عبر إثارة الطلاق الشفهي.. لماذا يصر السيسي على مخالفة الدستور والشريعة؟
عاد التضارب والخلاف من جديد بين رئاسة النظام المصري ومشيخة الأزهر، على وقع مساعي الأولى لإلغاء "الطلاق الشفهي" والاعتماد على التوثيق فقط، لترد الثانية بالتشديد على وقوعه بالفعل حال النطق به.
"تعبتني يا فضيلة الإمام".. تلك الجملة التي قالها رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، عام 2017، لشيخ الأزهر أحمد الطيب، رسمت طبيعة العلاقة بينهما، في طريق صعب من العثرات والمواجهات المبطنة بين الطرفين.
وأصل تلك الجملة كانت نابعة من أعقد المشكلات بين السيسي وشيخ الأزهر، وهي تعديل قانون الطلاق وإلغاء الطلاق الشفهي.
تكذيب "فوري"
ويريد السيسي أن يصبح الطلاق المعتمد فقط أمام المأذون، وهو ما لا تعتد به المشيخة مطلقا، إذ تشدد على وقوع "الطلاق الشفهي" وتدفع المواطنين إلى ضرورة توثيقه بعد ذلك، وهو ما لا يقبل به رئيس النظام.
وتتصاعد التساؤلات عن أسباب إصرار السيسي على إقرار تلك المسألة تحديدا، في ظل أزمات اقتصادية وسياسية عاصفة تضرب البلاد.
ويرى كثيرون أن النظام وضع نفسه كطرف ثالث في علاقات الزواج والطلاق والإنجاب في مصر، وأن السيسي اتبع خط تعقيد الزواج والطلاق، ومحاولة الحد من الإنجاب، ليحدث تغييرات مجتمعية كبرى مستقبلا، تضمن أمن الحاكم في جميع الأحوال.
وعادت الأزمة من جديد في 26 ديسمبر/كانون الأول 2022، عندما وقف وزير العدل المصري عمر مروان أمام السيسي، خلال افتتاح أحد المشروعات، متحدثا عن توثيق الطلاق.
وذكر مروان أنه أخذ موافقة الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء، مكتوبة وموقعة على توثيق الطلاق، وعقب قائلا: "نحن مطمئنين تماما لكل الأحكام التي ينص عليها مشروع قانون الأحوال الشخصية".
كانت إشارة وزير العدل تحمل مفهوما ضمنيا أن الأزهر تخلى عن موقفه في التمسك بوقوع "الطلاق الشفهي" وأنه تنازل إلى رأي السيسي المتمسك بوقوع الطلاق الموثق فقط.
لم يستمر الجدل طويلا، حتى قطعه بيان حاسم من مشيخة الأزهر صدر في 29 من الشهر نفسه.
وجاء في البيان: "يؤكد الأزهر على الرأي الشرعي الثابت من وقوع الطلاق الشفوي المكتمل الشروط والأركان، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة عليه، وهو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يوم الناس هذا".
ثم أضاف: "يجب على المطلق أن يبادر في توثيق الطلاق فور وقوعه، حفاظا على حقوق المطلقة وأبنائها، ومن حق ولي الأمر شرعا أن يتَخذ ما يلزم من إجراءات لسن تشريع يكفل توقيع عقوبة رادعة على من امتنع عن التوثيق أو ماطل فيه، لأن في ذلك إضرارا بالمرأة وبحقوقها الشرعية".
وفتحت تلك الحالة باب ذكريات الخلافات المستمرة بين المنظومتين السياسية والدينية للدولة، وأن شيخ الأزهر لن يتزحزح عن موقفه الثابت منذ سنوات، أمام رغبة الجنرال الجامحة لإبطال "الطلاق الشفهي".
١/ يُعيدُ #الأزهر التأكيد على ما صدر عن هيئة كبار علمائه بإجماع أعضائها على اختلاف مذاهبهم وتخصصاتهم، في بيانها الصادر عن اجتماعها الدوري يوم الأحد 8 من جمادى الأولى 1438هـ الموافق 5 من فبراير 2017م؛ أنه يجبُ على المطلِّق أن يبادِرَ في توثيق الطلاق فوْرَ وقوعه
— الأزهر الشريف (@AlAzhar) December 29, 2022
نشفت دماغي
ومرارا حاول السيسي التملص من إصراره على موقفه من الطلاق، وقال في سبتمبر/أيلول 2021: "هل أنا نشفت دماغي (تمسكت بموقفي) مع المؤسسة الدينية.. لا.. أنا سبت (تركت) الموضوع يتفاعل مع المجتمع ومع المؤسسة الدينية، احتراما لمنطق الزمن".
