بدافع الانتقام.. هكذا أثارت الإمارات "قطر غيت" في الاتحاد الأوروبي

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

على وقع فضيحة الرشاوى المالية في أوروبا، والتي باتت تعرف إعلاميا بـ"قطر غيت"، وتتهم فيها الدوحة بتقديم أموال لمسؤولين في البرلمان الأوروبي بهدف التأثير على قرارات أوروبية، بدأت تنكشف تفاصيل جديدة تتعلق بوقوف "دولة خليجية" وراء إثارة القضية.

وأثيرت القضية في ديسمبر/كانون الأول 2022، بينما كانت قطر تستضيف بطولة كأس العالم لكرة القدم، حيث نشرت تقارير غربية عن "فضيحة مالية" زعمت فيها أن الدوحة "قدمت رشاوى مالية ضخمة إلى شخصيات في البرلمان الاوروبي بدافع التأثير في القرار السياسي والاقتصادي الأوروبي".

لكن قطر أعلنت عبر بيان في 18 ديسمبر 2022، رفضها "بشكل قاطع المزاعم التي تربطها بسوء السلوك المتعلقة بفضيحة فساد البرلمان الأوروبي".

أياد إماراتية

وعقب رفض قطر لتلك الاتهامات، كشف موقع "نيوز إيتالي 24" الإيطالي في 30 ديسمبر 2022، عن وقوف "أياد إماراتية خفية" وراء القصة كلها، وذلك "بدافع الانتقام" من الأمين العام لمنظمة "لا سلام بدون عدالة"، نيكولو فيغا تالامانكا، بسبب كشفه معلومات حول اللوبي الإماراتي ومحاولات التضليل من خلال وسائل الإعلام.

وأفاد الموقع، بأن المنظمة غير الحكومية أصدرت تقريرا في يونيو/حزيران 2022 حول مناورات الإمارات للتأثير على القرارات المجتمعية، وأساليب التضليل في وسائل الإعلام، والتقارير الرسمية، بجهد مشترك من فيغا تالامانكا، وهو ما دفع الإمارات للبحث عن انتقام.

كما قررت محكمة استئناف بلجيكية استمرار احتجاز فيغا تالامانك، وهو مشتبه به إيطالي في فضيحة فساد بالبرلمان الأوروبي، بعد أن اعترض ممثلو الادعاء على قرار بالإفراج عنه مع تعقبه بواسطة سوار إلكتروني.

وفيغا تالامانك واحد من أربعة اعتقلوا في وقت سابق من ديسمبر 2022 بتهم "الفساد وغسل الأموال والتنظيم الإجرامي داخل البرلمان الأوروبي"، في واحدة من أكبر فضائح الفساد التي تضرب بروكسل.

وبعد أشهر قليلة من تقرير منظمة "لا سلام بدون عدالة"، انكشفت قضية "قطر غيت" التي يتهم فيها إلى جانب فيغا تالامانكا وآخرون، منهم أيضا السياسية الاشتراكية اليونانية، إيفا كايلي، التي كانت نائبة رئيسة البرلمان الأوروبي.

وأفاد الموقع بأن كايلي سبق لها أن "دافعت عن قطر في المجلس ضد الذين يحاولون التنمر على الدوحة بشأن معاملتها للعمال الأجانب، والتي طردها حزبها الاشتراكي اليوناني من صفوفه بعد ذلك".

وتعرضت قطر خلال استضافتها للمونديال إلى حملة شرسة من دول غربية، كانت في مقدمتها ألمانيا، التي اتهمت فيها الدوحة بعدم مراعاة حقوق الإنسان مع العمال الأجانب الذين شاركوا في التجهيز للبطولة العالمية التي استمرت من 20 نوفمبر/ تشرين الثاني إلى 18 ديسمبر 2022.

ومن ضمن المتهمين بالقضية، بيير أنطونيو بانزيري، العضو السابق في البرلمان الأوروبي من يسار الوسط الإيطالي ومؤسس جماعة "فايت إمبيونتي" (مكافحة الإفلات من العقاب)، إضافة إلى فرانشيسكو جيورجي، وهو رفيق كايلي ومستشار سياسي لشؤون حقوق الإنسان والشرق الأوسط.

