"طنجرة ضغط".. خبراء إسرائيليون يحذرون من تفجر الأوضاع في الأردن
تصاعدت الأحداث الميدانية في المملكة الأردنية الهاشمية خلال ديسمبر/كانون الأول 2022، التي تمثلت في احتجاجات كبيرة على ارتفاع أسعار الوقود أدت إلى سقوط عدد من الضحايا.
وتشهد محافظة معان (جنوب) منذ 5 ديسمبر إضرابا في قطاع النقل، للمطالبة بتخفيض أسعار المشتقات النفطية بالبلاد، إلا أنه تطور فيما بعد إلى إضراب عام أغلقت على أثره المحال التجارية بالكامل.
وإضافة إلى معان، شهد عدد من محافظات المملكة احتجاجات وأعمال شغب، دفعت الأمن إلى التعامل معها وفضها.
من جهتها، أعلنت الحكومة الأردنية على لسان عدد من وزرائها، في تصريحات، أن "أزمة قطاع النقل انتهت تماما"، فيما ينفي عاملون بالقطاع ذلك.
مخاوف إسرائيلية
وأثارت تلك المستجدات مخاوف إسرائيلية كبيرة من خسارة أحد أهم الحلفاء في المنطقة، وهو ما يخلق تهديدا إستراتيجيا لمستقبل الكيان.
وحول هذه الأحداث، قال "ميخائيل ميلشتاين" الباحث في معهد السياسات والإستراتيجيات في جامعة "رايخمان" الإسرائيلية، إن "ناقوس الخطر بات يدق من الشرق".
وفي مقال له نشره موقع القناة "12" العبرية، دعا "القيادة الإسرائيلية إلى المسارعة بخطوات من شأنها طمأنة النظام والشارع الأردني حول رعاية المقدسات" في القدس، مع اقتراب تشكيل حكومة يمينية متطرفة.
وحذر ميلشتاين من تدهور الأوضاع وقابليتها للتطور بشكل كبير، مشيرا إلى وجود معضلة إسرائيلية يتوجب على الحكومة إيلاءها الاهتمام الكافي.
كما أكد ضرورة أن "تفهم الحكومة التداعيات الكارثية لانهيار النظام الأردني على الأمن الإسرائيلي".
ولفت إلى أن إدارة المسألة بتفهم ومن خلال رؤية بعيدة المدى سيسهم في نزع فتيل التوتر ويسهل على الحكومة الأردنية تسويق ذلك كاستجابة إسرائيلية للمطالب الأردنية، ولا سيما رعاية المقدسات في القدس.
فيما وصف الكاتب أحداث الأردن بــ "المتفجرة"، وشبهها بالأوضاع في مناطق الضفة الغربية.
وأوصى الحكومة الإسرائيلية الجديدة بـ "انتهاج سياسة عاقلة وحكيمة والمساهمة في تهدئة الأوضاع عبر التنسيق الأمني والسياسي مع النظام الأردني".
ولفت إلى أن تجاهل ما يجري في الأردن "سيقلب خريطة التهديدات الإستراتيجية" الموجهة للكيان.
ورأى أن أي تطورات دراماتيكية في الأردن ستكون "ذات تأثير إستراتيجي" على مستقبل الكيان، ولا سيما في ظل المخاوف الأردنية من أن تسهم الحكومة الجديدة في إنهاء حل الدولتين والعودة لسيناريو الأردن كوطن بديل للفلسطينيين.
تداعيات كبيرة
وقال ميلشتاين إن تداعيات التطورات الأمنية الأخيرة في الأردن وصلت إلى الضفة الغربية، مدللا على ذلك بمسارعة كبار قادة السلطة الفلسطينية، وعلى رأسهم رئيسها محمود عباس، لإصدار بيانات دعم لاستقرار المملكة الأردنية.
ولفت إلى أن سلطة رام الله تخشى من تأثيرات كبيرة حال زعزعة استقرار المملكة، التي تعد الحليف الإستراتيجي والتاريخي الأهم للفلسطينيين.
وقال الكاتب إنه سبق للأردن أن تأقلم مع أحداث مشابهة، قبل 3 أعوام، حيث وقعت التظاهرات الكبرى للمعلمين ونجح ملك الأردن عبدالله الثاني في تهدئة الأمور.
وذلك عبر عدد من الإجراءات، من بينها خطوات رمزية تتمثل في إقالة الحكومة وتكليف أخرى، بالإضافة إلى الحصول على مساعدات من الخارج للتغلب على المشاكل الرئيسية التي يعاني منها الاقتصاد الأردني.
