اتهامات "التطبيل" بين ساويرس وإعلاميين في مصر.. قرع مقصود أم نشاز؟

داود علي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

سجال كلامي حامي الوطيس اشتعل في مصر، بين رجل الأعمال نجيب ساويرس وإعلاميين معروفين بتبعيتهم لرئيس النظام عبد الفتاح السيسي، في مقدمتهم عمرو أديب وأحمد موسى ومصطفى بكري.

بدأ السجال الذي حقق متابعة واسعة في 29 ديسمبر/ كانون الثاني 2022، عندما علق الملياردير ساويرس على صورة ساخرة "ميمز" على تويتر لعدد من الإعلاميين المصريين يدقون الطبول، قائلا: "يوجد واحد ناقص".

و"التطبيل" كلمة دارجة يستخدمها المصريون للتعبير عن نفاق الإعلاميين ومبالغاتهم المثيرة للسخرية والاستياء في دعم السيسي وتأييد سياساته الفاشلة.

والصورة التي علق عليها نشرها بالأساس أحد المغردين بعد إضافة مكان رؤوس فرقة المطبلين صور الإعلاميين عمرو أديب، وأحمد موسى، ومصطفى بكري، وتامر أمين، ومعتز بالله عبدالفتاح، ومحمد الباز.

تلاسن حاد

لم يتحمل الإعلاميون المصريون الصورة التي علق عليها ساويرس، وهاجموا رجل الأعمال المصري بشراسة، لا سيما أن التفاعل مع الصورة كان قويا إذ شاهدها نحو 10 ملايين و200 ألف شخص، وعلق عليها 11 ألفا و200 ألف، فيما نالت إعجاب نحو 71 ألف مغرد. 

وجاء الرد الأبرز والأكثر جدلا من عمرو أديب، الذي انبرى مدافعا عن نفسه، قائلا: "احنا مكسبناش من التطبيل قد ما انت كسبت من تطبيلك يا نجيب، جايز تطبيلنا كان له أصوات، إنما تطبيلك كان له أبراج ودولارات ويا خسارة وعجبي".

فيما رد أحمد موسى قائلا: "عيب عليك يا نجيب، نحن ندافع عن وطن وشعب، لن ننسى دورك وقناتك في 2011، التي استخدمتها لضرب القوات المسلحة والشرطة والقضاء، رغم أنك أكثر من كون الثروات في عهد الرئيس الراحل مبارك، هذا هو نجيب مصلحته أولا.. عيب عليك يا نجيب.. وما خفي أعظم ؟"

واكتفى نجيب بالرد قائلا: "شرف لي أني كنت في ثورة 25 يناير، وستظل نقطة فارقة في تاريخ مصر رغم أنها سرقت.. لعزوف شبابها عن السياسة وسيئاتها". 

فيما عقب الإعلامي محمد الباز عبر حسابه على فيسبوك: "ساويرس رجل يعاني من فراغ كبير... ولأنه بيعاني من فراغ فتلاقيه من وقت للتاني يمارس شكلا من أشكال التفاهة".

الشخص الناقص 

وحملت تغريدة نجيب ساويرس لغزا كبيرا، عندما أشار إلى أن "هناك شخصا ناقصا"، وكثرت التساؤلات والتعليقات عن هوية هذا الشخص.

وتداول مغردون أسماء غالبية الإعلاميين التابعين للنظام بشكل كامل، فيما تهكم آخرون بالقول إن الملياردير ساويرس نفسه هو الشخص الناقص.

لكن اجتمعت أكثر توقعات المغردين حول أن "الناقص" هو الإعلامي التابع للنظام أيضا، نشأت الديهي، الذي لم يكذب خبرا، ورد على ساويرس مؤكدا أنه يقصده هو وقال: "طبعا أنت يا نجيب اللي ناقص". 

ويحمل الخلاف بين ساويرس والديهي تحديدا بعدا مختلفا، إذ قام نشأت الديهي في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، بتقديم بلاغ إلى السلطات المصرية ضد ساويرس، يتهمه بتقديم حفلات صاخبة في حديقة مدينته "زد" بمنطقة الشيخ زايد، ما يسبب إزعاجا للمواطنين.