وفي السياق، كشف الموقع الإخباري الإيطالي "داغوسبيا" 28 ديسمبر 2022 أن للإمارات "أيادي خفية" في قضية البرلمان الأوروبي وصلاته بشبهات فساد.

وقال الموقع الإيطالي، إنه "من المحتمل أن تكون هنالك أياد إماراتية في القضية، وإن مستشار الأمن الوطني، طحنون بن زايد آل نهيان، هو من سرب كل شيء لبروكسل في غالب الأمر".

عقدة المونديال

وعلى الصعيد ذاته، كشفت مجلة "نيويورك تايمز ويكلي" عن قيادة أبوظبي لعمليات مختلفة ضد قطر، ولا سيما الهجوم الإعلامي الذي استهدف كأس العالم، مؤكدة منطقية التقارير التي تتحدث عن وقوف الإمارات وراء قضية "قطر غيت".

وأفادت المجلة في تقرير نشرته في 28 ديسمبر 2022 بأن "طحنون بن زايد كان يقود وكلاء أبوظبي على مستوى العالم لفترة طويلة، امتثالا لأوامر شقيقه، رئيس الدولة محمد بن زايد.

وأوضحت أن "طحنون هو المسؤول عن المهام، إلا أن ابن زايد كان صانع القرار الأساسي في أبوظبي".

فيما ذكرت "نيويورك تايمز ويكلي" أن "ابن زايد يتمتع بعدد مذهل من الاتصالات الأميريكية، التي أقامها هو ووكلاؤه على مر السنين، ومن بين هؤلاء رجل الأعمال اللبناني الأميركي ومستشاره، جورج نادر، وكذك توم باراك، الرئيس السابق لشركة (كولوني كابيتال) لإدارة الاستثمارات ورئيس لجنة تنصيب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب".

كذلك، يشمل وكلاء أبوظبي كبار المحاربين القدامى المتقاعدين في المخابرات الأميركية، مثل ريتشارد كلارك.

وشددت المجلة على أنه "يبدو أن الاتهامات لقطر في فضيحة البرلمان الأوروبي الأخيرة مدبرة، إذ إن البرلمان لاحظ أنشطة متعددة للإمارات تصب في مصلحة أبوظبي وليس الاتحاد الأوروبي".

ولم تكن فضيحة "قطر غيت" بعيدة عن كأس العالم 2022، فحينما كانت الدوحة على أهبة الاستعداد لاستقبال الوفود القادمة للمشاركة في المونديال، انشغلت الإمارات بحياكة مؤامرات بالجملة ضد جارتها الخليجية.

ففي 10 أكتوبر/تشرين الأول 2022، كشف "المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط"، عن تمويل أبو ظبي "حملة تحريضية ممنهجة" ضد مونديال قطر.

وأورد المجهر (مؤسسة أوروبية تعنى برصد تفاعلات قضايا الشرق الأوسط) أنه جرى رصد منظمات تدعي أنها حقوقية وأعضاء في روابط مشجعي أندية في عدة بلدان أوروبية بينها ألمانيا وفرنسا تنشط في الدعوة إلى مقاطعة كأس العالم بعد تلقيها مبالغ مالية بشكل سري من الإمارات.

وقال إن تلك الجهات "تحاول إطلاق حملات بين جمهور أندية أوروبية مثل (برشلونة وريال مدريد ومانشستر يونايتد) تحظى بمتابعة شعبية كبيرة من أجل الترويج لحملات مقاطعة كأس العالم بتحريض إماراتي".

وذكر المجهر أن "الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (ويفا) والاتحادات المحلية ولا سيما في الدوريات الخمس الكبرى (الإنجليزي، الإسباني، الألماني، الإيطالي، الفرنسي)، على علم بمثل هذه الأنشطة المسيسة".

وذهبت الإمارات إلى أبعد من ذلك، وهو ما كشفه "اتحاد الصحفيين الأفارقة" في 25 أكتوبر 2022، بشأن تحريضها هيئات ونقابات صحفية على مقاطعة مونديال قطر.