لكن التاريخ يؤكد أن السيسي بالفعل "نشف دماغه" على حد قوله، حينما دخل في مناوشات مباشرة مع شيخ الأزهر أحمد الطيب، في 25 يناير/كانون الثاني 2017.
حينها قال السيسي لشيخ الأزهر: "نحن بحاجة لثورة وتجديد في الخطاب الديني، وأن يكون متناغما مع عصره".
وفي تلك الكلمة دعا السيسي بشكل واضح، إلى تعديل "قانون الطلاق"، وإلغاء الطلاق الشفهي ليصبح المعتمد فقط أمام المأذون.
لكن هيئة كبار العلماء التي يرأسها شيخ الأزهر، ردت على طلب السيسي عبر بيان مذيل بتوقيع الطيب، رفض فيه تعديل قانون الطلاق، واستنكر المطالبة بعدم الاعتداد بالطلاق الشفهي، مؤكدا أنه يتنافى مع الشرع.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وقع سجال بين السيسي والطيب خلال الاحتفال الرسمي للدولة بذكرى المولد النبوي، والذي شن فيه شيخ الأزهر هجوما شديدا على المطالبين باستبعاد السنة النبوية من التشريع.
ويرى مراقبون، أن رئيس النظام، دأب على توجيه انتقادات للخطاب الديني، داعيا إلى تنقيحه تحت شعار التحديث، وأن ما يناسب الناس منذ 14 قرنا لا يناسب المجتمع حاليا، وأنه حاول مرارا وتكرارا تجاوز مرجعية الأزهر في مناسبات عديدة.
ودون الصحفي المصري سليم عزوز: "الأزهر الشريف يجدد موقفه الثابت من وقوع الطلاق الشفهي بأركانه، فهو بنص الدستور صاحب الولاية على قانون الأحوال الشخصية".
وأردف على تويتر: "من يريد أن يخرج بره الدستور وبره الدين هو حر، إنما مصر ليست ملزمة بهذا الخروج!.. عندما يكون رأي الأزهر في الدين وأي مرجعية أخرى سنأخذ برأي الأزهر".
الأزهر الشريف يجدد موقفه الثابت من وقوع الطلاق الشفهي بأركانه
— سليم عزوز (@selimazouz1) December 29, 2022
الأزهر بنص الدستور هو صاحب الولاية على قانون الأحوال الشخصية
من يريد أن يخرج بره الدستور وبره الدين هو حر، انما مصر ليست ملزمة بهذا الخروج!
عندما يكون رأي الأزهر في الدين وأي مرجعية أخرى سنأخذ برأي الأزهر!
وغرد عضو مجلس الأمناء باتحاد علماء المسلمين الشيخ محمد الصغير: "يؤكد الأزهر الشريف رفضه العبث بقوانين الأسرة، وتدخل غير المختصين في أحكام الزواج والطلاق".
يؤكد #الأزهر_الشريف رفضه العبث بقوانين الأسرة، وتدخل غير المختصين في أحكام الزواج والطلاق https://t.co/de1SRDH6mx
— د. محمد الصغير (@drassagheer) December 29, 2022
وتنص المادة الثانية من الدستور المصري، على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع".
وتخول المادة السابعة الأزهر الإشراف الكامل على جميع جوانب التشريع، "لكونه المرجع الأساس في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم".
لذلك فإن السيسي وجد في المؤسسة الدينية وشيخها الطيب حجر عثرة لإقرار تشريعاته الخاصة بالطلاق.
دولة هشة
ربما ما يدفع السيسي بقوة لاعتماد الطلاق الموثق وإلغاء الشفهي، ارتفاع أرقام الطلاق في مصر بشكل غير مسبوق، واهتراء الرباط المقدس لآلاف البيوت المصرية، ما يؤكد وجود خلل مجتمعي ملحوظ.