وعاد الديهي مرة أخرى في 31 أغسطس/ آب 2022، وشن حملة إعلامية ضارية على ساويرس، بعد أن قام الأخير بنشر تغريدة بشأن إلغاء البنك المركزي الاعتماد المستندي للاستيراد.

وقال الديهي: "أشتم من منشور نجيب ساويرس رائحة ضغط على الدولة أو الحكومة لتحقيق أغراض أو أهداف غير مفهومة حتى هذه اللحظة". 

وأضاف: "البلد دي ليها أصحاب، ومفيش حد يقدر يلوي ذراع الدولة لتحقيق أغراض معينة".

وفتح الصدام الأخير بين ساويرس والأذرع الإعلامية للسيسي، طبيعة الصراع المكتوم بينه وبين الدولة، وجدلا عما وراء هذه المناوشات.

فوق النظام

وقد يكون السبب الرئيس وراء ذلك، تلك القوة التي يتمتع بها ساويرس، وظهرت في مرات متعددة، حتى إنه فعل ما لم يجرؤ رجل أعمال مصري على فعله من داخل البلاد.

حيث انتقد توغل الجيش المصري اقتصاديا وسيطرته على السوق، وهو ما يعد من المحرمات الكبرى التي لا يستطيع أحد كائنا من كان داخل مصر الاقتراب منها، ولطالما دفع سياسيون وصحفيون ثمن خطيئة الحديث عن مشاريع وميزانية ومعاشات العسكريين.

في مثل هذه الحالة، كان من الطبيعي في ظل الأوضاع السياسية والحقوقية المتردية، أن يذهب ساويرس إلى السجن وأن ينكل به، كما فعل السيسي بغيره من رجال الأعمال، رغم عدم اقترابهم من مصالح الجيش.

لكن الملياردير ساويرس ظل على وضعه، بصورة مفاجئة، ولم يتلق إلا بعض الانتقادات من الأذرع الإعلامية التابعة للنظام.

وفي 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، نشرت وكالة الأنباء الفرنسية تصريحات لساويرس صدمت كثيرين، انتقد فيها تعامل السلطات المصرية مع الاقتصاد قائلا: "يجب أن تكون الدولة جهة تنظيمية لا مالكة للنشاط الاقتصادي".

وأضاف ساويرس أن "الشركات المملوكة للحكومة أو التابعة للجيش لا تدفع ضرائب أو جمارك، وبالتالي تصبح المنافسة بين القطاعين الحكومي والخاص غير عادلة منذ البداية". 

ولفت إلى أن "المستثمرين الأجانب خائفون بعض الشيء. أنا نفسي لا أخوض عروضا لمشاريع عندما أرى شركات حكومية، إذ إن ساحة اللعب لا تكون متكافئة".

وما يجعل نجيب عصيا على التنكيل به كغيره، اتخاذه مجموعة من الإستراتيجيات أشبه بدفاعات حصينة في وجه نظام السيسي. 

منها ارتباطه اقتصاديا بالإمارات، حيث وضع أهم استثماراته في مصر تحت الحماية الإماراتية. 

ففي 5 ديسمبر/ كانون الأول 2021، استحوذ صندوق شيميرا كابيتال المملوك للإمارات على 25 بالمئة من رأسمال شركة "جيميناي" القابضة المملوكة لساويرس، في صفقة بلغت قيمتها 100 مليون دولار. 

وليست الإمارات وحدها من يتترس بها ساويرس، بل له علاقات صميمة بالولايات المتحدة، ففضلا عن كونه يحمل جنسيتها، إلا إنه ارتبط معها بروابط اقتصادية وثيقة.

أبرزها مع وزارة الدفاع الأميركية "بنتاغون"، عبر شركة أوراسكوم، التي أسسها أنسي ساويرس (والد نجيب)، في منتصف السبعينيات من القرن العشرين.

