بعد ثمانية أشهر من تشكيله.. ماذا قدم المجلس الرئاسي للشرعية في اليمن؟

12

طباعة

مشاركة

مع مرور 8 أشهر على تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، الذي جمع أطرافا متناقصة تحارب بعضها، تعيش البلاد وضعا اقتصاديا وسياسيا وعسكريا معقدا وغير مسبوق في تاريخها الحديث.

وزادت الأوضاع الإنسانية والاقتصادية تدهورا بعد انتهاء الهدنة في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وفشل تمديدها بسبب اشتراط الحوثيين دفع رواتب الموظفين والمقاتلين في مناطق سيطرتهم ورفض الحكومة ذلك.

ونتيجة لذلك، بدأت هجمات حوثية بطائرات مسيرة على موانئ تصدير النفط في محافظتي حضرموت وشبوة، خلال أكتوبر ونوفمبر 2022.

وهو ما أدى إلى حرمان الحكومة اليمنية من عائدات بيع النفط وانخفاض القيمة الشرائية للريال اليمني الذي تجاوز 1200 ريال للدولار الواحد مقابل 215 قبل اندلاع الحرب عام 2015.

وفي 7 أبريل/ نيسان 2022، أصدر الرئيس اليمني آنذاك عبدربه منصور هادي، بشكل مفاجئ، إعلانا رئاسيا ينص على تأسيس "مجلس رئاسي" فوض بموجبه رشاد العليمي بكامل صلاحياته، لاستكمال تنفيذ مهام المرحلة الانتقالية في البلاد وعزل نائبه علي محسن الأحمر.

وانتشرت أجواء التفاؤل عقب هذه الخطوة، وسط أحاديث عن قرب حلحلة الحرب الأهلية مع توحد صف الشرعية، لكن العكس هو ما حدث مع تجاوز المجلس الانتقالي الجنوبي سلطات العليمي، في مساعٍ لتحقيق مآربه الانفصالية وهو ما قوبل برفض محلي ودولي.

وصدرت من الاتحاد الأوروبي في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2022، أحدث الرسائل الدولية الداعية لضرورة توقف المحاولات الانفصالية ووحدة الشرعية لبدء مسار التسوية مع جماعة الحوثي المدعومة من إيران.

تحولات مهمة

في البداية جاء تأسيس المجلس الرئاسي بعد محادثات يمنية جرت في الرياض، لتصحيح مسار الشرعية وتعزيز الجهود التي تقودها الأمم المتحدة لإحياء المفاوضات السياسية وإنهاء الحرب المستمرة بين مليشيا الحوثي والحكومة اليمنية المسنودة بتحالف سعودي إماراتي.

وهي خطوة رأى كثيرون أنها في إطار مساعٍ سعودية، للخروج من الحرب وسط جهود أممية لإحياء مفاوضات السلام، وهو ما حدث بالفعل من خلال توقيع هدنة إنسانية في 2 أبريل/ نيسان 2022، لمدة شهرين ثم جرى تجديدها لفترتين حتى مطلع أكتوبر.

ورغم تأكيد المجلس الرئاسي، في أكثر من مناسبة، ضرورة إنهاء انقلاب مليشيا الحوثي، إلا أنه أظهر حرصا على تبني خطاب أقل حدة، تجاه مسألة الحسم العسكري، وأكثر انفتاحا على الحل السياسي للأزمة.

وهو ما شجع الحوثيين على فرض شروطهم وانتزاع مكاسب مهمة من الحكومة اليمنية، منها فتح مطار صنعاء أمام الرحلات التجارية ورفع القيود على شحنات الوقود الواصلة إلى ميناء الحديدة على البحر الأحمر الخاضع لسيطرة الحوثيين.

في المقابل لم يلتزم الحوثيون بتعهداتهم بموجب اتفاق الهدنة في صرف رواتب الموظفين من عائدات سفن المشتقات النفطية، كما رفضوا فتح الطرق ورفع الحصار على مدينة تعز وسط اليمن، التي تفرض عليها مليشيا الحوثي حصارا خانقا منذ 2015.

وفي المحافظات الجنوبية، كشف المجلس الرئاسي النقاب عن المسار الذي تسلكه البلاد، بعد التطورات الأخيرة بمحافظتي شبوة النفطية وأبين المحاذية للعاصمة المؤقتة عدن اللتين سيطرت عليهما مليشيات المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا، وسعيها لإسقاط محافظة حضرموت أكبر محافظات اليمن.

وهو ما ظهر جليا في محافظة شبوة عندما سيطرت قوات تابعة للمجلس الانتقالي على عتق عاصمة المحافظة في 10 أغسطس/آب 2022، بمساندة من طيران مسير إماراتي شن غارات على القوات الحكومية.

وتجاوز رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي الذي يشغل منصب نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي توجيهات العليمي، بإيقاف أي تحركات عسكرية بمحافظة أبين.

وأصدر أوامره للقوات المدعومة من الإمارات لتنفيذ عملية عسكرية للسيطرة على المحافظة في 22 أغسطس 2022، والتحشيد باتجاه محافظتي حضرموت والمهرة.