وبحسب آخر إحصائية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر "حكومي" في 24 أغسطس/ آب 2022، فإن الإحصاء السنوي لحالات الطلاق للعام 2021، يظهر تسجيل 245 ألفا و777 حالة، بزيادة نسبتها 14.7 بالمئة.
وبينت الإحصائية أن إجمالي عدد حالات الطلاق في الحضر المصري (المدن) بلغ 144 ألفا و305 حالات تمثل 56.6 بالمئة من جملة حالات الطلاق بنسبة زيادة قدرها 15.7 بالمئة.
وبلغ هذا الرقم في الريف (القرى) 110 آلاف و472 حالة، وهي تمثل ما نسبته 43.4 بالمئة من إجمالي حالات الطلاق.
وسجلت أعلى نسبة طلاق في الفئة العمرية من 30 إلى أقل من 35 سنة، بينما كانت أقل نسبة طلاق في الفئة من 18 إلى أقل من 20 سنة، وبلغ متوسط سن المطلق 40 سنة.
وكذلك سجلت أعلى نسبة طلاق بسبب الخلع (المرأة تخلع زوجها عبر المحاكم)، وبلغ عدد الأحكام بها 9197 حكما بنسبة 82.2 بالمئة.
وتمثل الأوضاع الاقتصادية الصعبة انعكاسا على الأسر المصرية، إذ يرى كثيرون أنها من أبرز أسباب وصول نسب الطلاق إلى مؤشرات صادمة.
وتعليقا على هذا الخلاف، قال أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، محمد أبو زيد: "استقر الرأي الثابت عند علماء الإسلام منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن الزواج كلمة وإشهار والطلاق كلمة وإشهار، وأن التوثيقات وضعت مع العصر الحديث ووجود الدواوين، فأصبحت ملزمة لما استجد".
واستدرك في حديث لـ "الاستقلال": "لكن لا يمكن ولا يقبل شرعا ولا دينا أن يقول رجل لامرأته (أنت طالق) عن قصد ووعي كاملين، ويقول أحدهم إن هذا الطلاق لم يقع".
فهذا درب من الفساد والانحلال، وحث للناس على العيش في الحرام والرذيلة، كما قال مضيفا: "فأن يعاشر الرجل المرأة بعد القول بطلاقها قصدا فهذا (زنا) قولا واحدا".
واستشهد أبو زيد بواقعة حدثت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا طلق زوجته 3 مرات، وعندما أخبر النبي بذلك غضب غضبا شديدا وقال: "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟"
ووجه أستاذ الدراسات الإسلامية حديث النبي إلى الحكام جميعا، وحذرهم من المساس بكتاب الله.
وذكر أن "الزواج والطلاق من أسمى شرائع ومقاصد الإسلام، ولا يمكن العبث بهما بأي شكل من الأشكال، أو تحت أي ذريعة من الذرائع، وهذا موجود في جميع الديانات السماوية التي تسبق الإسلام ومستقرة على شرائعها منذ آلاف السنين".
واستطرد: "يجب على النظام السياسي أن يكون أكثر جرأة في مواجهة نفسه وأن يقر بهشاشة دولته ومنظومته، وهو الذي قال من قبل على مصر (شبه دولة)".
فبدلا من الاصطدام بشرائع الإسلام وشيخ الأزهر، على النظام حل الأزمات الاقتصادية والفساد المستشري في المجتمع، وأن يطلق يد الدعاة والمصلحين بدلا من اعتقالهم. كما قال.
واختتم: "بذلك وبالعدل فقط سيعيش الناس والأمم، وتقل معدلات الطلاق والجريمة الأسرية، لكن من يمسك بالظاهر فقط ولا ينظر إلى المآلات والعواقب فلا عقل ولا دين له"، وفق وصفه.
المصادر
- الأزهر يعيد التأكيد على رأيه في "الطلاق الشفوي"
- الطلاق الشفهي يجدد الجدل بين الأزهر والرئاسة في مصر
- وزير العدل: حصلنا على موافقة الأزهر والإفتاء والأوقاف بشأن توثيق الطلاق الشفوي
- إحصائيات الطلاق والزواج في مصر.. أرقام صادمة لـ"أبغض الحلال"
- مصر.. الأزهر يؤكد موقفه من وقوع الطلاق الشفوي وضرورة “التوثيق”
- الطلاق: ما أسباب ارتفاع معدلاته في مصر في الفترة الأخيرة؟