وحصلت شركة "كونتراك" التي أسسها ساويرس في أميركا عام 2005، وهي إحدى أذرع أوراسكوم، على صلاحية تنفيذ مشروعات لصالح وزارة الدفاع الأميركية، منها مهابط للطائرات، ومراكز للجنود، ونقاط لتوزيع الوقود، ومراكز لخدمات الطائرات وصيانته، في دول مثل أفغانستان والبحرين وبلجيكا.

شبكات نفوذ

وغير أميركا، فعلاقة ساويرس بفرنسا مميزة ومتقدمة وغير واضحة المعالم في الوقت نفسه، ففي 3 أبريل/ نيسان 2012، كرمت الحكومة الفرنسية ساويرس، في حفل أقيم بمدينة "بيرسى"، وسلمته وسام "جوقة الشرف" من الأرفع بالبلاد.

ومنح ساويرس الوسام من طرف الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، "تقديرا لجهوده ومساهمته في مجالات الصناعة والاستثمار الفرنسية في منطقة الشرق الأوسط".

وكذلك يمتلك ساويرس ثروة ضخمة من احتياطيات الذهب، ما يجعل توجيه أي ضربة غير محسوبة له مدمرة للبورصات المحلية والإقليمية.

وهو ما أفصحت عنه شركة "إنديفور" الكندية للتعدين، في 6 ديسمبر 2020، التي يمتلك ساويرس فيها حصة تصل إلى 30 بالمئة، عندما أكدت في تقريرها السنوي توجه "ساويرس" إلى التوسع في قطاع الذهب.

وكشفت أن ساويرس حقق ثاني أكبر مكسب بالعالم من مناجم الذهب وفقا لمؤشر وكالة "بلومبيرغ" الأميركية لعام 2019/2020.

وفي تعليقه على المشهد، قال الصحفي المصري عامر حسن، إن "المناوشات المستمرة بين نجيب ساويرس والإعلاميين، نابعة في الأساس من حرب النظام على رجال الأعمال، أو الحرس القديم من رجال الأعمال".

وأضاف حسن لـ"الاستقلال": "ساويرس مستعصٍ على التنكيل به، ليس كما فعل (نظام السيسي) بصفوان ثابت أو محمد الأمين أو حسن راتب وغيرهم" في إشارة إلى عدد من رجال الأعمال الذين ضيق عليهم السيسي، بالسجن أو المصادرة.

وتابع: "بما أنه كذلك، فلم يتبق إلا فتح القنوات، وإطلاق ألسنة عمرو أديب ونشأت الديهي ومصطفى بكري وغيرهم عليه، تارة يتهمونه بالخيانة وتارة بتخريب الاقتصاد المصري ونقل أمواله إلى الخارج". 

حسن أكد أن "كل التهم معلبة دأب الإعلاميون على ترديدها بحق رجال الأعمال، وساويرس وإن كان له دور سيئ بالطبع في السياسة والاقتصاد بل وحتى الإضرار بالأمن القومي المصري في أكثر من مرحلة، خاصة فيما بعد 2011، لكنه ليس أسوأ من هؤلاء الذين دعموا الجنرال في مذابحه وانقلابه".

وأوضح أن "ساويرس بهجومه على الإعلاميين واتهامهم بالتطبيل عجل بحرب استباقية كانت ستحدث لا محالة، فالنظام حاليا يريد أموالا ويريد دولارات ولن يترك مستثمرا أو رجل أعمال طليقا بعيدا عن دائرته، وكأنهم يريدون إرسال رسالة إليه إما الدفع أو التشهير والابتزاز". 

وختم بالقول: "من المؤسف أن يصل الواقع المصري إلى هذا الحال، ونرى نظاما تحول إلى عصابة، ورجال أعمال يرسلون أموالهم إلى الخارج ويؤمنون أنفسهم، ثم يسهمون في اضطراب البلاد وتخريبها بعد ثورة عظيمة، وتركوا الناس تدفع الثمن بلا حساب أو عقاب".