لتتوسع بعدها رقعة سيطرة المجلس الانتقالي، في المحافظات الجنوبية من خلال سيطرة قواته على محافظات عدن ولحج والضالع وأبين وشبوة.

مأزق التوافق

ويجمع المجلس الرئاسي اليمني، بين مسؤولين ينتمون إلى مؤسسات معترف بها دوليا وبين قادة مليشيات مسلحة يتمتعون بسيطرة ميدانية على الأرض، الأمر الذي أدى إلى زيادة الطابع المتباين والمختلط لتركيبة القادة اليمنيين إلى أقصى حدوده.

فبعد 8 أشهر على تشكيله، بات واضحا حجم الخلافات بين قيادات "مجلس القيادة الرئاسي"، خصوصا بين الرئيس رشاد العليمي، ونائبه المدعوم عيدروس الزبيدي.

والتي بدأت عندما حاول الزبيدي إعطاء توجيهات لتغيير قادة ألوية عسكرية تابعة للشرعية في أبين في مايو/ أيار 2022، من دون الرجوع إلى رئيس المجلس الرئاسي، قبل أن يتم توقيف القرار.

كما أن رفض المجلس الانتقالي لبيان الاتحاد الأوروبي الأخير بخصوص اليمن ودعمه لمجلس القيادة الرئاسي، بعد ترحيب الحكومة اليمنية بالبيان يؤكد حجم التباينات داخل المجلس الرئاسي.

وردا على هذه التباينات الخطيرة، أصدر الاتحاد الأوروبي في 14 ديسمبر 2022، بيانا أكد فيه التزامه بسلامة الأراضي اليمنية وبالحاجة إلى تسوية شاملة.

وجدد دعمه لجهود الرئيس العليمي ودعا جميع الأطراف، بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي، إلى الإقرار بالأهمية الجوهرية لوحدة مجلس القيادة الرئاسي من أجل السلام المستدام في اليمن.

ليرد عليه المجلس الانتقالي في بيان صادر عن المتحدث باسمه، علي الكثيري، أكد فيه: "أن ما ورد من إشارة إلى المجلس الانتقالي في البيان بخصوص وحدة مجلس القيادة الرئاسي، كان في سياق سلبي غير صحيح ومخيب للآمال".

وأضاف: "إذ يعرب المجلس الانتقالي الجنوبي عن رفضه لأي تصريحات أو تلميحات من شأنها الإضرار بتماسك مجلس القيادة الرئاسي والإخلال بالشراكة التي نتجت عن مشاورات مجلس التعاون الخليجي، يؤكّد على ضرورة احترام القضايا الوطنية والسياسية التي قامت عليها الشراكة، وفي طليعة ذلك قضية شعب الجنوب وحقه في الاستقلال".

وتمثّل مسألة صلاحيات العليمي ونوابه أحد مسببات الخلافات التي تبرز كل يوم، لا سيما أن محاولة الزبيدي إجراء تغييرات ضمن قيادات عسكرية وأمنية لم تكن الوحيدة.

بل حدث الأمر أيضاً من قبل عضو مجلس القيادة الرئاسي، فرج البحسني عندما أصدر قرارات بإجراء تغييرات ضمن قيادات أمنية في حضرموت.

كما أن ملف ترتيب البيت الرئاسي وأيضاً ملف الدفاع والأمن، يمثلان محور الخلافات، خصوصاً بين قيادة المجلس الرئاسي والمجلس الانتقالي الجنوبي.

وذلك بسبب تباين الآراء حول الأسماء التي يطرحها كل طرف لتولي مناصب قيادية ورفض "الانتقالي" دمج قواته.

وبموجب نص إعلان انتقال السلطة، فإن رئيس المجلس الرئاسي يتولى حصرياً القيادة العليا للقوات المسلحة، وإصدار قرارات التعيين في المناصب الأمنية والعسكرية ومحافظي المحافظات ومدراء الأمن وقضاة المحكمة العليا ومحافظ البنك المركزي.

وذلك بعد التشاور مع رئيس مجلس الوزراء، على أن يتم التوافق على الأسماء مع أعضاء مجلس القيادة، لكن الإعلان لم يحدد بوضوح مهام وصلاحيات أعضاء مجلس القيادة وهو ما أدى إلى أزمة صلاحيات داخل المجلس. 

توليفة متناقضة

ويضم مجلس القيادة الرئاسي، عيدروس الزبيدي، محافظ عدن قبل عام 2017، وقائد ألوية العمالقة ذات التوجه السلفي والموالية للإمارات، عبدالرحمن أبو زرعة المحرمي، وقائد المقاومة الوطنية، طارق محمد عبدالله صالح، نجل ابن شقيق الرئيس الراحل علي صالح، وفرج البحسني، محافظ محافظة حضرموت وقائد المنطقة العسكرية الثانية. 

وأيضا عضو البرلمان عن حزب المؤتمر ووزير الزراعة السابق المقرب من السعودية، عثمان مجلي، ومحافظ محافظة مأرب المحسوب على حزب الإصلاح ذي التوجه الإسلامي، سلطان العرادة، بالإضافة إلى مدير مكتب الرئيس السابق، عبد الله العليمي.