ويشهد الأردن نسب بطالة مرتفعة، وهو ما يزيد من نسب الإحباط في صفوف الشارع الأردني، وخاصة جيل الشباب، مع ارتفاع نسب المتعلمين في صفوفهم دون وظائف، بالإضافة للأفق القاتم الذي ينتظره الأردنيون.
كما يعاني الأردن -وفقا للكاتب- من ازدياد شائعات فساد العائلة المالكة، إذ جرى ربط بعض أفراد العائلة بعدة قضايا فساد كبيرة، وهو ما يسهم في إشعال الشارع بشكل أكبر.
بينما تتركز الأحداث المتفجرة حاليا في الأردن في المناطق ذات الأصول الأردنية القديمة، ومنها مدينة معان جنوبي البلاد، والتي كانت تعد أحد أهم روافد دعم الحكم.
وبدأت الأحداث بمواجهات احتجاجا على أسعار الوقود المرتفعة، وفيما بعد تطورت الأمور بمقتل نائب قائد شرطة معان (العقيد عبد الرزاق الدلابيح) على يد أحد المسلحين.
وخلال عملية مداهمة لمعقل القاتل، قتل ثلاثة ضباط من الأمن العام، وأصيب خمسة آخرون، كما جرت تصفية المتهم بقتل ضابط الشرطة.
وأولى الملك عبد الله الثاني اهتماما خاصا بالأحداث، وحضر مراسم تشييع الضابط القتيل في مسقط رأسه بمدينة جرش شمالي الأردن، متعهدا بالوصول إلى قاتليه ومعاقبتهم.
انعكاسات إستراتيجية
فيما تأتي المواجهات في الأردن في فترة توتر للعلاقات بين الكيان والأردن، إذ يخشى النظام الأردني من نوايا الحكومة اليمينية القادمة ضمن مسارين.
أولهما "تغيير الأمر الواقع في المسجد الأقصى، وهو الأمر الذي سينعكس مباشرة على الأجواء في الشارع الأردني، وذلك على ضوء المكانة الخاصة للمقدسات في قلوب الأردنيين".
أما المسار الثاني، فيتمثل في "المخاوف الأردنية من إحياء الحكومة الإسرائيلية الجديدة فكرة تحويل المملكة الأردنية إلى حل للمشكلة الفلسطينية".
وهي مخاوف كان يعتقد أنها اختفت مع التوقيع على اتفاقيات السلام بين الجانبين عام 1994، بين رئيس وزراء الكيان آنذاك إسحاق شامير، والملك الأردني الراحل الحسين بن طلال، في وادي عربة.
فيما يعتقد الكاتب أن المواجهات في الأردن تشكل ناقوس خطر حول التداعيات الإستراتيجية الخطيرة على الأمن الإسرائيلي حال زُعزع استقرار نظام الحكم في الأردن.
ويتمثل التهديد المباشر بـ "صعود خلايا إسلامية نائمة في الأردن إلى السطح، وبالتالي تعريض الأمن الإسرائيلي للخطر عبر الحدود الأطول للكيان مع المملكة"، وفق قوله.
أما السيناريو المتطرف من وجهة نظر الكاتب، فيتمثل في "نهوض خلايا إسلامية متشددة في المملكة، والتي ستستغل إيران وجودها لتعزيز مكانتها في الأردن"، كما قال.
وبالتالي قد "يتحول الأردن إلى جبهة ساخنة تشبه الجبهة الموجودة في جنوبي سوريا".
ويرى الكاتب أن مثل هذا السيناريو "سيحول الحدود الأردنية الأهدأ منذ عشرات السنين، إلى جبهة هي الأخطر في المنطقة، بما يشمل ارتفاعا كبيرا في عمليات تهريب السلاح للضفة الغربية".
وشدد على أن هذه المخاوف تبين مدى أهمية استقرار الأردن للأمن القومي الإسرائيلي، على الرغم من التوترات التي تندلع بين الفينة والأخرى بين الجانبين.
واختتم الكاتب مقالته بالتحذير من تحول الأردن إلى "طنجرة ضغط" قابلة للانفجار في أي لحظة.
وقال موجها نصائحه للحكومة اليمينية بأن "ما يجرى في الأردن له بالغ الأثر على مستقبل إسرائيل من الناحية الإستراتيجية".
وبين أنه ينبغي عدم تجاهل الأوضاع خشية الاستيقاظ على واقع "سيؤلمنا كثيرا خلال السنوات القادمة".