندا وبيلاروسيا، وأثار جدلا في الاتحاد الأوروبي حول حماية حقوق الإنسان.

وخلص الموقع إلى القول إن "روسيا حوّلت ليبيا من خلال هذه الآليات إلى ساحة معركة أخرى رغم بعدها جغرافيا عنها وعن الصراع في أوكرانيا، خاصة أن المصالح الاجتماعية والاقتصادية لإيطاليا والاتحاد الأوروبي تتضرروا بتوقف إمدادات الطاقة وزيادة تدفقات الهجرة غير النظامية".