وندد اتحاد الصحفيين الأفارقة، في بيان، بتدخل الإمارات واتصالها بنقابات صحفية إفريقية لمقاطعة كأس العالم والتحريض على الدوحة.

ونشر موقع "الخليج 24" في 26 نوفمبر 2022، أن "الإمارات حاكت خطة لإفشال كأس العالم في قطر، عبر سيناريوهات كان أهمها شراء التذاكر لاحتجازها، ومن ثم عدم الذهاب لتظهر المدرجات المونديالية وكأنها فارغة".

لعب بالنار

وبخصوص موقف قطر من الاتهامات، قال المحلل السياسي القطري، علي الهيل، إن "من فتح الأبواب يغلقها ومن أشعل النيران يطفئها، فالبرلمان الأوروبي هو الذي لعب بالنار وفتح النار على قطر على غير بينة ومن غير أدلة".

وخلال مقابلة مع قناة "بي بي سي" في 21 ديسمبر 2022، أضاف الهيل "صحيح أن رئيسة البرلمان الأوروبي، روبرتا ميتسولا، قالت إن الديمقراطية الأوروبية تتعرض إلى التهديد، بيد أنها لم تشر بأصبع الاتهام إلى قطر".

وتابع: "كما أن نائبتها التي جرى اعتقالها- كايلي- والتي وجد في شقتها 600 ألف يورو نفت أي علاقة لها بهذه الأموال ومن وضعها في شقتها، ونفت أي علاقة لها بقطر".

واستطرد الهيل: "كذلك، فإن وزير العدل البلجيكي، فنسنت فان كويكنبورن، شخصيا الذي قال إنه يحارب الجريمة المنظمة في البرلمان الأوروبي والاتحاد الأوروبي منذ عام 2020، لم يصدر أي بيان يشير بالاتهام إلى قطر".

وطالب المحلل القطري "من يدعي امتلاك وقائع وأسماء بخصوص تورط الدوحة في القضية، فعليه إثبات أن هذه 600 ألف يورو جاءت من قطر".

وأشار إلى أن "البرلمان الأوروبي متعدد الثقافات، كل واحدة منها لها مفاهيمها عن الفساد، فبلجيكا محشورة بين هولندا وفرنسا وألمانيا، وهي معروفة بأنها مليئة بشبكات غسيل الأموال، وهذا كلام وزير العدل البلجيكي نفسه".

وأكد الهيل أن "قطر منذ اليوم الأول عندما نشرت صحيفة (لوسوار) وصحف أخرى في بلجيكا، فإنها نفت مباشرة بتصريح رسمي، مع أن الكلام كله في وسائل الإعلام، لأن قطر كانت تحتضن نهائيات كأس العالم ولا تريد أي شائبة أو شبهة حولها".

ولفت إلى أن "مجموعات الضغط موجودة في داخل الاتحاد الأوروبي وكذلك موجودة في الكونغرس الأميركي، وأن موقف قطر ينفي جملة وتفصيلا أنها متورطة في أية قضية فساد".

واستدرك الهيل مستننكرا: "إذا كان دبلوماسيا قطريا في  بروكسل يذهب لتناول فنجان قهوة في المقهى مع برلماني أوروبي بحكم العلاقة الشخصية ويسمون هذا تورطا أو فسادا فهذا موضوع آخر".

ونفت الدوحة أي تورط في قضية الفساد التي تحقق فيها السلطات البلجيكية، وقالت بعثة قطر لدى الاتحاد الأوروبي إن "الأحكام المسبقة" دفعت البرلمان الأوروبي إلى التصويت على تعليق العمل على التشريعات المتعلقة بقطر ومنع الممثلين القطريين من دخول مقرات البرلمان.

وقال البيان في 18 ديسمبر 2022 إن "قرار فرض مثل هذه القيود التمييزية سيؤثر سلبا على التعاون الأمني الإقليمي والعالمي، إضافة إلى المناقشات الدائرة بشأن فقر وأمن الطاقة العالمية".

وأضاف أن "قطر تعرضت لانتقادات وهجوم في تحقيق البرلمان الأوروبي وتشعر بخيبة أمل شديدة لأن الحكومة البلجيكية لم تبذل أي جهد للتواصل مع الحكومة القطرية للوقوف على الحقائق".