ويرى خبراء، أن المجلس ليس لديه أي شيء مشترك سوى معارضة مليشيا الحوثيين، وأنه مسرح "خلافات عميقة" تشير إلى أنه من غير المرجح أن ينهي المجلس الرئاسي الحرب في اليمن.

ويفتقر المجلس إلى آلية تنظيم سلطة النواب ولائحة داخلية تنظم أعماله، بحيث أفضى بعد 8 أشهر من تشكيله، إلى خلل مؤسسي نجمت عنه أزمة في القرارين السياسي والعسكري، وفق متابعين.

وهو الأمر الذي انعكس على إدارة المجلس للدولة، ويعيق أي محاولة للإصلاحات، بما في ذلك توحيد الجهازين العسكري والأمني تحت مظلتي وزارة الدفاع والداخلية.

وحول هذا الموضوع قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، ناصر الطويل، إن "مجلس القيادة لم يقدم لليمن الكثير رغم أن هناك شريحة لا بأس بها كانت متفائلة بتشكيل هذا المجلس لأن هناك حالة من الجمود في إطار السلطة الشرعية التي كان يقودها الرئيس هادي".

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "ثمة تشكيلات عسكرية موجودة على الأرض ولا تعترف بشرعية الحكومة اليمنية وتعمل خارج عنها وفي كثير من الأحيان تتصادم معها على النحو الذي حدث في عدن عام 2018 وعام 2019".

وأكد الطويل أن "تنامي قوة هذه التشكيلات فرض أمرا واقعا على الأرض لم يكن بالإمكان تجاوزها وفي مراحل وظروف معينة كان بالإمكان تجاوزها لكن كانت تحدث تدخلات من الإمارات توقف فرض الجيش الوطني سيطرته على مختلف المناطق الواقعة تحت سيطرة السلطة الشرعية بما في ذلك عدن".

مثلما حدث عام 2019 عندما ضربت الإمارات طلائع القوات المسلحة في منطقة العلم على مدخل مدينة عدن.

ومضى يقول: "كان هناك واقع نشأ بفعل سياسات الإمارات التي تعد الدولة رقم اثنين في التحالف، وهذا الواقع اقتضى أن تدمج كل التشكيلات في إطار مجلس سياسي واحد الذي هو المجلس الرئاسي". 

خيبة أمل

ولفت الطويل إلى أنه "كان هناك تفاؤل بأن هذا المجلس بالإمكان أن يحقق الشيء الكثير من خلال عودة السلطة الشرعية إلى عدن وتنفيذ برامج اقتصادية وتنموية في المناطق الواقعة تحت سيطرة هذا المجلس".

فضلا عن التعاطي العسكري أو السلمي مع الحوثيين وفرض سلطة واحدة على مختلف مناطق اليمن لكن بمضي 8 أشهر اتضح أن حجم التعقيدات والتناقضات بين المكونات الأساسية لهذا المجلس عميقة وكبيرة، يضيف الأكاديمي اليمني.

وأوضح أن "حالة الانسجام كانت 3 أشهر بعدها خرج الكثير من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي من عدن ولم يلتئم هذا المجلس إلا في العاصمة السعودية والآن يدير اجتماعاته من خلال تطبيق الزوم وهي صورة رمزية لحالة البؤس التي تعاني منها السلطة الشرعية".  

وشدد الطويل على أن " أن هناك مجموعة من المحددات التي تؤثر في تحديد مستقبل هذا المجلس منها طبيعة العلاقة مع الحوثيين". 

وبين بالقول: "إذا اندلعت معارك عسكرية مع الحوثيين فإن المجلس سيعود إلى حالة من التماسك والتفاعل وسيحدث التفاف من المكونات العسكرية والسياسية حول هذا المجلس وستحدث حالة تنشيط وحالة التحفيز والتدعيم من قبل دولتي التحالف السعودية والإمارات". 

ورأى أن "السيناريو الذي سيفضي إلى تماسك هذا المجلس هو عودة الحرب وإن كان هذا الشيء أمر مؤسف، أما إذا ما تم الدخول في تسوية سياسية سيكون هذا واحد من عوامل تحلل المجلس".

وشرح ذلك بالقول: "لأنها ستظهر التناقصات وسيسعى كل طرف إلى فرض أجندته وإعطائها الأولوية في عملية المفاوضات وبالتالي ستكون حالة التناقصات أكبر بين المجلس وربما يكون الدخول في تسوية هو انتهاء لهذا المجلس". 

الطويل قال أيضا: "من العوامل التي تؤثر على مستقبل المجلس إرادة دولتي التحالف الإمارات والسعودية، فالتحالف هو من أنشأ المجلس ويوفر له الدعم وإذا ما رغب التحالف في بقاءه وتفعيله فسيكون عاملا جيدا بالنسبة له وأما إذا تركه ليواجه مصيره فإن إمكانية تحلله وتفككه كبيرة". 

وخلص الأكاديمي اليمني إلى أن "الغموض هو سيد الموقف وحالة اللايقين حاضرة بقوة في المشهد اليمني ومن ضمن ذلك مستقبل مجلس القيادة الرئاسي".